الحركة تشكَّلت من كل أنحاء إرتريا والشعب الإرتري مبدع
حاوره الأستاذ: أحمد عمر شيخ - شاعر والروائي ارترى
ننتقل إلى (حركة تحرير إرتريا)، ظروف نشوءها ومدى تأثرها بحركات التحرر من حولها ؟
ناود: حقيقة.. بالنسبة للحركة، حركة تحرير إرتريا أنا كتبت عنها كتاب (حركة تحرير إرتريا - الحقيقة و التاريخ) و في هذا الكتاب قدمت كل ما أملكه من معلومات و حقائق، و هو مطبوع باللغة العربية و أتمنى أن يُترجم و يطبع باللغة التجرينية لتعمَّ الفائدة.. لكن في كلمات قليلة (حركة تحرير إرتريا) حقيقة تكونت في وقتها و هي تشير بأن هذا الشعب عنده إشراقات و إبداعات.. وهي تشكلت في وقتها المناسب..
في تلك الفترة كان مفهومنا أن نأخذ طريقنا الطبيعي نحو الاستقلال، لكن الدور الإثيوبي المعروف و إصرارهم على مصادرة إرتريا بكاملها و ادعائهم بأن إرتريا جزء منهم وقف عائقاً أمام استقلال إرتريا و بالتالي دخلت في (الفيدرالية) و في تلك الفترة كانت حركات التحرر الوطني سائدة في العالم كله باعتبار أن القارات الخمس كلها ترزح تحت الاستعمار الأجنبي ممثلا في الاستعمار البريطاني والفرنسي و غيره..
و بالتالي بعد نهاية الحرب العالمية كانت هناك نهضة من قِبَل كل هذه الشعوب تطالب فيها بالاستقلال، كان في الهند (حزب المؤتمر الهندي) بقيادة (مها تما غاندي) و كان مُلْهِماً لكل الشعوب،(السودان) بالنسبة لنا هو بلد مجاور على حدودنا كان يحيا نهضة وطنية تطالب باستقلاله، و الجالية الإرترية كانت موجودة في(السودان) بل تكاد تتأثر بهذا، في (مصر) كان هناك (حركة الضباط الأحرار) بقيادة(جمال عبد الناصر) و كانت مُلهمة آنذاك، باعتبار(ناصر) رفع راية النضال ضد الاستعمار في أفريقيا و في المنطقة العربية، هذه العوامل مجتمعة كان لها تأثيرها..
وفي إرتريا كانت الحركة الوطنية و الأحزاب قبل(حركة التحرير الإرترية)،و بمجرد ما بدأت(الفيدرالية) تم قمعها و إنهائها و كان هناك فراغ وكان لابد أن يتم تحرك الشعب، و قام هذا الشعب.. و نتيجة لكل تلك العوامل تأسست (حركة التحرير الإرترية) عام 1958.
و الحركة عندما قامت كانت تدرس ما حصل، لماذا أخذت إرتريا الطريق إلى (الفيدرالية)، لذلك الحركة عندما قامت تجاوزت هذه الانتماءات الضيقة إلى الانتماء الوطني وركزت على الوحدة الوطنية، حقيقة حركة التحرير ركَّزت علي الوحدة الوطنية لأنها عرفت أن الأثيوبيين تسللوا إ لى داخلنا عبر تمزيقنا بشعار(فرِّق تسد) قبلياً / طائفياً / إقليمياً و هذه البلوى كانت موجودة، فالحركة حاولت أن تتجاوز ذلك، و لذا كان الجانب الإيجابي أن الحركة و في أنٍ واحد تشكلت في كل أنحاء إرتريا، من (دنكاليا) إلى (سمهر) إلى (الساحل) إلى (الهضبة) وإلى (بركه) و (عنسبا) في وقت واحد، بسرعة في وقت قياسي هذه الحركة تشكلت من المواطنين، بصرف النظر عن الانتماءات الضيقة، لهدف واحد هو تحرير إرتريا، و أسلوب واحد هو التشكيلات السرية، لآن الأثيوبيين شكلوا أجهزة أمنية تتجسس على كل مواطن و تحصي أنفاس المواطنين الإرتريين و تعتقل و تعذِّب، بالتالي الحركة اختارت الأسلوب السري و هذا كان سلاح بتَّار، أثيوبيا عجزت أن تحدد كيف يمكن تعتقل... تشكيل الحركة كان خلايا سباعية، فقد ينهار شخص في التعذيب أثناء التحقيق، لكن في النهاية لا يستطيع إعطاء أكثر من الستة أنفار ألذين هم معه في الخلية، ولا يعرف غير هذا.. أيضا هناك نقطة مهمة هي أن (الفيدرالية) كانت موجودة عندما تشكلت الحركة و(حركة تحرير إرتريا) منذ بدايتها بدأت تعبئ بأننا في سباق مع الزمن، هذه (الفيدرالية) هي المحطة ما قبل الأخيرة لابتلاع إرتريا و يجب أن نسبقها، و في وقت قياسي أيضاَ.. و نعلن استقلال بلادنا و الحركة رفعت شعار إلغاء (الفيدرالية) و إعلان إستقلال إرتريا قبل أن تسبقنا (إثيوبيا)، وكانت الحركة تتنبأ بما سيحدث في 1962/11/14.
والحركة كانت واضعة برنامج لما بعد الاستقلال في وقت مبكر وهي نظرة متقدمة جداَ. على العموم ما أستطيع قوله أن الحركة كانت محطة من نضال الشعب الإرتري، لم تكن البداية لأن قبلها كان هناك من ناضل قبل حركة تحرير إرتريا و ضحى، و هناك من ناضل و ضحى ما بعد (حركة تحرير إرتريا) و لكنها مفصل مهم في تاريخ إرتريا...
وضعتَ كتابا حول تجربتك في (حركة تحرير إرتريا) كيف تراه ألان بعد سنوات من صدوره ؟! و كيف ترى الانطباعات حول هذا العمل ؟! و كيف لنا أن ندوِّن تاريخنا الإرتري في رأيك ؟! و بالذات الرموز التاريخية كيف لها أن تعكس تجاربها في الثورة الإرترية ؟
ناود: في الحقيقة أنا عندما وضعت هذا الكتاب باعتباري كنت رئيس الحركة و مؤسسها شعرتُ أنني يجب أن أكتب التاريخ بسرعة و كثيرين من أعضاء الحركة كانوا يحثونني، (يا أخي تاريخنا هيروح لأنه أنت الوحيد الذي كنت تفهم التاريخ أكثر... أكتب تاريخ الحركة...) كنت أقول أجل سأكتب، فكتبت الكتاب في ظروف ضغوط نفسية وبشكل سريع، وإذا أعدت كتابة الكتاب من جديد فقد يحدث فيه تعديل في بعض الأشياء...
كيف يمكن كتابة تاريخنا الإرتري ؟! و ما هو واجب كل شخص اسهم في الثورة الإرترية حول كتابة التاريخ.. حتى يكون لدينا رصيد للأجيال القادمة ؟
ناود: ما أنصح به و ما يجب أن ألتزم به شخصياً أن كتابة التاريخ يجب أن تكون فيها متجرداً و تكتب الحقائق كما هي وبالذات جيلنا الذي عاصرالثورة لا يملك أن يكون متجردا دائما لا بد هو متأثر بتجربته، لازم هو متأثر بتنظيمه / بحزبه و بالتالي قد لا يكون محايداً و بالتالي قد لا يكون دقيقاً، لذا على هذا الجيل أن يسجل الحقائق فوتوغرافيا كما هي، والتقييم يتركه للأجيال القادمة.. لكن الآن فليسجل الحقائق كما هي بدون ما يطرح وجهة نظره و هذا الجيل أيضاً يجب أن يكتب، لسبب بسيط هو أن هذا الجيل سيرحل، فهناك حقائق موجودة في الصدور... هذه يجب أن تسجل كحقائق، هذا ما أنصح به.
الشيء الثاني، معركة الشعب الإرتري التي تحقق الإنجاز فيها و انتزع حقوقه لا تخص الرموز فقط عندنا عشرات الآلاف من المناضلين ضحوا و حققوا هذا الإنجاز... علي الأقل أسماءهم يجب أن تكون موجودة أنا أتبعت هذا النهج في كتاب الحركة لأنني حاولت أن أسجل أعضاء الحركة في الفروع المعينة... وهذا حق من حقوقهم، ومن لم أسجلهم بسبب النسيان طلبت أسمائهم لإدراجهم في الطبعة الجديدة من الكتاب، وهناك من ناضل في صفوف (الجبهة الشعبية) و (جبهة تحرير) كان من أعضاء (حركة تحرير إرتريا)..
وهذا امتداد طبيعي..
ناود: إلى هذا اليوم في (الجبهة الشعبية) هناك قيادات ووزراء كانوا في (حركة تحرير إرتريا)..
ننعطف إلى محور آخر و نتحدث أيضا عن قضية كانت قد أثيرت مؤخرا و كتبت فيها أستاذ/ ناود حول (بوشكين)، هذا الشاعر الروسي المعروف وهو يرجع في أصوله إلى إرتريا لو حدثتنا عن هذا المفصل أيضا ؟
الأستاذ محمد ناود: بمجرد ما نحن نقول كلمة يأتي (الأثيوبيون) لينازعونا.. ويحاولون ذلك في مسألة (بوشكين) الذي هو إرتري، وهذه حقيقة تاريخية.
و المصادفات أيضا يعود في أصوله إلى نفس المنطقة التي كان ينتمي إليها النجاشي و هي (دباروا)...؟!!
ناود: لأن (دباروا) كانت فيها حضارة عريقة.. وقد قرأت في جريدة (الخليج) بأن الأثيوبيين يريدون إقامة تمثال ل(بوشكين) وأخذ هذه المسألة كمسلمات ولكنِّي تسندني حقائق كثيرة من أقلام إرترية و أقلام غير إرترية...
ف(بوشكين) أخذ (الأتراك) جدَّه في إطار أخذهم شباب كثيرين للتجنيد من شرق إرتريا بالذات (الساهو) و غيرهم، فاشتراه (القيصر الروسي) الذي أعجب بهذا الشاب لأنه شعر فيه ملامح نبوغ مبكر و أعتبره جزءا منه في القصر ورفعه من رقيق عادي و عمَّده، وأراد تسميته (أبراهام) فاحتج وقال أنا أسمي (إبراهيم)، وقد ابتعثه القيصر إلى (فرنسا) في بعثة دراسية على نفقته لدراسة العسكرية التي أظهر فيها نبوغا وخصائص أصوله الإرترية، وذلك حين حارب وجُرح في قتاله إلى جانب (الفرنسيين) ضدَّ (البرتغال)، وعاد يحمل 400 كتاب وقد وصل إلى رتبة جنرال في الجيش (الروسي)، أي أنه إرتري ومن (الساهو) تحديدا، هذا هو جدَّه لأمه ل(بوشكين)..
بالتأكيد التشبث بالرموز التاريخية و التشبث بالقرائن التاريخية هو لتحديد شكل الهوية وهذا حق من حقوق أي شعب، و هو يحتاج أيضا إلي أناس يستطيعوا أن يعكسوا هذه الرموز.. و ننتقل أيضا إلى محور الأدب الإرتري.. رأيك حول هذا الأدب، بداياته يمكن لو قلنا أبتدأ في فترة ظهور المجلات و الصحف... كان هناك بعض القصائد على الأقل في ما يخص الأدب المكتوب باللغة العربية ؟
ناود: الإرتريون يبدعون... وهذا ليس انحيازا لأني إرتري، فالشعب الإرتري فنان.. حقيقة أقولها أرجع وأدرس كل مناطق إرتريا ستجد هذا هو حال الناس..
هذا بالنسبة للأدب الشفاهي و الفلوكلور..!
ناود: في الغناء مثلا هناك (ود أمير).
(ود أمير)..(ود باشقير)..
ناود (ود أمير) فنان.. فنان جد.. و(ود باشقير)..
في كل اللغات في (العفر) أيضا علي داؤد تري... أيضا في مختلف..
ناود: في كل المناطق الإرترية حقيقة..
عن انتقال هذا الأدب الشفاهي إلى أدب مكتوب، وإرهاصات فترة الأربعينيات والخمسينيات ؟!
ناود: فعلا في تلك الفترة ظهرت أسماء في الصحف السيارة مثل (المنار) و(صوت إرتريا)، وأرشيف الصحف التي صدرت في تلك الفترة إلى الآن غير متكامل،قليل منه موجود في(مركز الوثائق) و قليل منه موجود في(دار الإفتاء)، ومن الأقلام التي ظهرت في تلك الفترة (الشيخ إبراهيم المختار) مفتي إرتريا في ذلك الحين، رجل مثقف و كتب الكثير، و (الأستاذ محمد أحمد سرور)، وهو رجل عظيم، شاعر و كاتب و أيضاً (محمد عثمان حيوتي)، و (ياسين باطوق)، و (عمر نجاش)، و (الشهيد عبد القادر كبيري) وقد كان رجلاً مثقفاً،و كان يكتب، و (الأستاذ عبد الحميد إدريس)، و (الأستاذ عبد الله أحمد يوسف صايغ)،و الأخير توفي قبل ثلاثة أشهر هنا في أسمرا،،هذه الأقلام هي التي كانت تكتب...، كمثال إليكم قصيدة كتبت في رثاء(الشهيد عبد القادر كبيري) هذه القصيدة منشورة في الجريدة العربية الأسبوعية بتاريخ 1949/04/15 مكتوب بقلم (ر . س . من (قندع) و المعتقد أنه (الأستاذ محمد سرور) يقول:-
نبكي على فقدانِ ذاك الأمجدِ
رب الفضائل و الزعيم المُفردِ
نبكي على تلك البطولة و الحجى
و على الأمانة في سماءِ السؤددِ
والقصيدة طويلة...
و تنم صياغة القصيدة و جزا لتها تنم حول ما كان يكتب أيضاً في العالم العربي في تلك الفترة.. وهذا يعطينا أيضاً مؤشر أن البدايات كانت قوية، لكن لاحظنا بعد ذلك في خلال مسار الأدب الإرتري المكتوب بالعربية، ربما أنت أيضاَ من الرواد، ممن جربوا الكتابة السردية و الرواية في تجربة (صالح - رحلة الشتاء)..
كيف ترى هذه التجربة في تلك الفترة و كيف كان صداها ؟
ناود: طبعاً شعبنا كما قلنا ينجب قد أكونً أنا بدأت أكتب في هذا الجانب قبل غيري لكن هذا موضوع أخر قد نتكلم عنه، لكن الشعب الإرتري أيضاً ينجب، فبدأ يظهر أ ناس يكتبون مثل (الشاعر الراحل/ أحمد محمد سعد) والآن في الرواية والشعر، و في غيره مثلك - (الأستاذ أحمد)، و في فترة زمنية و جيزة.. هكذا يتم تعويض فترة الانقطاع التي حصلت من الأربعينيات و الخمسينيات، فالآن بدأت أقلام كثيرة تبرز، هذه الأقلام بالتأكيد ستعمل وتعوض و ستنتج، والشعب الإرتري شعب يبدع كما ذكرنا في كل المناطق هناك فنانين مثل الفنان (آتوا أبرا هام سقيد) وأغنيته (عدي عدي جيجانوا..)
وهي أغنية ملحمية فيها و صف إرتريا وهناك مبدعين غيره.