المحور الثالث - الحلقة الأولى
بقلم الأستاذ: حسين محمد باقر - كاتب وبـاحث
بِسْمِ ٱللّٰهِ ٱلرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ
معالم أثريه في كل من مصوع وحرقيقو ووحطلو وأمبيري. زيارة القبور والأضرحة والمقامات
وما لها من إنعكاسات في حياة المجتمع المصوعي.
كما هو الحال في معظم المجتمعات الإسلامية حول العالم، فإن الأضرحة والمقامات والمزارات تقف كمراكز جذب تحتل حيزاً كبيراً في حياة المجتمع المصوعي.
وهناك تقام مناسبات احتفاليه تخليداً لذكرى الأولياء وتوقيراً وتبجيلاً وذلك في فترات زمنية محددة ومتكررة (غالباً سنوياً) ويقوم المواطنون بزيارة الأضرحة والمقامات إعتقاداً منهم بأن أرواح الأولياء لم تغادر قبورهم وتحوم حولها ولها القدرة في مساعدة الناس حتى بعد موتهم. ويصنف المجتمع المصوعي الأولياء والصالحين إلى صنفين أو قسمين وأن أهمية ومنزلة الولي بحسب أصله وأماكن قدومه ومنشأته. فمنهم من جاء من عبر البحار ومنهم من هو بالأصل من داخل البلاد. فعلي سبيل المثال فإن شبه جزيرة الشيخ عبدالقادر.
سميت نسبة إلى المزار القائم هناك تخليداً لذكرى الشيخ عبد القادر الجيلاني 1077-1166 م مؤسس (الطريقة القادرية). في الماضي كانت تقام الزيارة سنوياً في ساحة مفتوحة قبل أن يبنى الضريح للشيخ عبد القادر الجيلاني في 11 ربيع الأول من كل عام. وكانت المناسبة يحضرها أعداداً كبيرة من المواطنين من أهالي مصوع ومن خارج مصوع.
وكان يتولى شؤون المكان والعناية بها بيت الشيخ من امبيرمي وكذلك من أناس آخرون ممن ينتمون إلى الطريقة القادرية أمثال بيت الشيخ أبو علامة على سبيل المثال (أبو حامد أبو علامة).
جزيرة الشيخ سعيد:
هذه الجزيرة الصغيرة التي تسمي (جزيرة شيخ سعيد) قد تغير اسمها اليوم إلى الجزيرة الخضراء (Green Island) والمسجد الصغير المسمي بمسجد الشيخ سعيد بن عيسى العمودي توفى عام 1272م في وادي (دوعن) باليمن وكان الشيخ رجل صوفي من طبقة مشايخ الحضام حيث كان يلقى التوقير من الصيادين المحليين أو من أهل السمك كما كانوا يسمونهم.
الشيخ جمال الأنصاري:
أن أبرز ضريح في جزيرة مصوع هو ضريح الشيخ جمال بن عمر بن صديق الأنصاري. وهو بناءاً على الكلام المنقوش على قبره توفى الشيخ في أوائل القرن العاشر الهجري الموافق عام 1500م.
أن اللوحة أو الصحفة تشير بأن تابوت الشيخ جمال الأنصاري تم تجديده وتجهيزه في (زبيد) باليمن ووضع في 7 جمادي الأولى 1010ه الموافق 2 نوفمبر 1601م.
أول من تحدث عن المسجد في كتاب أدبي كان الرحالة العثماني الشهير (أفليا سليبي Evliya celebi) في القرن السابع عشر وكذلك تحدث عن بعض القبور وعن مسجد الشيخ جمالي.
وبناءاً على ما جاء في الصحفة التي صدرت من الشيخ إبراهيم المختار مفتي الديار الأريترية سابقاً ذكر في المكتوب بأنه وبعد ثلاثة قرون من وفاته تم تجديد القبر أي أصلاحه وتوسعته في 1878م بأشراف (محمد عزت وكيل) الحاكم المصري في مصوع آنذاك. أن ما يعرف عن هوية الشيخ جمال الأنصاري قليل جداً لكن (السيد/ دانتي اودريزي Dante Odarizzi) ذكر بأن الشيخ جمال ولد في مدينة الحديدة وكان يُعرف بحامي مدينة مصوع بعد أن أقام في الميناء وقال محافظ مدينة مصوع الأيطالي. بأن الشيخ الأنصاري دفن في مصوع سنة 1550م.
الشيخ محمد درويش:
يذكر الدكتور حونثان ميران في كتابه مواطنى البحر الأحمر (نرفق نسخة مصورة من الكتاب) أن القبر الآخر الجدير بالذكر في مدينة مصوع هو ضريح الشيخ محمد درويش بن إبراهيم بن جعفر بن حسن بن بركات الذي يُعرف كشيخ لعائلة آل درويش من حرقيقو أو بالجد الأكبر لعائلة من الأشراف أسمها (الباقر) من نفس القرية الساحلية. وبناءاً على ما ذكره الشيخ إبراهيم المختار (مفتي الديار الأريترية سابقاً) بأن الشيخ محمد درويش توفى كذلك في القرن العاشر بعد الهجرة. ففي أول الأمر دفن الشيخ درويش في (راس مدر) حيث أكتشفه الإيطاليين ونقلوه مع عدد من المقابر الأخرى وكان ذلك في 1900م.
وقد تم نقله إلى موقع قريب مجاور للسكن الحديث حتى لا يتعرض للعبث والإتلاف كما وجدت في رأس مدر قبور أخرى وما يعرف عنها قليل نذكر منها: الشيخ جعفر الطيار وكذلك مقام عكاشة ومقام الشيخ ابوبكر السيهاوي (من الساهو) هذه الشخصيات كانت لها أهمية كبيرة في سيرة الصحابة الاُول.
بيت الشيخ (الأمين بن حامد بن نافعوتاي):
بين عامي 1820م و 1860م بأن عائلة بيت الشيخ كان لها تأثير مباشر في إقناع وتوجيه عشائر بيت اسجدي Asgedi (حباب - عد تكليس - وعد تماريام) والمنسع والماريا وبيت جوك وجزء من البلين (بيت توقى) في إشهار أسلامهم بعد أن كانوا يمارسون عبادات لمختلف فروع المسيحية.
وفي عام 1880م بأن كل مجتمعات المنخفضات والكوناما ايضاً وجزء من البلين أعتنقوا الإسلام. وبهذا اكتسبت عائلة بيت الشيخ شهرة كبيرة في المنطقة وتوسع تأثيرها ونفوزها في منطقة الساحل. في أوائل القرن التاسع عشر. وذلك بفضل العمل الدؤوب والجهد الكبير الذي بذله الشيخ الأمين بن حامد بن نافعوتاي.
تعاونت عائلة بيت الشيخ مع نائب جرقيقو بشكل فعال كما أهتمت العائلة القيام بمبادرات بهدف اقناع المجتمع السمهري بالطريقة القادرية وأن ينضموا إلى (الأخوية الصفوية القادرية) كما تمكنت عائلة الشيخ من جذب عوائل التجرى الداخلية وكذلك الأرياف بالإنضمام إلى صفوفهم وذلك من خلال اقناع كبار عشائر المجتمعات الريفية.
ومع مرور الأيام وما طرأت من متغيرات بأن القبائل والمجتمعات التي انضمت إلى صفوف بيت الشيخ لقد توسعت وكبرت بوتيرة متصاعدة ونمت تدريجياً وأصبحت ذات نفوذ وثروة ثم استقلت وأصبح لها كيان منفصلاً كما أن عائلة آل الشيخ تفرعت وبدأت تنتشر في كل الأماكن في المنطقة الغربية والشمالية والشرقية في المنخفضات الأريترية. أعداداً من أبناء الشيخ الأمين بن حامد بن نافعوتاي استقرت في وادي عصب ووادي بركة في حين بقى بعضهم في منطقة الساحل وبعضهم هاجر إلى الشمال إلى منطقة (طوكر) بالسودان.
هذه العملية كانت سبباً في توسع نفوز العائلة وتمدد شبكاتها وإزدياد ثروتها.
حفيد الشيخ الأمين الشيخ محمد بن علي بن الأمين ولد 1795م-1210ه توفى في أمبيرمي في 14 صفر 1297ه الموافق 1877/2/27م أنتقل منها ويستقر في أمبيرمي في حوالي 1840م. أسس الشيخ هناك فرع لبيت الشيخ في أقليم سمهر.
أكتسب الشيخ محمد بن علي تلك الشهرة الواسعة (كولئ) عرف بهدؤه ورباطة جأشه وبركاته. في أوائل 1860م وصف السيد/ غولام ليجين (Guillaume Letean) أن يوم الزيارة تشبه كيوم الحج حيث تجتمع في أمبيرمي الناس من كل الأقاليم. كان الشيخ محمد بن علي بن الأمين في أمبيرمي وكان من أبرز المؤثرين في حياة الناس بين كل الشيوخ في المناطق الشاطئية في كل حياته من 1840م حتى وفاته 1877م.
أن مصادقة الشيخ مع عائلة النائب والتجار الأثرياء الأقوياء في مصوع وكذلك علاقته الطيبة مع العثمانيين ومع الإدارة المصرية أسهمت في نجاحاته وتمكنه من فتح قنواته على الشبكة الإقليمية المسيطرة هناك. وبعد وفاته بوقت قصير نصبت على قبره قبه وذلك بمساعدة مالية من الإدارة المصرية في مصوع.
هناك تقام زيارة سنوية تخليداً لذكرى الشيخ محمد بن علي في 13 صفر هذه المناسبة يحضرها عدداً كبيراً من أهالي منطقة سمهر وساحل والمناطق الأخرى.
نواصل... في الحلقة القادمة انشاء الله