ذكريات وتجارب - الحلقة الثالثة والعشرون
بقلم الأستاذ: عثمان بداوى عمريت
تقع رئاسة المباحث في اسمرا ضمن سور يحتوى على مجموعة كبيرة من مكاتب وغرف ارضية تفصل بينها عدة ممرات ودهاليز. لم
نجد في الغرفة التي ادخلنا فيها والتي تتسع لأكثر من عشرين شخصا سوى شاب في اوائل العشرينيات من العمر توحى سحنته انه قضى في المعتقل فترة طويلة. رحب بنا محمد عثمان ايما ترحيب مرددا ’تفضلوا.. ابشروا.. تفضلوا.. ابشروا‘ مع انه لا يملك ما يقدمه لنا والحصير (البرش) الوحيد الجالس عليه قديم تفوح رائحته. بعد تناول الفطرة التي اشتريناها في طريقنا واستعادة بعضا من الطاقة، بدأنا في تجاذب الحديث وعرفنا انه من قرية عد كوكوى - في منطقة بركا - المشهورة بتغني بنانتها بأبطال الجبهة ’عبد الكريم مطا... سني فالو - ييأمرو ساتر واتكارارو‘. وفي ما يخص بظروف اعتقاله ذكر ان شخصا غريبا (جاسوسا) وجد مقتولا على اطراف البلدة وبالقرب منه دابة سائبة كان يتنقل بها بين القرى ولم يعرف الفاعل، الا ان احدا من الاهالي ذكر انه لمحه يمر بالمنطقة قبيل اكتشاف الجثة فشكت الحكومة في كونه الجاني وتم تعذيبه في اغردات ثم في كرن واخيرا في اسمرا، ومع انه لم يعد يعذب لم يتم اطلاق سراحه.
كانت ملامحه تؤكد انه فعلا من ابناء تلك المنطقة اما روايته فقد كان لنا فيها رأي خشية ان يكون طعما اعدته المباحث، وبما انه لم يتوقع منا غير هذا، لم يسألنا لا عن هويتنا ولا اسباب تواجدنا معه، فقد اكتفى بتشجيعنا وحثنا على الصبر والثبات مع اعطاء فكرة عن طرق التعذيب واساليبه، وانه لا يتم الا ليلا عدا يومي الاجازة السبت والاحد ما لم يكن في حالات طارئة، ولعله اراد بهذه الكلمات تطميننا ان امامنا وقت كاف للاستعداد النفسي والمعنوي، ولكن ماذا لو باشروا عملهم معنا توا!
تتأبى نفسية المعتقل في البداية الجلوس فيفضل الوقوف والحركة وكأنه على عجل من امره الى ان تتنمل رجلاه وتكاد تخذلانه، فيجلس ولكنه يتقزز من الرقود على مثل هذا البرش فيظل على حاله تارة يستند الى الجدار وتارة يجلس القرفصاء وفي الاخير ينزع جبته او ما تيسر له من فيتوسد بجزء ويتغطى بما تبقى ويقضي ليلته بين كوابيس واحلام يقظة الى ان يأتي الله بالصبح ليبدأ نفس المنوال حيث لا جديد سوى ضرورة التأقلم مع الامر الواقع.
قضينا معظم صباح يوم السبت نتقلب ذات اليمين وذات الشمال في حالة تنم عن توتر وقلق شديدين، وفي العصر جيء بمجموعة انتهى التحقيق معها، بعضها من اسمرا والبعض الاخر من مدينة مندفرا، اذكر منهم يعقوب محمد يعقوب، ابراهيم محمد سليمان، عبد السلام ابراهيم، حزوت عبد الله، محمد برهان محمد، صالح احمد، محمد برهان عطا ومحمد حقوص عيسى. شعث غبر في حالة يرثى لها بشهادة اثار التعذيب البادية عليهم بدرجات متفاوتة، علما ان عدم وجود اثار ظاهرة لا يعنى بالضرورة ان الشخص لم يعذب بقدر ما يعنى اختلاف الاسلوب الذي خضع له والمدة التي قضاها بعد توقفه.
بموجب القانون المعمول به في هذا الوقت والموروث من العهد البريطاني لم يسمح للمباحث اعتقال أي مواطن الا بعلم وتصريح من النيابة العامة على ان يتم تقديمه الى محكمة خلال ثلاثة ايام من لحظة الاعتقال، مع امكانية تمديد فترة التحقيق لمدة أسبوعين قابلة للتجديد لذات الفترة وبعدها اما يتم اطلاق سراحه او يحول الى محكمة. كانت المباحث تستغل فترة تمديد لإخفاء اثار التعذيب، على الاقل بعضها، حتي لا يدعي المتهم ان اقواله منتزعة قسرا بدليل ما عليه من اثار مرئية، ما يحتم على المحكمة الى رفض الادعاءات وتطلق سراحه فورا حتى لو توفرت ادلة تدينه. لقد استفدنا كثيرا من المناقشات التي جرت بين افراد هذه المجموعة فيما يخص العلاقة الثلاثية: المباحث، المدعي العام والمحكمة.
في النهاية حكم على معظمهم افراد المجموعة بمدد تتراوح ما بين ثلاث وست سنوات. علمت فيما بعض ان بعضهم من الشباب الذين شاركوا في خياطة الملابس العسكرية التي ارسلناها الى الميدان.
لما استنفد الجميع ما بجعبتهم وبدأ التراخي والتثاؤب استعدادا للنوم، اقترب منى يعقوب، وبعد ان ذكر انه من ابناء اغردات اعتقل في مندفرا حيث كان يعمل في البلدية، سألني عن اسمى وسبب اعتقالي. لا اذكر الاسم الذى اعطيته ولكنني قلت له إنني من كرن واعتقلت في قضية شجار مع ابداء نوعا من التململ من طبيعة السؤال. بالطبع ادرك من لكنتي انني لست من كرن فصمت برهة ثم قال ’يا اخي.. اذا انت من مصوع وتعرف شخصا يدعى حمدو محمد قعص، فان لدى ما اقوله لك ‘. كان سؤاله صادما الى ابعد حدود ونذر شؤم حتى شعرت بقشعريرة، تداركت نفسى بسرعة وقلت له ’في الحقيقة لا اعرف شخصا بهذا الاسم.. والمهم.. ما به‘. اعتبر سؤالي بمثابة اعتراف فذكر انه التقاه قبل ايام في احد اقسام التحقيق وعلم منه انه اعطى المباحث اسم صديق له يدعى عثمان بدوى. ’اذا كنت الشخص الذي يقصده، فاعلم انه وراء اعتقالك، والله يكون في عونك‘. استشهد يعقوب محمد يعقوب في مذبحة اغردات عام 1975م، رحمة الله عليه وعلى جميع الشهداء.
نام يعقوب بعد ان طير النوم من عيني حيث بقيت ’أفرفر‘ كفأر دخل قفصا بارادته ثم اخذ يتخبط حتي اعياه الامر فتقوقع في زاوية لا يفارق نظره المخرج والاطفال من حوله يتضاحكون غير مدركين حقيقة ما يحس به من الم. لا استطيع ولا املك الادوات اللازمة لوصف حالتي والتغيرات التي حلت بها في هذه اللحظات انسانيا ومعنوية، ولعل كلمات وانغام اغنية "خواطر الفيل" للفنان السوداني النور الجيلاني التي اداوم على سماعها قد تساعد القارئ الكريم على تفهم دواعي تلك الاحاسيس والعواطف الجياشة.
https://youtu.be/nUCQ1BNRMvw?list=RDnUCQ1BNRMvw
لقد مضى علي أكثر من اسبوع قبل الاعتقال وانا اشعر ان شيئا ما في عقلي الباطني يحاول البروز الى السطح فأقمعه فيعود ويعاود الكرة حتى فجرّه يعقوب الان ولكن بعد فوات الاوان، الا وهو اعادة اعتقال الزميل حمدو محمد. فعلى سبيل المثال، لقد كانت مهمتي الوحيدة في عملية رصد سيارة الكابتن محمد ابراهيم يوم اعتقالي الانطلاق فورا الى مكان تواجد الفدائيين وابلاغهم بقدومها بصرف النظر عما اذا كان فيها ام لا، الا ان ما يشبه هاجسا لم اعهده من قبل البتة شغلني بل استولى على تفكيري وشل حركتي. بدأ معي منذ لحظة صعودي الى الشجرة حيث تهيأ لي وكأن هاتفا يقول ’ماذا ستفعل يا عثمان اذا السيارة التي تنتظرها قادمة لاعتقالك.. انت!‘
صحيح ان هاجس الاعتقال لم يكن جديدا علي اذ كان ماثلا امامي باستمرار صعودا وهبوطا حسب التطورات، الا انه لم يكن بهذه الحدة والوضوح. حاولت التخلص منه والتركيز على مهمتي الا انه ازداد الحاحا واخذ يدغدغني من ذات اليمين وذات الشمال بشكل غريب وكأنه فعلا شخص يحادثني ويحثني بقوة. وبينما انا في نزاع معه ظهرت السيارة، فحاولت النهوض الا انه خيل الي وكأنه يقول ’لا تستعجل.. تريث وتتأكد‘ وبينما انا مشتت الذهن بين يقيني بما سيترتب على عدم التزامي بحرفية التعليمات وبالأخص اذا فشلت العملية بسبب تقاعسي وبين ما يقوله هو وجدت نفسي حائرا حتى اقتربت السيارة ووصلت عيلا غول ثم محطة حجي حسن المؤدية الى السوق، ولكن عندما انحرفت يمينا، فعلا جلست واخذت في متابعتها الى اخر القصة التي وردت في الحلقة السابقة.
اعتقل الزميل حمدو محمد في اسمرا وهو ينزل من الباص القادم من اديس ابابا حيث ذهب لا يصال رسالة من قائد المنطقة الرابعة محمد على عمرو لشخص معين في السفارة المصرية عن طريق المناضل محمود حاج حسن حيدر. صادف هذا مع هروب محمود الى جيبوتي اثر اكتشاف نشاطه السياسي فاستعان بشقيقه المناضل عثمان حيدر وتم تسليمها. لم تعثر معه المباحث على أي شيء يمكن اعتباره مستندا اذ كان قد تخلص من الوريقة العادية التي كانت معه قبل وصولهم اليه. كانت لم تحمل الوريقة اكثر من سطرين يشير فيهما المسؤول المصري الى عدم تواجد الشخص المعني والاتصال لاحقا.
لهذا تركز التحقيق مع حمدو على سبب ذهابه الى اديس ابابا والعودة منها خلال فترة وجيزة، وكان تبريره انه ذهب بحثا عن عمل وعندما ادرك صعوبة الحياة مع عدم وجود من يعينه ويؤويه ريثما يتمكن من ايجاد عمل عاد ادراجه. لم تصدقه المباحث فأخضعته لتعذيب قاس ولكنها فشلت في كسر صلابته وحمله على تغيير أقواله. لم تعلم اللجنة بعودته ولا باعتقاله الا متأخرا حتى بدأت عملية تقصي واستقصاء اخباره في اسمر اتضح على اثرها انه معتقل ويتعرض للتعذيب. كان الشخص الوحيد الذي يمكنه المساعدة في اطلاق سراحه خاله الاستاذ موسى قعص مدير اقليم دنكاليا، فنقل اليه الخبر عن طريق صديقه الاستاذ عبد الله محمد خليفة (زولا) صاحب مكتبة خليفة للكتب والصحف العربية في اسمرا. في الحقيقة لم يكن الاستاذ موسى على علم لا بنشاط حمدو السياسي ولا باعتقاله، وفعلا تمكن من الافراج عنه تحت ضمانته.
خرج حمدو من المعتقل وهو يعاني من الآم واوجاع في معظم جسده وخصوصا في يديه الشبه مشلولتين وورم متقيح في اسفل بطنه ناتج عن ضربة بمقدمة حذاء استدعى اجراء عملية جراحية قام بها الدكتور (الممرض) اسماعيل احمد. وتقديرا لوضعه الصحي، تم تكليفي بمتابعة حالته وتوفير احتياجاته في بيت سري في عداقة قريب من منزل شقيقته التي تم تكليفها برعايته طوال فترة العلاج والنقاهة.
ونظرا لقرب المسافة بين بيته ومدرسة الامير مكنن التي ادرس فيها، كنت اتردد عليه مرة او مرتين في اليوم، سواء للتسلية او للتجوال حول المنطقة. وعندما مررت عليه في احد الايام وانا في طريقي الى المدرسة قبل الدوام الصباحي لم اجده في البيت، وعلمت من شقيقته ان مجموعة اشخاص جاءت بسيارتين بنيتين اللون اخذته في وقت مبكر من الصباح، واضافت انهم كانوا يرتدون بدل يرأسهم رجل طويل القامة اسمر اللون ذي شعر ناعم اشبه بشعر الهنود. استنتجت من وصفها ان السيارتين من نوع Volkswagen من الحجم الصغير ان المجموعة من مباحث اسمرا جاءت لاعادة اعتقاله لان المباحث في مصوع لا تستعمل هذا النوع من السيارات.
وهنا لا بد من التساؤل فطالما الامور سارت على هذا النحو الطبيعي وخصوصا انه لم يكن اول شخص يعتقل ممن يعرفوني او يعرفون عني لماذا كان كل هذا الخوف بل الهلع الذي اصابني وبالذات قبيل اعتقالي وانا فوق الشجرة! وهذا تساؤل محق يستوجب التوضيح بصرف النظر عن موضوعية الرد لان في تصرفات الانسان في بعض الاحيان اشياء لا تخضع للمنطق والمعقولية. وقبل توضيح دواعي قلقي وتصرفاتي اللاشعورية، لابد لي من الاشارة الى ان الزميل حمدو كان موضع ثقة واحترام من قبل كافة الزملاء لشجاعته وذكائه. وفضلا عن هذا كانت تربطني به علاقة شخصية قوية تطورت اكثر خلال الفترة الاخيرة. وهذا، بالضرورة، لا يمنع ان تكون لي ملاحظات او، على الاقل، انطباعات شخصية ازاء بعض المواقف والآراء التي بدرت منه وكانت سببا في القلق الذي لازمني.
اولا: ذهب حمدو الى اديس ابابا بتذكرة ذهاب واياب وكان من المفترض ان يعود خلال بضعة ايام الا انه لم يفعل وكان مبرره انه فقد التذكرة او العجز، ولم يتحرك الا بعد ان حول له مبلغ عن طريق المناضل احمد سيد هاشم، وبدلا من مواصلة رحلته الى اسمر، نزل في مدينة دسي حيث قضى بضعة ايام ثم اتصل طالبا بعض النقود وفعلا تم ذلك عن طريق الاخ احمد سيد علي الذي كان يعمل مديرا للبنك الزراعي في المدينة. ونما الى علم اللجنة انه شوهد في دسي مع بعض العناصر التي كانت تتحرك لإنشاء دولة دنكاليا الكبرى، ونسبة الى حالته لم يتم الاستفسار منه في هذا الخصوص.
ثانيا: تحدث معي في احدى المرات بنبرة متشائمة ومحبطة جدا ضخم خلالها من امكانات دولة اثيوبيا السياسية وقدراتها العسكرية مع التقليل من شأن الجبهة ومستقبلها سياسيا وعسكريا بسبب بعض السلبيات التي لم تكن تخف على احد. ومع انني بذلت ما وسعني من جهد لرفع روحه المعنوية وإقناعه بالعكس، وخروجا على النظام الذي يمنع اطلاع أي عضو مهما كانت مكانته بأمور لا تعنيه، ذكرت له ان بعض القيادات التي كانت معي في المنزل كانت متفائلة جدا وان الامور تسير نحو الاحسن ولكنه اصر على رأيه حتى شعرت انه يحاول التأثير على معنوياتي ايضا.
ثالثا: اخبرته في مناسبتين خرجنا فيها معا ان شخصا يتتبعنا او يحاول التنصت علينا، وكنت متأكد مما قلته الا انه لم يبد أي اهتمام الى درجة بدا وكأنه يستخف بكلامي ويستبعد الامر تماما، او أنه يعرف انه متابع ولكنه لسبب ما لم يرد ان يخبرني.
رابعا: على غير العادة زرته في احد الايام في العصرية حيث كانت الحصة مباراة كرة القدم، وبينما استعد لعمل شاهي سمعت طرقا على الباب فهممت للنهوض فاذا به يستوقفني ويذهب لفتحه بالرغم من ظروفه. كان الطارق المخبر رمضان من عناصر الكابتن محمد ابراهيم. عبر رمضان عن اسفه لما حل به وانه لم يعلم بالخبر الا في نفس اليوم فجاء لزيارته والاطمئنان عليه ثم غادر بعد ان احتسى كوبا من الشاهي. بأمانة لا اعلم عما اذا كان حمدو يعلم ان الطارق رمضان ام لا، ولكنني استغربت وانتابني بعض الشك فسألته عن مدى معرفته وعلاقته برمضان. أخبرني انه تربطه به صلة قرابة من جهة والدته، فقلت له فليكن ولكن كيف عرف انك تعيش هنا، برر هذا بانه لربما عرفه من شقيقته. لم اصدقه ولم اظهر له ما بداخلي، على ان نناقش الموضوع في ظرف افضل ولكن تم اعتقاله.
فهمت مما ذكره الاخ يعقوب انها رسالة تحذيرية من حمدو حتى أكون على علم مسبق وان لم يوضح اكثر لربما بسبب عدم الثقة في يعقوب او من باب الحيطة، والسؤال الذي لم اعرف له تفسير لماذا وضعني في هذا الموقف الخطير دون سواي وخصوصا انه يعرف الكثير ممن هم اهم واكبر مني، ثم ما هي بالضبط المعلومات التي طلبت منه وبالتالي المطلوبة مني انا حيث كانت بيننا اشياء كثيرة. وللتاريخ لم احمل ضده اية ضغينة او اوجه اليه اتهام، كنت ارجح ان شيئا ما قد وقع دون ارادته وانه ما زال على ثباته.
بلا مكابرة، وجدت نفسي في محك قاسي جدا لم يخطر ببالي حتى شعرت بخوف شديد وتمنيت الموت، لأن الموت في بعض الاحيان مرحب به بالرغم من طموحات الانسان واحلامه في الدنيا. لان أي تضارب وخلل في الاقوال حتما سيؤدي الى ثغرات لا يمكنني معالجتها وربما توسعت وهذا في حد ذاته بمثابة انتحار، ان لم يكن اكثر، فالانتحار ينتهى بصاحبه فقط، لان النفس البشرية تتفاوت في قدراتها وانفعالاتها تخضع معظم المنظمات الاستخباراتية عملائها لتدريب بدني ونفسي شاق لمواجهة التعذيب بل وتعطيهم كبسولة سم يبلعونها قبل الوقوع في الاسر حفاظا على اسرارها.
وبعد ان هدأت روعي وتخلصت من عبء الضغوطات التي حملت بها نفسي أكثر مما ينبغي والتي يمكن ان تؤدي بي الى انهيار قبل خوض التجربة، بدأت في تقليب الامور بموضوعية واخذت في التمعن في ما قد يكون الزميل حمدو قد عناه برسالته وتوصلت الى احتمالين، الاول انه لم يعترف مطلقا او انه ذكر موضوعا اخبرته به انا دون سواه وترك لي بلورته او نفيه، فقررت اخذ زمام المبادرة من خلال الاعتراف طواعية بما اعتقدت انه ما قصده على ان ابرره بطريقة مختلفة لن تلحق بي ولا بغيري ضررا كبيرا ثم اتمسك بما قلت مهما بلغت شدة التعذيب. قد يحلو لي اليوم ان اقول ’لماذا، كيف ولو‘ اما في تلك اللحظة لم تكن امامي بدائل واحتمالات ترجيحية. في وقت مبكر من صباح يوم الاحد اطلعت الاخ سعيد على ما عزمت عليه، ومن ضمنها عدم ذكر اسم شقيقه حسين بأي شكل من الاشكال، فما كان له الا ان يتعاطف معي وهو يكاد يدمع من المحنة التي اصبحنا فيها وتمنى لي التوفيق.
للتواصل مع الكاتب: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.