تعاقب الأحداث في مدينة حرقيقو - الحلقة الثانية والاخيرة
بقلم الأستاذ: حسين محمد باقر - كاتب وبـاحث
بِسْمِ ٱللّٰهِ ٱلرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ
ذكرنا في آخر الحلقة الاولى بأن نتيجة الاستفتاء الذي أشرف عليه وفد مفتي مصوع كانت نتيجته.. بأن غالبية أهالي حرقيقو صوتوا
لصالح الخليفة عثمان بن عبدالرحمن. وعليه استمر في ممارسة مهامه كخطيب وإمام (جامع الشيخ عمر كيكيا). لكن لم تتوقف المسألة عند ذلك الحد بل استمرت المجموعة في إثارة قضية أخرى مصحوبة أي متصلة بالقضية الأولى (نصلى أو لا نصلي) والتي كان يتزعمها نفس العنصرين اللذان كانا يتصدران القضية الأولى.. وهما الشيخ حسن حامد حامدوي (بلو يوسف) والخليفة حسن بن خليفة طه.
ملخص القضية الثانية كان: مجموعة من أبناء حرقيقو رفعوا معروضا إلى قيادة الختمية العليا (المراغنة) يطالبون من خلاله بتعيين الخليفة حسن بن خليفة طه في منصب خليفة الخلفاء باعتبار أنه كان مؤهلاً والاكثر التزاما ونشاطاً من ابن عمه الأكبر منه سناً. وعلى هذا الاساس يكون من حق الخليفة حسن أن يشرف على المناسبات الدينية والاحتفالات بمناسبة مولد الرسول (صلى الله عليه وسلم) في مسجد المرغني والمساجد الأخرى كما سيكون من حقه أن يترأس حلقات تلاوة القرآن الكريم والتدريس والوعظ (اذا تمت الموافقة على المعروض). لكن هذه الصراعات لم تغير في الأمر شيء وأن الخليفة عثمان ظل في مكانه يمارس مهام خليفة الخلفاء كأمر واقع.
يقول البرفسور جونثان ميران بأن رواية الشيخ ابراهيم المختار بقيت غامضة فيما يخص وكيفية نهاية هذه القضية وذلك لأسباب ربما تعود لعمق المشكلة وجزور التنافس الشديد.
حامدوي ضد بادوري: صرعات في حرقيقو، 1909م HAMIDUY VERSES BADURY: CONFLICTS IN HARGIGO
الصراع الأبراز والأشرس كان حول ممارسات الطقوسات الاجتماعية والشعائر الدينية والعادات والتقاليد التي كانت مترسخة في مجتمعنا. في بدايات القرن العشرين شبت نزاعات كان أطرافها: الخليفة حسن حامد حامدوي والخليفة حسن خليفة طه ومؤيدوهم كطرف أول والشيخ عمر محمد بادوري ومؤيديه كما كان مدعوما من نائب حرقيقو كطرف ثاني.
في مايو عام 1909 تجدد الخلاف بين المجموعتين عندما رفضت المجموعة الاولى ممارسات تلك الطقوسات ووصفتها بأنها بدع وتتنافى مع المبادئ والمفاهيم الدينية الصحيحة. والمجموعة الثانية التي كان يتزعمها الشيخ عمر محمد بادوري (بيت الشيخ محمود) كانت ترى بأن ممارسة هذه الطقوسات والشعائر لا تتنافي والمفاهيم الدينية، وقد سبق وأن مورست في كل الحقب التاريخية وحتى في عهد الرسول (صلى الله عليه وسلم). واشتد الصراع مما استدعى تدخل السلطانة الايطالية الاستعمارية من أجل حسم المشكلة قضائياً. وكانت القضية مرفوعة من الشيخ حسن حامد حامدوى ومعه الخليفة حسن خليفة طه.
أتهم الخليفة حسن حامد حامدوي (بلو يوسف حسب الله) الشيخ عمر محمد بادوري بأنه يمارس طقوسات وشعائر في مناسبات العزاء والافراح المناسبات الدينية وغيرها واعتبر هذه الممارسات بانها بدع وتتنافى مع المفاهيم الاسلامية الصحيحة وادعى الشيخ حسن حامدوي بأن الكفوف (التصفيق) وقرع الطبول والدفوف ممارسات غير مقبولة دينياً. وبناء على ذلك ينبغي اعتبارها حرام، فيما جادل الشيخ عمر محمد بادوري (بيت الشيخ محمود) على الجانب الآخر بأن ما لم يحرم نصا وتحديدا في القرآن الكريم وفي المذاهب الأربعة يصبح شرعاً مقبولاً (أو مستحب).
ثم نشب الصراع ثانيةً بعد العديد من الحوادث التي تواجه فيها الطرفان. وحسما للأمر قررت الهيئة القضائية الايطالية بإحالة القضية إلى المحاكم الشرعية لكي تحكم حسب (الفقه الاسلامي) واستعانوا بعلماء من اليمن وكانت الفتوى الأولى التي رجعوا اليها صادرة من المفتي الحنفي في زبيد عام 1822م (1245هـ) من المفتي سليمان كان نصها:- الكفوف والدفوف قد مورست في المذاهب الاربعة: الحنفية والحنبلية والمالكية والشافعية لم يفتوا بما يفيد بأن تلك الممارسات حرام، ومن ثم فيمكن اعتبارها مستحب (مقبول شرعاً)، ومثل تلك الحفلات قد مورست في عهد الرسول (صلى الله عليه وسلم) وسكت عنها مما يفهم بموافقته عليها، حتى بعض الصحابة مارسوا تلك الممارسات.
فتوى المفتي سليمان خلصت بالتذكير بأن قريش طلبت من النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) بوقف هذه الممارسات مثل التصفيق ودق الطبول ولكن الرسول (صلى الله عليه وسلم) رد عليهم بما جاء في سورة الأنعام الآية 52.
الفتوى الثانية التي أعتمد عليها القضاة الايطاليين في إصدار حكمهم في القضية الذي أعلن عام 1908م (1326هـ) اصدرها الشيخ الشافعي عبدالله يحيى المكرم في مدينة الحديدة، ووفقاً للشيخ الحنفي اصدر محمد شهري من نفس المدينة اليمنية، اصدروا فتوى جماعية اعلنوا فيها أن تلك الافعال التي توصف بالحرام والتي يتبعها اتباع الطرق الصوفية (الذين يمارسون طقوسات وشعائر محلية تعتبر جهل وبتعبير آخر انهم اناس جهلة).
فيما الفتوى الثالثة والأخيرة صدرت في عام 1908م من القاضي محمد صالح عطيه من المذهب الشافعي في مدينة لوحيه. قال في فتواه أن النبي (صلى الله عليه وسلم) ساعد ووافق على الاحتفال بالتصفيق وقرع الطبول، حيث قال (لا أحد يمكنه انكار هذه العادة). وعلى اساس هذه الفتاوى الثلاثة بالإضافة الى ذلك يمكن للفرد المجادلة للتقديرات النفعية (البرقماتية) لتجنب الاشتعال المحتمل من الغالبية القلقة على مستقبلها.
وعليه فان الحكومة الايطالية ممثلة في محافظ مصوع السيد/ دانتي اودريزي DANTE ODORIZZI خلص إلى أنه من غير المقبول اقصاء بيت الشيخ محمود من المجتمع المصوعي المسلم.
وعلى هذا الاساس فإن السيدان الخليفة حسن حامد حامدوي والخليفة حسن خليفة طه أُدينا وحكم عليهما بالسجن ستة شهور وتم نقلهما إلى مدينة عصب لقضاء أو لاستكمال مدة حكمهما هناك.
يقول السيد/ جونثان ميران كانت هناك عناصر مقربة من نائب حرقيقو كانت لديهم ميزات في استخدام (الطاسة) وهي نوع من الطبلة كانت تقرع بعصاتين أو عودين ويسمى (شداد). وتشير الدلائل إلى أن النزاعات الفئوية في التنافس على القيادة الدينية المحلية استمرت مدة طويلة ذكرتها بعض المصادر بأربعة قرون من الكفاح حول احتكار المراكز أو السلطات الدينية في مدينة كانت تشهد تحولاً سريعاَ بسبب ازدهار التجارة والهجرات المتعاقبة.
يقول الكاتب: أن الصراعات التي تظهر على السطح وكأنها خلاف حول ممارسة الطقوسات الاجتماعية ولكنها في حقيقتها صراع على السطلة والنفوذ والمكانة الاجتماعية والوجاهة والثروة.