الإعلامي والروائي حجي جابر في حواره مع زينا رغوة سوداء اكثر حظاً من غيرها وأجد نفسي في الأدب أكثر من الإعلام
حاوره الإعلامي الأستاذ: باسم القروي المصدر: وكالة زاجل الأرترية للأنباء - زينا
• أنا مركز في الكتابة، ولتسويق أعمالي طرف آخر وهذا يريحني.
• أعمالي في طريقها إلى اللغات: الإنجليزية والفرنسية والفارسية والكردية العبرية.
لكونه رجل إعلام مشهور وهميم بأرتريا طلبت منه مساهمة ناصحة تخاطب دورة إعلامية أقامتها ”زينا“ لإعلاميين هواة متطوعين أرتريين فاعتذر.
استغربت! لأني متعود على ”نعم“ منه دون ”لا“ فقلت له: هل من مقابلة معك تبدأ بالسؤال عن دواعي رفضك، وتنتهي عند آخر سؤال يدور بخلدي؟
فقال: بكل محبة فانشرحت، وذهب ما كان لدي من انقباض.
كثير من الأرتريين خاصة أصحاب الظهور والمواهب عندما تأتي إليهم وسيلة إعلامية تستنطقهم يُحجمون، وبعضهم يأتيه جموحه بعد ما يرى الأسئلة، وبعضهم يتضايق من نتائج متوقعة للمقابلة فيلوذ بالصمت، خوفاً مما تسببه الكلمة المنشورة من متاعب ويرغب أن يعيش في منطقة ”هادئة“ يعتز بالهروب وكأنه حقق إنجازا رائعاً، وحجي جابر ناطق شجاع، يرسل الكلمة ويتهيأ لاستقبال نتائجها وليست كل نتيجة شهية المذاق، وليست كل شجرة حلوة الثمرة.
طرحت الأسئلة على الضيف الكريم فكانت الإجابة المركزة الواضحة ومما أعجبني فيها أني أتعامل مع قلم أنيق يدرك سر الكلمة وجمالها، ويتحدث بثقة ومهارة، ولهذا يمنحك معنى مباشراً لا ثرثرة فيه، يمكن وصفه بأنه تحفة، والمواهب أقسام.
ترى المقابلة أن العمل في الإعلام ”مفيد معيشة ومهنة“، لكن العمل في الأدب أرحب، وأعمق. والقضية الأرترية حاضرة في كل أعمال حجي حتى في الرواية الهررية الإثيوبية رامبو الحبشي فأرتريا كانت مصدر إلهام لحجي قلت له: رواياتك غير مبتسمة تنقل القارئ من محنة إلى أختها فأجاب أنه يكتب عن واقع أليم. وبشرت المقابلة بكتاب جديد يضم أكثر من عشرين رواية لأرتريين وأرتريات في إبداع قادم يرى النور قريباً.
مرحبًا بالروائي والإعلامي الأرتري حجي جابر، أنت آلف ومألوف لقراء ”زينا“ فقد تعودنا أن نراك بيننا ملهمًا كلما طرقنا بابك. فبم تفتتح هذا اللقاء؟
أبدأه بتقديم الشكر لأسرة ”زينا“ على اهتمامهم الدائم بالأدب والأدباء في إرتريا، وهذا دور مهم وفاعل ينبغي أن يكون في حسبان كل المشتغلين بالإعلام.
بشرنا عن القلم الخامس من رواياتك، أين وصل العمل في ”رامبو الحبشي“؟
صدرت الرواية مؤخراً بأربع طبعات متزامنة، الطبعة الرئيسية في الكويت عن منشورات تكوين، وهي النسخة التي ستعمّم في المنطقة العربية والعالم.
وهناك الطبعة الجزائرية عن دار ضمة، والطبعة الفلسطينية عن دار طباق للنشر والتوزيع وأخيراً الطبعة المصرية عن مكتبة تنمية. وهذه فرصة أيضاً لشكر القائمين على هذه الدور لمرونتهم العالية والتي كانت نتيجتها الخروج بهذا الشكل من النشر غير المألوف كثيراً في المنطقة العربية.
أخذت رواياتك في الاندياح نحو العالمية إذ قرأت أنها ترجمت إلى العبرية والفارسية والإيطالية والإنجليزية... فهل بلغ طموحك محطة الرضى والانشراح؟
الرضا حاضر منذ الكتاب الأول، لكنه ليس بمعنى الركون والقعود عند الذي تحقّق. أنظر إلى الكتابة كمشوار أو رحلة من الوعي والنضج والحركة للأمام، تعلّمت منها وما أزال. ليس ثمة قمة في الكتابة، أو هي القمة التي لا تجيء دون أن يتوقف السعي نحوها.
كيف يتم التسويق لأعمالك إلى اللغات الأعجمية؟ وما اللغات التي تم الترجمة إليها حتى الآن؟
لديّ وكيلة أدبية من هولندا متخصصة في الأدب الإفريقي وهي التي تقوم بتسويق الأعمال لدى دور النشر في اللغات الأخرى. هذا الأمر يساعدني على
التركيز على الكتابة وترك بقية الأمور على كاهلها. هناك أعمال تم الانتهاء من ترجمتها وأخرى في طور الشغل وثالثة تنتظر، وكل هذا سيظهر تباعاً في اللغة الإنجليزية والفرنسية والفارسية والعبرية والكردية، وقد سبق الظهور للغة الإيطالية.
ما أكثر رواياتك حظًا في النشر حتى الآن والترجمة ولم؟
حتى الآن الحظ الأكبر من نصيب رغوة سوداء، وربما ذلك بسبب حصولها على جائزة كتارا مؤخراً، لكن أعتقد أن هذا رهن بعض الوقت حتى تقترب الأعمال من بعضها فيما يخص أعداد الترجمات.
قلت لي في تواصل خاص أنك تخليت عن الإعلام نشاطا وإبداعاً إلا بمقدار الوظيفة ”الرزق“ واتجهت إلى الرواية..
هل انتقلت من محطة مظلمة إلى محطة مضيئة؟
ألا تجد في الإعلام رسالة تنفع الجمهور أكثر؟
أليست أضواء الإعلام هي التي ساقتك إلى النجاح في الرواية؟
هل يستحق الإعلام الإعراض عن الإبداع فيه؟
أليست أضواء الإعلام أبهر وأظهر؟
الأمر ليس بحثاً عن الأضواء، بقدر ما هو البحث عن المجال الذي يجد المرء فيه نفسه بشغف كبير ومتجدد. الإعلام مجال عظيم ومفيد لكني لم أعد أجد نفسي فيه. الأدب أرحب وأعمق وأقرب نقطة ليكون الواحد نفسه.
ذكرت ”الفلاشا“ بإسهاب في ”الرغوة السوداء“ والرواية الجديدة عن ”الهرري“ فهل تحس أنك قمت بالواجب تجاه أرتريا بالقدر الكافي لتوسع تفكيرك وقلمك إلى محطات جديدة؟
لا أنظر للأمر بهذه الطريقة. لن أصل لمرحلة أقول فيها الآن تم الاكتفاء من الإضاءة على إرتريا ولنغادر إلى منطقة أخرى. الكتابة عن إرتريا حاضرة حتى خارج الجغرافيا. كل ما يتقاطع مع الهم الإنساني سيكون آخر المطاف كتابة عن إرتريا بطريقة أو بأخرى، ثم إني لم أذهب بعيداً ولم تخلو رواية مما ذكرت من حالة إرترية ما.
ما الآفاق التي ترى انها تحتاج إلى عمل فني ادبي في أرتريا؟
إرتريا منطقة بكر روائياً، وهناك فرصة أمام الروائيين للاغتراف من القصص التي لم تمسّ. كل ما تم الالتفات له ككتب تأريخية يمكن الانتباه له روائياً، الأوطان البديلة في الخليج وأوروبا بها حيوات غنية روائياً، الداخل بعد ان هجرته الأغلبية لا نكاد نعرف عنه شيئاً.. الخ.
”رغوة سوداء“ عن فتى ولد في بيئة شقية وانتهت حياته برصاصة، و”سمراويت“ و”مرسى فاطمة“ يتقلبان في الآلام، و”لعبة المغزل“ مشحونة بأجواء صراع من تزييف للتاريخ وسرية وتحقيق وقبح الرئيس واستغلال الآخر لصنع مجد لنفسه، وتنتهي نهاية غير متوقعة: (تختارنا لا نختارها) ورواية ”رامبو الحبشي“ حسب ما نشر عنها من تعريف حتى الآن ليست تسوق إلا إلى وضع فيه ظالم مظلوم في ”هرر“ المدينة الإثيوبية والأجواء غير سعيدة.
هل صحيح أنك كتبت عن المحن والمعاناة رواياتك قاتمة حزينة! متى تكتب عن الأمل والابتسامة، متى تكتب ما يضحك القارئ ويسره ويسليه.
قد يكون هذا رهن طبيعتي وبالتالي أمر لا فكاك منه. وقد يكون بسبب طبيعة المنطقة التي أعالجها روائيا، فهي غارقة في هذه الحالة الحالكة. من الصعب الكتابة عن أمر مبهج في الحالة الإرترية الراهنة مثلا. الروائي بطريقة أو بأخرى يتحرك انطلاقا من المزاج العام الذي يطبع زمنه ومكانه.
السواد الاعظم من الشعب الأرتري بالداخل خاصة ولوع بالأغاني والفن الراقص والشعر الشعبي، والكتابة الأرترية باللغة العربية تأتي في محيط مصروف عنها فهل وجدت رواياتك ترحيبا جماهيريا أرتريا أو أنك تكتب لغير الأرتريين؟
لا أستطيع الجزم بأن الإرتريين في الداخل هذه هي شواغلهم فقط.
يتواصل معي البعض للحصول على كتبي. أما خارج إرتريا فهناك حال احتفاء لا تتوقف، ويظل القارىء الإرتري هو سندي الأكبر وداعمي على الدوام.
القارىء غير الإرتري مهم أيضا، وباعتقادي أن على الكاتب الحرص على أن يصل إلى أكبر شريحة ممكنة من القراء خارج دائرة تصنيفهم.
هل من بشريات جديدة في ختام هذا اللقاء تهديها للقارئ؟
هناك عمل سيصدر قريباً يضم قصصاً لأكثر من عشرين كاتبا وكاتبة من إرتريا ينشرون للمرة الأولى، وسيكون بمثابة فرصة عظيمة لتقديم أسماء جديدة أتمنى أن تشق طريقها في عالم الكتابة وتثري المكتبة الإرترية بأعمال جميلة.
للتواصل مع الكاتب: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
باسم القروي: كاتب حاضر، عرف الإعلام منذ أيام كان طالبًا في الثمانيات، يرى أن القضايا الضعيفة توجب المناصرة القوية ولهذا يتشبث بالقلم.