ود سيدنا في إفادات توثيقية عن الجهاز الصحي لجبهة التحرير الإرترية 2-2
حاوره الأستاذ: جمال همد المصدر: عدوليس
لم تكن جبهة التحرير الإرترية ثورة مقاتلة فحسب، وإن كانت البندقية أبرز أدواتها،
فقد إهتمت الثورة بكافة إحتياجات الإنسان الإرتري، من تعليم وصحة وثقافة وفلكلور، ولما كان الجانب العسكري موثق بحكم الصدي والتاثير الذي كان يحدثه، فإن جوانب مشرقة أخرى من جوانب هذه الثورة تحتاج الى توثيق، ومنها العمل في المجال الصحي حيث أسست جبهة التحرير الإرترية جهازاً صحياً ضخماً، وأولته أهتماماً كبيراً تمثل في الكادر الذي تم تفريغه للعمل به، والرعاية المباشرة التي كان يجدها من مختلف مستويات الجبهة القيادية في هذه المساحة نحاول أن نوثق للعمل الصحي في الثورة الإرترية بكافة فصائلها وتنظيماتها، وكان لنا هذا اللقاء التويثقي مع المناضل (ود سيدنا) وهو من الذين قام هذا الجهاز على أكتافهم، ومن خلال سرده اتضح لنا حجم هذا العمل الذي يعتبر تجربة ثرة يمكن أن يستفاد منها في المستقبل، كما تعكس في ذات الوقت شمولية التفكير التي كانت تتعامل بها القيادة مع إحتياجات شعبنا، وفي ذات الوقت نود أن نلفت نظر القراء أن يمدونا بأي معلومات في هذا الإطار أو عن العمل الصحي داخل قوات التحرير الشعبية والجبهة الشعبية لتحرير إرتريا، فذلك تاريخنا ونحن أحق به:
كيف بدأت العيادات الثابت منها والمتحرك ؟
بدأنا بنظام العيادات المتحركة العسكرية والمدنية أما العيادات الميدانية الثابتة فقدافتتحها الشهيد عبد القادر رمضان في منطقة شكايربا وأقام فيها دورة تدريبية في نوفمبر1967م وأخرى للمنطقة الثانية في منطقة كوكلاي أما البقية فكانت عبارة عن عيادات متنقلة خفيفة تفرضها الحاجة وتقدم علاجات سريعة ويحول المريض الذي يستعصي علاجه إلي عيادة كسلا والتي كانت تعرض المريض على الأطباء السودانيين في العيادات الخارجية وبعد الشفاء وإكمال العلاج يعود إلى وحدته في الميدان. ثم كونت عيادة ثابتة لبعض الوقت في منطقة لكتات فرضتها ظروف المعارك المستمرة عام 1972م في منقطة بركه لعال وأنشئت تحت إشراف محمد عبد الله ود سيدنا والذي كان جريحا وباعتباره ممرضا كان يقوم بعلاج نفسه ومعالجة زملائه الجرحى وكان الجرحى أنفسهم يقومون بالحراسة والحماية حتى قدم للعيادة الزملاء حفيظ سعد الدين وحسنيت صالح وحسن باشميل وإدريس عمر عبد الله واشرفوا على العيادة والجرحى واصبح حفيظ سعد الدين هو المسؤول عن العيادة ثم تم نقلها إلى منطقة دبر سالا وتحولت لعيادة ثابتة ورئيسية يحول إليها المرضى والجرحى من كل الاتجاهات تم حولت إلى شكا يربا ومنها إلى ناحية همبول منطقة برود وذلك في عام 1974م.
وبلغت درجة لأباس بها من التطور إذ اصبح فيها معمل للفحوصات والتحليل المجهرية الطبية وصيدلية للأدوية ومساعد طبي مشرف وأصبحت شبه عيادة مركزية لمجمل التنظيم وشكلت موضع اهتمام من قبل إدارة الجهاز الطبي في التنظيم وكان كل الأمناء في الوحدات المقاتلة الصحيين مرتبطين بها اذ كانت تقوم بتوزيع الأدوية عليهم وتستقبل منهم المرضى والجرحى الذين يستعصي علاجهم بالوحدات المقاتلة ثم نقلت تلك العيادة إلى ارتقيا واخيرا استقر بها المقام في هواشيت وسميت باسم الشهيد حسن باشميل وكانت تقوم بمهام العلاج فقط أما مهمة توزيع الأدوية فقد اصبحت تحت إشراف الإدارة الصحية في مقرها بحمرة كلبوي (ساوا) ثم تطورت العيادة حتى أصبحت مستشفى كامل التجهيز سنسلط عليه لأحقاً العيادات الأخرى الصغيرة والمحلية موزعة على النحو التالي عيادة في فورتو وعيادة في أكلي قوزاي منطقة درعا وعيادة في سراي بالقرب من عدي فلاسي وعيادة في حماسين اتجاه عدي قشي وعيادة في ضواحي كعلاي وأخرى في تكرريت وعيادة في القاش في منطقة بوبي بالقرب من تكمبيا وأخرى في ماي شقلي وعيادة في جبل حامد قرب مدينة قلوج وعيادة كبيرة في منطقة اكتم (مقرايب) وعيادة في أراق بالساحل وعيادة بالخرطوم وبور تسودان وكانت للجهاز قدرة عالية لإنشاء اي عدد من العيادات في كل أرجاء إرتريا حسب الحاجة كما كان له عدد كبير من الممرضين والمسعفين العاملين بالقطعات العسكرية ومواقع العمليات الحربية والذين لعبوا دورا تاريخيا في إسعاف الجرحى وإخلائهم أثناء سير العمليات الحربية وأسس الجهاز مدرسة للطبابة والصيدلة في الميدان منذ منتصف السبعينات وقد خرجت إعداد كبيرة من الدورات وكانت مجمل الدورات اكثر من 8 دوره خرجت الدورة الأولى عدد 150 مناضل ومناضلة وتم توسيع العدد في الدورة الثانية وتراوح بين 150-250 ممرض كما خرجت المدرسة مساعدين طبيين ومساعدي معامل وصيدلة وأقامت اكثر من 5 دورات في هذا الاتجاه وأنشأ الجهاز معامل ومختبرات في مختلف مواقع العيادات الأساسية الآنفة الذكر. كما أقام صيدلية مركزية مهمتها توزيع الأدوية على العيادات والوحدات وكانت تحتوي على كل الأنواع الضرورية كما كانت بناء أعداد كبيرة من العيادات التي تعمل على خدمة المواطنين في النواحي الصحية ومكافحة الأوبئة الطارئة وعلاج الحالات المرضية المختلفة وكانت قسما قائما بذاته كما كانت أقسام للبيطرة وإصحاح البيئة ومكافحة الحشرا ت الضارة.
ما هي أنواع الأمراض التي كانت سائدة آنذاك ؟
أن أكثر الأمراض التي كانت شائعة في الستينات والسبيعنات فهي على الملاريا، الأنفلونزا، الرطوبة، الإسهالات، الالتهابات، الدرن الرئوي الطمث السل الجراحي، الزهري، فقر الدم (الأنيميا) التسمم بفعل لدغات الثعابين والعقارب.
كيف كانت تصلكم الأدوية وهل تم ضبط ادوية من قبل الجيش الاثيوبي ؟
كانت الأدوية تصل إلينا عبر مواطنينا الأمناء والنشطين داخل مختلف المدن وحسب الأنواع والكميات التي نطلبها والتي يمكن نقلها من داخل المدن الإرترية بسهولة وكان الجرحى على أشد ما يكون على تامين وصول تلك الأدوية في أحسن الأحوال ولأذكر البتة أن العدو تمكن من ضبط أي قدرة من الأدوية التي كانت تصل إلينا كما أنه لم يستطع كشف المتعاملين معنا أوطرق إمدادنا بالدواء وكانت أغلب الأدوية تأتي عبر السودان ومن خلال الأعضاء مثل الأخ إبراهيم حسن ليمان أو الأشقاء وأصدقاء الثورة وكانت تمر عبر إشراف الأخ الدكتور المرحوم عبد الله الحسن وواصل أبنه إبراهيم عبد الله الحسن على ذات المنوال وهو اليوم نقيب الصيادلة بمدينة كسلا وكثير من الأطباء والصيادلة والممرضين والمساعدين الطبيين السودانيين كانوا يتعاونون معنا بشكل كبير وواسع جعله الله في ميزان حسناتهم.
المستشفى المركزي وما ادراك ما المشفى المركزي البديات والتطور ؟
بدأ المستشفى المركزي في منطقة هواشيت تحت اسم مستشفى الشهيد حسن باشميل وكانت المباني في البداية من القش والحطب على شكل مستطيل لتوفر التهوية المناسبة ثم تحولت للخيم وكانت لنا خيمة لإجراء العمليات الجراحية ثم قمنا ببناء مستشفى حديث من الحجر والأسمنت بأفضل المواصفات الممكنة في الميدان وتمكنا من بناء (5) عنابر للجراحة و (3) عنابر للباطنية وعنبر للتدرن والسل الرئوي وعنبر للنساء والولادة وثلاث غرف معقمة ومجهزة لكل من العمليات الجراحية الكبيرة والصغيرة والإنعاش وثلاث غرف أخرى للأشعة والتحميض وللفحوصات والتحاليل الطبية ولعلاج الأسنان وكانت مجهزة بأحدث المعدات اللازمة لكل عمل كما كانت في المستشفى ساحة للتنزه ولممارسة الرياضة العلاجية والبدنية ومواقع لسكن الممرضين والحرس والإدارة والأطباء العاملين ومواقع مناسبة لتخزين الأدوية والمعدات وصيدلية لصرف الدواء وكانت إدارة المستشفى مكونة من محمد عبد الله ود سيدنا مديرا للإدارة دكتور محمد عثمان قسم الله رئيساً قسم الجراحة دكتور سراج عضو للإدارة المناضل ابذا محاري عضو إدارة المناضل يوسف إدريس نور عضو إدارة وعدد كبير من الممرضين وكان العدد الإجمالي أكثر من 200 ممرض وممرضه يقومون بمختلف المهام وهذا العدد دون الحراسات.
وكان الأطباء والمتعاونين معنا في الانطلاق بهذا المستشفى من السودان المرحوم الدكتور أوهاج محمد موسى ودكتور حمزة واستاف كامل من الأطباء الإيطاليين من بينهم بروف في الجراحة ودكتور تخدير عام ومحضر علميات وأطباء باطنيين وأخصائيين في أمراض المناطق الحاره وأطباء عيون وقد زارنا هذا الفريق الإيطالي مرتين الأولى عندما كانت المستشفى عبارة عن خيم والثانية عندما شيدنا المستشفى بالحجر والأسمنت والحديد بالمواصفات المذكورة آنفاً كما زرانا أطباء من فرنسا وكان فيهم طبيب جراح وآخر للباطنية وثالث للعيون وكذلك أطباء من السويد ومن منظمة أطباء بلا حدود وكان انطباعهم رائعا جداً وكانوا يعملون على خدمة مناضلينا وأبناء شعبنا بكل إخلاص وثقة وشجاعة وجرأة واطمئنان نظراً للمكان الملائم والمناخ المناسب والإعداد الجيد والدقة والنظافة والانضباط العالي ولإيمانهم بعدالة قضيتنا ونضالنا وكان لتلك الفرق الطبية دوراً متميزاً وكبيراً في ترقية العمل الصحي وتوطيد دعائم العمل الجراحي وقد استفاد منهم أطبائنا ومساعدينا الطبيين المتفرقين كما كانت معداتهم الطبية وأدويتهم والتي كانوا يهدونها للمستشفى عقب انتهاء مدتهم دوراً عظيما في تطوير أدائنا كماً وكيفا في العمل الجراحي والعلاجي بشكل عام.
ماهي أنواع العمليات التي كانت تنفذ في المستشفى المركزي ؟
كانت أغلب العمليات الجراحية عمليات استخراج للرصاص والشظايا من كل أنحاء الجسم للواقع القتالي المعروف عد علميات منطقة الجمجمة وكنا نجري عمليات بتر الأطراف التالفة وعمليات استئصال المراره والزائدة والعمليات الجراحية الأخرى وجبر الكسور والبواسير وكانت كل العمليات التي أجريناها والحمد لله ناجحة بنسبة 100% كما كنا نحول الحالات التي لا يمكننا التعامل معها إلى السودان أو الخارج كما كنا نحول المناضلين الجرحى لتركيب الأطراف الصناعية إلى الخارج سوريا - مصر - إيطاليا - العراق … الخ.
قصة عنبر كسلا المشهور بعنبر الجبهة ؟
فقد منح لنا هذا العنبر من الإدارة الصحية بمدينة كسلا أبان فترة تحرير المدن 77-78وكان إشراف عيادة الجبهة بكسلا وكانت هي الجهة المسئولة عن كافة احيتاجات هذا العنبر وقد جهز بأحدث الأسرة الطبية والستائر والمفروشات والأغطية الكافية وكنا نحول إليه الحالات غير المقدور عليها في الميدان وكان يعمل فيه مناضلينا في عيادة كسلا بالتناوب كما كان لأبناء شعبنا في كسلا وعموم السودان دورا عظيما في تقديم تبرعات غذائية عينية ومادية وكانت تسد ثغرات كثيرة كما كان لاتحادات النساء والطلاب والعمال دورا لا يمكنه ان ينسى في التغذية وغسل ملابس الجرحى ومساعدتهم ورفع روحهم المعنوية وإدامة الصلات معهم واشعارهم بان شعبنا خلفهم.
أطباء سودانيون تعاونوا معكم ؟
عمل على مساعدتنا العديد من الأطباء السودانيين وعلى رأسهم دكتور أوهاج محمد موسى رحمة الله ودكتور حمزة والدكتور الصيدلي إبراهيم عبد الله ووالده عبد الله الحسن وجميع أخصائي الجراحة المتعاقبين على مستشفى كسلا بما فيهم المساعدين الطبين والممرضين وكافة العاملين والمباني وكسلا وضواحيها كما تعاون معنا أطباء في الخرطوم والقضارف وبورتسودان ومدني ونقابات المهن الصحية السودانية بالإضافة لجمعيات أصدقاء الثورة الإرترية في كافة المدن السودانية وأغلب التيارات والأحزاب السياسية السودانية.
شهداء الجهاز الصحي وما الدور الذي لعبه الدكتور الشهيد يحي جابر ؟
قدم هذا الجهاز كواحد من قطاعات جبهة التحرير الإرترية وأجهزتها وباعتباره جزء أصيل من جيش التحرير الإرتري البطل قوافل من الشهداء يصعب حصرها وعلى سبيل المثال لا الحصر الشهيد عبد القادر رمضان والشهيد حسن باشميل والشهيد الدكتور يحي جابر عمر والشهيد إدريس عبد الله والشهيد يسن هاكين والشهيد حامد محمد على وإبراهيم سليمان وعبده محموداي هذا كمثال لا الحصر وشهداء الخدمات كثر جداً ولايمكن حصرهم.
أما عن الشهيد دكتور يحي جابر عمر:
التحق بالميدان العمل المباشر في النصف الأخير من عام 1969م وبعد مرور أقل من عام على التحاقه بالميدان ورغم الفترة الوجيزة التي قضاها فأنه قام بدور رائد في مجال المعالجة و التعبئة والتحريض السياسي والتثقيف بأبعاد القضية الوطنية الإرترية وحتمية انتصارها وكانت محاضراته السياسية تغرس روح الأمل والتفاؤل وترفع معنويات المناضلين والمواطنين على حد سواء وباستشهاده في يوم 1970/7/31م فقد شعبنا وثورته مناضلا كانت بأمس الحاجة إليه وبهذا لم نتمكن من الاستفادة من مؤهلاته الطبية والسياسية والإدارية وربما علاقاته العامة التي أسسها في إيطاليا بحكم الدراسة.