لابد من حرقيقو ولو طالت الغربة - الحلقة الاولى

بقلم الأستاذ: حسين محمد باقر - كاتب وبـاحث

بِسْمِ ٱللّٰهِ ٱلرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

اسمحوا لي أن استعير المقولة الشهيرة: لابد من صنعاء ولو طال السفر لاستبدلها بـ لابد من حرقيقو

مسجد حرقيقو

ولو طالت الغربة، وذلك للتعبير عن عزمنا وإصرارنا على ضرورة عودتنا الى ديارنا مهما كانت المعوقات والعثرات.

وبما أن التعريف الأول كما حدده خبراء علم الاجتماع السياسي لمعنى الوطن يتلخص في ما يلي:- الوطن هو الشقيق والصديق وقبر الأم والأب ثم الانسباء والأهل والعشيرة ثم الحارة والقرية (مسقط الرأس) والمجتمع الصغير المتجانس والمترابط وله مصالح ومنافع مشتركة وهواجس ومصير واحد.

فعندما نتحدث عن حرقيقو أو أي قرية أخرى نعني بالضرورة الخلية أو الوحدة الأولى التي يتأسس عليها الكيان كله. وفي العصور ما قبل الثورة الصناعية فإن ما كان يسمى بالأوطان، هو مجرد مجتمعات صغيرة تعيش أو تتعايش في حيز جغرافي ضيق على شكل كنتونات لا يتجاوز مساحته نطاق قرية صغيرة، حيث لم يكن التواصل بين القرى أو البلدات الأخرى قائما وكانت تلك المجتمعات الصغيرة تدير أمور حياتها بالطريقة التي تتلاءم مع طبيعتها وعاداتها وتقاليدها وموروثها ونظام حكمها.

ومع مرور الزمن توسعت هذه المفاهيم او هذه التعريفات لتشمل مضامين أخرى ومساحات جغرافية أوسع وأرحب، وأنماط حياة متطورة وذلك بحكم تطور فكر الإنسان المعاصر وتطوير اختراعاته. لكن يبقى دائما أن الأساس للقرية وللجزور وللأصالة، ففي غياب أو تغيب الخلية أي الوحدة الأولى في المنظومة فإن ما هو قائم يبقى مجرد أمور شكلية لا معنى لها ولا قيمة ولا لون ولا طعم ولا رائحة.

أمجادك يعرفه الباب العالي والبيزنطة ويعرفه أباطرة الحبشة ومصر الخديوية

أن من يقف على إطلال مدينة حرقيقو التاريخية لا يتصور ولا يصدق بان هذه المدينة المهجورة كانت في يوم من الأيام تمثل الحاضنة الاجتماعية والروحية ومركز السلطة والنفوذ ومصدر الاقتصاد والتجارة والصخرة التي تحطمت على تلالها كل جحافل الغزات الطامعين على ثرواتها والحاقدين على تاريخها وأمجادها والطامحين على للاستيلاء على مواؤنا ومنافذها. أن ما نشاهده في هذه الأيام من استهدف مبرمج لم يأتي من فراغ ولكن تحركه رواسب وأحقاد دفينه يهدف إلى طمس هويتها وتاريخها ووجودها وفي الحلقة القادمة سوف نوضح أو نوثق ما ذكرناه أن شاء الله.

المكونات الاجتماعية لأهالي المنطقة وكيفية تكونها:

كما هو معلوم لان معظم شعوب العالم تكونت أو تأسست من خلال هجرات متعاقبة واخرى معاكسة لأقوام وأعراق متباينة. وكان ذلك لاسباب متعددة - فهنهم من كانت هجرته بسبب الحروب التي كانت تنشأ بين مجموعات عرقية مختلفة ومنهم من كان يهاجر بسبب الكوارث الطبيعية التي تضرب مناطق تواجدهم مما يضطرهم للرحيل بحثا عن مناطق اخرى، وهناك أسباب اخرى كثيرة.

وكانت شبة الجزيرة العربية تمثل المخزون البشري الذي تدفقت منها موجات بشرية متعاقبة عبر البحر الاحمر في حقب زمنية مختلفة حيث استقبلت شواطئ البحر الأحمر الغربية (اريتريا حديثا) المهاجرين الحاميين منهم والساميين الذين جلبوا أي نقلوا معهم حضارتهم ومماتهم وثقافتهم ولغاتهم الى المنطقة.

وهناك حدثت تفاعلات ومصاهرات وتمازج وتبادل المصالح والمنافع بين أهل المنطقة والمهاجرين حيث عمل المهاجرين في التجارة والفلاحة واصلاح الأراضي واستحداث طرق الري وأطلقوا أسماء مدنهم واريافهم على بعض المدن في المنطقة فعلى سبيل المثال لا الحصر. أطلقوا اسم (وادي مُرْ) على الوادي المعروف الذي يقع جنوب مدينة حرقيقو. وذلك نسبة إلى (وادي مُرْ) الشهير في تهامة اليمن كما يذكر الأستاذ محمد الطيب اليوسفي في كتابه اثيوبيا العروبة والإسلام وكذلك الدكتور/ جلال الدين محمد صالح في كتابه الحبشة والبجة بأن مسمى سمهر يرمز به إلى منطقة في غرب اليمن تسمى (سمهر).

من هنا يمكننا القول بأن قرآنا وبلداتنا في شواطئ البحر الاحمر الغربية عرفت نظام التمازج السكاني لمختلف الأعراق وعرفت نظم حياة المدينة والاستقرار والاقامة والتجانس الاجتماعي ونبز النعرات القبلية والنزعات العنصرية.

وفي حقبة الهجرات ما بعد ظهور الإسلام فان منطقتنا كانت أول من استقبل بعثات الصحابة الأول حيث وطئت إقدامهم على شواطؤنا.

أما إذا أردنا إن نعرف لماذا كان البحارة أو المهاجرين العرب يفضلون هذا الجزء من الشاطئ الاريتري أي الجزء الاوسط من الشاطئ (الخاصرة) لترسوا عليها مراكبهم. فهناك ميزات ينفرد بها هذا الجزء الأوسط لا تتوفر في باقي المناطق على طول الشاطئ الغربي بالبحر الأحمر واهم هذه الميزات هي:-

1. كثرة الجزر مثل (ارخبيل دهلك) والذي يمثل كل جزء منه ميناءا مستقلا وجزر اخرى متناثرة في المنطقة كما أن ميناء مصوع كان عبارة عن مجموعة جزر متناثرة قبل ان يرتبط أو يوّصل باليابسة عبر الجسور المعروفة.

2. تعرجات الشاطئ وكثرة المرافئ والخلجان فيه وهذا ما يشكل سواتر ومخابئ طبيعية للمراكب والقوارب الراسية وتحميها من الرياح العاتية والأمواج الهائجة لكي لا تغذف بها الرياح بعيدا ولا يعرف مصيرها أو تصطدم بالصخور وتتهشم. فالبحارة لا يفضلون الشواطئ المستقيمة التي لا لها تعرجات او انحناءات.

3. توفر المياه والحشائش والأشجار بالقرب من الشواطئ هذا مما يبحث عنه أصحاب المراكب لان وجود المياه بالقرب من الشواطئ مسالة ضرورية كما أن الحشائش مطلوب توفرها نظرا إلى أن المهاجرين كانوا قد نقلوا معهم دوابهم كالجمال والحمير ليركبوها في تنقلاتهم أو لحمل أمتعتهم وأيضا مواشيهم كالماعز التي احضروها معهم من اجل شرب لبنها وأكل لحومها، وعليه فإن المياه والحشائش أمور ضرورية جدا. من المعروف أن المنطقة التي ذكرناها فان المياه فيها متوفرة في شواطئ البحر وأن الآبار غير عميقة كما أن الحشائش تنمو على أطراف البحر. ولما كانت حياة العرب ارتبطت بالبحر كمصدر رزق وكوسيلة الانتقال لقد خبروه وعرفوه جيدا وعرفوا مده وجزره باتجاهات رياحه ومواسم هيجانه، عندما قدموا العرب للشاطئ الغربي كانوا على دراية تامة بأحوال المنطقة.

4. عمق المياه في موانئ المنطقة هذا ما يشجع أصحاب المراكب الكبيرة للرسو في هذه الموانئ فالمياه في شواطئنا عميقة كما قال المراقب أي المندوب البرتقالي في أوائل القرن السابع عشر نقلا عن كتاب السيد جونثان ميران Gonathan Miran في كتابه (مواطني البحر الأحمر): أن ميناء حرقيقو كان أهم ميناء في شاطئ البحر الاحمر واحتل مكانة ميناء ادوليس التاريخي وأضاف قائلا: أن ميناء حرقيقو لقربه من المرتفعات (الهضبة الإثيوبية) أصحبت له أهمية كبري قدم خدمات جليلة لسكان المرتفعات حيث أصبح وسيلة اتصال ورابط مهم بين أهالي المرتفعات والعالم الخارجي عبر البحر الأحمر وبوابة يمر من خلالها بضائعهم. ومن ناحية أخرى بان اهمية ميناء حرقيقو وكانت تكمن في كونه كان الوسيلة او الرابط مع ميناء مصوع الذي كان جزيرة منفصولة أو غير متصلة باليابسة الأمر الذي كان يتعذر معه نقل القوافل حمولتها مباشرة إلى ميناء مصوع لان الجسور التي نشاهدها اليوم لم تكن موجودة.

نواصل في الحلقة القادمة انشاء الله

Top
X

Right Click

No Right Click