حوار مع المناضل محمد احمد عوض عجيب - الحلقة الثانية والأخيرة
المصدر: أومال
كيف كانت المحكمة ؟
كانت الجلسة الأولى إجرائية ولم تكن مفتوحة كما طالبنا قال الإدعاء بأن له شهود وطالب بتحويلنا إلى موقع الحدث في مدينة أغردات
فقلنا نحن قبض علينا في مدينة كرن فلماذا نحول لغيرها فاتخذ القاضي قراراً بتحويل الشهيد حامد عثمان طمبار إلى أغردات والبقية إلى كرن وكنت فيها ومعي أخي آدم إدريس عمر شكر (تركاي) وكانت الجبهة تتابع كل شيء بتفاصيل عميقة وكانت شعبة الفدائيين بقيادة الشهيد القائد طاهر سالم وكانت مجا ميعها منتشرة في كل من كرن وأغردات وكان الشاهد الأول في مدينة كرن مواطن إرتري سلم من الجبهة ولم نراه نحن قبلها أبداً وقد تمكنت وحدات الفدائيين من إستدراجه وكان الهدف خطفه للميدان إلا أنه قاوم مما إستدعى الإجهاز عليه وبهذا سقط شاهد قضية كرن أما شاهد قضية أغردات ضد الأخ طمبار فقد تمكنت الجبهة من إستدراجه وخطفه إلى الميدان حسب التوجيه المتفق عليه وهو لم يقاوم وبعد فترة أحضر إلى مدينة كسلا وأطلق سراحه تحت تحذير بعدم مغادرة مدينة كسلا إلى إرتريا لأي سبب من الأسباب و إلا سيكون قد جنى على نفسه وهذا الشاهد كان سجينا تم إطلاق سراحه ليكون شاهدا رغم أنه كان محكوماً بخمس سنوات هكذا سقط شاهد الضد في أغردات أيضاً وبه سقط كل الشهود فتم إعادتنا إلى السجن أسمرا خوفاً من أية مفاجاءات أخرى وفى أسمرا قدمنا للمحكمة مرة أخرى وكان القاضي هذه المرة إثيوبي من الأمهر الذي طالب الإدعاء بالأدلة والشهود الذين ذكروا في جلسات المحكمة السابقة فنهض الإدعاء وأخذ يقول لنا شهود شاهد في بحر دار وآخر في بارنتو وكان هدفه الحقيقي كسب الوقت للبحث عن شهود وترتيبهم وتلقينهم ما يقولون وتعطيل المحكمة لأطول مدى ممكن قدمنا للمحكمة مرة أخرى بعدما جاء الإدعاء بشاهد بارنتو وكان ضابطاً بالغابات قال هذا الضابط إنه لا يجيد إلا الإيطالية والعربية بصعوبة ولهذا طالب بمترجم فغضب القاضي الأمهري وقال له أنت جندي في حكومة ولا تجيد لغتها فقال أنا إيطالي الثقافة والعربي سائد في منطقتنا وأخيراً أمنوا المترجم وأخذ يرد على الأسئلة فقال رداً على سؤال أين كنت ساعة وقوع الحادث كنت في منطقة الحدث هل تعرف هؤلاء قال هؤلاء الذين أمامي لم أراهم أبداً إلا الآن في المحكمة أمامكم وبهذا تحولت شهادته لمصلحتنا نهض الإدعاء وطلب تأجيل القضية ليأتي بشاهد بحر دار ورفعت الجلسة وعادت مرة أخري بعد فترة و في هذه الجلسة قال الإدعاء إن الشاهد وهو من الإثيوبيين الأمهرا قد مات في مشاجرة في بحر دار قبل أن يقف أمام محكمتكم هكذا إستمرت المحكمة سبع سنوات لم يتمكن خلالها الإدعاء بتقديم أي شاهد أو سند وعندما أسقط في أ يديهم إشتكوا لإسرات كاسا الذي إستدعى القاضي وقال له البلد متجه للحكم العسكري عليك أن تحاكمهم.
جلسة النطق بالحكم ؟
تم استقدامنا للجلسة التي كانت جلسة النطق بالحكم وكانت غريبة الأطوار والغرابة كانت في مداخلة القاضي الذي قال لا يوجد قانون إثيوبي أو دولي يحاكمكم والبلد اليوم توجد تحت إدارة حكم عسكري وحالة طوارئ والحاكم يريد الحكم عليكم وحكم علينا ب15 سنة و20 سنة و25 سنة بدون أية أدلة أو مادة قانونية هكذا حكم علينا وحولنا للسجن.
حدثنا عن ظروف السجون في عهد الإستعمار الإثيوبي المعاملة والمعيشة والأوضاع الصحية ؟
كانت المعاملة في السجون الإثيوبية في غاية الروعة إذا ما قيست بما نعرفه عن المعتقلين والمعتقلات في بلادنا اليوم في ظل دولة الشعبية وحكمها في فترة سجننا كان أهلنا والتنظيم يعلم عن أحوالنا منذ الوهلة الأولى وكانت الزيارات متوفرة لأسرنا ولأي شخص يرغب في زيارتنا من الأصدقاء والمعارف وكانت للسجين زيارة مفتوحة لأي عدد حتى إنتهاء مواعيد الزيارة وكان اليوم المخصص للزيارات هو يوم السبت من كل إسبوع كنا نعرف في هذا اليوم أحوال أهلنا ويتعرفون على أحوالنا كما كان يحق لهم تكليف محامين للدفاع والذي لايتمكن من ذلك كانت المحكمة تكلف له محامي بعد أخذ موافقته كان داخل السجن مستشفى يديرها دكتور عمومي ومعه ممرضات من الراهبات الإيطاليات والإرتريات وكان الأخصائي يأتي مرة واحدة في كل إسبوع وكان التداوي جيداً أما من حيث الأكل فكان ثلاثة أيام الشيرو والفول المصري وأربعة أيام لحم وكانت الوجبة بوزن 300غرام للسجين أما الفترة الصباحية فكانت الشاي ولفة من الكسرة كان الغداء في تمام الساعة 12 ظهراً والعشاء في تمام الساعة الرابعة مساءاً هكذا كانت أوضاع التغذية في السجون حتى سنة 1968م الذي قلصت فيه كلفة الوجبة من 40 سنت للوجبة الواحدة إلى 20 سنت وعندما طبق علينا هذا القرار تحت حجة المماثلة مع السجون في إثيوبيا قمنا بإضراب طويل عن الطعام فجاءت لجنة من أعيان أسمرا لتهدئة الأحوال وفك الإضراب تحت وعود بإصلاح الأمر فك الإضراب ولكنها كانت حيلة متفق عليها مع إدارة السجن لتوفير الوقت لمعرفة النشطاء وبالفعل حصروا قائمة من النشطاء وقاموا بنقلنا إلى سجن عدي خالا وكان ذلك في سنة 1968م وكان عددنا 37 سجيناً وأغلبنا من المناضلين المعتقلين في قضايا سياسية.
حدثنا عن ظروف إعتقالكم عندما نقلتم إلى سجن عدي خالا بحكم خصوصية هذا النقل ؟
كان الهدف تأديب النشطاء ونقلهم لبيئة جديدة يطول إندماجهم مع السجناء فيها وفرض واقع جديد وكان سجن عدي خالا أكثر قسوة من سجن سمبل من حيث تهيئة المكان ولكن مدير السجن آنذاك شمبل محاري وكان يتعامل معنا نحن نزلاء السجن بشكل جميل وكان يسمح للسجناء بشراء ما يحتاجون إليه من سوق المدينة عن طريق تكليف رجال البوليس كما أن حوالات أهلنا كانت تأ تينا عن طريق بوليس السجن بواسطة الشاويش عطا كما كنا نقوم ببعض الأعمال الشاقة مثل تكسير الحجارة وصناعة الحبال وكانت فرصة لخروجنا للتعرض لأشعة الشمس الضرورية جداً للإنسان.
كيف كنتم ترتبون صلاتكم بالخارج وهل كنتم تتابعون أخبار الثورة وتطوراتها ؟
كانت أخبار الخارج وخاصة أخبار الثورة تأتينا عن طريق السجناء الجدد ورجال البوليس وكانت الأخبار شبه يومية والسجن حياة كاملة والسجين وعندما تنقضي أيامه الأولى يسعى للإندماج والتكيف مع حياة السجن والتغلب على مصاعبها والإبقاء على الأمل والضوء في نهاية النفق ولو نفسيا ليظل متماسكاً ومحافظاً على شخصيته فالأمل كان ضرورة بالغة الأهمية بالنسبة للسجناء وحتى لذويهم وكان السجناء القدامى يلعبون دوراً كبيراً في هذه العملية ففي أسمرا كان يلعب هذا الدور التطميني الشهيد بيرق نوراي وكان يمتلك قدرات كبيرة للإقناع وبث الراحة في نفوس السجناء.
أحكي لنا قصة إطلاق سراحكم وكيف تمت ؟
عندما إعتقلت جبهة التحرير الإرترية مجموعة من الأمريكان ومرافقيهم سرت داخل السجن شائعة بأن قيادة الجبهة سوف تساوم الأمريكان لإطلاق سراح سجناء الجبهة من السجون الإثيوبية وكانت هذه الشائعات تأتينا عن طريق الخلايا وإنه سيطلق سراح 25 منا ويبدوا أن العملية إما فشلت أو أنها أخذت مجرى آخر أو لم يكن لها أي أساس إطلاقاً ولكن سرت في السجن شائعة أن هناك إتجاهاً لنقل أل 25هؤلاء إلى أديس وخاصة وأنه ترافق مع معلومات بأن الدرقي رفض الصفقة وأعتقل الإمبراطور فساد تذمر بين السجناء والعسكر وأجروا إتصالات بالجبهة فبدأت الجبهة تعقد إجتماعات داخل عدي خالا وتعد الخطط للتعامل مع قضيتنا وكان قيادة الجبهة في هذه المنطقة مكونة من الشهيدين سعيد صالح ومحمود حالي.
الخروج الداوي والكبير من سجني عدي خالا وسمبل أسمرا ؟
بدأت الجبهة تخطط لإخراجنا فقامت بتجنيد بعض العسكر في السجن والبوليس وبعدما أتموا الترتيبات وإطمأنوا عليها إتصلوا بنا للإعلام كما أبلغونا بالخطة الإحتياطية والتي قد تفرض إستخدام القوة إذا لزم الأمر ولهذا طلبوا منا إعداد رسم تفصيلي للسجن بكل تفاصيله بحيث يتمكن من يدرس هذا الرسم التعامل مع السجن مباشرة وقد وفقنا في إنجاز المهمة وكان بيننا رسام أنجز خارطة السجن وأرسلناها للجبهة أجلت العملية عن موعدها الذي كنا نعرفه لمدة إسبوع فأصابنا هذا بالقلق والإحباط نحن والعساكر المرتبطين بالعملية وفي خضم هذه المشاعر المريرة لمعتقلين يشعرون بأن لحظة الأمل قد تفلت من أيديهم علمنا سبب التأجيل وكان لتنفيذ ذات العملية في سجني أسمرا ولأن أي فارق في الوقت غير محسوب سوف يؤدي لفشل المهمة المتأخرة ويعرض سجنائها للخطر وربما الإبادة من الجيش الإثيوبي في مطلع الإسبوع الثاني من شهر فبراير1975 م تقدم إلى السجن ثلاثة من رجال جيش التحرير ومعهم مناضلتين وهم يحملون القفف والتي كانت فيها أسلحتهم ولكنها تبدوا للناظر من بعيد بأنها مواد غذائية للسجناء وكان اليوم يوم زيارة ووصلوا للبوابة فأصر الحرس على التفتيش وهذا لم يكن متفق عليه فأشهروا عليه السلاح وقيدوه وكمموا فمه وأخذوا سلاحه العوزي ودخلوا دون إرادته وهذا العسكري لم يكن مجنداً رغم أنه إرتري واستمروا بالدخول عن طريق بوابة الأسلحة وكان حارسها من بين المجندين في الجبهة والعملية وكانوا يعرفون ذلك فقالوا له ما رأيك في ذلك الجندي فأخبرهم بالأمر وبأنه غير مجند ولكنه أخونا ونحن لم نعلمه السر وهو لن يكون إلا معنا لهذا طلب إطلاق سراحه ومنحه بندقيته ففعلوا ذلك على ضمانته ومسؤول التسليح هذا إسمه بيني كان رجل بوليس في مدينة تسني ويعرف الكثير عن حقيقة الثورة والقضية وكان يؤمن بالجبهة والتحق بعد تلك العملية بجيش التحرير وقاتل في صفوفه حتى أستشهد في معركة تحرير مندفرا كانت كل الحراسات في الأبراج مجندة ولهذا لم يبدوا أية حركة وتابعوا مهامهم الروتينية كما تابع الفدائيون سيرهم نحو غرفة المكتب وكان فيهم الكابتن وبعض العساكر وكانوا يلعبون الورق فأشهروا عليهم السلاح فسلموا دون طلقة ثم اتجهوا لعنبر 4 وكنا فيه نحن السياسيين ففتحوا الأبواب ثم فتحوا بقية العنابر والزنازين كان جيش التحرير الإرتري في هذه اللحظة مسيطراً على كل الحياة في مدينة عدي خالا كما وضع جيشاً كافياً بقيادة الشهيد بخيت عثمان ليمنع الجيش الإثيوبي من الدخول للمدينة ولحسن الطالع لم يتحرك الجيش من معسكره وكان لا يدري بحقيقة ما يجري كما أخذت وحدات أخرى تجمع سيارات المواطنين في هذا الأثناء علمت قطاعات كثيرة من أبناء المدينة بالأمر فتجمعوا حول طريق السجن نساء ورجال وهم جاهزين بالأكل وعندما خرجت السيارات وهي محملة بالسجناء والبالغ عددهم 250 فرداً أخذ الشعب يقدم لنا الطعام وينثر علينا بوشار الذرة الشامية {العمبابا} وكانت زغاريد النساء تشق أعنان السماء كانت بالنسبة لنا فرحة لايمكن أن توصف فنحن ولدنا من جديد وهذا الفرح العظيم من أبناء شعبنا استمر في كل القرى التي مررنا عليها هكذا كتبت لنا البسالة والجرأة والرجولة لجيش التحرير الإرتري حياة نضالية جديدة. وهكذا خرجت أنا وعشرات المناضلين كان مجمل العدد أكثر من ألف سجين من أسمرا وعدي خالا خرجنا للحياة مرة أخرى.
هل يمكنك أن تقارن بين أوضاع السجون والسجناء اليوم في ظل الدولة الإرترية والأمس في سجون النظم الإستعمارية ؟
من خلال الواقع المعاش أقول والألم يعصر قلبي إن الاستعمار الأجنبي كان أرحم وأرأف فالسجين كان يعرف التهمة الموجهة إليه ومدة الحكم وكان أهله يعلمون مكانه والمدة التي حكمت عليه ويقومون بواجب الزيارة والرعاية وكان هنالك أملاً للسجين بالخروج وكان ذلك الأمل يمتد لأهله وأسرته أما اليوم فلا مجال للمقارنة وأستطيع أن أقول بكل ثقة إنما يجري اليوم في بلادنا ليس أمر دولة فالدولة تقر أنها إعتقلت و تقدم كل من تعتقله للمحاكمة جهاراً نهاراً ويعرف أهله مكان إعتقاله والتهمة الموجهة إليه ويمكنهم أن يكلفوا محامي للدفاع عنه وإذا ما حكم عليه يقومون بزيارته في مكان إعتقاله بل ويطالبون أن يكون في أقرب مكان إحتجاز بالنسبة إليهم أما ما هو حاصل فهذه جريمة العصر وليس إلا فعل عصابة من المجانيين ولايمكن أن يكون هذا سلوك دولة إنه العار ما الذي يخيف حكومة واثقة من اتهامها وقضيتها أن تقول نحن اعتقلنا هذا ومعتقل في المكان الفلاني ومحكوم بكذا مدة وله ولأسرته هذه الحقوق ولكن ما هو حاصل لا أستطيع أن أتخيل بأنه يجري في البلد الذي سقيناه الدم والدموع والأرواح وعانينا من أجل حريته واستقلاله الموت والتشرد والسجون والإعاقة إنها مأساة حقيقية وحزن لا يغادر النفس ولكن يجب أن يدفعنا هذا للتحدي والنضال حتى النهاية في سبيل أن تنهض دولة الحرية والعدالة في بلادنا ولكل شعبنا الإرتري.
من تذكر من رفاق السجن الذين خرجوا معكم من السجون والمعتقلات سواء من عدي خالا أوأسمرا ؟
أذكر من رفاق السجن في عدي خالا الشهيد حامد عثمان طمبار والشهيد صالح جابر أوراك والشهيد سيوم عقبا ميكائيل والشهيد قبتو محمد قبتو والشهيد عبي حامد كما أذكر المناضل عبده سالم والمناضل عثمان بدوي أما من أسمرا اذكر الشهيد ولدي داويت تمسقن والشهيد محمود سبي والشهيد آدم إدريس عمر شكر (تركاي) والشهيد سعيد حسين والشهيد عثمان محمد والشهيد عثمان حسب محمد والشهيد عبد الله صائغ والشهيد عمر همد كراي والمناضل محمد عنقي والمناضل عمر ابراهيم والمناضل عثمان رمضان والمناضل محمود يحى والمناضل قرزقهير تولدي المناضل محمد شيخ إبراهيم فرس والمناضل إدريس شباك والمناضل هيلي دروع السجين في معتقلات النظام الديكتاتوري. وهكذا خرجت أنا وعشرات المناضلين كان مجمل العدد أكثر من ألف سجين من أسمرا وعدي خالا خرجنا للحياة مرة أخرى.
شكراً عم أحمد عوض شكراً لكم على هذه الفرصة.