ذكريات وتجارب - الحلقة الثانية

سماديت كوم Samadit.com

بقلم الأستاذ: عثمان بداوى عمريت

ذكرت في الحلقة الماضية ان الاستاذ ابراهيم، بعد الاستماع الى كامل الرواية، قال لنا ’احسنتم انكم لم تقولوا شيئا اخرا، لقد استدرجكم

الرجل الى كمين، فقد كان في الغرفة الملاصقة للمجلس الذى كنتم فيه مخبران يستمعان الى ما يدور بينكم، ابتعدوا عنه!

لقد كان لهذا الكلام وقع كبير علينا حتى اصابنا بما يشبه الذهول لأنه لم يكن لدينا ما نعتبره سرا حتى نفشيه او نخفيه، وما علاقة الرجل بإضراب يقوم به طلبة أيا كان هدفه، ثم لماذا وقع اختياره علينا، علما انني لم اخبر زميلاي انني من نقل الخبر . وفي الحقيقة، حتى قبل الاستماع الى ما قاله الاستاذ ابراهيم، كنت مستغربا في طلب زميلنا ابنه اصطحاب الاخ عثمان حمد امير وعثمان محمد عمر عمرو مع انه كان متحفظا جدا في علاقته معهما.

والامر الذي اثار دهشتي اكثر، لم يكن اخباري الاخ يحي نتيجة وعي سياسي ولا حس وطني، انما لوازع انساني بحت حملته معي من قندع التي عاشت في هذا الفترة في حالة غليان شغلها الشاغل متابعة اخبار ابنائها المعتقلين في سجون اديس ابابا بتهمة الانتماء الى حركة التحرير الارترية والى ان فك الله اسرهم. وصادف انني كنت ضمن جموع مستقبليهم على باص الساعة الرابعة القادم من اسمرا، وكانت الاشاعة ان يزفوا الى دار عد سفاف - حكام قندع وضواحيها - اخوال المحامي اسماعيل حجي محمود ولكن بسبب تخلفه في اسمرا، لربما تجنبا لإحراج اخواله او لكيلا يستفز الحكومة، لينتهي الاستقبال في المحطة.

وكانت مشاركتي فيه بإيعاز من الاهل. والجدير بالذكر كان المحامي اسماعيل عضوا في حكومة الظل التي اعدتها حركة التحرير الارترية لتولي السلطة بعد إسقاط الحكومة من خلال انقلاب عسكري كانت تخطط له. وبالمناسبة، وسالته عندما جاء الى استراليا مؤخرا في زيارة عائلية عن سبب تخلفه واصابة مستقبليهم بخيبة امل كبيرة الا انه لم يتذكر السبب بالضبط.

كان موقفنا صعبا جدا. لم نستطع تكذيب الاستاذ ابراهيم لأننا، من ناحية، نعرف جيدا مدى صدقه والتزامه واخلاقياته، وفي نفس الوقت كنا قد خرجنا من منزل هذا الرجل بانطباع مشترك انه، وان تظاهر بالمفاجأة، كان يعرف بوجودنا او، على الاقل، كان يتوقع قدومنا، وانه كان يسعى لمعرفة معلومات ما، ثم غياب زميلنا ابنه من اللقاء تماما حتى لحظة مغادرتنا عندما جلب شاهي عزز لدينا هذا الشعور. ومع هذا، لم يفسح احد منا عما يدور في خلده.

وبنفس القدر، لم نستطع تصديق لا ما قاله الاستاذ ابراهيم ولا انطباعاتنا الشخصية لان الرجل، على حد علمنا، يحظى بسمعة طيبة بحيث يصعب تصوره في هذا الموقف، ثم ان مصطلح ’كمين، جاسوس او مخبر‘ عبارات لم تدخل بعد في قاموسنا البدائي.

على كل حال، استمر الاضراب لبضعة ايام بدون ان يعرف احد مدى استمراره في اسمرا، ولعلي كنت الأكثر قلقا وارقا خشية ان اكون قد وضعت نفسي وزملائي في مأزق لا يعرف احد كيفية الخروج منه ولاسيما كلما استرجعت تحذير الكولنيل وكلام الاستاذ ابراهيم.

لعله كان في اليوم الرابع من الاضراب، وبينما احوم بلا هدف محدد في محطة الباصات رأيت الأستاذ صالح عبد القادر بشير نازلا من الباص القادم من مصوع. لا اذكر عما اذا هرولتي اليه بتلك اللهفة كانت نابعة من احترام علاقته الطيبة مع والدى ام لشيء في عقلي الباطني.

كعادته استقبلني بحرارة وسألني عن الاهل والدراسة وعندما اخبرته اننا في اضراب تضامني مع زملائنا في اسمرا، ذكر لي انه جاء من اسمرا في الظهيرة وانه تم اطلاق سراح كافة الطلبة في اليوم السابق وان الدراسة انتظمت اعتبارا من هذا الصباح، ثم بدأ يشرح لي اسباب الاضراب ومطالبات الطلبة الا إنني لم اكن في حالة نفسية تسمح لي الاستماع اليه طويلا فاتجهت الى الاخ يحي نائب الذى كان متواجدا على مقربة مني، لربما بدوره كان يتحسس الاخبار، وابلغته ما سمعت. تهللت اساريره وطلب منى التوجه فورا الى منازل بعض الطلبة، اذكر منهم الزميلين محمود عثمان حبيب وعبده على حبيب، وابلاغهم بانتهاء الاضراب على ان يكلف اخرين بنفس المهمة حتى يعلم الجميع. وهكذا انتهى الاضراب ومنذئذ بدأت علاقتي الشخصية مع المناضل الكبير صالح عبد القادر بشير امتدت حتى وفاته منذ عامين تخللتها نضالات وتجارب قاسية.

ربما لتلاشت هذه التجربة في طي النسيان لولا توالي الاحداث وتدافعها، فقد عرفنا مع مرور الزمن على هوية المخبرين اللذين اشار اليهما الاستاذ ابراهيم حسب الله، وان الزملاء يحي ادريس نائب، على سيد عبد الله وحسن سيد عمر تعرضوا لنفس المحاولة التي جرت معنا في نفس اليوم وبنفس الاسلوب وان الزميل حسن تلقى تحذيرا مماثلا من خاله النائب حسن محمد نائب.

عندما بدأت اواخر عام 2004م تجميع وتنظيم بعض المدونات وفكرت في كتابة هذه التجارب والذكريات، استفسرت من الأستاذ ابراهيم حسب الله والزميل حسن سيد عمر في جدة، الزميل عبده علي حبيب في كندا، الزميل احمد طاهر بادوري في امريكا وصادف تواجد الصديق على سيد عبد الله معه عن بعض الذكريات المشتركة من ضمنها فعاليات الاضراب. اخبروني ان القيادة تكونت من الزملاء يحي ادريس نائب، حسن سيد عمر، عبده علي حبيب وعلي سيد عبدالله. ومن المدرسين الاستاذ ابراهيم جابر حسب الله ومن خارج المدرسة صالح عمر زبير وخطاب محمد جابر ومن اولياء الامور الشيخ حجي عبد الله عثمان شيخ داوود وكان الوحيد الذي حضر الاجتماع الذي عقد مع الوفد الحكومي. وانهم قاموا بعمل ملصقات ومنشورات تندد بالحكومة وتعليقها على عدد من المحلات في السوق، وان الزميلين على سيد عبد الله ويحي نائب علقا العلم الارتري فوق سارية البوابة الاولى لشركة AGIP على طريق حرقيقو - مصوع.

للتواصل مع الكاتب: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

Top
X

Right Click

No Right Click