رحلة في ذاكرة المدن ما بين المدينة والريف افعبت

بقلم الأستاذ: محمد طقاماي

بعد بذوق فجر الاستقلال وعودة اللاجئين إلى المدينة وقراهم كانت تعج افعبت من الشيب والشباب

وكانت الحركه نشطه في مختلف المجالات من زراعة ورعى وبدايه الحركه التجارية بصورة كبيرة.

عشنا تلك الفرحه بكل تفاصيلها من رغم لم نكن ندرك معني الاستقلال وماذا يعني الوطن وانما كنا نستلهم من المحيط تلك الافراح ونتلقف تلك المشاعر النبيلة.

كانت أفعبت ساحرة لم تكن مدينة جوفاء خاليه من روعة الريف ولم تكن قرية محرومه من الخدمات الاجتماعية وان قلت.

عشنا حياة خليط بين المدينة والريف... حياة مزدوجة بين هذه وتلك.

كنا نقوم برعى الغنم، واحضار الخطب وجلب الماء وغيره من الأعمال ربما تصنف الآن من الأعمال الشاقة ولكنها لم تكن حينها كذالك كانت تلك الأعمال اليومية التي يقوم بها الفرد دون تذمر.

كما كنا نذهب الى المدارس، مدرسة افعبت (مدرست لعليت.. وفيما بعد مدرست الوحدة) مدرستان لا ثالثه لهما والمعهد والخلاوي ونلعب كورة القدم والألعاب الشعبية التي لا يعرفها الجيل الحالي:-

• أكابيبو،
• بيب،
• حريت،
• حبابعيتو،
• تينبو،

وغيرها الكثير لم تسعفني الذاكرة.

افعبت في فصل الخريف وهطول الأمطار كانت لا توصف اذكر كنا نذهب الى الاراضي الزراعيه القريبة من المدينة (مهيأ) ونجهز اشيائنا من لليل (حب شاي... سكر... وماء) ويتم شراء الخبز (عيش) من فرن عمنا المرحوم الحاج علي صالح وغيره من الافران وهي لم تكن كثيرة وقتها اذكر فرن (عد نؤش.. عد علي صالح... ادريس همد... قبر... ادريس اسماعيل).

كانت تلك السنوات الأولى من الاستقلال لم يكن لها مثيل بداية تأسيس الأندية الكروية (عشورم.. لبكا.. السلام.. الرحيب.. الوحدة) والدوري حسب المواسم والمناسبات غير النشاط المدرسي المتواصل كان تخرج لأعياد الاستقلال والمناسبات الأخري ميزانية كبيرة من الدولة كانت تأتي الفرق الرياضية والفنية كلها إلى افعبت بمناسبة عيد الاستقلال كل من (فلكت... قلامت... قزقزة كانت تابعه حينها إلى افعبت... نارو... قادم حليب.. وعلى ما اعتقد هبرو).

هكذا كانت الأجواء ابتدأ من عيد المرأة في مارس وفي نفس الشهر عيد مدينة افعبت... ثم عيد الاستقلال... السنه كلها عبارة عن اعياد وافراح.

كان الريف داعما للمدينة تأتي خيرات الريف إليها.. (حليب.. كسرا.. حجر (حلقا).. بلس.. حوقع.. دنبر سقناي) وغيره.

سبك ساقم:

في تلك الفترة كان البعض ينتقل من مكان إلى آخر حيث يوجد الماء والأعشاب لمواشيهم وهذه الفئة المجتمعية هم الرعاة.

والبعض الآخر من المجتمع كانو فلاحين (مزارعين) وهم أيضا ينتقلون من مكان لآخر وهذا الإنتقال يسمي (سبك ساقم).

والغرض من الإنتقال بالنسبة للمزارعين مختلف تماما إنتقالهم لن يكون البحث عن الأعشاب والماء وإنما لديهم مزارع اخر في مكان آخر.

لديهم اراضي زراعية في المرتفعات و المنخفضات.

(سبك) بكسر ال(س والباء) وضم (الكاف) – هي رحلة (الإنتقال) من المرتفعات إلى المنخفضات.

(ساقم) فتح (س وكسر القاف وضم الميم) – وهذه الرحلة هي عكسية من المنخفضات إلى المرتفعات بعد الحصاد.

لأنه الحديث يدور عن افعبت سنتناول الطرق المؤدية إلى الوادي (قلاقل) وهو الأكبر بالنسبة إلى افعبت وربما في شمال البحر الاحمر.

قلاقل:

هي المنطقة الزراعية الكبري يأتيها الماء من الوادي العملاق (لبكا) ينحدر مائه من المرتفعات (أولت) مجموعة من الوديان الروافد تصب فيه ليصل في الاخر المطاف إلى قلاقل.

الطريق المؤدية إلى الوادي:

الطريق الأول (لبكا):

يقع الطريق في جنوب شرقي افعبت اي اتجاه (مهداف) طريق سهل ومحبب لأصحاب القوافل المحملة لسهولته وسلس والمسافة من افعبت إلى الوادي بهذا الطريق تتراوح ما بين يوم ونص ويومان حسب الطقس وحموله القافلة إن كانت ثقيله أو غير ذلك.

الطريق الثاني (أفلاق):

وهو طريق جبلي اقصر من الطريق الأول وهو محبب لشخص خفيف الحركة والمسافة يوم واحد فقط... إلى الوادي.

الطريق الثالث (أدهرا):

وهو أيضا مثل الطريق الأول سهل ومحبب لأصحاب القوافل المحملة ونفس المسافة تقريبا يومان.

هناك أماكن يعرفها أصحاب الأرض مكان للمبيت ومكان لأخذ القيلولة.. تسمي (معال وممياي) لن تستريح القافلة إلى أن تصلها.

مثلا طريق (لبكا) مكان المبيت هي (دكت) (بكسر الدال وفتح الكاف وضم التاء) مكان يوجد.. فيه نهر يتدفق تنام وانت تسمع خرير الماء ونقيق الضفادع.

الرحلة لن تكون مجرد العبور على الأمكنة بل عليك أن تعرف المكان الذي تمر به اسمه وتاريخه والأحداث الفردية والجماعية التي حدثت فيه والقصائد الشعرية التي قيلت في تلك الأحداث من من هم معك لأكبر منك عمرا إن كان والدك أو أحد المرافقين لك في تلك الرحلة... من (مهداف... عي ديه... مرور بأسماط عوبل... وصولا إلى دكت... إلى أن تصل حراط) التاريخ ليس احداث مضت فقط التاريخ ارض قد إحتوت.

زمن الرحلة:-

• (قوحا) هي الرحلة في الصباح الباكر قبل بذوق الفجر.

(ورب) هي الرحلة المسائية بعد زوال الشمس وقبل غروبها.

(تلبوس) وهي الرحلة في لليل ولكل رحلة لها مميزاتها.

هذه الفترة الزمنية تكون فيها الأجواء بارده.

الصباح الباكر الشمس في هوانها،
والمساء الشمس في انكسارها،
والليل الشمس في غيابها.

مازالت تلك الفترة ما بعد الاستقلال هي حياتنا والسنين التى تلتها ليس سوي ارقام أضيفت إلى اعمارنا طوعا وكرها وسهوا وبعدا عن وطننا الحبيب
كلما حاولت أن انسي تلك الأيام بحلوها ومرها الا أنها أثبتت لى صعب نسيانها وكيف ينسي الإنسان حياته..!؟

يزورني طيف تلك الأيام تارة في احلامي وتارة أخرى يقظة بإرسالها مختطفات من طفولتي التي هي ك قطعه أثرية نادرة كنا مقبلين الى الحياة بكل حيوية وعنفوان كما كانت الدولة بنفس الإقبال والحيوية تماما.

اذكر تماما كيف كنت اتنقل بين مزرعتنا ومزرعة عمي إلى مزرعة عمي الآخر ك الطائر الحر الطليق تلك المزرعة الموروثة أبا عن جد ووزعت مناصفتا بين أبي و اعمامي.

كنت استيقظ مبكرا على تهليل وتكبير ابي رحمه الله بصوته الجهور وعلى رائحه حبات البن وهي تقلب على نار هادئة وتغريد العصافير (القمرية) التى كنا نحاول تأويل تغريدها ظنا منا بأنها تقول (كم فتيكا وديه) اي تفعل ما تشاء ولم ندرك وقتها بأنه كل شيء يسبح بحمده فعلا.

كان الوادي يعج بالناس وقت الحصاد من له مزرعة على رأس مزرعته ومن ليس له يأتي للعمل بعرق جبينه كان الوادي متساويا بين الناس من حيث التوزيع لكل أسرة بما يسمي (حبل ألف) موزع بشكل طوالي المزرعة تقع ما بين جبل ووادي توزع بين الاخوان ولكل فرد فيهم قطعه ارض زراعية ولكل قطعة أرض إسما.

هي ك التالية:-

القطعة الزراعية التي تتاخم الجبل تسمى (حبوب أقمال)،

والقطعة التي تليها (شاقت)،

والقطعة التي تليها (بطون)،

والقطعة التى تليها(اربع مئت)،

وامتداد (اربع مئت) يسمى (زناب)،

والوادي اسمه (حناي)،

هذه الأسماء متعارف عليها وهي للقطع الزراعية داخل ما يسمى (حبل ألف).

كانت هناك عادة غاية الروعة أثناء الحصاد بعد قطع السنابل ووضعها في مكان يجهز لها مسبقا يسمى (ودنا).

(لدق العيش) ويسمى دق العيش بيه (وقع) وبعد صلاة العصر وقبيل المغرب يتم تعبئة العيش في الشوالات في هذه الأثناء هناك فقراء يجلسون في مقابل هذا المكان ولا يطلبون شي وانما يخرج صاحب المزرعة حق الفقير قبل التعبئة ويسمى (عشا) ثم بعدها تتم عملية التعبئة والتغليف.

اذكر كان يأتينا الحصاد قبل أن ينفد انتاج السنه الماضية كنا نحتاج إلى الشوالات نفرغ الذرة في (بالات) تصنع من السعف وكانت البركة في كل شىء.

وعنده العودة من الحصاد مواسم الافراح مناسبات الاعراس وهذه قصة اخري تحتاج إلى مقالات أخري.

الفرح اسبوع قبل واسبوع بعد الزواج سأكتفي بذكر عاده كانت سائدة في بيت العريس تسمى (طقه حوات).

لابد من كل طارق إلى بيت العريس أن يستأذن بقوله (برميس) وإذ لم يفعل سهوا أو جهلا يرفع عليه أحد الحضور دعوة قضائية ويقول له (طقه حوات باطرني) يقفان أمام الحضور معا يقول الشاكي أن فلان لم يستأذن قبل الدخول وعندما تثبت عليه التهمة يحكموا عليه بأشياء ومنها (إحضار حمولة جمل من الحطب) أو كم راس من الغنم وبعد محاولة منه يتم التخفيف ويأخذو منه موعد لإحضار ما حكم عليه ويأتي بما حكم عليه وبعد إيفائة يتم توزيع تكلفه ما احضر بين الشباب وهذه العملية الغاية منها التسلية والأخذ والعطاء في الكلام وفنون الرد والتعامل مع المواقف وشجاعة أدبية لذا تجد الواحد من هؤلاء يعرف ما يقول وكيف ومتي!؟

وأسباب الدعوة ليس فقط عدم الأستاذان وانما لأسباب أخري أيضا.

مثلا يتم التنسيق بين وزيرات العروس مع أحد الشباب لسرقة شي من العريس مثل (السيف... العصا... الحذاء).

ثم يسأل أحد الحضور عن الشي الناقص وهنا المسؤل عن كل شي يخص العريس هو الوزير ويتم التفاوض مع من يتهم الوزير وبعد التفاوض يتم غرامه الوزير بمبلغ معين يعطي للوزيرات ويتم صرف المبلغ في اشياء تخصهن.

وهناك عادة كانت ومازالت موجودة أيضا وهي..

بما تسمى (الرفعوت)

واخري (ستيوت)

وعادات كثيرة يصعب حصرها...

نبارينا نقواقل
دمت بخير

التعليقات  

Salih
#Salih2022-11-02 02:33

حبيبنا ابو نور ابدعتا ما شاءلله تبارك الله
إلى الأمام موفق ان شاء الله
رد
Top
X

Right Click

No Right Click