المحور الثالث - الحلقة الثانية والأخيرة

بقلم الأستاذ: حسين محمد باقر - كاتب وبـاحث

بِسْمِ ٱللّٰهِ ٱلرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

الجوامع والمساجد والمعاهد الدينية والخلاوي والزوايا في كل من مصوع وحرقيقو وحطملو وأم كلو وأمبيري، بما أن مدينة مصوع

وعمقها الإجتماعي كانت موطن المسلمين ومركزاً حضارياً ومدينياً بارزاً أنه من الطبيعي أن تذخر بعدد من الجوامع والمساجد والمعاهد الدينية وذلك منذ ما يزيد من ألف عام، حيث كانت تلك الصروح تؤدي رسالتها في مختلف مناحي الحياة - الدينية والإجتماعية والإنسانية والثقافية والإقتصادية والإرشادية بما يعود بالنفع على المجمتع المسلم.

في عام 1673م قال الرحالة العثماني سيليبي CELEIBI بأنه شاهد ستة زوايا في مصوع بعضها كانت بمنارات والبعض الآخر دون منارات، وأضاف قائلاً: بأن مسجد (جمالي) والذي عرف فيما بعد بمسجد (جمال الأنصاري) بعد أن دفن فيه الشيخ جمال يعود تاريخ بناء هذا المسجد لعام 1120م.

في منتصف عام 1830م قالا السيدان كومبس COMBES وتأميسيير TAMISEIR الفرنسيان اللذان كان يقومان بأعمال القديس سيمونيان SAINT SIMONIAN قالا: بأن عدد المساجد في مصوع خمس. وفي حقبة الوجود المصري وأوائل عهد الإستعمار الإيطالي بأن عدد دوُر العبادة بدأت في التزايد. وقال الصحفي الفرنسي ليجيان LEGEAN بأن عدد الجوامع والمساجد في مصوع أثنا عشر بما فيها الأضرحة وفي عام 1910م قال السيد/ دانتي أودو ريذي DANTE ODORIZZI حاكم مصوع الإيطالي إن عدد الجوامع والمساجد في مصوع ستة عشر بالإضافة إلى جزيرة شيخ سعيد وشبه جزيرة الشيخ عبدالقادر الجيلاني، وأضاف قائلاً أما عدد المساجد في حرقيقو فإنها ستة وعشرون مسجداً وفي حطملو سبعة عشر مسجداً وفي أم كلو خمس مساجد ما مجموعه أربع وستون مسجداً بالإضافة إلى أمبيرمي.

ويقول أودريزي: أنه لمن المثير للعاطفة بان هذا الرقم الكبير من المساجد لسكان نادراً ما يتجاوز عشرون ألف. وفي العقود الأولى للقرن العشرين الذي توسعت وازدهرت فيه التجارة وتحسنت ظروف المواطنين الإقتصادية حيث حقق التجار والمقاولون درجة من الرخاء الإقتصادي الذي مكنهــــم من تقديم الدعم والمســــــاعدة بســـــــخاء للمعاهد الإسلامية (الأوقاف) وكل الصروح الدينية في مصوع.

هناك أسئلة كثيرة لم نجد لها إجابة عن التاريخ الحقيقي لتأسيس مدينة مصوع ولكننا نمتلك معلومات محدودة فيما يتعلق بمساجدها - على الأقل عن إنشاء الأبنية والمساجد أو إعادة إنشائها أو تجديدها وعن ما حصل في النصف الثاني من القرن السادس عشر العهد العثماني. أنه من الصعب أن نعرف الكثير من خلال إعادة بناء المباني والمساجد القديمة أو من خلال التصاميم أو الملامح الفنية للعمارة.

يقول السيد/ جونثان ميران: بأن معلــــومـــــات غير موثوق بها أو غير مؤكدة جمعها السيد/ اودوريزي ODORIZZI بأن مسجدي حنفي وشافعي هما الأقدم في مصوع وأن تاريخ إنشائهما يعود إلى عام 1110م ومن خلال ما كان يتناقله الناس حول هذه المسألة يقال بأن مسجد الشافعي هو الأقدم في مصوع. ويبدو أن هذه المعلومة صحيحة إلى حد ما بالنظر إلى أن الوجود العثماني في الجزيرة العربية سبق تواجدهم في الشواطئ الاريترية حيث المذهب الشافعي هو السائد في اليمن وعليه من الممكن إنتقال اليمنين إلى الشواطئ الاريترية مع مجيئ العثمانيين وربما قبلهم. فلو نظرنا إلى تاريخ بناء مسجد حمال الإنصاري وهو يمني مولود في الحديدة يعود تاريخ بناء المسجد كما ذكرنا آنفاً على ما قبل تسعمائة عام كما أن تاريخ مسجد الشيخ سعيد العمودي في جزيرة شيخ سعيد وهو من مشايخ الحضارم دفن في (وادي دوعن) باليمن قبل أكثر من سبعمائة عام.

كل هذا يؤكد التواجد اليمني في الشاطئ الغربي للبحر الأحمر ومن الطبيعي أن ينقلوا ثقافتهم وحضارتهم وعاداتهم.
على كل حال فإن صلاة الجمعة كانت تقام في مسجد حنفي ويصلى فيه المفتي والقاضي الشرعي وكل الشخصيات الرسمية. يقول السيد / جونثان ميران: لا ندري هل إختيار مسجد حنفي دون المساجد الأخرى كان تحت تأثير العثمانيون ومن بعدهم المصريين أم برغبة ومطالبة من عامة الناس ؟.

بناءاً على مصادر الشيخ الجليل إبراهيم المختار تحدث في عام 1953م قائلاً: بأن مسجد حنفي انشأ في القرن العاشر بعد الهجرة. لكن مصادر أخرى تقول: أن العثمانيون قاموا ببناء مسجد حنفي بعد وصولهم إلى مصوع مباشرة عام 1557م ثم تكرر إصلاحه وترميمه عدة مرات. لكن في عهد المصريين 1865 - 1885م حدثت فيه إصلاحات ضخمة تختلف عن الإصلاحات السابقة. وكان ذلك في إطار مشروعهم الواسع والشامل لتطوير المدينة ولدور العبادة. في عام 1901م قام الإيطاليون بتجديد المسجد جزئياً، هذا ما مكنه من الصمود أمام الزلزال العظيم الذي ضرب المنطقة عام 1921م ودمر معظم المنازل القديمة في مصوع. وفي عام 1948م عندما كانت اريتريا تحت الإدارة البريطانية تم إصلاح المسجد وأضيفت له أجنحة للتهوية. وفي العام الأول من الحكم الفيدرالي عام 1953م قام هيلى سلاي أمبراطور اثيوبيا آنذاك قام ببناء مسجد حنفي على نمط جديد عصري وكان ذلك بهدف استمالة وكسب ود المجتمع المسلم الذي كان يناصبه العداء والكراهية. لم يكن مسجد حنفي المسجد الوحيد الذي كان تقام فيه صلاة الجمعة بل هناك مسجد الشافعي ومسجد حمال الإنصاري كما ذكرنا آنفاً كانت هناك جوامع ومساجد ومصلاة صغيرة تقام فيها الصلاة في البلدات المجاورة لمصوع.
أن النمو التجاري والإزدهار الذي شهدته المنطقة في النصف الثاني من القرن التاسع عشر ترجم إلى زيادة الإنشاءات للمنازل الخاصة والمباني العامة بما فيها المساجد والمعاهد.

وفي أوائل عهد المصريين والإيطاليين 1885-1865م حتى عام 1905م وصفت تلك الفترة بالنهضة العمرانية الشاملة نظراً إلى أن المقاولون قاموا ببناء مساجد جديدة لاستيعاب الأعداد المتزايدة في المناطق الداخلية إي في الضواحي، وفي كل من حرقيقو وحطملو واماتري وعداقة بعراي في حين تمت توسعة وإصلاح بعض المباني والمساجد بحيث تتلاءم مع التغيير الذي شهدته المدينة. كما أن سكان الارياف المجاورة لمدينة مصوع تدفقوا إلى المدينة بغرض البحث عن فرص العمل في الميناء أو في الأسواق الشرقية (البازار) أو في المحلات بأجر يومي، هذا مما أستدعى لبناء أماكن إضافية لأداء الصلاة وكذلك منازل تؤوي الأعداد الكبيرة التي تدفقت إلى المدينة. أن الإدارة المصرية لقد قامت ببناء أو بتقديم مساعدة مالية للجمعيات الخيرية من أجل بناء المساجد والملاجئ والمدارس وكان ذلك في عام 1870م قال المؤرخ البرتغالي مورنجو بونينتي بان حكومة الإستعمار الإيطالي أستمرت على نفس المنوال الذي درجت عليه الحكومة المصرية في دعم المعاهد الإسلامية في مصوع من خلال منحهم العون المالي والمساهمة في إنشاء مباني ومساجد جديدة. لو نظرنا إلى قائمة المساجد التي تعود إلى عهد الإستعمار الإيطالي تعكس لنا بشكل جلي وأقع الوضع الإجتماعي وانتماءاته المذهبية. وكما ذكرنا آنفاً بأن في مصوع جامع حنفي وله صبغة رسمية، لكن كانت هناك مساجد أخرى تتبع مسجد حنفي مثل مسجد (حسين باشا مغربي) وكان هناك أيضاً مسجد آخر يتبع المذهب المالكي وهو مسجد (الشيخ حامد عبيد) وهناك كانت مساجد أخرى تتبع المذهب الشافعي أسماؤها تعود لرجال دين يمنين نذكر منهم مسجد (الشيخ سعيد العمودي ومسجد الشيخ عبدالله سعد اليافعي) وكل مجموعة تصلى صلاة الجمعة في جامعها طالما أكتمل النصاب الشرعي لإقامة صلاة الجمعة، كما توقع البعض بان الغلو في مسالة الإنتماء أو الإنتساب المذهبي في مصوع فإن هذه المسألة تستحق مزيداً من البحث. لأن تواجد الموالين لمذاهب مختلفة في مدينة واحدة ربما كان مصدر التوترات في المنطقة.

المذهب الحنفي كان المهيمن او صاحب الغالبية نظراً للاعتراف الرسمي الذي كان يحظى به كمذهب رسمي للدولة أو كمرجعية دينية في حالة إصدار الفتوى الدينية من قبل الدولة العثمانية ومن بعدهم المصريين أيضاً ومن الطريقة الختمية.
على كل حال بان غالبية الأعداد الكبيرة التي هاجرت في مصوع في القرن التاسع عشر كانوا من منطقة حضرموت ومعظمهم كانوا يتبعون المذهب الشافعي علاوة على ذلك بأن الحركة المتبادلة بين مصوع وشرق السودان جلب إلى مصوع أعداداً من المنتمين إلى المذهب المالكي أو المدرسة المالكية.

في عام 1882م حدثت في حطملو توترات أو إضطرابات عندما قامت جماعة من التجار البارزين التابعين للمذهب الشافعي وللطريقة الشاذلية. تقدمت هذه الجماعة بمبادرة بغرض إقامة صلاة الجمعة في حطملو بدلاً من الذهاب إلى مصوع كما كان متبعاً حتى تلك الفترة هذه الحادثة ربما تعكس التباين الذي كان قائماً بسبب مسالة كان ينبغي أن تحل في إطارها المحلي قبل أن تستفحل وتأخذ منحنى آخر.

الســــيد/ عبدالله باجنيد من تجار مصوع ورئيس لجنة الأوقاف ومن أصل حضرمي قاد تجار حطملو التابعين للمـــــــــذهب الشــــــــــــافعي والطريقة الشاذلية وتحصَـــــلَ علـــــــى تصـــــريح (فرمان) من الباشا العثماني لإقامة صلاة الجمعة في حطملو.

وبما أن التابعين للمذهب الشافعي والشاذلي كانوا أقلية حيث واجهوا معارضة حقيقية من غالبية أهالي حطملو والطريقة الختمية إلا أنهم شرعوا في مشروعهم وأقيمت الصلاة في مسجد الشاذلية بحطملو. خططت المعارضة للانتقام من الشيخ/ عبدالله باجنيد فدبرت له مكيدة حيث رفعت مذكرة إلى الباشا العثماني مفادها بأن الشيخ/ عبدالله باجنيد على علاقة مع الأحباش ويمدهم بالسلاح سراً علماً بأن الأحباش في عداء شديد مع السلطات العثمانية في مصوع وأن هذا التصرف يعتبر خيانة للوطن وللحكومة العثمانية ونتيجة لهذا البلاغ فإن السلطات العثمانية في مصوع أمرت بطرد عبدالله باجنيد من مصوع وترحيله إلى جدة ولكن أفراد أسرته لم يشملهم القرار فإستمروا في ممارسة أنشطتهم التجارية. فمنهم من كان يعمل في مجال الملاحة ومنهم من عمل في المجالات التجارية المختلفة.

أن تاريخ تنفيذ القرار غير وأضح. قال الشيخ/ إبراهيم المختار: بان باجنيد غادر مصوع في 1887م لكن مصادر أخرى قريبة من باجنيد قالت بأنه كان في مصوع حتى 1890م.

ترك الشيخ باجنيد خلفه ثروة ضخمة ومعاملات خارجية واسعة وممتلكات حقيقية من أراضي وعقارات وغيرها.

مذكرة حررها الشيخ عبدالله سراج أبو علامة مفتى مصوع حصر فيها كل ثروة الشيخ باجنيد وأحيلت إلى الســــــيد/ محمد سالم باطوق لكي يتولـــــــى أمر إدارتها وتحـــــويل الفوائد إلى الشيخ/ باجنيد في جدة.

Top
X

Right Click

No Right Click