من ذا الذى ينسى؟ المناضل آدم محمد قدوف (أبو محمّد) الحلقة الثانية
بقلم الأستاذ: عبدالفتّاح ودّ الخليفة - كاتب ومؤرخ إرتري، المملكة المتّحدة
أذكره وأذكر رفاقه عندما كانوا يجتمعون فى المنزل وأنا دورى كان إحضار القهوة والشّاى
للضيوف المجتمعين... وكانت هناك صورة فى المنزل كان فيها أخى آدم ومعه حفنة من شباب الرّابطة بملابسهم البيضاء المميّزة ولكنها ضاعت مثل ما ضاع كثير من صور ووثائق تلك الأيّام التّأريخية فى وطننا إرتريا.
ويقول: (قدم) كان أخى (آدم) مثل شباب جيله من المتابعين وبشدّة لأخبار السياسة العالمية وشؤون الحياة الأخرى فكان من المواظبين على سماع (إذاعة لندن).
وكان من المشتركين فى جريدة (الزّمان ) الإرترية فى ذالك الزّمن وكذالك مجلة (المنار) التى أصدرت 12 عددا حتّى أوقفت وكل الأعداد كانت فى منزلنا حتّى إختفت فى عهد الخوف والقهر مثل غيرها من الأشياء.
ويقول (قدم) كنت أسعد النّاس عندما يكون أخى (أدم) فى كرن ليجلب تلك الجرائد والمجلات لأنّه كان كثير السّفر بفضل عمله التّجارى والزّراعى.
وحين يواصل (إبراهيم قدم) فى الحديث يقول:
وفى فترة الفدرالية وعندما حوّلت إثيوبيا الفدرالية إلى إستعمار أصبح الشّاب (آدم محمّد قدوف) من ضمن الشّباب المقاوم ولكن الشرطة الإرترية بقيادة الجنرال (تدلا عقبيت) والعقيد حينها (زرئى ماريام أزّازى) والتى أصبحت وحدة مخابرات تابعة لإثيوبيا، بدأت تطارد كلّ النشطاء وكلّ المقاومين وكان الشاب المناضل (آدم قدوف) أحد ضحاياها مع رفاقه أذكر منهم العم (إدريس مرير) و (محمّد يسين بلاتا نورحسين) وأضيف إليهم لاحقا الرجل المقاوم والشجاع (سعد صالح) فكانوا لا يخرجون من السّجن إلاّ ليدخلوه ثانية...
وكان آدم حينها يعمل فى الزراعة فى منطقة (دعروتاى) ومنطقة (حرّت شندق) القريبة منها كان يزرع الفول السودانى كما كان يعمل فى التجارة بين إرتريا والسودان... ولكن عندما أضاقت عليه الشّرطة الأرض بما رحبت رحل إلى السودان.
ويواصل المناضل (إبراهيم قدم فى سرد السّيرة العطرة ليقول:
المرحوم (آدم) أخى الأكبر كان أبى بعد وفاة المرحوم والدى تولّى تربيّتى وإهتمّ بتعليمى وأدخلنى المدرسة ولولاه وحرمه بعد الله ، أمدّ الله فى عمرها وألبسها ثوب العافية لما وصلت فى التعليم وحبّ الوطن إلى ما وصلت إليه اليوم.
وقال قدم: ومع نهاية المرحلة الفدرالية كان آدم ورفاقه أياما فى المنزل وأخرى فى المعتقل بسبب تلك المادة اللعينة والمسماة بالإيطالى (أرتيكلو ديشى) وتعنى الفقرة 10 أو المادة العاشرة من قانون الأمن الوقائى الإيطالى والتى كانت تتيح للسلطات الأمنية إعتقال أىّ فرد لأىّ سبب هى تراه مهددا للأمن العام ولمدة ثلاثة أشهر وإعادة إعتقاله إن إستدعى الأمر، وحينها كنّا نعرف مكان المعتقلين نزورهم ونتفقّد أحوالهم عكس ما يجرى اليوم فى إرتريا فى عهد (فرعون عصره) أسياس أفوروقى الذى ملأ إرتريا سجونا تحت الأرض وفوق الأرض ولا يعرف ذويهم أين هم ولا يُسمح بزيارتهم.
و عندما تأسّست (حركة تحرير إرتريا) أنخرط (آدم) ورفاقه كلهم فى نشاط الحركة.. وأخى (أدم قدوف) كان من ضمن من حضروا مؤتمر الحركة فى أسمرا والذى عقد فى منزل عضو الحركة النّشط (خيار حسن بيان).
ولا زال الحديث لقدم حيث قال:
كان ادم ورفاقه اول من التحق بحركة تحرير ارتريا وكذلك اول من التزم بجبهة التحرير الارترية وبعد اعلان الكفاح المسلح وخروج عواتى كان (آدم قدوف) يجمع الذخيرة لترسل إلى عواتى ورفاقه، كان يأتى بها رجال من الرّيف القريب يحملونها فى (قفف) كانوا فى أغلبهم من منطقة (طنقلّحس) القريبة من مدينة (كرن) و التى جرت فيها المعركة الأخيرة بين الطليان والإنجليز فى الحرب العالمية الثانية، وكانت تلك الـ (قفف) تأتى بالليل وتختفى فى الصباح كما حكى لى المرحوم ذالك بعد اللجوء..
وهكذا كان رجال تلك المرحلة رجالا للإخلاص والتفاني والتضحية لا يعرفون الخوف وكان للمناضل (آدم) ورفاقه تاثيرا قويا على الجيل الذي تلاهم وعلينا نحن الجيل الثالث.
كل هذا كان في زمن كانت فيه مدينة (كرن) (الدينمو المحرك) للنشاط السياسى الإرترى المقاوم للضمّ الجائر والظالم، وكانت اجهزة قمع الجنرال (تدلا عقبيت) تعمل لكرن الف حساب ولهذا كانت تبعد موظفّى الدولة الوطنيين ومن ضمنهم المعلّمون وأفراد الشرطة من مدينة (كرن) إلى المرتفعات ولكن النفي او النقل أعطى مردودا عكس ما إشتهى (الجنرال) فكان فرصة كبيرة للمقاومين من أعضاء الحركة و (جبهة تحرير إرتريا) لتجنيد الكثيرين من ابناء المرتفعات، كما إستعمل الجنرال قانون الأمن الوقائى و (المادة العاشرة) بشكل تعسّفى وتحايل على القانون لإسكات الأحرار لأنّ فترة الفدرالية فى بداياتها كان فيها للقانون هيبة كما كان هناك قضاة نزيهين وشرفاء ومحامين وطنين محترمبن عكس زمننا هذا الذي ضاع فيه القانون وكيف يكون هناك قانون في دولة لا تملك دستور (إنتهى).
وكتب أيضا المناضل (إبراهيم قدم) فى صفحة التواصل موثّقا شهادته عن المناضل (آدم قدوف) ما يلى:
كنت قد ذكرت جريدة الزمان، جريدة من اربعة صفحات 2 بالعربي و 2 بالتقرينية لم يكن هناك إشتراك بالمعنى الذي نعرفه اليوم بل كان يكفى المرور على المرحوم (محمود حسن) موزع الجربدة من محله المتميز وسط سوق الغلال و سوق الخضر في مركز مدينة (كرن) وقد دخل هذا السوق التاريخ عندما علقت فيه حكومة المستعمر جثث 21 شهيدا، هم شهداء معركة (قروح) بالقرب من (محلاب) ووقتها ونحن طلاب في (القاهرة) عندما وصلنا الخبر سميناه (ميدان الشهداء) واليوم لا وجود للمكان حيث لحقت به يد الـ (هقدف).
وبعد كثرة الاعتقال والمتابعة المستمرّة انتقل المرحوم (ادم قدوف) الى مدينة (تسني) وواصل من هناك نشاطه السياسي ولكن لم تتركه مخابرات الحكومة على حاله ودخل السجن وبعد خروجه رحل بعيدا من المدن الى القاش وبالتحديد الى قرية (شانبقو) وعاد الى مهنة الزراعة.
وفي العام 1968 جاء امر اعتقاله الى مدينة (بارنتو) ومنها الى (شاويش) نقطة (شانبقو) ولكن ما لم تعرفه السلطات هو ان (الشاويش ابوبكر) كان من ملتزمى (جبهة تحرير إرتريا) فبلغهم بأنّ (ادم قدوف) غير موجود ورتب للمرحوم وسيلة يصل بها (بارنتو) سرا ووصل الى رجل المرور في (بارنتو) والذي كان ايضا من عضوية التنظيم واسمه (الشاويش تولدي) ان لم تخني الذاكرة وهنا ارجو من ابناء (بارنتو) ان يصححوني اذا اخطات في الاسم وهذا بدوره طلب من احد سائقى الشاحنات وهو كذلك ملتزم، ان ياخذ معه ادم الى (كرن) دون الدخول الى مدينة (اغردات) ليصل ليلا الى مدينة (كرن) ليرتب امور الاسرة وفي المساء ينتقل الى منزل المرحوم (الشيخ محمد على عمر شيخ) والذي لم يكن بعيدا عن المنزل خوفا من ان يكون بيته مراقبا.
وفي فجر اليوم التالي مع آذان الصبح جاء المرحوم (عبدالله سيد موسى) وهو عم الاستاذ (عبدالرحمن سيد ابو هاشم) وكان كاتب بوليس مدينة (كرن) وعضو الجبهة، جاء (بلاندروفر) البوليس واوصله الي منطقة (بقّو) القريبة من مدينة (كرن) ليواصل الرحلة إلى كسلا بسلام.
هذه الـ24 ساعة بين (شانبقو) و (كرن) تحكي عن قوة التنظيم ووصوله الى كل قطاعات الشعب وهذا للاسف ما نفتقده اليوم، الاخلاص، التضحية والشجاعة حل محلهم الخوف وانعدام الثقة وحب الذات من شعبنا في الداخل وهذا يمكن تبريره نتيجة للقمع والقتل دون محاكمة وزرع الفتن والفرقة بين الناس، ولكن ماذا يمكن ان نقول عندما ينتقل الخوف الينا في الخارج عبر الريموت كنترول؟؟
وبعد وصول المرحوم ادم الى كسلا طلبت منه (قيادة جبهة التّحرير الإرتريّة) التفرغ للعمل النّضالى ولكنه رفض ذلك وانتقل الى مدينة القضارف ومنها الى قريتي (القريشا) و (تبارك الله) ليمارس مهنته الزراعة.
وبعد هزيمة اثيوبيا عاد الى مدينته كرن وعاش هناك فترة متردّدا على مدينته وبيته حتّى وافته المنيّة، و في الاخير اسال الله له ولكل من ذكرتهم الرحمة والمغفرة.
وأضافت إبنة المناضل العم (آدم قدوف) فى صفحة التواصل ما يلى:
ذكر الوالد للأخ (إدريس حمداي) ما يلى:
بعد تجاوز اثيوبيا الاتفاق الفيدرالي واعتقال الشخصيات الوطنية وفي مقدمتها السيد/ محمد عمر قاضي عقد اجتماع في مدينة كرن لإرسال وفد الي الخارج، مهد لهذا الاجتماع السيد/ ادم قدوف في منزله حضره السادة:-
• سليمان مرير،
• محمد ياسين بلاتا،
• حاج موس علي،
• ادم محمد ادم،
• سراج خليفة،
• ادم ادريس نور.
وعرضوا الفكرة علي السيد ابراهيم سلطان والسيد/ ادريس محمد ادم فأقرّ الاجتماع علي خروج السيدين بالجمال من مدينة (أغردات) إلى (كسلا) حتي يعرضوا مطالب الشّعب الإرترى فى الخارج وعلى الأمم المتّحدة رافقهما عند المغادرة السّيد (آدم قدوف) و(عبدالله إدريس) وتم استقبالهم من الجالية الارترية وشخصيات سودانية كان ادم قدوف علي معرفة بها.
وبعد اعلان الكفاح المسلح، كان ادم قدوف يمد الثوار بالأسلحة التي كانت تصل من اثيوبيا الي ارتريا ،يرسلها السيد (دراقون هيلي ملكوت) الي اسمرا ويستلمها السيد (ادم ملكين) والأخير بدوره يسلمها لـ (آدم قدوف).
وكان (دراقون) في تلك الفترة يعمل موظف في الخطوط الإثيوبية. وكانت أيضاً تصل أسلحة من السودان يرسلها أعضاء الجبهة. في تلك الفترة وكان (آدم قدوف) يعمل في التجارة بين السودان وإريتريا. وعند مغادرة السيدين رافقهما (ادم قدوف وعبدالله ادريس).
الى اللقاء... فى الحلقة القادمة ”حديث الذكريات“ عن العم المناضل آدم قدوف يرويه لنا المناضل إبراهيم قدم