محمود محمد صالح الأستاذ الذي نسيناه - الجزء الأول

حاوره الأستاذ: صلاح محمد الزين - إعلامي وناشط سياسي إرتري - عمل صحفي ومعد ومقدم برامج بالتلفزيون إريتريا 1992-1997

محمود محمد صالح محمد نور ولد في سنة 1936م من والديه الشيخ/ محمد صالح محمد نور عيسى

محمود محمد صالح 1

والسيدة/ ريحانة عبدالرحيم جوهر.

الكتابة عن محمود - رحمة الله عليه - هذا الرجل الرمز، ربما، تندرج في خانة التطاول، أو تعتبر محاولة بلوغ الجبال طولاً، أو التسامي فوق السماء.. نعم فالأستاذ كان شامخاً كالجبال قوةً وعزيمة، صبراً ومثابرة، كان سامياً في السماء خُلقاً وتضحية ًوعطاء.. ثائر النفس ويقظ الوجدان، أدرك منذ نعومة أظافره أن الأوطان تفتدى بالنفس والنفيس وأن المرامي لا تنال إلاَّ بالتضحيات، فخاض غمار المعركة متسلحاً بالإرادة والعزيمة والإيمان بحقّ الإرتريين في العيش أحراراً مستقلَّين كامل الاستقلال عن إثيوبيا (الأم !!).

هو علم من أعلام الثورة الإرترية ورائد من رواد كفاح الشعب الإرتري من أجل الاستقلال. سبق مسمى مهنته التعليمية والتربوية (أستاذ) اسمه، فعرف في أوساط قيادات وقواعد الثورة الإرترية بـ أستاذ محمود. فكان جديراً بالأستاذية في النضال الوطني التحرري كما في التربية والتعليم. ولكن وبعد أكثر من ثلاثة عقود من البذل والعطاء وفي مثل هذا اليوم 31 يوليو/تموز سنة 1992م رحل الفقيد عن دنيانا بالعاصمة السودانية الخرطوم حيث دفن جثمانه الطاهر هناك بعيداً عن أرضه.

هذه السطور ليست تدويناً لتاريخ نضال وكفاح الشهيد/ محمود، إنما هي مجرد محاولة لا يطمع كاتبها إلا في أن يوفي الرجل – في زمن قلَّ فيه الوفاء - بعض حقّه، وأن يستدعي ذاكرة رفاق درب الشهيد في زمن أصبح فيه النسيان أو التناسي سمة بارزة من سماتنا.

بدأت هذه المحاولة لجمع معلومات وافية عن مسيرة الأستاذ النضالية وإعداد مادة قيّمة تتناسب وما قدمه من تضحيات لإرتريا وشعبها منذ فترة ليست بالوجيزة. إلا أن تشتت شعبنا في أصقاع الأرض من أدنى مشارقها إلى أقصى مغاربها، وتوالي رحيل جيل الأستاذ/ محمود صعَّب المهمة إلى حدٍ كبير.

لكن وعلى الرغم من إيماني بقاعدةٍ - لطالما تمسكت وعملت بها أثناء فترة عملي بالإعلام - وهي: (أن الصمت أفضل من نشر معلومات ناقصة)، إلا أنه وبمجرد حصولي على (6) صفحات بالإنجليزية تحتوي على مادة قيِّمة أرسلها إليَّ أخي الكريم الدكتور/ هيثم محمود محمد صالح، نجل الشهيد، تتضمن معلومات عن إلتحاق الشهيد الأستاذ بالحركة ثم الجبهة ولقائه بعواتي، رأيت من الواجب نشرها وتمليكها للناس. إذْ أنه من حقّ مَنْ رووا نبتة شجرة الحرية بعرقهم ودمائهم، من حقهم عليّنا تخليد ذكراهم والتعريف ببطولاتهم وأمجادهم .. فهلا تعلَّم جيلنا من قصصهم واعتبر؟.

وفيما يلي ترجمة للصفحات المشار إليها آنفاً والتي ملكني إياها د/ هيثم. بعد أن عثر عليها بين الكتب في مكتبة والده، وهي تحت عنوان (مقابلة مع محمود محمد صالح) الخرطوم، 1989/4/1م سوف يلاحظ القارئ الكريم عدم وجود أي سؤال قد طُرح على الأستاذ إنما سرْد متتالي للأحداث، مما يدل على أنها ليست مقابلة ولكن الأستاذ الشهيد اسماها كذلك - حسب اعتقادي - لأنه كان يترفع ويخشى الـ (أنا) التي تطغى على كتابة المذكرات الشخصية هذه الأيام، نكرانا منه للذات وللتضحيات التي قدمها في سبيل وطنه. فقد كان يرى أن ما قام به واجباً، والواجب لا رياء فيه. أو هذا ما بدا لي.

نص المقابلة المذكرة مترجمة من الإنجليزية الخرطوم، 1989/4/1م

ولدت في سنة 1936م من عائلة جبرتية من إقليم سرايي تسكن بمدينة أغردات. وبعد تخرجي من معهد إعداد المعلمين في أسمرة، بدأت التدريس بأغردات في العام 1953م.

الناس ذوي الميول والحس الوطني في مدينة أغردات، والذين كانوا يتحركون ضد المحاولات الأثيوبية لحل الفدرالية، كانوا يميزون بعضهم بعضا، وبمجرد وقوع حدث سياسي، تجدهم وبطريقة تلقائية غير منظمة ومن غير سابق تخطيط قد تحركوا في الإتجاه المضاد للنشاط الإثيوبي الرامي لحل الفدرالية. كان هذا دون أن تكون هناك منظمة أو تنظيم بعينه، حتى ظهرت حركة تحرير إرتريا كتنظيم سياسي.

علمت بأمر الحركة لأول مرة عند دخول صالح إياي إلى إرتريا قادماً من السودان حينما اجتمع بي في أغردات، وكان ذلك في أواخر 1959م، وناقش معي أهمية أن تكون لنا منظمة ذات مركزية وتنظيم جيد ومحكم. لاحقاً وبعد أشهر قليلة سلَّمني شخص يدعى صالح عمر - من أبناء أغردات - نسخة من دستور حركة تحرير إرتريا، وبذلك أصبحت عضواً فيها. وفي الوقت ذاته دخل الحركة عدد من أبناء أغردات كان صالح إياي قد إلتقاهم ومن حينها وجدت نفسي على رأس عمل الحركة في مدينة أغردات.

أنشأنا لجنتين لتسيير شؤون الحركة في أغردات وعلى مستوى الإقليم.

اللجنة المحلية أو الداخلية تعنى بمدينة أغردات وضواحيها، ولجنة مركزية للإقليم بأكمله، وكنت على رأس اللجنتين.

حيث تألفت اللجنة المركزية الإقليمية من حوالي 7 أعضاء وفيما يلي أسماءهم:-

1. محمود محمد صالح ،
2. محمد صالح عمار ،
3. صالح محمد سعيد ،
4. إدريس جابر ،
5. علي حامد ،
6. محمد إبراهيم محمد علي ،
7. (غير مذكور) .

كما تم تكوين اللجنة المحلية من الأعضاء التالية أسماءهم:-

1. محمود محمد صالح ،
2. محمد إبراهيم محمد علي ،
3. محمد صالح عمار ،
4. صالح محمد سعيد ،
5. محمد يوسف آدم ،
6. عمر كشيواي ،
7. رشيد محمد همد ،
8. إبراهيم حلافي ،
9. صالح ،
10. إبراهيم إيقَمِى ،
11. محمد سعيد عافا .

كان عدد أعضاء هذه اللجنة يتراوح ما بين 14 إلى 15 عضو ولكنني لا أتذكر بقية الأسماء.

تولت اللجنة المركزية الإقليمية بأغردات المسؤولية عن المناطق الغربية، كما كانت هنالك لجنة في مدينة كرن مسؤولة عن الساحل وبركة. بينما تشرف اللجنة الداخلية لأغردات على المدينة وما حولها من القرى. أما مدينة بارنتو فكانت ضمن مسؤولية اللجنة المركزية الإقليمية بأغردات. وأقيمت أيضاً لجنة في مدينة تسني وعلي قدر مسئولة عن إقليم القاش سيتيت.

إبان التزامنا بالحركة لم تكن العلاقة بيننا - كلجنة أغردات - وبين لجنة القاش علاقة واضحة، بيد أنه فيما يخص تجنيد رجال الشرطة في المنطقة كانت العلاقة التعاونية وطيدة. نحن في أغردات بعد تجنيد رجال الشرطة إلى صفوف الحركة كنا نقوم بتشكيلهم في خلايا صغيرة في كل المدن الغربية وصولاً إلى مدينة أم حجر. وتمكنَّا من تجنيد أعداد كبيرة من الضباط في رئاسة الشرطة بأغردات وموظفين وعمّال مكاتب ومؤسسات حكومية مهمة مثل إدارة البلدية، مكتب إدارة المنطقة، هيئة الاتصالات وغيرها. وهكذا فإن جُل شباب مدينة أغردات كانوا منضوين تحت لواء الحركة، والجميع كان يتحلَّى بحس وطني عالي وروح المسؤولية تجاه أمته. ونستطيع القول بأن كل المدينة أصبحت فيما بعد تحت سيطرتنا.

كنت على صلة مع إدريس محمد آدم ولكنها ليست علاقة شخصية وثيقة. وعندما خطط الإثيوبيون لإزاحته من رئاسة البرلمان وقف كل الشباب خلفه. حينها كنت أعمل مدرِّساً بمدينة هيكوتا حيث كوَنْتُ فيها منظمة شبابية ضمت في صفوفها شخصيات لامعة من أبناء هيكوتا تحت مسمى ”لجنة الخدمات الاجتماعية“. عملنا بهمة وأنجزنا الكثير من المهام من بينها دعوتنا إلى اجتماع جماهيري كبير في الإقليم لدعم إدريس محمد آدم، والذي كان حينها لا يزال رئيساً للبرلمان. وعندما رجع إلى أغردات أرسل إليَّ داعياً لمقابلته في منزله. فالتقينا في منزله بأغردات وكان ذلك قبيل مغادرته إرتريا إلى الخارج.
أجرى الكثير من الناس اتصالات مع إدريس محمد آدم وذلك لمواقفه السياسية، ولاعتقادهم أنّه في مقدوره أن يفعل شيئاً ما للإرتريين نسبة ً لخبرته السابقة في العمل السياسي، ولكنّه، حسبما أظن، لم يبلَّغ عن سفره للشيخ محمد بن داوُد بن سيدنا مصطفى.

الشيخ محمد والشيخ سليمان كانا متعاطفان مع إدريس محمد آدم وذلك لطبيعة العلاقة الإجتماعية التي تربطهما. فعليه وعندما غادر إدريس إرتريا كانا دوماً يتساءلان ماذا يفعل هناك في القاهرة؟!. كان الناس في الداخل يعتقدون أن ولدآب ولدماريام وإبراهيم سلطان وإدريس محمد آدم بمقدورهم فعل الكثير كشخصيات وطنية، فلذلك كانت آمال الجماهير فيهم كبيرة رغم أنها – الجماهير- كانت منتظمة في الحركة.

الشيخان محمد وسليمان لم يكن لديهما العضوية الكاملة في الحركة، ولكن الشيخ سليمان كان كثير الإلمام بنشاطها، وعلى الرغم من أنه لم يكن ملتزماً بشكل رسمي فقد كان يحضر الاجتماعات ويشارك كعضو فعَّال.

حينما وجهت الحركة نداءً في مارس 1960م لأعضائها بالداخل لإعداد مخازن للأسلحة في الجبال، أخطرت الشيخين محمد وسليمان بذلك فسعدا بهذا النبأ كثيراً لأنه كانت لديهما الرغبة الملحة لتكوين قوة مسلحة.

مؤتمر الحركة بأسمرا والبحث عن عواتي:

شارك محمد يوسف وصالح عمر كممثلين عن أغردات في مؤتمر الحركة الذي عقد داخل أسمرا حيث نوقش أمر الاتصال بحامد إدريس عواتي، وتم إرسال من يقوم بذلك فوراً. بعد انفضاض المؤتمر تم الاتصال مباشرة ً بعواتي وذلك بواسطة لجنة علي قدر، والتي أرسلت أحد أعضائها لمقابلته. كان عواتي رجلاً حصيفاً فأكد أن له الرغبة في التحرك إذا أُعِدَت الأمور إعداداً محكماً، وشجع كل من أتى إليه بأن يمضي في تنفيذ ما يراه مجدياً حسب إمكاناته والوسائل المتاحة له. وقد طلب عواتي من الوفد بأن يعود إليه فقط بعد أن يكون كل شيءٍ جاهزاً. لم يكن يرغب في سماع ما يود أحدهم أن يفعله إنما كان يفضل الإستماع إلى ما اتفق عليه من معاني فعلية لبدء العمل.

سرية قيادة الحركة:

لم يكن أهل المنطقة الغربية من إرتريا يثقون في الحركة مثل ثقتهم في الساسة المعروفين والمشهورين أمثال إدريس محمد آدم، لأن قادة الحركة كانوا مجهولين لأعضائها إذْ لم يعلنو عن أنفسهم واسمائهم. والحال كذلك أرسلت قيادة الحركة تعميماً لأعضائها مفاده أن إدريس محمد آدم وإبراهيم سلطان لا يريدان التعاون معها فعليه تطلب من أعضائها عدم التعاون معهما في داخل البلد.

قد أدهشنا ذلك القرار، ولكن لكونه توجيهاً فقد إمتثلنا له ونقلناه إلى القواعد مع التوجيه بالاستجابة لطلب القيادة بعدم التعامل مع الساسة القدامى. إلا أن سؤالاً ظل يُطرَح، وهو: ”لماذا لا يريدون التعاون مع الحركة ؟! .. لقد خرجوا من إرتريا لأسباب سياسية، وهناك تنظيم قائم وهو حركة تحرير إرتريا يعمل من أجل نفس الأهداف التي خرجوا من أجلها، فلماذا لا يبدءون العمل معه ؟!“ تساءلنا عن الأسباب. وبينما نحن في تلك الحالة من التساؤلات فإن قادة الحركة في السودان، وخاصة في مدينة كسلا، والإرتريين في الجيش السوداني قد انقسموا حول هذه النقطة الخلافية. وعليه أرسلت المجموعة العسكرية - الإرتريون في الجيش السوداني - وفداً إلى أغردات.

فور وصول الوفد العسكري المبعوث من المجموعة العسكرية إلى أغردات قام بالاتصال بعمر كشواي – عضو اللجنة المحلية لأغردات – فجاءني عمر ليبلغني بقدوم الوفد ورغبتهم في مناقشة ما حدث بين الحركة والساسة القدامى. الأمر كان في غاية الأهمية، فعليه دعوت اللجنتين – المحلية والمركزية – للاجتماع بالوفد الذي كان يتكون من طاهر سالم ومحمد إدريس حاج، وعلمنا بأن سبب الخلاف هو أن الساسة يريدون معرفة هوية قادة الحركة، والحركة ترفض الإدلاء بذلك. فأصبح مؤكداً لدينا أن تلك هي النقطة الأساسية لرفض التعاون. لم توفق القيادة في ذلك، لأن الساسة قادة معروفين ويجب أن لا يحجب عنهم شيئاً، وقد أدى ذلك إلى زعزعت الثقة في قيادة الحركة.

كان الوفد العسكري القادم إلينا قد انضم إلى جبهة التحرير الإرترية - التي أُعْلن عنها في القاهرة - الأمر الذي وضعنا في موقف حرج للغاية فأخبرنا الناس بأن إدريس محمد آدم وإبراهيم سلطان لا يريدان التعاون مع الحركة لرفضها الإفصاح عن قادتها.

إذاً ما العمل..؟ بعد تفكر ونقاش خرجنا بالآتي:-

1. هذه القيادة غير معروفة ولا تريد قبول أي من العناصر الوطنية المشهورة.

2. لهذا السبب ولغيره من الأسباب فقد قررنا الانضمام إلى جبهة التحرير الارترية التي تكونت حديثاً في القاهرة.

3. نريد إعلان الكفاح المسلح.

4. نتوقع وصول السلاح.

تلك كانت النقاط التي تقدم بها الوفد المفوض من العسكريين الإرتريين بكسلا والمتوافقة مع إرادتنا وتطلعاتنا، لذلك اتخذنا القرار بالانحياز إلى جانبهم وفتحنا لهم الطريق إلى كرن لمقابلة سليمان مريخ وآخرون ذوي علاقة طيبة مع الساسة القدامى. وفي كرن خلقت النواة الأولى للجبهة وكانت صغيرة في بدايتها.

بعد ذلك انصب تفكيرنا في الحرص، أولاً وقبل كل شيء، على تجنب حدوث انشقاق في الفرع والحفاظ على وحدة جماهيره. ثم العمل على حل تلك الأزمة، لذلك توجهتُ إلى كرن لمقابلة القيادة المتحركة للحركة برئاسة صالح إياي وعقدنا اجتماعاً في منزل محمد كرار، مثلت فيه فرع أغردات، وضم الاجتماع كل من صالح إياي، محمد كرار، عمر يحيى وشخصي.

لقد قَدِمت من فرع أغردات لمناقشة ذلك المشكل وكان رأينا أن ليس لقادة الحركة الحق في عدم الإفصاح عن أنفسهم لهؤلاء الساسة، إذْ أن هذا الرفض لا يخدم أي مصلحة، وسوف يشقُّ وحدة صف الجماهير، لأن أولئك الساسة معروفين لمعظم الناس في غرب إرتريا، و بدهي أن يتَّبع الناس قادة معروفين بدل إتّباع قيادة مجهولة، ونحن في فرع أغردات حريصون على الوحدة، وهدفنا هو إيجاد حل سريع في أقصر وقت ممكن حددناه بشهر كحد أقصى. انتهى الاجتماع على هذا النحو فرجعت إلى فرعي في أغردات حاملاً وعوداً من قادة الحركة في كرن بالاتصال بكل قيادات الحركة لإيجاد حل مناسب للأزمة.

تـابـعـونـا... في الجزء القادم

للتواصل مع الكاتب: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

Top
X

Right Click

No Right Click