العلاقة بين مصوع وجازان

بقلم الأستاذ: علي بن جابر شامي  المصدر: صحيفة قضايا

أرتريا بلاد مجاورة لبلاد العرب، أكثرية سكانها مسلمين من أصول عربية، وكان الأمل أن تكون بعد استقلالها

إحدى دول جامعة الدول العربية. وقد ساند العالم العربي جهودها في معركة اﻻستقلال، وللشاعر محمد السنوسي رحمه الله شعر خالد في هذا الشأن، ولكن جاءت الرياح بما ﻻ تشتهي السفن، إذ نالت استقلالها بعيدًا عن العالم العربي والإسلامي.

عاصمتها الأولى ميناء "مساوى"، نسبة لرجل عربي اسمه محمد مساوى، وفد إليها من الجزيرة العربية. لكن الأرتريين لهم نطقهم الخاص للحروف العربية، فاشتهرت بـ"مسوع"، وتكتب مصوع ، أما اﻻسم القديم لـ"مصوع"، فهو باضع.

محمد مساوى، اسم مألوف حتى اليوم في الإقليم التهامي من الجزيرة العربية دون غيره، وعلى وجه الخصوص جازان.

هناك قول ربما فيه بعض الغرابة لكنه قد قيل، وهو أنَّ هجرة الصحابة إلى الحبشة إنما كانت من منطقة جازان إلى باضع (مصوع حاليا) ومنها دخل المهاجرون إلى بلاد الحبشة.

وهذا المكان في منطقة جازان، الذي اقتحم منه المهاجرون البحر إلى الحبشة، عرف فيما بعد بـ"القحمة"، وهي بلدة القحمة المعروفة اليوم بين الشقيق والبرك، وكانت تسمى قبل ذلك "الوسم" و"حمضة". وقد ضمت إلى منطقة عسير عام 1420هـ.

استحسن المهاجرون ركوب البحر من القحمة إلى مصوع لرغبتهم في اجتياز البحر عبر أقرب مسافة، تجنبًا لمخاطره، وإن كان هذا مغايرًا للقول المشهور بأنَّ هجرتهم من الشعيبة القريبة من مكة.

إن النخل الذي يوجد الآن في القحمة، وقد شاهدته على الطبيعة أثناء زيارتي لمدارسها سابقًا، يقال انه من نوى تمر خلفته خيل الصحابة التي وصلوا عليها من مكة.

وقرينة صحة قول القائلين بخبر الهجرة من القحمة أن أبابكر الصديق رضي الله عنه قد وجد في (البرك) القريبة من القحمة، يريد الفرار بدينه قبل الهجرة، وقصته مشهورة في كتب التاريخ.

إنَّ المكان الذي رست فيه مراكب المهاجرين في مصوع في ذلك الوقت ﻻزال إلى اليوم يصلي فيه المسلمون هناك صلاة العيدين، تيمنًا بالمكان وتخليدًا لذلك الحدث العظيم.

ودخلت ارتريا تحت اﻻستعمار الإيطالي في أوخر القرن التاسع عشر الميلادي، واستمرت تحته حتى بداية العقد الخامس من القرن العشرين. وهي الفترة التي قامت خلالها الإمارة الإدريسية في المنطقة 1906-1928م. وكان للأدارسة علاقات وثيقة مع إيطاليا، من موقع مستعمرتها إرتريا، حيث أحكما قبضتهما على البحر الأحمر، ومن هذه العلاقات السياسية واﻻقتصادية، ولهذه الفترة أحداثها ومواقفها، ولعل أهمها الحرب العالمية الأولى.

ومن أهم تلك الأحداث فيما يخص المنطقة:-

• أن تعامل جازان تجاريًا كان مع المراكز التجارية: مصوع وعدن، والحديدة.

كان التاجر الباصهي أثرى أثرياء المنطقة في أيام الأدارسة، وكانت له تعاملات مع مصوع، وعدن، حتى أنه جلب سيارتين له وللإدريسي من هناك.

كان التبادل التجاري مع مصوع قائمًا، تصدير منتجات المنطقة كالحبوب وأخشاب الدوم، وثمرته (الخشل)، وأعواد المض، حتى ثمرة أشجار السدر النبق (الكين) يصدر في العجار لمن يعرف العجار.

حدثني أحد الذين سافروا للعمل هناك أنهم لما أرادوا العودة إلى جازان، وعندما هموا بالنزول إلى الميناء، وجدوا أنفسهم في ميدي، فظنوا أنهم وقعوا ضحية احتيال من ربان السفينة، وقامت معركة بينهم حتى عرفوا حقيقة الأمر أنَّ الرياح كانت شديدة، فقال بعضهم لبعض "الحمدلله أننا لم نجد أنفسنا في الهند".

وكما هاجر بعض أبناء المنطقة قديمًا إلى مصوع، فإن كثيرًا من أبناء القرن الأفريقي قد وفد إلى المنطقة، واكتسب هوية الدولة الحاكمة، سواء أيام الأدارسة، أو الدولة السعودية، أو قبل ذلك، وأصبحوا من النسيج الجازاني.

كانت مصوع مقصدًا لطلب العلاج لوجود المراكز الإيطالية هناك، ووجد من سافر من أبناء المنطقة لذلك.

كانت للنهضة التعليمية في المنطقة أيام الشيخ عبدالله القرعاوي، دورًا مؤثرًا في استقطاب عدد من أبناء الأسر الوافدة إلى المنطقة في الإقبال على طلب العلم، حتى أخذوا منه بحظ وافر وبعضهم عاد إلى بلده كمصوع واليمن، وبعضهم بقي.

والله أعلم وأحكم.

Top
X

Right Click

No Right Click