لابد من حرقيقو ولو طالت الغربة - الحلقة الثانية

بقلم الأستاذ: حسين محمد باقر - كاتب وبـاحث

بِسْمِ ٱللّٰهِ ٱلرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

حرقيقو ومصوع تختلفان بطابعهما الاجتماعي: تحدثنا في الحلقة السابقة عن المكونات الاجتماعية في منطقتنا سمهر لكونه مجتمعاً

مسجد حرقيقو

تألفت مكوناته الاجتماعية من كل مناطق الوطن بل ومن كثير من بلدان العالم، وتمكن من التخلص من احقاد القومية والقبلية والطبقية ونعمل مع الاخرين في اذابة كل الفوارق الطبقية والنزعات القبلية من اجل خلق واقعا اجتماعيا جديدا.

واذا تحدثنا بمزيد من الدقة والشفافية بان هذه الصورة أي الظاهرة المجتمعية الفريدة التي نتحدث عنها لا يمكن تعميمها في كل اقليم سمهر نظرا إلى ان هناك قرى وبلدات وارياف ما زالت محتفظة بطابعها القبلي لا تنطبق عليها الصورة التي عكسناها عن المجتمع السمهري والتي تنحصر في مدينتي مصوع وحرقيقو. إلا ان هذه الميزات التي تحدثنا عنها حول مجتمعاتنا لم تكن قائمة الان نظرا لما جرى من تغيير ديموغرافي مبرمج ومدروس يهدف إلى رسم خارطة بشرية جديدة.

فقد نجح هذا المخطط في مدينة مصوع حيث تغيرت المكونات الاجتماعية والثقافية واللغوية وتغيرت المعالم.

اما في مدينة حرقيقو فان سياسة التغيير الديمغرافي لا يمكن تطبيقها بحكم اختلاف الواقع بين الحالتين. ففي مدينة حرقيقو بطابعها القروي حيث انعدام الوسائل أو المقومات الضرورية التي تشجع المستوطنين الجدد للقدوم والاقامة وأهمها:

اولا: عدم توفر فرص العمل بالنظر إلى عدم وجود شركات خاصة وعدم وجود دوائر حكومية لتأمين الوظائف للقادمين الجدد وايضا عدم توفر المنازل لسكن المستوطنين. كل هذه الاسباب تشكل عائقا في اقامة المستوطنين كما ان بناء المدارس والمنازل وايجاد فرص العمل لإعداد كبيرة مسألة صعبة لا يمكن تحقيقها في المستقبل المنظور، فعليه فان اسهل وسيلة لتغير التركيبة الاجتماعية في حرقيقو هي اخلاء المنطقة من سكانها الاصليين نهائياً.

حرقيقو كانت امارة قبل وصول العثمانيين والبلو:

في مجموعة كتب نذكر منها: كتاب فتوح الحبشة للشيخ شهاب الدين احمد الملقب ب (عرب فقيه) و حاضر العالم الاسلامي لكاتبه لوثروب استودارد الامريكي Luthrob Stoddard وضعه الأمير شكيب ارسلان نقله إلى العربية عجاج نويهض جاء في الكتب المذكورة: بان الإمام احمد بن ابراهيم المجاهد المعروف في الحبشة عزل الشريف نور بن علي من بلدة (دخنو) وعين مكانه السلطان احمد بن اسماعيل الدهلكي ويقال بان حكام امارة حرقيقو وما حولها كانوا من السادة العلويين. وكان عزل الشريف نور وتعيين السلطان احمد بن اسماعيل في عام 1540م. اما اسباب العزل فيقال بان الإمام احمد كان قد بعث برسالة إلى الشريف نور يطلب فيها بإرسال دعم مادي وتجهيز فرقة عسكرية لحماية الشواطئ بهدف مراقبة البرتغاليين الذين كانت لهم محاولات كثيرة للتسلل من اجل دعم ملوك الحبشة النصارى الذين كانوا على اتصال مستمر معهم بهدف الدعم. فكان رد الشريف على الإمام احمد كالآتي: ان امارتنا ومن موقع مسئولياتنا ولما يحتمه علينا ديننا الحنيف بضرورة مساعدة اخواننا المسلمين فان قواتنا على استعداد للقيام بهذه المهمة اما بخصوص الدعم المالي فان المنطقة تعرضت لموسم جفاف وقحط لم يمكننا من زراعة الأراضي الامر الذي يجعلنا عاجزين من تقديم الدعم المطلوب في المواسم القادمة سوف نلتزم بسداد ما يستحق إنشاء الله.

هذا الرد لم يقتنع به الإمام احمد واعتبره مجرد تبرير لامتناع الشريف عن السداد وبعد مضي ثلاثة اعوام على قرار عزل الشريف استشهد الإمام احمد بن ابراهيم الملقب (بجرانج) أي الضارب باليسرى على يد البرتغاليين الذين تسللوا من الشواطئ الإريترية وتمكنوا من صناعة اسلحة نارية بعد ان تحصلوا على مادة البارود في الحبشة.

حقبة البلو في سمهر:

قبل الخوض في تفاصيل رواية انتقال البلو من شرق السودان إلى اقليم سمهر وبالتحديد إلى حرقيقو – مصوع – علينا ان نوضح بان قبيلة البلو ليست بجاوية كما يقول دكتور جلال الدين نظرا إلى ان البجا مكون حامي وصل إلى منطقة القرن الافريقي من جنوب شبه الجزيرة العربية قبل انتقال البلو إلى المنطقة بآلاف السنين وان قبيلة البلو عربية معروفة ومقرها الاصلي الجزيرة العربية انتقلت الى جنوب مصر عبر صحراء سيناء ومنها الى شمال السودان ثم إلى شرق السودان واستقرت هناك حتى انتقالها إلى سمهر وربما إلى مناطق اخرى. صحيح هناك حدثت مصاهرات بين القبيلتين (البلو والبجا) بحكم المجاورة والسكن ولكن من حيث الاصل أو العرق فانهما مختلفتان.

وهذا نص الرواية فيما يخص اسباب انتقال البلو إلى سمهر حسب ما جاء في كتاب الدكتور جلال محمد صالح: طبقا إلى ما اوردته الباحثة المصرية الدكتورة نادية، ان ذلك كان في القرن السابع عشر الميلادي وان ابا عامر هذا اشتهر ب (علي بيلهاس) لكن اسمه الحقيقي (علي قاسم) امه من قبيلة الهدندوى والده من قبيلة الجعليين، ولقبه (نابتاب) تزوج من حفيدة ملك البلو (ادريس ادار) دون رضا الملك فقتله ملك البلو عقوبة له على زواجه من حفيدته وهو ليس لها بكفء نسبا واخذ جمجمته وصنع منها اناء لشرب الخمر امعانا في الاذلال. نفذ فيه حكم القتل بعد ان حملت حفيدة الملك البلوي من زوجها (علي قاسم) الشهير بـ (علي بيلهاس) بطفل اسمه (أمير).

وبعد ان بلغ هذا الطفل سن الرجولة علم ما حدث بوالده ذهب لموطن والده (قبيلة الجعليين) وعاد بجيش جرار ليثأر لوالده وفعلا شن حربه الانتقامية على البلو شردهم إلى حرقيقو وسواكن وعقيق وكان (أمير) هذا هو الجد الذي انحدرت منه قبيلة البني عامر. انتهى كلام دكتور جلال الدين.

وفي الرواية الثانية يذكر السيد / جونثان ميران Jonathan Miran في شعبة الدراسات الليبيرالية للحضارة الاسلامية – بجامعة غرب واشنطن في كتابه مواطني البحر الاحمر Red Sea Citizen يقول بان قبيلة البلو ربما يرجع اصولها إلى منطقة سواكن في شرق السودان حيث نشأت علاقة وتكتل سياسي ومصاهرات تدريجية بين المتحدثين باللغة البجاوية والقبيلة العربية البلو.

في نهاية القرن الرابع عشر الميلادي ظهرت مؤشرات تنبئ بحدوث مجاعة في شرق السودان الامر الذي دفع بالبلو للهجرة نحو الجنوب عبر المناطق الناطقة بلغة التجري (التجرايت) وما يعرف في الوقت الحاضر بغرب وشمال اريتريا ومجاميع اخرى واصلت زحفها إلى منطقة سمهر في شرق اريتريا. والبعض منها واصل إلى الجنوب عبر الأراضي العفرية إلى مدينة زيلع التاريخية بالصومال.

اندمج البلو مع المجتمعات المحلية اسوة بكل القادمين اليها وتبنوا لغة المنطقة التي استقروا أو استوطنوا فيها وتأثروا واثروا بدرجات متفاوتة من الناحية الاجتماعية والسياسية والثقافية واللغوية وحتى من ناحية الشكل والهيئة. وحققوا البلو مواقع سياسية وقيادية متقدمة.

وفي منتصف القرن الخامس عشر الميلادي حيث اقاموا البلو في الشريط الساحلي لمنطقة سمهر. وبناء على ما جاء في كتاب السيد/ جونثان فان (بلو بيت يوسف) كانوا الاكثر شهرة ووجاهة بين البلو الاخيرن الذين تحركوا من بركة إلى سمهر جراء الطرد الذي تعرضوا له من الجعليين. ان عائلة بلو بيت يوسف اسست نفوذها السياسي في قرية (زجا) Zaga بالقرب من مصوع هناك تقاليد اخرى تذكر بان (حُمد بن السيد أمير قُنُّع) الذي كان خادم ليوسف في قرية زجا انقلب على يوسف بمساعدة الشيخ محمود واصبح قائدا للبلو في سمهر ثم غادر حُمد إلى حرقيقو التي تبعد عدة كيلومترات جنوب مصوع على الشاطئ. وهناك عمل حمد في كل ما من شأنه ان يضمن التفوق لاسرته حيث اوجد سلالة التي تمكنه من الفوز بلقب (نائب) حتى القرن التاسع عشر الميلادي. هنا انتهى كلام السيد جونثان.

نلاحظ بان جونثان ميران لم يتناول حادثة زواج الفتى الجعلي من فتاة بلوية ولم يتناول مقتل العريس والحروب التي نشأت بين القبيلتين بسبب ذلك الزواج الذي اتى ذكره في رواية اخرى.

كما ان الطرد الذي قام به الجعليبن للبلو لم تذكر اسبابه في رواية جونثان ميران.

نواصل في الحلقة القادمة انشاء الله

Top
X

Right Click

No Right Click