صديق الثورة الإرترية أحمد أبو سعدة في حديث صريح مع موقع ناود للكتاب - الجزء الثاني والأخير

حاوره الأستاذ: محي الدين علي المصدر: ناود للكتاب

رحلة البحث عن مقاتلي قوات التحرير الشعبية ؟

أجاب: عدت إلى عدن ثم بيروت لمقابلة سبي، وكنت مشحونا بالحقد وفي حالة من الغضب لأنني اعتبرت تصرفه غير مسئولا لإرسالي لهذه المهمة الفاشلة، ومع ألأسف لم يكن في بيروت حينها.

ولماذا الحقد قد لايكون الرجل مسئولا مباشرة عن عدم اهتدائك لفصائل قوات التحرير الشعبية حينها، وعلى العموم لم يحدث لك مكروه ؟

أجاب: لا أخفيك حالة التعبئة ضد سبي وخطه وتنظيمه ومجمل تجربته كانت بالنسبة لنا في الجبهة بمايمكن أن نطلق عليها (المستويات دون الوطنية)، وكنا شباب والحماس والشعارات التقدمية تتلبسنا وتسيطر على مجمل تفكيرنا، وكنا بسطاء في تقييمنا، فالرجعية والعمالة والارتزاق كانت تتجسد في (المسكين) سبي الذي لم نترك سيئة إلا وألصقناها به، مع الأسف، لذا أي تصرف مهما كان بسيطا منه كان تفسيره مغلوطا لدينا.

والآن تسألني هل كنا على صواب؟ أجيبك لا وألف لا، فالرجل الآن في عليين، وفي ذمة التاريخ، وليس من العيب أن تكون هناك حالة نقد ذاتي للتجربة ويعاد للرجل بعض الاعتبار على الأقل. أضاف: المهم بعد عودتي إلى دمشق نقلت وجهة نظري للقيادة حول تلك القوة المزعومة لسبي موضحا أنها صغيرة الحجم وقليلة العتاد ولايمكن أن يعول عليها كثيرا، وتجاوزا يمكن أن نقول أنها قوة قياسا بالجيش الجرار الذي كانت تمثله جبهة التحرير الإرترية.

قاطعته وكان عدم الرضى ظاهرا في نبرة حديثي: هل تعتقد أن تلك المذكرات ووجهات النظر التي كنت تدلى بها للقيادة في سوريا كان لها دورا في تعطيل التعامل مع سبي وقوات التحرير الشعبية ؟

رد وبتأني: إذا قلت لك ليس لها تأثير هذا يعني أنني غير أمين، ولكن ليست تقارير ي هي كل شيء، فهناك تنظيم الجبهة وعلاقاته وأدواته الكل كان يعمل لمحاربة سبي وتنظيمه، وحتى لايكون له وجود، وأكررها كنا مخطئين في ذلك.

* وكنت أحس ببعض الأسى في كلماته وهو يتناول المرحوم سبي:

أضاف: إليك هذه القصة، ونحن نعد للمؤتمر الوطني الأول للجبهة عام 1971، أرسل المرحوم سبي مبلغا كبيرا من المال إلى ممثله في دمشق وهو الأستاذ سليم كردي، والمبلغ كان بحدود الـ 175 ألف درهم، وكان مبلغ كبيرا جدا، ومصادفة أخذت العلم بهذه الحوالة عن طريق أحد البنوك في دمشق، اتصلت بالأخ صالح أياي وعرضت عليه مخطط الاستيلاء على هذا المبلغ وتحويله لحساب الجبهة، وبالفعل تمت الخطة واستلمت المبلغ مدعيا أنه يخص صالح أياي ممثل جبهة التحرير الإرترية في دمشق وليس سليم كردي، وللوصول لهذه النتيجة كانت هناك تفاصيل قد لايكون من المناسب سردها، وتم تحويل المبلغ إلى الميدان عن طريق بيروت.

وأليك قصة أخرى عن (القرصنة) التي مارستها على المرحوم سبي، في العام 73 ونحن في روما كلفني سبي لعمل فيلم عن قوات التحرير الشعبية، وتم الإيعاز لإبراهيم منتاي ممثل الشعبية في بيروت لأجراء اللازم، وقد سلمني مبلغ 12 ألف ليرة لبنانية وكان مبلغا كبيرا بمقاييس ذلك الزمان، وبنفس العقلية التآمرية مع أبو أياي أعطيته 6 آلاف ليرة حولها لحساب الجبهة أما المتبقي فكان من نصيبي لوحدي. ولم أنجز له الفيلم.

سألته باستغراب: وسبي لم يقدم شكوى ضدك أو ضد البنك ؟ كيف سارت الأمور فيما بعد ؟

أجاب: وصل سبي إلى دمشق وقدم شكوى للسلطات، وتم سؤالي وتم ألقائي في السجن لمدة أسبوع بعد تحقيق مطول، وكنت أؤكد أن هؤلاء ليسوا بمقاتلين وليس لديهم تنظيم أصلا.

قلت وكانت أمارات الدهشة بادية على: على الإطلاق لم أفهم، حقد، قرصنة، مؤامرات، لماذا كل هذا؟ هل هذه هي الثورية !!! وهل كان الأمر يتطلب كل ذلك الجهد الغير مقبول وغير الأخلاقي ؟

رد أبو سعده وبتنهيدة: تجربة الجبهة كانت بالنسبة لي أقرب إلى المعتقد، كنا شباب، وكنا متهورين ومندفعين، وقلت لك في مرة سابقة أن سبي كان يجسد لنا الفساد والرجعية، والتشرذم والانقسام في الساحة الوطنية، وأعمال من هذا النوع كنا نعتقد أنها ستضعفه وتردعه وتردع توجهه، وكم كنا أغبياء وسذج، أيضا تجربتنا تلك أي الجبهة كنا نفعل المستحيل لتغذيتها ولرفدها خاصة وأن صعوبات مالية وتموينية كانت تعيقها، والمبالغ التي استوليت عليها من سبي كان لها أثر كبير في رفد المؤتمر الوطني الأول وأمنت لنا مواد تموينية من سكر وشاي وتعلم أنهما زاد المقاتل.

أيضا وأنا أسرد لك تلك التفاصيل، أحس بنوع من تأنيب الضمير، وخيانة الأمانة، وأليك قصة أخرى توضح مدى التهور الذي كنا نعيشه: وأنا في طريقي إلى عدن لإنجاز الفيلم الذي لم يتم إنجازه، حملني المرحوم سبي رسالة مكتوبة لأحمد جاسر وكان وقتها ممثلا لقوات التحرير الشعبية في اليمن الديمقراطي (الجنوبي)، ومع الأسف فتحت تلك الرسالة وكانت تتعلق ببعض المتعاونين مع قوات التحرير الشعبية من بعض قيادات جبهة التحرير الإرترية، وفي تلك الرسالة يوصي سبي، أحمد جاسر بهم خيرا مع بعض التفاصيل، وبالطبع قمت بتصوير الرسالة وتسليم صورة منها إلى رفيقي (المتآمر) أيضا المرحوم صالح أياي، وكان كشف تلك المجموعة أنقذ الجبهة من محك خطير كان يمكن أن تهوى أليه، ولا شك أعتبر ذلك التصرف من جانبي تجاه المرحوم سبي بمثابة خيانة للأمانة. وفي مرحلة قادمة عرضت تلك الرسالة على القيادة العراقية من قبل الجبهة كوثيقة تثبت جريمة كان يمكن أن ترتكب بحق الجبهة من قبل سبي والمتعاونين معه من بعض أعضاء القيادة العامة المندسين. (ذكر لي أسماء هؤلاء المتعاونين وهم لازالوا على قيد الحياة، وفضلت عدم إيراد الأسماء).

قاطعته: ولماذا القيادة العراقية ؟

رد: القيادة في العراق دعمت قوات التحرير الشعبية بشكل كبير بالمال والسلاح والعتاد، عبر كل المراحل، وتعلم أن العراق كان سخيا في ذلك، والمرحوم سبي ربطته علاقات خاصة مع عدد من أعضاء القيادة العراقية، ومن بين أعضاء تلك القيادة الأستاذ علي غنام وهو سعودي الجنسية وعلاقته مع سبي كانت كبيرة.

قلت: ومن بين المتنفذين في القيادة العراقية "أسعد الغوثاني" أبو علاء وهو عضو مكتب فلسطين والكفاح المسلح في القيادة القومية للحزب والذي كان تحت أشراف الأستاذ طارق عزيز، ودون شك هذا المكتب كان يشرف على كل نشاطات التنظيمات الإرترية، والمرحوم سبي أيضا جمعته مع "أبو علاء" علاقة متميزة. وأضفت: إن السخاء العراقي حتى تجاه جبهة التحرير الإرترية لم يكن محدودا ؟

أجاب: صحيح، ولكن أمكانية قوات التحرير وحجمها لم يتطلب تلك المساعدات غير المحدودة.

سألت: وهل كانت غير محدودة بالفعل ؟

أجاب: أكثر من جزيرة في البحر الأحمر كانت بمثابة مستودعات للذخيرة، هناك جزيرة "كمران" اليمنية وهناك جزر عديدة كانت تكدس فيها الأطنان من الأسلحة.

قلت: و (بعملتك) الأخيرة انتهت العلاقة مع سبي ؟

أجاب: لا، فقد كلفني بعمل فيلم والدخول للميدان، وفعلا توجهت إلى ارتريا، وقد استقبلني في الخرطوم محمد سعيد ناود، وسلمني للمناضل محمد علي حرميتاي الذي رافقني على طول الرحلة ذهابا وإيابا.

مازحته قائلا: نحن الآن في العام 1973 وأنت ومنذ منتصف الستينات تتآمر على سبي، وتدخل الميدان أكثر من مرة لقوات التحرير الشعبية، لم تتصور أن سبي كان من الممكن أن يغدر بك، ويسترد حقه، وهو محق في ذلك ؟

رد: لم ينتابني ولا لحظة هذا الشعور برغم تصرفاتي غير المسئولة، وباختصار الرجل ليس من تلك النوعية. وهو عربي الوجه واللسان بقدر ماتعنيه العروبة من شهامة وكرم وإيثار ومروءة وعدم الغدر.

قلت: أخيرا وصلت إلى معسكرات قوات التحرير الشعبية، التي أدعيت أنها غير موجودة ؟

أجاب وهو يضحك: لا، هذه المرة وجدت قوة منظمة حديثة، ومنضبطة، وكانت قاعدتها في "بليغات"، وأول من استقبلني من القيادة هو محمد علي عمرو، وقد تعلم هو من الذين تدربوا في سوريا، وشخصية على درجة عالية من الكفاءة السياسية والقتالية، وهو أيضا القائد بعد انعقاد مؤتمر سدوحاعيلا إلى جانب الأمين محمد سعيد ومسفن حقوس ومحاري دبساي وآخرين. وقمت بجولة داخل المعسكر، وأنا القادم المتشرب بعصبية الجبهة وعنفوانها وبطشها بالعدو، حقيقة ومجرد جولاتي ولقاءاتي كان ينتابني أحساس أن هؤلاء الشباب سيكون لهم شأن، لأنني رأيت كل شيء مختلف عن تجربتنا كجبهة، وبقدر ماكنت مسرورا وسعيدا بمشاهداتي تلك، لكنني وبحق كنت مشفقا على تجربتنا في الجبهة بل وخائفا لأنني وأنا أتابع هؤلاء كنت دوما مستصحبا للتجربة التي أعيشها في الجبهة. بعد يومين من تواجدي في "بليغات" توجهنا إلى "شعب" والتقيت مع من المقاتلين والقيادة ومن بينهم مسفن حقوس والأمين محمد سعيد واسياس وأبو طيارة وأبو عجاج وآخرين.

سألت: وهل دارت أحاديث بينك وبين هؤلاء الشباب ؟

أجاب أبو سعده: نعم تحدثوا كثيرا عن دور سوريا في دعم الجبهة، دون أن تقدم سوريا إلى الشعبية مساعدات تذكر، وكنت صادقا معهم في هذا الأمر قائلا يمكن الرجوع إلي القيادة السورية وليس من اختصاصي، وأنا مهمتي تنحصر في التوثيق والتصوير.

بسرعة، عاجلته: وهل كنت محقا وصادقا انه ليس من اختصاصك وأنت الذي تؤمن اللقاءات بالرئيس الأسد ؟

أجاب مبتسما: بكل تأكيد قلت: حسنا.

أضاف أبو سعده: تصادف وجودي في "بليغات" مع عملية الخلط للأطراف الثلاثة التي كانت تكون قوات التحرير الشعبية وهي الشعبية (1) بقيادة محمد علي عمرو والشعبية (2) بقيادة أسياس أفورقي وقوات التحرير الإرترية (عوبل) التي كان أبرز قياداتها عثمان عجيب، وفي تلك الأيام تم أنجاز الوحدة الاندماجية بين تلك الأطراف الثلاثة بعد أن طبقوا صيغة الجبهة المتحدة لمدة عامين بينهم وتم تكوين اللجنة الإدارية الموحدة لقوات التحرير الشعبية الإرترية، وطلب مني تصوير عملية الخلط لتلك القوة والذي تمت بشكل بديع لن أنساه وفي مكان واحد ألتقطط الصور الفوتوغرافية والسينمائية، وهي من أجمل الصور التاريخية التي التقطتها وتبدو الصورة وكأنها ألتقطط من الجو مع ألعدد الكبير للمقاتلين وهم يرفعون أسلحتهم منادين بإلأستقلال التام لإرتريا.

أيضا هناك صورة لاتزال منطبعة في ذاكرتي وهي عملية العناق وتبادل الساعات والخواتم والأشياء الشخصية بين المقاتلين بعد عملية الدمج. وبعودتي من "بليغات" كانت أشياء كثيرة قد تغيرت في ذهني تجاه هؤلاء الشباب، وعلى العموم لم أكن حادا تجاه القوات نفسها ودورها فهم ارتريون وأصحاب قضية أيضا وأن اختلفت المنطلقات والمشارب. ومن فوري وبعد عودتي توجهت لسبي في بيروت لأنقل له انطباعي عن هذه القوة الجديدة، والتي كتبت في يومياتي حينها بأنها ستكون بديلا للجبهة الأم، إذا سارت في نفس النهج من الانضباط والتحكم والمسئولية العالية، فالجبهة ومنذ منتصف السبعينات، كانت حالة التقهقر بادية عليها وحالة الانحسار في أسلوب عملها أيضا كان واضحا نتيجة الصراعات القيادية وانعكاس ذلك على مستوى كوادرها. وقلت لسبي في ذلك اللقاء إن تلك القوة هي ليست من صنعك أنت، هؤلاء مختلفون عنا وعنك، وكنت أيضا محق في وجهة نظري.

عموما لم تعجبني وجهة نظر أبو سعدا في توصيفه لتوجهات تلك المجموعة والتي بدأت وكأنها مستوردة، مبادرا إياه بسؤال قد يكون فيه قدر من الاستفزاز والإثارة، قلت أستاذ أبو سعدا المؤتمر الوطني الأول الذي هيأت له مع رفاقك، أليس هو الذي أتخذ قرار التصفية لهؤلاء الشباب، ومحو تجربتهم ؟

أجاب وبحدة: لم أكن في يوم من الأيام إلى جانب قرار تصفية أحد، وهناك قطاع كبير من المؤتمرين كان يرفض ذلك، وبالطبع كنت حاضرا لذلك المؤتمر الذي عقد في "آر" وهي بالساحل ولكن تعلم هناك البعض من أمثال حروي تدلا بايرو كانت لهم نظرتهم وهم الذين عجلوا بتنفيذ قرار الحرب الأهلية الذي نفذته القيادة التي كلفت من المؤتمر.

قلت: على العموم هي محطة سوداء في مسيرة الثورة الإرترية، وقرار غير موفق، ونتائجه كانت كارثية على الكل. وقبل أن أنهي هذا المحور تبادر إلى ذهني وفاة المرحوم سبي وما قاله أبو سعدا في مناسبات سابقة حول وفاته غير الطبيعية، فبادرته هل أنت لاتزال مصرا أن المرحوم سبي في غيابه المبكر فعل فاعل ؟

وبنفس الإصرار الذي أبداه في مرة سابقه تجاه نفس الموضوع: أجاب: سبي كانت هناك أكتر من جهة لها المصلحة في أبعاده عن مسرح الحياة. وأشار لجهة إقليمية وأخرى إرترية ـ أتحفظ عن ذكرهما ـ قال إنهما أصحاب مصلحة في أبعاده عن مسرح الحياة.

* وقد أثارتني طريقة ربطه للأمور على هذا النحو، وبعد أخذ ورد قلت له لا أوافقك في هذا الرأي عموما، وألأختلاف في الرأي لايفسد للود قضية.

فأجاب: الأيام ستبين صدق معلوماتي *قلت دعنا نتحدث عن محور آخر، الحديث عن تجربة جبهة التحرير الإرترية، لايكتمل دون التطرق للتنظيم الحزبي الذي كان بداخلها وهو "حزب العمل الإرتري" وحقيقة لم أكن متوقعا أن تكون هناك إجابات ذات معنى في هذه الجزئية لولا ما فاجأني به في حديثه قائلا ً: تعرف في تلك الفترات كانت موضة اليسار والديمقراطية والشعارات الرنانة في الرفاقية والمساواة، ومن أبرز الشيوعيين الإرتريين تاريخيا محمد سعيد ناود الذي تأطر وتأدلج داخل الحركة الشيوعية السودانية، وهناك ألأستاذ الزين يسين هؤلاء بالإضافة للمرحوم طه محمد نور الذي كان عضوا في الحزب الشيوعي الإيطالي في وقت مبكر أثناء دراسته في روما، هؤلاء هم الأبرز بالطبع دون أن نغفل الآخرين وربما لايتسع المجال لذكر كل من انتمى في صفوف الحركة الشيوعية، ولكن هؤلاء لأنهم أما مؤسسون للحركة وأما من التحقوا بالجبهة في وقت مبكر.

وبالمناسبة الجبهة الشعبية لتحرير إرتريا وفي مرحلة قوات التحرير الشعبية تكّون بداخلها حزب الشعب الثوري، وبالمناسبة تكون هذا الحزب قبل انعقاد مؤتمر سدوحاعيلا سنة 1971، أي مؤتمر حزبهم كان سابقا لمؤتمر التنظيم، وقد تمت أدلجته بواسطة الرفاق اليمنيين الجنوبيين وبعض الفلسطينيين من جماعة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، ومن أبرز قيادات حزب الشعب الشهيد أبوبكر محمد حسن وهو مهندس جيولوجي ومدير مدرسة الكادر في قوات التحرير الشعبية، والشهيد أحمد هلال وكلاهما استشهدا في الحرب الأهلية مع الأسف.

هنا قاطعته: سألتك عن حزب العمل فرد: نعم، ولكن وددت أن يتعرف القارئ على جذور الحركة اليسارية في الثورة الإرترية.

* قلت: مؤخرا تم الإعلان وبشكل مفصل في واحدة من النشرات الداخلية التي تصدرها الجبهة الشعبية عن حزب الشعب الثوري ودوره في الحياة اليومية للتنظيم.

* وهنا لاحظت أمارات الجدية في تقاسيم وجه أبو سعده وكأنه يتهيأ لحديث يفيض بالقوة: فقال: أنا من مؤسسي حزب العمل الإرتري.

قاطعته: أنت مؤسس ؟

أجاب بلهجة فيها قوة: نعم، أنا إلى جانب الزين يسين وهناك آخرين ومنهم عبد الله إدريس وعبد الله سليمان في مرحلة لاحقة، أيضا صالح أياي وأحمد محمد ناصر الذي كان متخرجا حديثا في الكلية العسكرية العراقية. وقد كنا نهدف من تكوين الحزب إلى ضم العناصر الأكثر وعيا وتقدما في الجبهة، والى العناصر صاحبة المصلحة الحقيقية في الجبهة من أجل أن تكون فاعلة وجادة في تنفيذ برنامج حركة التحرر الوطني الديمقراطي.

قلت لأبو سعده: من معلوماتي المتواضعة أن الفكرة، أقصد فكرة تأسيس حزب العمل كانت في وقت مبكر، وربما تعود إلى العام 1968 في مدينة القضارف السودانية.

أجاب: دون شك الفكرة كانت مبكرة ولكن فور انعقاد المؤتمر الوطني الأول للجبهة وبلورة كثير من المسائل تم التجديد والتأهيل بشكل أفضل لكادر الحزب، ومن جانبي أن أكثر من 90% ربما من كادرات الحزب لم تعرف بعضويتي ودوري باستثناء شخص أو شخصين، وكان ذلك لاعتبارات هامة.

* وهنا كنت اعلم أن أبو سعده بدأ حياته السياسية من خلال انضمامه للحزب الشيوعي السوري، تلميذا لخالد بكداش الشيوعي السوري العتيد، ولم يتجاوز الثانية عشر من عمره.

فبادرته: يمكن أن نقول أن حزب العمل الإرتري استفاد من تجربتك في الحزب الشيوعي السوري، وهل تمكنتم من بناء علاقات بين الحزبين ؟

أجاب: حقيقة ليس بهذه الدقة، حزب العمل لم يستفيد منهم، وماهي سوى مرة واحدة تقابلنا مع المرحوم خالد بكداش في رفقة أبو أياي، وكانت زيارة ليس لها أثر.

قلت: أذن أبو اياي كان منضويا في حزب العمل.

رد: نعم، ولكن لسنوات طويلة هو لايعرف أنني عضوا في الحزب نظرا لسرية العمل، ومن جانبي كنت على علم بدوره في الحزب ولم نصارح بعضنا البعض إلا في مرحلة لاحقة وبالصدفة.

توقفت قائلا: رب صدفة خير من ألف ميعاد، وكيف أنكشف المستور بينكما؟ وكيف كانت النتيجة بعدما "داب التلج وظهر المرج"؟

رد ولا زال هناك بريق في عينيه يدل على ذكرى عزيزة، وان كان أعتبرها نقطة قاتمة في تاريخ علاقته بأبو أياي: بالصدفة كنت متواجدا في بيروت، وعثرت على واحد من الكتيبات التي قام بطباعتها صالح أياي وهي تتعلق بدراسات تنظيمية للحزب، وبالصدفة أيضا كان لي فيها مشاركه في تلك الكراسة، هذه الكراسة كانت بالمطبعة بعد أن أنجز طباعته وهو في طريقه إلى الميدان، حيث أخذت النسخة وخبأتها، ثم ذهبت لصالح وبطريقة انفعالية لاتخلو من التمثيل أخرجت النسخة في وجهه قائلا انتم عندكم حزب شيوعي داخل الجبهة ؟، والمهم أبو أياي كان متلعثما في رده لأن المفاجأة ألجمته، بعد لحظات كانت المفاجأة الثانية عندما قلت له أنا رئيسك في الحزب وهنا تعانقنا بحرارة وتحدثنا بكل صدق، لكن من جانبي لم أغفر له تلك السقطة وهي أن خبأ عني موضوع الحزب، وأقول ذلك وحتى اللحظة اشعر بمرارة لأنني كنت أبادله الصدق والمحبة ولم أتوقع أن لايبادلني نفس الشعور.

وأضاف: ربما تسألني ماهو مصير الحزب وماهو مصير أفراده، والجواب لاشيء فكل شيء تبخر، وكأنه لم يكن. وقبل دخول الجبهة إلى السودان كنت قد أبديت ملاحظات عديدة وأن كانت في أطار ضيق نظرا لعدم انعقاد مؤتمر أو اجتماعات تداولية، ويمكن إيجازها: أن الحزب ذهب بعيد ا في توجهاته خاصة فيما يتعلق بالجوانب الأخلاقية، والجوانب التي تتعلق بالمعتقد، والدين، وهناك الكثير من السفهاء "المتمركسين"، هؤلاء أساءوا إلى الحزب ولم تعد النظرية في حاجة للاستمرارية، وتكونت لدي القناعة في تراثنا العربي مايمكن أن يغنينا عن عشرات النظريات.

أيضا أصبحت العضوية في الحزب هي التي تقود الجبهة وهي صاحبة الامتياز والأمر والنهي، مماعطل معه الحياة اليومية للتنظيم أقصد تنظيم الجبهة، مع أن عبد الله سليمان وهو أحد قيادات الحزب كان يرى بأن الحزب أصبح في ذيل الجبهة والمفروض الجبهة تكون في ذيل الحزب. أقول لك باختصار شديد "حزب العمل الإرتري" كان كارثة جبهة التحرير الإرترية، وكان مع الأسف "خيبتنا" الكبرى.

قلت له مقاطعا: أستاذ أحمد هذه القناعات الجديدة لديك هل التحولات التي كانت جارية في العالم من "بروسترويكا" و "غلاسنوست" هي التي جعلتك تعيد النظر في كل معتقداتك وتوجهاتك ؟

رد: لا، ولكن من عمق تجربتي الشخصية، تبين لي، أننا كنا مغالين في أفكارنا وتوجهاتنا الماركسية، وذلك الفكر مع الأسف يتناقض مع معتقداتنا وقيّمنا، مع الأسف اكتشاف متأخر قليل.

تساءلت: والآن هل هناك شيء يذكر من تلك التجربة، أقصد هل هناك تبني لأي من فصائل جبهة التحرير لما بقى من فكر وتوجهات حزب العمل ؟

أجاب وبسخرية: "فتش معي عن حزب العمل".

* وبعيدا عن طرح المواضيع الساخنة فضلت أعادة الأستاذ أبو سعده إلى هدوئه وربما يتمكن من استعادة بعض توازنه، سألته، اليوم مر 47 عاما على انطلاقة الثورة الإرترية، وهنا أهنئك بهذه المناسبة، على أمل أن يعود علينا سبتمبر القادم وبلادنا تنعم بالهدوء والاستقرار، ولكن دعني أسالك، أول مرة يتم فيها اكتشاف صورة للشهيد عواتي هو بعد 22 عام من انطلاقته، فقبلها لايعرف العالم صورة له سوى رسوم تخيلية لفنانين إرتريين، تارة بالعمة وأخرى بـ "الأفرو" ربما رغبة في تطويره، وفجأة بعد حركة مارس ظهرت صورة عواتي.

لماذا كانت صورة عواتي مخبأة كل هذه السنوات ؟

أجاب وبتردد وكأنه لايود الخوض في تفاصيل قد فات أوانها، أو لايريد الدخول في اتهامات للآخرين قائلا: فعلا صورة عواتي كانت لسنوات طويلة مجهولة، ولا أحد يعرف شيء عن صورته، وفي العام 1975 تمكنت من تأمين صورتين للشهيد عواتي واحدة منهم التي نشرت فيما بعد.

هنا قاطعته: الصورة معك منذ العام 1975 ولم تنشر إلا في العام 1983 لماذا أذن كانت مخبأة كل تلك السنوات ؟

أجاب، ولاحظت أنه لايود الخوض كثيرا في هذا الموضوع: كان هناك البعض المتنفذ في قيادة الجبهة كانت له مصلحة في أخفاء الصورة ولم يسمحوا لي بنشر صور عواتي، ومن جانبي كنت ملتزما بقرارات مركزية للقيادة لايمكنني تجاوزها.

وكيف تم الأفراج عنها ؟ كيف تم النشر ؟ ووقتها لم تعد للمركزية دور أم ماذا ؟

أجاب: بعد حركة 25 مارس كنا نعد لإعادة تكوين الجبهة وكنت في روما والتقيت بالسيد عبد الله إدريس ويوهنس زراماريام، وفي هذا اللقاء طلب مني عبد الله الإفراج عن الصورة، فرديت قائلا أنها تحتاج لمعالجات فنية نظرا لعدم وضوحها، وهذا ماتم بالفعل ونشرت الصورة كما تعلم. وهناك الصورة الثانية لازالت بحوزتي. وبالمناسبة صالح أياي هو الذي أخبر عبد الله إدريس بوجود الصورة بحوزتي. وكما ذكرت لك طبعنا منها 8 آلاف نسخة.

ماذا عن صوت إرتريا الذي كان يبث من إذاعة دمشق منتصف الستينات ؟

أجاب: صوت الثورة الإرترية، كان في إطار ركن الجزيرة العربية، من الإذاعة السورية وكان مسئولا عنه شخصية سعوديه أسمه أبو نبيل، وكان يذيع لإرتريا يومين في الأسبوع لمدة نصف ساعة، وكانوا من أبرز المحررين فيه أسبروم أبرهة باللغة التجرينية وهو أحد قيادات قوات التحرير الشعبية في مراحل لاحقة ومن اللذين ارتبطوا بسبي وناود، وبالعربي أحد الشباب السوريين، وأسياس أفورقي في فترة عبوره إلى الصين تعاون مع هذا القسم لفترة قصيرة.

أيضا هناك الأستاذ محمد عثمان صايغ الذي كان يذيع باللغة العربية، وهو من مجموعة "العقاب" التي تخصصت في خطف الطائرات، يقيم حاليا في بريطانيا، وعمل لفترة سكرتيرا شخصيا للمرحوم سبي.

سألت أبو سعده: ذكرت في أحد كتبك اشتراكك المباشر في معركة بارنتو إلى جانب الشهيد محمود حسب ومعارك أسمرا الخالدة في منتصف السبعينات ؟

أجاب: فعلا كنت إلى جانب الشهيد محمود حسب، وكنت أصلا تواجدت لفترة في الميدان حيث كان ألأعداد لتلك المعركة وكان لي شرف المشاركة فيها، وكان سيكون لدي الشرف الأكبر إذا كنت شهيد. أيضا أذكر معارك أسمرا والقصف الذي أوقع الخسائر بمطار أسمرا إذ كنا نبعد عنه بحوالي 14 كيلو مترا.

سألت: هل كانت لديك ارتباطات أمنية بالجبهة ؟

أجاب وبكل تقة، نعم كنت مرتبطا بجهاز أمن الجبهة، وهذا الجهاز تكون عقب مؤتمر الجبهة الوطني الأول، وكان من أبرز أعضائه إلى جانبي، الشهيد محمود حسب، الشهيد سعيد صالح، وكان يرأسه عبد الله إدريس رئيس المكتب العسكري، وكان القصد منه المحافظة على وحدة الجبهة من الأخطار الداخلية والخارجية والجهاز كان مرتبطا كما قلت لك بالمناضل عبد الله إدريس والشهيد حسب كان يتولى الأمور الداخلية في الجهاز الأمني.

قلت لأبو سعده وأنا أسجل إعجابي بتلك المعلومات وذلك الوضوح، ألم أقل من البداية هو حوار الوضوح والصراحة، وهنا سألت أبو سعده، عادة الناس تتحفظ على كل ماهو أمني، وقد لايفوت عليك، هناك عمليات غير نظيفة هي عادة من مهام الأجهزة الأمنية، ألا تتفق معي أنك ذهبت بعيدا في ارتباطاتك مع الجبهة ؟

أجاب وشعرت أن الرجل يود أن يعطيني درس، وكانت بداية حديثه، أسمع قالها وكأستاذ يخاطب تلميذه: دون شك هناك أمن يتولى أعمال قذرة وهو بمثابة سيف مسلط على رقاب المواطنين وحياتهم، وما أكثر تلك الأجهزة في عالمنا الثالث، أنا لا أتحمل إذا كانت هناك أشياء أرتكبها جهاز الأمن وراءنا، ولكن أنا بالنسبة لي الأمر مختلف، كنا نهدف لحماية الثورة من العبث، وحمايتها من الاختراقات للعملاء المتربصين بها والذين كانوا يحاولون نسفها من الداخل.

* أسمع كررها ثانية: الجبهة كانت مشروع وطني كبير، وكانت حلم كبير من أجل بناء وطن ارتري ينعم فيه الإرتريين بالأمن والأمان، ولكن هذا الحلم وتلك الأماني وئدت مع الأسف،والأسف يكون مضاعفا وأنا أرى من كان مشاركا في تلك الجريمة وهو يحاول يبني لنفسه الأمجاد، أمجاد الجبهة الأم على أنقاض تجاربه الفاشلة.

في بداية الحديث كنت قد أثرت موضوع خصوصية العلاقة التي جمعتك مع أبو أياي، وفي سياق المقابلة ربما اتضحت لي أشياء كنيرة عن علاقتك بأبو اياي، وتوثقت لي حقيقة وهي أن حبلكم السري كان واحدا، ولكن أريد معرفة فيما المرحوم أياي قبل التزامه بالجبهة كان مجندا في الحزب الشيوعي السوداني ؟

* أجاب وهو يحدق مليا في صورة المرحوم أياي أمامه، وكأنه يناجيه: أبو أياي عندما ألتزم بالجبهة في منتصف الستينات لم يأتي من فراغ فالرجل جاء من تجربة نضالية كانت في قمة النضج السياسي والتنظيمي وهي حركة تحرير إرتريا التي كان يقودها محمد سعيد ناود، هذه الشخصية الاستثنائية التي أكن لها حب خاص، أبو أياي تمرس في النضال السري داخل المدن وهو في الحركة، وتم اعتقاله وعذب ونقل إلى سجن "ألم بقا" الشهير، ومع ذلك لم ينثني ولم تلين عزيمته بل كان مؤمنا بثورته وقضيته.

* قاطعته معقبا، أن المرحوم طاهر فداب أحد قيادات حركة تحرير إرتريا في مرحلة لاحقة ذكر بأن محمد سعيد ناود كان يترأس خلية للحزب الشيوعي السوداني وعضويتها من الإرتريين في مدينة بورتسودان، ثم تحولوا إلى إرتريا بخليتهم ونضالهم، وبما أن أياي كان أحد المؤسسين السبعة للحركة يمكن نستنتج انه كان عضو في تلك الخلية الشيوعية.

أجاب أبو سعده: على العموم شهادة ناود في هذا الأطار هامة فهو يقول كنت عضوا في الحزب الشيوعي السوداني أما الحركة كتنظيم لم تكن لها ارتباطات شيوعية. وأضاف أبو سعده: على العموم أبو اياي كان رجلا وطنيا حتى النخاع وكان ديمقراطيا ويساريا حتى الثمالة ومؤهلاته هذه هي التي خلقت منه قياديا بارعا عبر مختلف مراحل النضال التي خاضها. وكما قلت لك علاقتنا خاصة في حالات (التآمر) ضد المرحوم سبي كانت معروفة. ومع ذلك أحمل للمرحوم أياي عتبا كبيرا في جزئيتين هامتين:

الأولى: في المراحل المبكرة لتأسيس حزب العمل، كلانا كان منظما وكلانا كان يعمل بتفاني وجدية، ومأخذي عليه أنه لم يكشف لي عن عضويته ودوره في الحزب مع إننا كنا ملتزمين في مرحلة واحدة، وكنا نفكر سويا في أي عمل، وكما قلت أنت حبلنا السري كان واحدا، وكنا شركاء في التآمر من أجل تقوية الجبهة.

الثانية: بعد التحرير، وعندما قرر التنظيم الموحد يحل نفسه ويتوجه أفراده إلى إرتريا، مع أن كل خطواتنا وإيقاعنا كان مضبوطا، ألا أنه تجاهلني هو ورفاقه وتوجهوا إلى أسمرا للالتحاق بالحكومة الإرترية، لذا اعتبرت ذلك نوع من عدم الصدق تجاهي، هو الآن مع الرفيق الأعلى أتضرع إلى الله أن يرحمه ويسكنه فسيح جناته، بكل تأكيد خسره الشعب الإرتري وأمته، ولكن أنا أيضا كنت الخاسر الأكبر له.

بادرته قائلا: وأنت تتحدث عن أبو أياي برقت في عينيك دمعة من نوع ما، لقد لاحظت ذلك، قل لي صراحة، هل هي حالة طبيعية، أم أنك قد اندفعت حزنا عليه ؟

بعفويته وبصوت مبحوح أجابني: إنها من النوع الثاني.

قلت لأبو سعده على الرغم من أننا تحدثنا في أكثر من محور لكن لم تحدثني عن زيارتك لإرتريا بعد التحرير ؟

أجاب: زرت إرتريا لثلاث مرات بعد التحرير، الأولى كانت للتهنئة بأعياد الاستقلال وكنت ضمن وفد يمثل الحزب والدولة في سوريا، ولا أخفيك الحالة العاطفية التي سيطرت علي بمجرد أن وطئت قدمي مطار أسمرا فقد انتصبت أمام أعيني صور المناضلين و الشهداء جميعهم، وتذكرت تلك الأيام الخالدة التي كنا فيها على بعد أميال من أسمرا ونحن نذيق الأثيوبيين نار العذاب من على "جبل تاقارا" وصواريخ الجبهة "غراد" تقصف مواقعهم وتدك حصونهم، وكان عدد تلك الصواريح التي تمتلكها الجبهة 24 صاروخا قدمت من سوريا وتم نقلها بواسطة "البغال" إلى المرتفعات، وكان سلاحا له أهميته في ذلك الحين.

قلت هل تتذكر ماجرى من حديث بينك والرئيس أسياس ؟

رد: بعد التهنئة والمجاملات ونحن نغادر مكتبه تنحينا لعشر دقائق لوحدنا وتحدثت معه من القلب عارضا استعدادي لتأمين حاجيات الدولة الوليدة خاصة في مجال الطرق والمدارس، أستمع لي الرئيس مليا ولم يرد. المرة الثانية والثالثة كانت أيضا في مناسبات للتهنئة، ولا أخفيك كان عزائي أن رفاقي أبو اياي وناود هم في وطنهم ووسط شعبهم وبلدهم الذي حلموا به وهم شبابا وفي الزيارة الأخيرة قدم لي المرحوم علي سيد وزير الخارجية، هدية عبارة عن مجسم لجمل، وأعني جيدا تلك الرمزية.

ولكنك أسميتهم "أصحاب الجمل" في أحد كتبك وكأنك تغمز بـ "أصحاب الفيل" وأصحاب الفيل مهمتهم كانت معروفة.

أجاب ضاحكا: لاتقّولني، الجمل هو رمز الدولة وهو صديق النضال الإرتري ورمزيته كبيرة لدى الإرتريين.

* وهو يتحدث كان يحدق تجاه المجسم للجمل الموضوع أمامه، وكنت أشعر وكأنه يخاطب نفسه خشية أن تكون الهدية "جمل طروادة" بدلا عن "حصان طروادة".

قلت: أستاذ أبو سعده، كيف يمكن تقييم العلاقة الإرترية السورية في الوقت الحالي ؟

أجاب ولكن كانت عبارته تنضح بالتحفظ وكأنه لايريد الاسترسال في الحديث عن العلاقة تلك، أو ربما له ملاحظاته حولها.

قال: كما أسلفت لك، إرتريا اليوم يحكمها أبناؤها، وهذا عزاؤنا، برغم ما أحمله من عتب، ورأي عن الأخوان في الجبهة الشعبية، ولكن دعني أقول لك أنني مع أي أمر يخدم مصلحة الشعب الإرتري في أي مجال صحة أو تعليم أو بناء فإرتريا اليوم بلد ناشئ ولازال ينهض من تحت الأنقاض وعلى الجميع الوقوف إلى جانبه، دون أن يعمينا الموقف من الوضع السياسي في إرتريا، عن التعاون مع إرتريا كشعب، لذا عندما افتتحت السفارة في دمشق كنت مستبشرا خيرا وكنت أطمح لتطوير العلاقات بين البلدين لخدمة شعبينا، وعندما تم إغلاق السفارة لأسباب مادية ـ كما قيل ـ كنت حزين لذلك، لأنه في الوقت الراهن يجب أقامة العلاقات الدبلوماسية بين الدول وصيانة مصالحها عبر السفارات وممثليات الدول ومن هنا وجب على الحكومة الإرترية أن تراعي ذلك وتعمل على تطويره لا أن تغلق سفارتها، ولدي أمل كبير في استئناف العلاقات بين البلدين لخير الشعب الإرتري ولخيرنا جميعا.

(في نفس يوم أجراء اللقاء كان يزور دمشق السيد علي عبده وزير الإعلام الإرتري) وقبل الانتهاء من حديثه، قاطعته، قائلا،

هل تتفق معي أن إرتريا في الوقت الراهن تواجه متاعب ومصاعب خاصة المواقف الأثيوبية المتشنجة لجهة عدم تطبيق اتفاقية الجزائر ؟

رد وبشكل حازم: أكرر اختلافي مع سياسات الأخوان في أسمرا، ولكن يجب أن تعلم أن المساس بوحدة إرتريا أرضا وشعبا فيه استهتار لنضالات ودماء الثورة الإرترية، أنا مع استمرار المساعي من أجل أيجاد حلول للمشاكل القائمة بين البلدين، أما أن يحدث غزو أثيوبي وتستباح فيه الحرمات وتفقد إرتريا استقلالها ويولى عليها "كرزاي" إرتري فوالله والله لن أقبلها، أذا ارتضى الإرتريين تغيير نظامهم السياسي فهذا شأنهم هم بالدرجة الأولى دون غيرهم.

أخيرا وأنا أجمع أوراقي وأتـهيأ لإنهاء المقابلة، سألت أبو سعده، ماذا يمكن أن تقول عن موقع "ناود للكتاب" ؟

أجاب: كان لي شرف متابعة موقعكم منذ أن كان فكرة وحتى تم التنفيذ وأنتم تحررون مواده بهذه الرشاقة، موقعكم يستمد مكانته من المواد الهامة التي نشرت والوثائق، بالإضافة لأنه يستمد رصانته من أسم قامة نضالية إرترية كبيرة هو المناضل الكبير محمد سعيد ناود مؤسس وقائد حركة تحرير إرتريا، برغم ماقيل ويقال عن تجربة الحركة والتقييمات المتعجلة لذلك البعض المتسرع في كل شيء، فالحركة تجربة إرترية رائدة وهامة ومحطة نضالية في سلسلة النضالات الإرترية منذ الخمسينات وحتى يوم التحرير، لذا يجب أن تقيم بتجرد وموضوعية وليس بخفة.

أضاف: لي عتب عليكم وهو أنكم في موقع "ناود للكتاب" اختصرتم ناود في الجانب الثقافي والاجتماعي حصرا وعلى أهمية هذه الجانب، يجب أن تطلقوا الرجل وتنشروا أعماله الهامة، فهو دون شك رصيد ثقافي إلى جانب تراثه السياسي، لذا أوصيكم بالتركيز على "ناود" السياسي والفكري أيضا ً.

وهكذا انتهى اللقاء بيني وبين الأستاذ أبو سعده، ولا أشك أن كثير من الأمور لم نتطرق لها نظرا لمحدودية زمن اللقاء ولمعاناته الصحية، حيث لم يكن الهدف الحديث عن كل شيء، ولايمكن أن يتم انضغاط تجربة قاربت لثلاث عقود في ساعات محدودة جدا،وأنا على ثقة أن الرجل لديه الكثير ممايجب أن يقال، لذا يمكن أن أعتبر مادار بيني وبينه من حديث مجرد دردشة، أو استعراض لعناوين جانبية، أو خطوط عريضة أن شئت لمسائل هامة، عموما هناك وعد من جانبه بأن يقول كلمته للتاريخ قريبا من خلال اللقاءات والحوارات أو الكتابة، ولم ينسى أن يرشد ني لمؤلفه القيم بعنوان (ارتريا من الكفاح المسلح إلى الاستقلال) وفيه يتعرض وبشيء من التفصيل لتجربته ومعايشته اليومية للثورة الإرترية.

أخيرا فيما يلي مؤلفات الأستاذ أبو سعده: هذه بداياتي مع الثورة التي استغرقت معظم حياتي - ارتريا من الكفاح المسلح إلى الاستقلال - ابوسعده في شوارع العالم - الجزء الأول - حرب الجياع - الجزء الأول - وانتهى الحب - ساعات من الحب - مكان دائم في الجنة - الجزء الأول - جنوب السودان وآفاق المستقبل - الجزء الأول - عيناها تشبه بلادها - أبو سعده في شوارع العالم - الجزء الثاني تحت الطبع: ـ الشمس السمراء (عزيزة) ـ احتل العراق عندما أمم نفطه ـ امرأة بلا ملامح ورجل بلا تاريخ ـ القضبان السوداء ـ ملكة الفراشات ـ كنت في ظفار ـ كنت في الفيتنام.

Top
X

Right Click

No Right Click