حوار مع حيوت إبراهيم محمود صالح قدم
حاورها الأستاذ: عبدالرازق كرار عثمان - كاتب وناشط سياسي ارترى
حيوت إبراهيم محمود صالح قدم من أسرة تشربت بحب النضال والعمل من أجل قيم العدالة الاجتماعية في إرتريا
جاءت (حيوت) فهي إبنة المناضل والنقابي العمالي المعروف إبراهيم قدم - نشأت وتربت في السويد وإمتهنت العمل الطوعي ومع أول فرصة جاءت إلى معسكرات اللاجئين لتعود إلى جذورها رغم طول الغربة وبعد المكان لتصدق فيها مقولة الماس لا يصدأ بفعل الزمان أو المكان، حاصلة على الماجستير في العلوم السياسية من جامعة اوبسالا، وتعمل في مصرف بمدينة استكهولم، عملت في منظمة الصليب الأحمر، كما عملت في عدة منظمات طوعية تهتم بالمرأة وحقوقها كما تهتم بأطفال المدمنين، جاءت بدعوة من منظمة حريرت في السودان ولم تتمالك دموعها وهي ترى مأساة اللاجئين الإرتريين خاصة في معسكر ود شريفي بالقرب من كسلا، التقيناها وكلها عزيمة وإصرار على العمل من اجل هؤلاء اللاجئين فكان لقاءنا معها وكانت هذه الإفادات:
في البدء نريد أن نعرف تأثير كونك ابنة المناضل إبراهيم محمود صالح قدم على حياتك؟
بالتأكيد لذلك تأثير كبير على حياتي ويمكن أن أعدد ذلك من خلال التأثيرات السلبية التي يمكن ان أحصرها في أن أسرتي قضت جزء كبير من حياتها في النضال وكان يمكن في هذه الفترة أن تطور نفسها وإمكاناتها ويكون لذلك تأثير كبير على حياتنا دون شك، من جهة أخرى فإن مردود نضال أسرتي تجاه اهدافها لم يحقق المطلوب وبالتالي فها هم يعيشون في المنافي وبالتالي لم يحققوا اهدافهم على الصعيدين.
أما النواحي الإيجابية فأستطيع أن أقول أنني اعرف عن إرتريا وتاريخها أكثر من أبناء جيلي وهذا توفر لي من خلال هذه الإسرة، أيضاً فإن تجاوز أسرتي للإنتماءات الضيقة جعلني أتعاطى مع الكثير من القضايا بإنفتاح أكبر تحت مظلة الوطن أكثر من أي مظلة أخرى بل أستطيع أن أقول إن العيش في السويد جعلني أحياناً أتجاوز ذلك للتعاطي مع الشأن الإنساني بشكل أوسع.
أحس من إجابتك أن تاريخ أسرتك في النضال تتعاطين معه من خلال مفهوم الربح والخسارة المباشرة وهذا قد يختلف مع تقييم أسرتك لهذا التاريخ؟
لا أنا أحترم تاريخ أسرتي وتقييمها لهذا التاريخ ولكن إردت ان أكون صادقة مع نفسي، ولهذا جاءت إجابتي من خلال مفهومي لذلك، لكن أستطع أن أقول أن مفهومي أيضا يكاد من خلال بعض المواقف يتطابق مع مفهوم أسرتي عندما أرى العلاقات القوية التي تربط اسرتي ووالدي بالتحديد مع العديد من المناضلين واحترامهم لبعضهم وهي علائق تسمو فوق المصالح ولا تملك إزاءها إلا الإحترام.
ولكن يظل الإحساس بخيبة الأمل من نتاج هذا المشوار الطويل ماثلة وهذا قد يكون أحد الأسباب التي تجعل إبناء جيلي يزهدون في العمل السياسي الإرتري. وعموماً أستطيع أن أقول أن المجتمع الذي تربيت فيه يساعد على بناء الشخصية المستقلة لذا لاأحبذ كثيراً الاعتماد على مجهودات الوالد رغم إحترامي له كما أتمني أن لا يحملني المجتمع أكثر من إستطاعتي لأنني لست إبراهيم قدم ولن أكون بمستواه ولا مفاهيمه.
إنت درست مفاهيم الديمقراطية وتعرفين تطبيقاتها، كيف تقيمين مشكلة إرتريا وهل تعتقدين أن الديمقراطية هي مفتاح الحل لمشكلتها؟
مشكلة إرتريا هي مشكلة معقدة جداً في نظري، فهي مشاكل إجتماعية وإقتصادية ولا جئين وبنيات تحتية ولكن الديمقراطية كممارسة قد تكون هي المفتاح فحلول تلك المشكلات لايتم إلا من خلال مشاركة الجميع وهذا ما لاتوفر الآن في النظام، ونظرياً للديمقراطية تسعة معايير معروفة عند الأكاديميين قد يصعب تحققها حتى في الأنظمة الغربية ولكن المفارقة أن إرتريا لا يوجد بها ولا واحد من تلك المعايير، والديمقراطية هي مفهوم وفلسفة متكاملة من لايطبقها في بيته مثلاً لا يمكن، يطبقها في الدولة، والبدائل إذا لم تمارس الديمقراطية الآن لا يمكن أن تمارسها وانت على سدة الحكم وبالتالي أحب ان الفت نظر الجميع لهذه المعايير.
كيف تقيمين إسهامات جيلكم في مساعدة المجتمع الإرتري الذي وصفتي مشكلاته بالمعقدة؟
حقيقة أنا أخجل من وضع الشباب الإرتري في اروبا وخاصة السويد لنكون أكثر تحديداً حيث اعيش هناك، فرغم ضخامة الفرص المتاحة للتعليم وتطوير المهارات الذاتية والعمل الطوعي فإن القليل جداً من جيلنا هو من استفاد من تلك الفرص، أنا لا أعرف الأسباب بالضبط ولكن تلك هي الحقيقة المجردة المؤلمة، ولكن يمكن أن أذكر بعض من تلك الأسباب من وجهة نظري، وهي أمل العودة إلى الوطن وبالتالي يعتبر إن وضعه طارئ وهو تفكير غير إستراتيجي في تقديري، إضافة إلى طبيعة الأسر التي هاجرت فكثير منها اسر قليلة الحظ في التعليم وبالتالي لم تدفع أبناءها بإتجاه التعليم والإستفادة من الفرص، لذلك نجد أن الصوماليين مثلاً أكثر حضوراً من الإرتريين، كما لاحظت أن البنات الإرتريات مثلاً أكثر إستفادة من فرص التعليم من الأولاد وربما يعود ذلك إلى مكوث البنت كثيراً في البيت مما يتيح لها فرصة المذاكرة أكثر، كذلك الكثير من البنات يهربن من الزواج بحجة الدراسة وكل تلك العوامل رغم أنها في ظاهرها ضد البنات لكن كانت في المحصلة النهائية لصالحهن.
الى أي مدى يرتبط جيلكم بوطنه وقضيته؟
الوضع في إرتريا غير مشجع وبالتالي إرتباط هذا الجيل بوطنه ليست كبيرا بل أستطيع إن أقول عنها مخيفة، وربما يعود هذا إلى طبيعة المجتمعات التي تربوا فيها، لكن بالمقابل نجد إرتباط غير واقعي تقوم به الجبهة الشعبية حيث تصور إرتريا بأنها جنة وبالتالي بعد أول زيارة يكتشف هؤلاء الحقيقة مما يزيد الجفوة مع الوطن، كذلك في كثير من الأحيان تصور الجبهة الشعبية إن إرتريا هي دولة تقرنية وبالتالي لا مكان فيها لغيرهم لذا يندهشون عندما تقول لهم أنك إرتري ولا تجيد التغرنية، وهذا يدفع هؤلاء للزهد في هذه الدولة، عموماً كما وصفت لك فإن الكثيرمن هذا الجيل الذي لم يستطع ان يستفيد من الفرص الكبيرة المتاحة أمامه لا يعول عليه ليقدم للمجتمع لأنه حتى وإن رغب في ذلك فلا يملك الأدوات المساعدة لذلك.
كيف جاءت فكرة هذه الزيارة إلى السودان؟
أنا كنت اعمل في المجال الطوعي، خاصة مجال المرأة وحقوقها وبالتالي فكرت لماذا لا أساعد نساء بلدي إذا كان بإمكاني ان أساعد، ومن هنا مع أول فرصة أتيحت لي جاءت هذه الزيارة وهذه المساهمات المحدودة والمتواضعة.
ماهي المناطق التي قمت بزيارتها وماهي إنطباعاتك حول الزيارة؟
انا زرت معسكرات أم قرقور والشجراب وكيلو (26) وودشريفي، وحقيقة اصبت بالخجل والصدمة الكبيرة عندما رأيت الوضع المأساوي، وهو فوق الخيال لأنني زرت معسكرات اللاجئين الأفغان والفلسطينين في لبنان وسوريا، لذا لم أكن أتوقع ان تقل معسكرات اللاجئين الإرتريين عن تلك المعسكرات، كما لم أتوقع أن تقل عن المدن السودانية فهي معسكرات تجاوز عمر بعضها الثلاثون عاماً، ولكن وجدت اللاجئين دون منازل وبعضهم يعيش في الخيام ودون أثاث دون خدمات تعليمية وصحية والأمراض منتشرة، حقيقة الصورة أصعب من أن أصفها بالكلمات، والمؤسف أنني وجدت أقارب لبعض المقيمين في السويد ووجدتهم في الحضيض لا يملكون شيئاً وبمقارنة بين الصورتين الصورة كانت مختلة وهذا يعطيك صورة مصغرة لإسهام المهاجرين مع مجتمعهم، كما آلمتني جداً خيبة هؤلاء اللاجئين تجاه الزوار الذين يوثقون لتلك المأساة فيقولون لك (إنتوا جايين تصورا لكن ما حتعملوا حاجة لأنو قبلكم جو كتار صوروا وفاتوا).
ما هو تأثيرتلك الصورة عليك وكيف ستتعاطين مع هذا الوضع؟
هذه الصورة التي رأيتها والتي لم أكن أتخيلها مطلقاً حيث يقيم الإرتريون (بقطاطي) من القش، وخيام من القماش سيدفعني إلى مزيد من المحاولات لإقناع المنظمات المانحة حتى تقوم بتمويل المشاريع الصغيرة خاصة لدعم المرأة والمياه، هناك مشاريع صغيرة مثل حمامات في مستشفي تكلفتها صغيرة وهي في ذات الوقت مؤثرة جدا في حياة الناس ومستقبلهم الصحي ويمكن حتى تمويلها بشكل فردي أو مجموعة من الإرتريين متوسطي الدخل، سأستخدم الصور والأفلام التي صورتها مع أصدقائي وأبناء جيلي من الإرتريين في السويد وسأقنعهم للمساهمة في مجتمعاتهم في معسكرات اللاجيئن بشرق السودان، بدلاً من الذهاب إلى معسكرات اللاجئين في فلسطين أو أفغانستان.
أنا مقتنعة ان هنالك الكثيرين الذين يمكن ان يساهموا في مشاريع رغم صغرها ومحدوديتها لكن لها تأثير مباشر ومردود إيجابي على حياة أهلنا في المعسكرات. بالتأكيد ليس بأيدينا عصا سحرية لتغيير الواقع ولكن يجب أن ننظر بعين الأمل وسوف نساهم بقدر استطاعتنا وإمكاناتنا.
ماهي معلوماتك عن معاناة الشباب الإرتري الذي يطلب اللجوء خاصة في إيطاليا التي يصلها عبر رحلة شاقة من ليبيا؟
أنا لا استطيع أن أقيم معاناتهم لأنني لم أعايش تجربة مماثلة، ولكن من خلال المعلومات المتوفرة فإنهم يصلون إلى اروبا بعد رحلة هي بين الحياة والموت وهي رحلة قاسية، وهي رحلة تدفعهم لها الأوضاع المأساوية في ارتريا لذا أناشد الدول الأوربية لتخفيف معاناتهم بسرعة قبول طلبات لجوؤهم اليها، وأنا كنت أتعاون مع بعض الحالات المماثلة التي وصلت إلى السويد وهم في مرحلة تقديم طلباتهم ولم يبت فيها، ولكن أروبا عموما تلزمها قوانين دولية ومحلية في موضوع اللاجئين يصعب تجاوزها، ونحن نقوم بمظاهرات إحتجاج على هذه الإجراءات والمجتمع السويدي ألان أكثر وعياً بما يحدث في إرتريا من خلال نموذج الصحفي (داويت إسحق) الذي يحمل الجنسية السويدية.
كيف وجدت وضع الشباب والطلاب الإرتري في السودان؟
لم تكن لي معلومات متكاملة ولكن يبدو ان المجتمع السوداني مجتمع مساعد للإرتريين حيث وجدت أعداد كبيرة من الطلاب في الجامعات والدراسات العليا كما وجدت أعداد كبيرة في الحياة العامة ولهم علاقات جيدة بالمجتمع السوداني الرسمي منه والشعبي وقد بعث ذلك السعادة في نفسي، وبالتالي هذه الزيارة صححت لى معلومات كثيرة، وحقيقة الدراسات الغربية أثبتت أن السعادة لدى الإنسان الأوربي هي اقل مما هو موجود لدى الإنسان الأفريقي وذلك رغم الرعاية الكبيرة التي يجدها المجتمع الأوربي وكذلك الإرتريون الموجود في السويد، لكن الناس هنا في السودان اسعد بكثير مما هم هنالك، خاصة الجيل الأول الذي أنتزع من بيئته، وبالتالي اروبا ليست هي الجنة الموعودة لذا يمكن للناس هنا أن توفق أوضاعها وتكون أكثر سعادة واستقرارا، وأرجو أن لايؤخذ كلامي هذا من باب المزايدة بإعتباري أقيم في السويد ولكن هذه هي الحقيقة من وجهة نظري على الأقل.
رسالة أخيرة لمن توجهينها؟
أوجهها لأبناء جيلي إذا صحت التسمية، وهو أنه أصبح لدينا وعي كبير بالعمل الطوعي رغم قلة الإمكانات، لذا لا بد من أن نمتلك زمام المبادرة لتوجيه ذلك الوعي إلى أهلنا في معسكرات اللاجئين لأن هذا المجتمع يستحق منا أن نقدم له ما نستطيع بدلاً من الذهاب إلى لاجئي أفغانستان أو فلسطين، كما أود في الختام ان اشكر منظمة (حريرت) والجمعية الطبية الإرترية ومعتمديه اللاجئين بالسودان لتسهيل المهمة، والشكر أجزله للشعب السوداني الذي أستضاف شعبنا طوال هذه المدة من التاريخ - ولا يزال.
للتواصل مع الكاتب: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.