الشاعرة الارترية فاطمه موسي لـ (حراك) الجماهير بحاجة الي قناديل تضيئ الطريق.. وتنتشل الشعب من حالة الاحباط والتخبط
حاورها الأستاذ: عيسي جديد المصدر: صحيفة الجريدة السودانية
شاعرة وثائرة من بلاد إريتريا السمراء.. تكتب القصيد والقصة القصيرة وناشطة في المجتمع.. مدافعة عن حقوق المرأة والطفل
والانسان.. لها تجربتها الخاصة الأستاذة فاطمه موسي الكاتبة الإريترية تبوح لحراك الثقافي بصحيفة الجريدة عن أحلامها وأعمالها ودور المرأة الإرترية في الحركة الثقافية المجتمعية.
المشهد الثقافي الارتري.. مازال يتكون في الشعر والرواية ؟
مرحبا بك و بجميع القراء وكم يسعدني أهتمامكم بالحركة الثقافية الإرترية والأدبية ومتابعتك لها. إذا تطرقنا لتعريف الثقافة نجد ايضا أن الفن والتراث المعروف بالفلكلور الشعبي هو جزء لا يتجزء من تكوين الشعوب و حضارتهم.
الشعر الشفوي متأصل فى روح المجتمع الإرتري منذ قدم التاريخ فيتشكل عبر قصائد تتناقلها الجدات و يتغنى بها الشعب و هى تصاحب ألحان الربابة لتحكي قصص الكفاح و البطولة و الحنين.
أما دوواين الشعر المدون و الحراك الأدبي الثقافي للشعب الإرتري فى المشهد العربي فقد بدء أيام النضال الطويل ضد الإحتلال الإثيوبي. فخلال فترة الثورة الإرترية في ستينيات القرن الماضي ظهر شعراء وأدباء كالشاعر المرحوم محمد عثمان كجراي الذي لقب بشاعر القطرين حيث يعد من مؤسسي الشعر الحديث بالسودان و صوت مدافع عن حق الشعب الإرتري فى الإستقلال و الحرية و كذلك الشاعر أحمد سعد الذى ظهر له أول ديوان مطبوع فى السبعينيات وقام بكتابة عمل مسرحي تم عرضه ايام الثورة. أما أول رواية عربية خطت فكانت بيد المناضل محمد سعيد ناود رحمه الله بعنوان قصة صالح (رحلة الشتاء) وكانت تسلط الضوء على فترة الأربعينيات فى إرتريا. و من الشاعرات و الأصوات الأنثوية فى تلك المرحلة كان صوت المناضلة زينب ياسين رحمها الله التى تميزت بروح النضال و نظم القصائد الوطنية و التحميس بلغة التجري و لم تجمع أشعارها بعد و تترجم فى ديوان للعربية.
ادب الثورة الارترية هو الطاغي الان، أين انتم من القيم الجمالية الاخري للمجتمع ؟
يقولون من رحم المعاناة يولد الإبداع و بالطبع هذه المرحلة مرحلة الكفاح و النضال أمتدت لثلاث عقود طويلة قدم فيه الشعب الإرتري الغالي و النفيس من أجل تحرير الوطن. فكان هم جل الأدباء تحرير الأرض فظهرت الأشعار و المسرحيات و الأناشيد النضالية بعد إستقلال إرتريا جاءت رواية نوراي للأديب الشاعر أحمد عمر شيخ تصف الوطن و حلم العودة من بلدان الشتات و منذ فترة قريبة صدر له روايته الخامسة بعنوان (الهش) التى كتبها من ربوع الوطن و عن أفئدة جيل مابعد التحرير داخل البلاد.
كذلك الهجرة الإجبارية بسبب الحرب أنتجت جيل ينظم الشعر عن هذه المعاناة و الغربة و عن الأشواق للوطن كالشاعرة الإرترية الجيبوتية المرحومة شريفة العلوي. أيضا رواية تيتانيكات إِفريقية تنضم لأدب المنفي و التغريبة الكبرى و هى للروائي المخضرم أبو بكر حامد كهال و التى صدرت من دار الساقي و ترجمت حديثا للغتين الإنجليزية و التركية. الرواية حقيقة فتحت أفاق جديدة مع ظهور جيل روائي جديد أذكر منهم الأستاذ حجّي جابر و الأستاذ حامد الناظر الذين كتبوا عن الحنين و الوطن و حالة اللاحرب واللاسلم مع إثيوبيا وقد فازوا بجوائز عربية أدبية تقديرية ساعدت فى إيصال الحرف العربي الإرتري للقارئ العربي و إنتشار أعمالهم. وكذلك لدينا روائين جدد لهم اعمال مميزة كالكاتب عبدالقادر مسلم و روايته ذات الحس الشعري (أزمارينو) و الكاتب محمد موسكر المقيم بلندن و روايته التوثيقية لمعسكرات اللجؤ و رحلة الهروب (شاهد قبر).
و أحب أكد أن القيم الجمالية في الأدب الإرتري العربي رغم قصة الكفاح الطويل موجودة. و النصوص بهية اللغة و لا تخلوا من الرومانسية و الواقعية السردية و الحنين حيث أدباء المهجر ايضا لهم صوت مؤثر و تواجد كبير. فالشاعر الأستاذ محمد مدني شاعر مخضرم له ديوانين مطبوعين ينظر للوجود من عمق فلسفي صوفي و ينظم شعر حر صافي. كذلك لدينا من الشعراء الشاعر يبات على فايد يعتبر من رواد المدرسة الرومانسية الحديثة له نظم عذب و دراية بعلم النقد و الآداب و كان قد حصل على جائزة الزبير السودانية للإبداع عن ديوانه (غنيت للحب) و له أربعة دواوين منها كذلك ما يحكي عن القضية الإرترية و قد أفتتح أحد ديوانيه الشاعر السوداني رحمة الله عليه محمد الفيتوري. كذلك من الجيل الجديد الشاعر المبدع الضليع باللغة العربية بشهادة نقاد برنامج شاعر المليون الأستاذ صالح طه المقيم بالرياض صاحب قوافي منظومة خلابة اللحن و التعابير و له ديوان مطبوع بعنوان (تراتيل الغدير).
المراة الارترية لها اساهم مقدر في العمل الثقافي والاجتماعي ؟
نعم المرأة الإرترية لها دور كبير فى المجتمع الإرتري فهي الأم و الأخت الصبورة والمناضلة الجسورة. ففي أيام التحرير وقفت بجانب أخيها الرجل لرد الظلم و العدوان من المحتل الإثيوبي. و قد تأثرت المرأة الإرترية في ذلك الوقت بالمناضلة الجزائرية جميلة بوحيدر فكونت خلايا نسائية تتكاتف فيها الجهود للتعريف و التوعية بحق الشعب الإرتري فى الإستقلال و سيادة أرضه. كذلك لها صوت إعلامي يعرف بالقضية الإرترية و هموم شعبها و عرفت كقائدة لمنظمات اتحاد الطلبة الإرتريين في أيام النضال و قد أرسلت الفتيات لدراسة الطب و التمريض فى تلك المرحلة لجامعات العراق و سوريا و مصر. بعد التحرير مازالت تشارك المرأة فى المجتمع الإرتري بالعمل و المثابرة و التربية لأجيال المستقبل. من الناحية الثقافية برزت اقلام نسائية في إرتريا منهن الأستاذة شريفة عثمان كأول رئيسة تحرير لمجلة عركوكباي وبعد التحرير الأستاذة فاطمة بشير و صفحتها و عامودها عن الأدب و الكتاب.
و من أديبات المهجر الأستاذة و الشاعرة حنان مران و فى الرواية الكاتبة الأستاذة حنان محمد صالح و فى الشعر الشاعرة المرحومة شريفة العلوي و الكاتبات التوثيقيات الأستاذة سهير آدم كتبت عن جيل الرعيل الأول المناضل. و هناك أصوات إعلامية ثورية مهمة كصوت الأستاذة آمال على و الإعلامية الأستاذة ريما ابراهيم صالح بقناة الحوار اللندنية. و كذلك لدينا أصوات نسائية شعرية فى المهجر يكتبن بلغة الإنجليزية منهن الشاعرة الإرترية الإسترالية منال يونس التى أصدرت ديوانها العام الماضي. و المرأة الإرترية تتميز بنشاطها لخدمة مجتمعها عبر الأجيال. فنرى ناشطات سياسيات يحملن هم القضية كالإستاذة المناضلة أليسا جروم و الحقوقية الأستاذة سلوى نور و الإعلامية الأستاذة هناء حامد بإستراليا. بالإضافة إلى وجود مجموعات نسائية يقمن بجمع التبرعات فى عدة دول في بلدان المهجر و هدفهن مساعدة اللاجئين و محو الأمية و تقديم الدواء و الغذاء لذوي الحاجات فى المجتمع و الوطن الأم.
ماذا عن تجربتك الادبية ؟
اكتب القصيدة النثرية السردية و كذلك القصة القصيرة وأتناول في كتاباتي مواضيع رومانسية ووطنية و إجتماعية. حروفى ثورية مناهضة للظلم والإضطهاد و كذلك في بوحى حنين و شوق بسبب الغربة ورحلتى مع القدر الذى كتب على التنقل والسفر. كتاباتى مستمدة من الواقع فيها اعبر عن جمال الحب و قسوة الفراق و هموم الإنسانية. كذلك اكتب عن الحلم و الغد فإننا حينما نتوقف عن الحلم و الأمل تنتهي القصة و الحياة رحلة مفعمة بالمحطات التي تحتاج مواصلة درب النور والعلم و الأمل.
علاقتي بالقلم علاقة وطيدة فقد بدئت أكتب منذ عمر الرابعة عشر و تأثرت بكتاب كثيرين و قراءاتي المتنوعة فى الأدب العالمي و العربي. و قد افتقدت قلمى بسبب الهجرة المبكرة حيث كنت اكتب ولكن ليس بإنتظام مما زاد شوقى للقلم. وفجأة بعد حادث غرق سفينة مكتظة بالاجئين الإريترين عام ٢٠١٣م على سواحل إيطاليا عدت للكتابة حيث شعرت بألم وحيرة لفقدانهم و شعرت ان من واجب قلمى الحديث عن معناة المظلومين والتعبير عن من ليس له قلم. فبدأت بالكتابة فى جريدة ورقية عربية تصدر بمدينة التي اسكنها بألمانيا و كذلك فى الصفحات الأدبية الإلكترونية و الفيس. هذا فتح لي آفاق جديدة و أوجد فرصة بناء جسورالتواصل مع أدباء و مثقفين و كاتبات و شاعرات عرب و غير عرب و التعريف بإرتريا وبشعبها المتنوع و تراثهاالعريق. بالإضافة التجربة اتاحت لى فرصة مد حبل التواصل مع الإرتريين النشطاء فى بلاد المهجر في مجال دفع الدبلوماسية للتغيير و الإصلاح فى إرتريا و المهتمين بملف مساعدة اللاجئيين الإرتريين فى معسكرات اللجؤ و دول الشتات. و هذه التجربة الأدبية و الحراك الإجتماعي لاقت بحمدالله و توفيقه قبول و تجاوب من المجتمع و اطمح للتوثيق و إصدار عمل ورقي شعري او قصصي قريباً.
هل يتقاطع الثقافي مع السياسي في ارتريا وكيف يلتقيان ؟
بنظري الإنسان المثقف لا بد ان يكون صاحب رؤية و موقف و لكن للأسف هناك الكثير من المثقفين الذين يفضلون الحياد و السكوت على القضايا التى تؤثر على الوضع السياسي و الإجتماعي فى داخل الوطن و تقع على كاهل الإنسان الإرتري. فبرأي من واجب الأديب المثقف أن يتحول لصوت سياسي حتى يكشف الفساد و الظلم فى المجتمع ليس طمعا فى منصب أو مكسب مادي. و هناك كتاب إرتريين سياسيين منصفين فى مقالتهم فى المجلات الإلكترونية و لا يتحيزون غير لإيصال الصوت للمواطن المهمش بغض النظر عن الروابط القبلية و الطائفية.
و منذ فترة وجيزة و بعون الله ظهرت نخبة من المثقفين و المثقفات فعالين فى بلاد المهجر لهم حضور ناضج كناشطين سياسيين. فهم يعرفون بالقضية الإرترية و حقوق الإنسان الإرتري فى الحياة الكريمة و يعملون على توحيد الصفوف بين فئات المجتمع و لغة الحوار الهادفة. و هذا التفاعل و الحراك مهم جدا حيث الجماهير بحاجة إلى قناديل تضئ الطريق و تنتشل الشعب من حالة الإحباط و التخبط. فعلى السياسي المثقف المحنك معرفة ان عامة الشعب فقد إيمانه بفرق المعارضة السياسية بالخارج لأنها منقسمة على نفسها وليس لديها ثقافة تقبل الآخر و الحوار وكذلك لعدم تمكنها من إحداث أي تغيير إيجابي ملموس لأكثر من عشرون عام. كذلك برأي الأحزاب المعارضة عليها إعادة النظر فى افكارها و خطابها السياسي للجماهير و مواكبة التغيرات فى المنطقة حتى تتمكن من إعادة مصداقيتها.
فبعد خمسة و عشرون عام من إستقلال إرتريا لم يعد الاجئين بل زاد عدد الفارين و اغلب المهاجرين من الشباب و الشابات الذين يهربون من قبضة الحكم الشمولي لأسياس أفورقي و سيادة الحزب الواحد الإقصائية للآخرين بإرتريا و التى تفرض التجنيد الإجباري عند بلوغ الثامنة عشر و تمتد هذه الخدمة العسكرية لعقود ضاربة عرض الحائط بحق الإنسان الإرتري فى تقرير مستقبله و مصيره.
اعتقد نقطة لقاء السياسي المثقف النزيه الحر الرأي والمواطن المثقف الفعّال فى إرتريا الناوي على الإصلاح هى غياهب السجون. حيث تقوم سلطة الحكومة الإرترية بجرائم الإخفاء القسري لكل من عبر و تكلم و يتم إرسالهم لمعتقلات سرية فلا يعرف احد عنهم شيئا و لا قانون يتمكن من حمايتهم و لا إمكانية لمعرفة تهمهم او محاكمتهم. أكثر من عشرة آلاف معتقل بيد النظام بإرتريا جلهم من الصحفيين و الإعلاميين و المدنيين.
المنتج الثقافي الارتري رغم قلته الا انه ثري وغني كيف ترين ذلك ؟
نعم أوافقك الرأي و هذا الثراء اللغوي و الأدبي يستحق الإهتمام و تسليط الضوء عليه فهو إضافة حقيقية حيث صوت الحرف العربي النابع من القرن الإفريقي صوت عذب و نقي. وقد تمكن المهتمين بالحرف العربي من المثقفين الإرتريين من فتح دارين للنشر دار توتيل العربية للنشر بإسطنبول لصحابها اصرار توتيل و المشرف عليها الشاعر المخضرم محمد مدني كذلك دار آدال لصحابها الأستاذ إبراهيم أدريس. وفى نظري الفنون الأدبية و الثقافية خير سفيرة للشعوب و لدينا فنانون و فنانات مختصين بالفن التشكيلي لوحاتهم فى غاية الإبداع و الجمال كالفنان التشكيلي الأستاذ محمود دبروم و الفنان ماكئيل أدوناي.
اخيرا.. حدثينا عن فاطمة موسي وأحلامها..
إسمي فاطمة موسى متزوجة و أم لثلاثة أطفال. حصلت على دبلوم علوم الكمبيوتر من جامعة موناش الإسترالية بملبورن. مقيمة بألمانيا وقد ولدت بأسمرا عاصمة إرتريا. هواياتي القراءة و السفر أما الكتابة فهي عشق متأصل فى وجداني. السفر والترحال أصبحا قدري فبعد هجرتى الى استراليا و مدينة ملبورن الجميلة انتقلت الى ألمانيا بسبب عمل زوجى فيها. و من المحطات فى حياتى الخرطوم البهية و رياض الصغار التى زرتها فى تلك الفترة و كذلك مدينة جدة عروس البحر الأحمر حيث كانت ايام الصبا وذكرياتها بعد وفاة الوالد رحمه الله أنتقلت مع اسرتى الى القاهرة المدهشة وزرت الأسكندرية العريقة. كذلك من المدن التى أذهلتني كانت مدينة الياسمين دمشق، التى قضيت فيها فترة وجيزة وانا فى الخامسة عشر. و من سفرياتي اعشق جمال الجنوب الأسبانى بطبيعته وتراثه الأندلسي العريق. و أتمنى زيارة زنجبار الجزيرة الحالمة العامرة بالنخيل الظليلة قرب تيننزايا.
أحلم بعالم تتسع فيه الصدور للإختلاف و تدعم فيه سبل التعايش و السلام بين الشعوب. حيث الحرب أبشع واقع ممكن أن يعيشه الإنسان والتشرد والدمار نتيجة حتمية لأى عدوان قاهر. انا من الجيل الإرتري الذى حرم من الوطن بسبب الحرب.
كذلك احلم باليوم الذى أعود للوطن و ترابه الطاهر الخصب بدماء الشهداء الأبرار. الأصل الوطن كلمة تعلمتها من أمى الله يحفظها التى كانت تحكى لنا عن نضال الشعب الإرتري و أعضاء الأسرة فى سبيل تحرير الأرض والديار. لذلك اعرف معنى مرارات التغريبة الكبيرة و ادعوا لعودة حمام السلام للأوطان المنكوبة بالحروب و عودة الاجئين لديارهم فى وطن تسوده العدالة و يحترم فيه الإنسان.