حوار مع المناضل والكاتب الإريتري محمد سعيد ناود
حاوره الأستاذ: أحمد عمر شيخ - شاعر والروائي ارترى
هجرة الصحابة كانت إلى إرتريا وليس إلى إثيوبيا ؟!!. أصول الشاعر الروسي الكبير بوشكين مِنْ ”دباروا” الإرتريَّة !!. الحركة تشكَّلت
من كل أنحاء إرتريا… والشعب الإرتري مبدع.
أجرى التلفزيون والإذاعة الإرترية لقاءاً مطوَّلاً مع الأستاذ/ محمد سعيد ناود، تطرق فيه إلى عدَّة محاور حول الهجرات القديمة والرموز التاريخية والثقافية، وكذا حركة تحرير إرتريا والأدب الإرتري المكتوب بالعربية.
شيخ: ننتقل إلى (حركة تحرير إرتريا)، ظروف نشوءها، ومدى تأثرها بحركات التحرر من حولها ؟!
ناود: حقيقة.. بالنسبة للحركة، حركة تحرير إرتريا أنا كتبت عنها كتاب (حركة تحرير إرتريا - الحقيقة والتاريخ) وفي هذا الكتاب قدمت كل ما أملكه من معلومات وحقائق، وهو مطبوع باللغة العربية، وأتمنى أن يُترجم ويطبع باللغة التجرينية لتعمَّ الفائدة. لكن في كلمات قليلة فإن (حركة تحرير إرتريا) حقيقة تكونت في وقتها، وهي تشير بأن هذا الشعب عنده إشراقات وإبداعات، وهي تشكلت في وقتها المناسب.
في تلك الفترة كان مفهومنا أن نأخذ طريقنا الطبيعي نحو الاستقلال، لكن الدور الإثيوبي المعروف، وإصرارهم على مصادرة إرتريا بكاملها، وادعائهم بأن إرتريا جزء منهم، وقف عائقاً أمام استقلال إرتريا، وبالتالي دخلت في (الفيدرالية)، وفي تلك الفترة كانت حركات التحرر الوطني سائدة في العالم كله باعتبار أن القارات الخمس كلها ترزح تحت الاستعمار الأجنبي ممثلا في الاستعمار البريطاني والفرنسي و غيره. وبالتالي بعد نهاية الحرب العالمية كانت هناك نهضة من قِبَل كل هذه الشعوب، تطالب فيها بالاستقلال، كان في الهند (حزب المؤتمر الهندي) بقيادة (مها تما غاندي)، وكان مُلْهِماً لكل الشعوب، و(السودان) بالنسبة لنا هو بلد مجاور على حدودنا كان يحيا نهضة وطنية تطالب باستقلاله، والجالية الإرترية كانت موجودة في (السودان) بل تكاد تتأثر بهذا، في (مصر) كان هناك (حركة الضباط الأحرار) بقيادة (جمال عبد الناصر)، وكانت مُلهمة آنذاك، بإعتبار (ناصر) رفع راية النضال ضد الاستعمار في أفريقيا وفي المنطقة العربية، هذه العوامل مجتمعة كان لها تأثيرها.
في إرتريا كانت الحركة الوطنية و الأحزاب قبل (حركة التحرير الإرترية)، وبمجرد ما بدأت (الفيدرالية) تم قمعها و إنهائها، وكان هناك فراغ وكان لابد أن يتم تحرك الشعب، و قام هذا الشعب. نتيجة لكل تلك العوامل تأسست (حركة التحرير الإرترية) عام1958.. والحركة عندما قامت كانت تدرس ما حصل، لماذا أخذت إرتريا الطريق إلى (الفيدرالية)، لذلك الحركة عندما قامت تجاوزت هذه الانتماءات الضيقة إلى الانتماء الوطني، وركزت على الوحدة الوطنية، حقيقة حركة التحرير ركَّزت على الوحدة الوطنية لأنها عرفت أن الأثيوبيين تسللوا إلى داخلنا عبر تمزيقنا بشعار(فرِّق تسد) قبلياً/ طائفياً/ إقليمياً، وهذه البلوى كانت موجودة، فالحركة حاولت أن تتجاوز ذلك، ولذا كان الجانب الإيجابي أن الحركة، وفي آنٍ واحد تشكلت في كل أنحاء إرتريا، من(دنكاليا) إلى (سمهر) إلى (الساحل) إلى (الهضبة) وإلى (بركه) و(عنسبا) في وقت واحد، بسرعة في وقت قياسي هذه الحركة تشكلت من المواطنين، بصرف النظر عن الانتماءات الضيقة، لهدف واحد هو تحرير إرتريا، وأسلوب واحد هو التشكيلات السرية، لآن الأثيوبيين شكلوا أجهزة أمنية تتجسس على كل مواطن، وتحصي أنفاس المواطنين الإرتريين وتعتقل وتعذِّب، بالتالي الحركة اختارت الأسلوب السري، وهذا كان سلاح بتَّار، أثيوبيا عجزت أن تحدد كيف يمكن أن تعتقل.
تشكيل الحركة كان يتكون من خلايا سباعية، فقد ينهار شخص في التعذيب أثناء التحقيق، لكن في النهاية لا يستطيع إعطاء أكثر من الستة أنفار ألذين هم معه في الخلية، ولا يعرف غير هذا.. أيضاً هناك نقطة مهمة هي أن (الفيدرالية) كانت موجودة عندما تشكلت الحركة و(حركة تحرير إرتريا) منذ بدايتها بدأت تعبئ بأننا في سباق مع الزمن، هذه (الفيدرالية) هي المحطة ما قبل الأخيرة لابتلاع إرتريا، ويجب أن نسبقها، وفي وقت قياسي أيضاً.. ونعلن استقلال بلادنا، والحركة رفعت شعار إلغاء (الفيدرالية)، وإعلان إستقلال إرتريا قبل أن تسبقنا (إثيوبيا)، وكانت الحركة تتنبأ بما سيحدث في 1962/11/14، والحركة كانت واضعة برنامج لما بعد الاستقلال في وقت مبكر، وهي نظرة متقدمة جداً. على العموم ما أستطيع قوله أن الحركة كانت محطة من نضال الشعب الإرتري، لم تكن البداية، لأن قبلها كان هناك من ناضل قبل حركة تحرير إرتريا وضحى، وهناك من ناضل وضحى ما بعد (حركة تحرير إرتريا) ولكنها مفصل مهم في تاريخ إرتريا.
شيخ: وضعتَ كتاباً حول تجربتك في (حركة تحرير إرتريا) كيف تراه ألان بعد سنوات من صدوره؟! وكيف ترى الانطباعات حول هذا العمل؟! و كيف لنا أن ندوِّن تاريخنا الإرتري في رأيك؟! وبالذات الرموز التاريخية كيف لها أن تعكس تجاربها في الثورة الإرترية؟
ناود: في الحقيقة أنا عندما وضعت هذا الكتاب باعتباري كنت رئيس الحركة، ومؤسسها، شعرتُ أنني يجب أن أكتب التاريخ بسرعة، وكثيرين من أعضاء الحركة كانوا يحثونني (يا أخي تاريخنا هيروح لأنه أنت الوحيد الذي كنت تفهم التاريخ أكثر… أكتب تاريخ الحركة…) كنت أقول أجل سأكتب، فكتبت الكتاب في ظروف ضغوط نفسية وبشكل سريع، وإذا أعدت كتابة الكتاب من جديد فقد يحدث فيه تعديل في بعض الأشياء.
شيخ: كيف يمكن كتابة تاريخنا الإرتري؟! وما هو واجب كل شخص اسهم في الثورة الإرترية حول كتابة التاريخ، حتى يكون لدينا رصيد للأجيال القادمة؟
ناود: ما أنصح به، وما يجب أن ألتزم به شخصياً، أن كتابة التاريخ يجب أن تكون فيها متجرداً، وتكتب الحقائق كما هي، وبالذات جيلنا الذي عاصر الثورة لا يملك أن يكون متجرداً دائماً، لا بد هو متأثر بتجربته، لازم هو متأثر بتنظيمه/ بحزبه، وبالتالي قد لا يكون محايداً، وبالتالي قد لا يكون دقيقاً، لذا على هذا الجيل أن يسجل الحقائق فوتوغرافياً كما هي، والتقييم يتركه للأجيال القادمة… لكن الآن فليسجل الحقائق كما هي بدون ما يطرح وجهة نظره، وهذا الجيل أيضاً يجب أن يكتب، لسبب بسيط، هو أن هذا الجيل سيرحل، فهناك حقائق موجودة في الصدور… هذه يجب أن تسجل كحقائق، هذا ما أنصح به. الشيء الثاني، معركة الشعب الإرتري التي تحقق الإنجاز فيها، وانتزع حقوقه، لا تخص الرموز فقط، عندنا عشرات الآلاف من المناضلين ضحوا وحققوا هذا الإنجاز … على الأقل أسماءهم يجب أن تكون موجودة، أنا أتبعت هذا النهج في كتاب الحركة لأنني حاولت أن أسجل أعضاء الحركة في الفروع المعينة… وهذا حق من حقوقهم، ومن لم أسجلهم بسبب النسيان طلبت أسمائهم لإدراجهم في الطبعة الجديدة من الكتاب، وهناك من ناضل في صفوف (الجبهة الشعبية) و(جبهة تحرير) كان من أعضاء (حركة تحرير إرتريا).
شيخ: وهذا امتداد طبيعي…
ناود: إلى هذا اليوم في (الجبهة الشعبية) هناك قيادات ووزراء كانوا في (حركة تحرير إرتريا).
شيخ: ننعطف إلى محور آخر، ونتحدث أيضاً عن قضية كانت قد أثيرت مؤخراً، وكتبت فيها أستاذ/ناود حول (بوشكين)، هذا الشاعر الروسي المعروف، وهو يرجع في أصوله إلى إرتريا لو حدثتنا عن هذا المفصل أيضاً؟
ناود: بمجرد ما نحن نقول كلمة يأتي (الأثيوبيون) لينازعونا… ويحاولون ذلك في مسألة (بوشكين) الذي هو إرتري، وهذه حقيقة تاريخية.
شيخ: ومن المصادفات أيضاً يعود في أصوله إلى نفس المنطقة التي كان ينتمي إليها النجاشي وهي (دباروا)؟!!
ناود: لأن (دباروا) كانت فيها حضارة عريقة… وقد قرأت في جريدة (الخليج) بأن الأثيوبيين يريدون إقامة تمثال ل (بوشكين) وأخذ هذه المسألة كمسلمات، ولكنِّي تسندني حقائق كثيرة من أقلام إرترية، وأقلام غير إرترية. ف (بوشكين) أخذ (الأتراك) جدَّه في إطار أخذهم شباب كثيرين للتجنيد من شرق إرتريا بالذات (الساهو) وغيرهم، فاشتراه (القيصر الروسي) الذي أعجب بهذا الشاب لأنه شعر فيه ملامح نبوغ مبكر وأعتبره جزءاً منه في القصر، ورفعه من رقيق عادي وعمَّده، وأراد تسميته (أبراهام) فاحتج وقال أنا أسمي (إبراهيم)، وقد ابتعثه القيصر إلى (فرنسا) في بعثة دراسية على نفقته لدراسة العسكرية التي أظهر فيها نبوغاً وخصائص أصوله الإرترية، وذلك حين حارب وجُرح في قتاله إلى جانب (الفرنسيين) ضدَّ (البرتغال)، وعاد يحمل 400 كتاب، وقد وصل إلى رتبة جنرال في الجيش (الروسي)، أي أنه إرتري ومن (الساهو) تحديداً، هذا هو جدَّه لأمه ل (بوشكين).
شيخ: بالتأكيد التشبث بالرموز التاريخية، والتشبث بالقرائن التاريخية، هو لتحديد شكل الهوية، وهذا حق من حقوق أي شعب، وهو يحتاج أيضاً إلي أناس يستطيعوا أن يعكسوا هذه الرموز. وننتقل أيضاً إلى محور الأدب الإرتري.. رأيك حول هذا الأدب، بداياته يمكن لو قلنا أبتدأ في فترة ظهور المجلات والصحف… كان هناك بعض القصائد على الأقل في ما يخص الأدب المكتوب باللغة العربية؟
ناود: الإرتريون يبدعون… وهذا ليس انحيازاً لأني إرتري، فالشعب الإرتري فنان… حقيقة أقولها أرجع وأدرس كل مناطق إرتريا ستجد هذا هو حال الناس.
شيخ: هذا بالنسبة للأدب الشفاهي والفلوكلور؟!
ناود: في الغناء مثلاً هناك (ود أمير).
شيخ: (ود أمير).. (ود باشقير).
ناود: (ود أمير) فنان.. فنان جد.. و (ود باشقير).
شيخ: في كل اللغات في (العفر) أيضاً علي داؤد تري… أيضاً في مختلف..
ناود: في كل المناطق الإرترية حقيقة.
شيخ: عن انتقال هذا الأدب الشفاهي إلى أدب مكتوب، وإرهاصات فترة الأربعينيات والخمسينيات؟!
ناود: فعلاً في تلك الفترة ظهرت أسماء في الصحف السيارة مثل (المنار) و(صوت إرتريا)، وأرشيف الصحف التي صدرت في تلك الفترة إلى الآن غير متكامل، قليل منه موجود في (مركز الوثائق)، وقليل منه موجود في (دار الإفتاء)، ومن الأقلام التي ظهرت في تلك الفترة (الشيخ إبراهيم المختار)، مفتي إرتريا في ذلك الحين، رجل مثقف وكتب الكثير، و(الأستاذ محمد أحمد سرور)، وهو رجل عظيم، شاعر وكاتب وأيضاً (محمد عثمان حيوتي)، و(ياسين باطوق)، و(عمر نجاش)، و(الشهيد عبد القادر كبيري) وقد كان رجلاً مثقفاً، وكان يكتب، و(الأستاذ عبد الحميد إدريس)، و(الأستاذ عبد الله أحمد يوسف صايغ)، والأخير توفي قبل ثلاثة أشهر هنا في أسمرا، هذه الأقلام هي التي كانت تكتب…، كمثال إليكم قصيدة كتبت في رثاء (الشهيد عبد القادر كبيري)، هذه القصيدة منشورة في الجريدة العربية الأسبوعية بتاريخ 1949/04/15، مكتوب بقلم (ر . س . من(قندع)، والمعتقد أنه (الأستاذ/ محمد سرور) يقول:
نبكي على فقدانِ ذاك الأمجدِ
رب الفضائل و الزعيم المُفردِ
نبكي على تلك البطولة و الحجى
وعلى الأمانة في سماءِ السؤددِ
شيخ: وتنم صياغة القصيدة وجزالتها تنم حول ما كان يكتب أيضاً في العالم العربي في تلك الفترة.. وهذا يعطينا أيضاً مؤشر أن البدايات كانت قوية، لكن لاحظنا بعد ذلك في خلال مسار الأدب الإرتري المكتوب بالعربية، ربما أنت أيضاً من الرواد، ممن جربوا الكتابة السردية، والرواية في تجربة (صالح - رحلة الشتاء). كيف ترى هذه التجربة في تلك الفترة وكيف كان صداها؟
ناود: طبعاً شعبنا كما قلنا ينجب، قد أكونً أنا بدأت أكتب في هذا الجانب قبل غيري، لكن هذا موضوع أخر قد نتكلم عنه، لكن الشعب الإرتري أيضاً ينجب، فبدأ يظهر أناس يكتبون مثل (الشاعر الراحل/ أحمد محمد سعد) والآن في الرواية والشعر، وفي غيره مثلك (الأستاذ أحمد)، وفي فترة زمنية وجيزة… هكذا يتم تعويض فترة الانقطاع التي حصلت من الأربعينيات والخمسينيات، فالآن بدأت أقلام كثيرة تبرز، هذه الأقلام بالتأكيد ستعمل وتعوض وستنتج، والشعب الإرتري شعب يبدع كما ذكرنا في كل المناطق هناك فنانين مثل الفنان (آتوا أبراهام سقيد) وأغنيته (عدي عدي جيجانوا ..) وهي أغنية ملحمية، فيها وصف إرتريا، وهناك مبدعين غيره.