لابد من حرقيقو ولو طالت الغربة - الحلقة الثالثة
بقلم الأستاذ: حسين محمد باقر - كاتب وبـاحث
بِسْمِ ٱللّٰهِ ٱلرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ
تحدثنا في الحلقة الثانية كيف انتقل (حمد أمير الى حرقيقو من قرية زجا) بعد ان نفذ انقلابه على (يوسف - بيت يوسف) ومنذ وصوله
الى حرقيقو عمل جاهدا في كل ما من شأنه ان يعزز ويقوي مكانة اسرته بمعزل عن السلطة التي كانت قائمة قبل وصول البلو الى المنطقة.
حقبة قدوم العثمانيين:
في عام 1557م احتل اوزدمير باشا جزيرة مصوع وميناء حرقيقو وضمهما الى المناطق التي سبق احتلالها في كل من سواكن وجده وحديدة وغيرها.
وباعتبار ان البلو كانوا قد اكتسبوا خبرة في ادارة الصراعات وادراكهم باهمية ومكانة السلطة وما قد تحققه للحاكم من وجاهة ونفوز وامتيازات وثروة لقد حرصوا البلو على ان يقتربوا من العثمانين ويظهروا لهم رغبتهم للتعاون معهم وقد تحقق لهم ما طمحوا اليه عندما عين العثمانيون (حمد أمير) نائبا في حرقيقو.
يلاحظ بان العثمانيين لم يعينوا نائبا أو واليا في جزيرة مصوع نظرا الى ان الجزيرة لم تكن مأهولة في تلك الحقبة وان معظم البيوتات العريقة انتقلت من حرقيقو الى مصوع وما حولها وحتى الى المدن والقرى النائية في اريتريا وكان ذلك في القرن الثامن والتاسع عشر الميلادي بعد الازدهار الاقتصادي والتجاري الذي شهدته الجزيرة وكان ذلك الانتقال من اجل ممارسة الانشطة التجارية المختلفة.
وهنا نذكر بعض البيوتات التي انتقلت من حرقيقو الى مصوع وما حولها على سبيل المثال لا الحصر نذكر - بيت الشيخ - بيت سيد - بيت نائب - بيت شنيتي - بيت حمدان - بيت كيكيا - بيت كردي - بيت بشير - بيت حامدوي - بيت ساردال - بيت زبير وكثيرا منهم لم تحضرني أسمائهم في هذه السائحة. في عام 1516 خاض العثمانيين معركة في حوض البحر الأحمر ضد الأسطول البرتقالي الذي قدم من الهند بتنسيق مع جهات مختلفة لدعم ومساندة الملك الاثيوبي (لبنادنجل) الذي كان يشن حربا صليبية على المسلمين في الحبشة كما كان هدف الاسطول البرتقالي الاستيلاء على الشواطئ الاريترية وميناء السويس المصري وسواكن . الا ان الاسطول البحري العثماني تمكن من هزيمة الاسطول البرتقالي وتم تدميره وانسحب الى الهند منكوسا زليلا. ولو لا تلك المعركة البحرية الشهيرة لاحتلت البرتقال مصر والسودان واريتريا وربما الضفة الشرقية للبحر الأحمر.
ان الخلفية التاريخية الواسعة لهذه الاحداث يمكن دراستها والتفكر حول فصولها من خلال بعض المراجع التي تحصلنا عليها وسوف نحاول الكتابة عنها عندما تتوفر المصادر الكافية انشاء الله. وبعد ان تمكن العثمانيون من السيطرة على دفتي البحر الأحمر والشريط الساحلي في عام 1559م اتجه نحو المرتفعات الاريترية واحتلوا مدينة دباروا التي كان يحكمها بحر نجاش ييشاق في مدينة دباروا شيد العثمانيون جامعا كبيرا لإقامة صلاة الجمعة ومساجد أخرى صغيرة . لم يبدي العثمانيين أي طموح او رغبة لايجاد مواطئ قدم او قواعد متقدمة لجيشهم في المرتفعات وفي عام 1558م تحالفت قواتهم بقيادة احمد باشا مع بحر نقاش ييشاق الذي أراد ان يستغل هذا التحالف في اطار صراعاته ضد زعيمه او سيده القديم الملك (سارسا دنجل).
وكان ذلك في عام 1567-1597 حيث شن حملة عسكرية بمساعدة العثمانيين على الملك الاثيوبي (سارسادنجل) وفي عام 1586م سحب العثمانيون قواتهم من المرتفعات الى الشواطئ وقد ابدوا عن عدم رغبتهم في التواجد في الهضبة. ان السلطة العثمانية تضاءل نفوذها في المنطقة في العقود الاولى من القرن السابع عشر وكان ذلك بسبب العلاقة الملتسبة والغير واضحه التي ظهرت بين السلطة المحلية والسلطات العثمانية العليا في حرقيقو. في مقاله للمؤرخة التركية (دينا رزق خوري) بان العلاقة المتأرجحة والغير واضحة التي كانت سائدة بين السلطتين المحليه والمركزية أتاحت الفرصة للنخب المتنفذة في السلطة المحلية للانشغال والاهتمام بشونها الخاصة ومراعات مصالحها وامتيازاتها في أطار السلطة العليا دون الاهتمام بقضايا الدولة والشعب. لم يبدي العثمانيين أي طموح او رغبة لإيجاد ومواطئ قدم او قاعدة متقدمة لجيشهم في المرتفعات.
وفي عام 1558م تحالفت قواتهم بقيادة احمد باشا مع بحر نقاش ييشاق الذي أراد أن يستغل تحالفاته في اطار صــراعات القوة ضد زعيمه وســيده القديم الملك (سارسادنجل) وكان ذلك في عام 1567-1597م حيث شن حملة عسكرية بمساعدة العثمانيون على الملك الاثيوبي سارسادنجل وفي عام 1586م سحب العثمانيون قواتهم من المرتفعات الى الشواطئ وقد ابدوا عن عدم رغبتهم للتواجد في الهضبة ان السلطة العثمانية تضاءل نفوذها في المنطقة في العقود الاولى من القرن السابع عشر وذلك عائدا الى العلاقة الملتبسة والغير واضحة التي ظهرت بين السلطة المحلية والسلطة العثمانية.
في مقالة للمؤرخة التركية (دينا رزق خوري) قائلة: بان العلاقة الملتبسة والغير حازمة التي كانت بين السلطة المحلية والسلطة العليا (العثمانية) أتاحت الفرصة للنخب في السلطات المحلية للانشغال والاهتمام بشونها الخاصة ومراعات مصالحها وامتيازاتها في اطار السلطة العليا دون ا لاهتمام بقضايا الدولة والشعب.
الصراعات الداخلية بين عائلة النائب:
أن الصراعات التي استفحلت داخل العائلة تفسر التباين في التقاليد والمعتقدات بين جيل وآخر وكذلك الحلابات فيما يتعلق بتعيين النائب الأول يعكس وجهات نظر متباينة لعوائل مختلفة ومتناحرة. وبناء على ما جاء في إحدى الروايات حول هذا الموضوع: بان حمد أمير قُنّع عين كأبرز زعيم بلوي في تلك الحقبة. فر حمد أمير مع حاشيته الى شبة جزيرة بوري جنوب حرقيقو لا حقته قوة من السلطات العثمانية وكان ذلك في منتصف القرن السابع عشر اما أسباب فراره انه عارض سياسة السلطات العثمانية بسبب تقليص صلاحياته هناك. أثناء فراره الى بوري قتل ابن شقيقه الأصغر (علي بن موسى) متهما إياه بالتجسس عليه لصالح العثمانيين.
بعد فترة زمنية قصيرة تكررت القصة حيث أن أمير بن علي (ابن المقتول) ذهب الى مصوع وطلب من العثمانيين الدعم وابدي رغبته في التعاون وهناك تم تعيينه نائبا اول وبعد عودته الى حرقيقو تولى مسؤلياته وعمل بالحفاظ على الأمن والاستقرار في المنطقة وقام بتجهيز جزيرة مصوع بالماء وبالمقابل قامت السلطات العثمانية بمنحه سيفا بمقبض ذهبي ورداء مطرز بالحرير تعبيراً عن نبله ووفائه كما خصص له راتب شهري من جمارك مصوع للحفاظ على الفرقة التي كانت في حامية حرقيقو.
أن الصراعات والانقسامات بين عوائل النائب كانت امرا طبيعيا خلال العقود الاولى من تولي النائب الحكم. ان معظم الصراعات التي كانت تدبر كانت اسبابها من اجل الفوز بمنصب النيابة بما له من امتيازات ولهذا فان كل طرف كان يحرس على الفوز بهذا المنصب. أن اخطر الانقسامات التي حدثت بين الأسرة كانت المواجهة التي حدثت بين الأخوين ابناء (امير) الرجل الاول في الحكم. أن التنافس بين الاخوين حسن امير فترة حكمه من 37-1720 وعثمان امير 81-1741 كان بمثابة ولادة انقسام حاد ادى الى شطر الذرية او النسب الى قسمين واستمر هذا الانقسام حتى القرن العشرين فترة الاستعمار الايطالي.
يذكر جوثنان ميران بان هناك قرائن تثبت بان قائمقام الباشا في سواكن كان يحكم مصوع حتى 1633م عندما قام السيد/ اثليا سيليبي بزيارة ميناء مصوع في عام 1673م صرح بان الميناء يحكمه نائب بلوي وكان اغا مساعدا له وفرقة عسكرية عثمانية . وصف سيليبي حاكم حرقيقو بـ (نائب اسود Black Naib Tur- Kara Naib) الذي كان يتحدث اللغة التركية بطلاقة ولكن بلكنة مشرقية ويمكن القول بان العثمانيين نقلوا السلطة الى النواب سواء كان ذلك من الناحية القانونية او كأمر واقع وكان ذلك في العقود الوسطى من القرن السابع عشر تقريبا.
وفقا للتسلسل الزمني للملك اياسو الأول الذي حكم في (1682-1756) يعترف بحكم ونفوذ ا لنائب وكان ذلك في أواخر القرن السابع عشر. و صرح اياسو بهذا الكلام في عام 1693 عندما أراد النائب موسى بن عامر قُنع ان يمارس الابتزاز على المتاجر الارمني (خوجا مراد) الذي كان في طريقه الى اياسو حاملا هدايا قيمة الى الملك اياسو الأول قال جونثان أن الملك موسى خضع لتهديدات اياسو بشن حملة عسكرية عليه ما لم يعيد الهدايا اليه.
حرقيقو والهضبة والمنخفضات:
عندما مات كبير اساقفه اثيوبيا (ابون APUNA) في عام 1738م ارسل الملك اياسو الثاني سفيره الى القاهرة في عام 1745م لكي يطلب من المصريين ابون جديد حسب التقليد الذي كان متبعا منذ قديم الزمان ليرسمه او ليسميه كاهنا الا ان نائب حرقيقو قام بسجن الوفد في حرقيقو لمدة سته شهور واخذ معظم كميات الذهب الذي التي كانت في حوزتهم وعندما وصل الكاهن الجديد في العام التالي الى حرقيقو سجنه النائب ايضا حتى يدفع المبلغ الذي طلبه منه. هذه الحادثة تزامنت مع بداية ضعف السلطة المركزية لمسيحي المرتفعات في منتصف القرن الثامن عشر. تقلصت السلطة المركزية لصالح الحكام المحليين. هذا مما ترك فراغ السلطة الذي استفاد منه النائب كثيرا. حيث كان يتحكم او يسيطر على مصوع وحرقيقو وأراضي المنخفضات بين البحر والجبال التي نادرا ما شهدت تغيير جديا.
عندما جاء السيد/ جيمس بروست الى مصوع في عام 1768 صرح قائلا بان النائب لم يكن يورد أي يسدد الضرائب سواء كان لباشا جده الذي كان العثمانيون قد ربطوا موانئ مستعمراتهم في البحر الأحمر بميناء جده او الى ملك اثيوبيا في ظل غياب سلطة عليا ورؤية واضحة في كيفية التحكم على الحدود أي المنافذ البرية. ان مسألة دفع الضرائب كانت القضية المركزية في المطالبة بشرعية السلطة في المنطقة بل كانت مصدر النزاع المتقب.
نواصل في الحلقة القادمة انشاء الله