حوار مع المناضل إبراهيم قدم أرفض ربط مصير إريتريا بالإصطراع في إثيوبيا وهكذا بدأت الثورة الإريترية - الجزء الأول
حاوره الإعلامي الأستاذ: جمال همد - صحفي وناشط سياسي إرتري ومدير موقع عدوليس المصدر: عدوليس
قطع المناضل العمالي إبراهيم قدم ما تشهد الساحة الإريترية
من إنقسام داخل القوى السياسية الإريترية حول الإصطراه الذي ينتظم إثيوبيا، وربط ذلك بإزاحة النظام القائم في أسمرا، ودعى لطريقا ثالثا يستند لتجارب نضالات الشعب الإريتري، بعيدا عن التحالف مع هذا الطرف أو ذاك في إثيوبيا. كما طالب جبهة تحرير شعب تقراي المعروفه بـ ”وياني“ إلى إعادة تقييم تجربتها في الحكم لأن الوضع الذي كان سائدا منذ إنطلاقتهم من منطقة ”ديدبيت“ وصولا لحكم إثيوبيا قد تغيرت حسب رأيه.
كما تحدث المناضل العمالي عن بدايات الثورة الإريترية وأجواء العالم في ستينات القرن الماضي في هذا الجزء الأول من الحوار التوثيقي. ننوه هنا ان الحوار قد جري قبل الأحداث الدراماتيكية التي جرت في إثيوبيا والتحولات الكبرى في الخريطة السياسية والعسكرية وأدت لدخول قوات جبهة تحرير تقراي لعاصمتهم الإقليمية مقلي في 28 من ينونيو الماضي.
والمناضل العاملي إبراهيم محمود قدم من قدامى مناضلي جبهة التحرير الإريترية وشغل عدة مواقع نضالية وأهما الأمين العام لإتحاد العام لعمال إريتريا منذ سبعينات القرن الماضي إلى مرحلة الإنقسام والإنهيار لجبعة التحرير الإريترية، كما كان عضوا في المجلس الثوري ـ الجهاز التشريعي لجبهة التحرير.
دخل الشعب الاريتري العقد الثالث تحت الحكم الشمولي الديكتاتوري وهو الذي انجز استقلاله بعد ثلاثة عقود بالتمام والكمال… كيف يبدو المشهد امام مناضل ناضل و ولا يزال يناضل؟؟
■ المشهد قاتم وغير مبشر، وشخصيا لست متفائلا وارجو ان أكون محطئا. فقد عدنا إلى مرحلة الأربعينات لكن بصورة مشوهة. تلك الصورة المأساوية التي أكتنفت الحياة السياسية بين المنادين بالوحدة مع إثيوبيا والمناوئين لهم من دعاة إستقلال إريتريا وحرية شعبها. أما اليوم فنحن في متاهة غرائبية فبعد ثلاثة عقود من النضال والتضحيات ان نعود لتلك المرحلة.
ولا أدل على ذلك من مشهد الإنقسام الذي تشهده الساحة الإريترية نتيجة الإصطراع الذي ينتظم إثيوبيا، في حرب لا ناقة لنا فيها ولا جمل كما تقول العرب، فشعب تقراي شعب إثيوبي ومن يحاربهم إثيوبيون، ومن يقول اننا نقف مع تقراي من الجانب الإنساني ومع تأكيدي موقفي الإنساني لقضية شعب تقراي وهو موقف مبدئي يسند لمواقفنا الثورية القديمة من كل قضايا الشعوب من نيكاراغواي الي منيمار، لكن هذا لا يعفينا من نسيان قضيتنا وربط قضيتنا مع قضية ”وياني تقراي“… ومن يبرر موقفه من ان الوياني هي التي منحتنا الإستقلال فهذا موقف لا أحتمله لان الإستقلال جاء نتيجة نضال شعبنا وليس منحه من أحد، وأحب ان اقول هنا دون الدخول في تفاصيل ان العلاقة بين جبهة التحرير الإريترية وجبهة تحرير شعب تقراير ”وياني“ منذ بدايتهم في العام 1975م مرت بمنعطفات مختلفة وقد أختاروا مبكرا التدخل في شؤون الثورة الإريترية من خلال تحالفهم مع الجبهة الشعبية لتحرير إريتريا وتسببوا في إنهيار جبهة التحرير عسكريا، الآن هم يتجرعوان من ذات الكأس ومن حليفهم السابق أسياس أفورقي الذي وجد السند والعون منهم ليبقى رجل الساحة في إريتريا واليوم يعمل على إزاحتهم من المشهد السياسي الإثيوبي.
وألان على ”الوياني“ ان يعدوا حساباتهم ويقيموا تجربتهم، ومن يتباكى على ”وياني تقراي“ الآن الأولى له ان يبكي على مصير إريتريا، كما اننا لايمكن ان نقدم الدعم والمساندة لتقراي ونحن عراة مكشوفين، وفاقد الشيء لا يعطيه كما درج المثل الشعبي. بالنسبة للأطراف التي تساند ”وياني تقراي“ ومنهم مناضليين قدموا للشعب الإريتري الكثير أقول أنهم رهنوا مستقبلنا بمصير ”وياني تقراي“ ومصير جبهة تحرير شعب تقراي غير معروف حتى الآن. ونحن نعرف ان التنظيم الذي أبتدء أولى خطواته من منطقة ”ديدبيت“ بإقليم تقراي ومنها وصل لحكم إثيوبيا ليس سهلا إعادت السينايو الآن.
أختم ان الطرف الذي يتحدث عن ان تحالفنا مع ”وياني تقراي“ لازاحة النظام، والثاني يقول ان تاريخ علاقتنا بوياني تقراي تاريخ أسود وعلينا التحالف مع تحالف ابي أحمد اسياس لإزالت وياني من الوجود. انا اقول ان هنالك طريقا ثالثا هو ان هنالك وطنيين إريترين خارج الخيارين وهو البحث عن الحل في داخلنا، وأمامنا شواهد حركة ”فورتو“ العسكرية والسياسية وإستشهاد العقيد سعيد علي حجاي والمواجهة الشعبية التي قادها الشهيد الشيخ موسى محمد نور …الخ، وللأسف اننا لسنا على تواصل مع ما يعتمل في الداخل للتكامل معه ومساندته وإزاحة النظام وبناء نظام ديمقراطي تتعددي يستجيب لمتطلبات شعبنا. وعلينا ان نغير أساليب نضالنا كمعارضة.
ناضلتم وسط ظروف دولية واقليمية معقدة وفي ظل انقسامات في قوى التحرر الوطني الإريترية وتم انجاز الاستقلال… ما الذي يعوق عملية انجاز استحقاق دولة القانون والحكم الرشيد؟
■ أصبح الأمر الآن أكثر تعقيدا في ظل سيطرة القطب الواحد على العالم، ومحلولة سيطرة الدول الإمبريالية الغربية على حركة الشعوب، وكل شعب يتحرك في ظل هكذا أجواء مطالبا بحريته وإستحقاقاته في الحرية والديمقراطية والمثل الإنسانية أصبح مارقا من شريعة العالم ووصم بـ ”الأرهاب“، والحمد لله نحن بدأنا الثورة كجبهة التحرير الإريترية وقبلها حركة تحرير إريتريا في ظل أجواء مواتيه وسط رياح حركة التحرر الوطني التي كانت تنتظم العالم في آسيا وأمريكا اللاتينية، خاصة في أفريقيا التي كانت شعوبها ترزح تحت هيمينة الدول الكبرى آنذاك فرنسا وبريطانيا، وبفضل كبار مناضلي القارة السمراء أمثال كوامي نيكروما وأحمد سيكتوري وجومي كنياتا وجوليس نيريري وعبد الناصر الذي حول مصر لقلعة المناضلين في العالم.
كانت الإنتصارات التي تحققها الثورة الجزائرية تجد صداها في إريتريا، كما ان الثورات في كوبا وإنتصار الثوار ضد حكم الديكتاتور باتيستا، وإنتصار الثورة الفيتنامية على الإستعمار الفرنسي وبعد ذلك ضد الأمركان بقيادة هوشي منه والجنرال جياب ورفاقه، كل ذلك كان له صداه في تعضيد ساعد الثورة طوال ثلاثة عقود، بالرغم من شح الدعم الدولي والإقليمي خاصة في السنوات الأولى التي كان الإعتماد على الشعب الإريتري في الريف والحضر والخارج، ولكن الدعم الذي أتى من سوريا والعراق كان له الفضل الأكبر في إستمرارالثورة والتي تضاعفت حاجتها للدعم بعد 1975م بإنضمام آلاف الشباب والشابات بالثورة الإريترية.
بالعودة لمفرادات بدايات نضال الشعب الاريتري .. ارسم لنا صورة للوضع المحلي والاقليمي والدولي في نهاية خمسينيات القرن الماضي؟
■ اخالني قد أجبت على هذا السؤال في معرض إجابتي على السؤال الثاني ومع ذلك اقول ان الوضع كان حينها مواتي بعكس هذه الأيام، فقد كانت رياح التحرر الوطني تهب على العالم، وكانت المنظومة الأشتراكية في أوج عظمتها وقوتها، مع إنها لم تقدم لنا الدعم كشعب إريتري، كما كان العالم منقسم بين القطبين المنظومة الأشتراكية بقيادة الإتحاد السوفيتي والعالم الذي كان يصف نفسه بالعالم الحر بقيادة الولايات المتحده الأمريكية. كل ذلك تغير الآن وأصبح أي تحرك في ظل العالم الحالي وتحكم القطبي الواحد في العالم يوصف بالأرهاب مع ان الإرهاب الأكبر هم الذين يخلقوه، مع انهم يتركون الديكتاتور ليحكم عقود، ومن لا يتعاون معاهم يوصف بالإرهابي، والأرهابي الحقيقي يترك وشأنه ولا أدل على ذلك سوى وجود أسياس يتحكم في رقاب شعبيه.
تـابـعـونـا... في الجزء القادم