موقع اريتريا الإستراتيجي كان الدافع وراء تعاقب المستعمرين عليها - الحلقة الثالثة والأخيرة

بقلم الأستاذ: حسين محمد باقر - كاتب وبـاحث

بِسْمِ اللهِ الرحمن الرَّحيِم

إتفاقية الصلح بين إيطاليا ودول الحلفاء فيما يخص مستعمراتها الأفريقية السابقة: في الخامس والعشرون من سبتمبر 1946م وافق

ميناء مدينة مصوع

مؤتمر وزراء الخارجية على قرار يقضى بتنازل إيطاليا عن كافة حقوقها في مستعمراتها الأفريقية السابقة (بما فيها اريتريا) وعلى الدول الأربع الكبرى (الحلفاء) أن تتفق حول مستقبل تلك المستعمرات خلال عام من تاريخه. وفي حال عدم توصلها إلى إتفاق خلال الفترة المحددة تحال القضية إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة (حسب ملحق لإتفاقية الصلح مع إيطاليا المادة 23) وبالرغم من أن الإدارة البريطانية لم تكن أن منحت حتى ذلك الوقت حرية التعبير عن الآراء السياسية للمواطنين - وبما أن مستقبل اريتريا أصبح الآن على مفترق طرق كان من الطبيعي أن يؤخذ رأي الاريتريين بعين الإعتبار وكان هناك حاجة كبرى لأن يعطى الاريتريين أقصى درجات الحرية وأن يشجعوا على إبداء آرائهم.

وبعد ذلك تحولت ما كانت تسمى بالحركة القومية (المسيحيين الموالين لأثيوبيا) إلى الحزب الوحدوي، وتم إنشاء جهاز حزبي بإدارة (اتو تادلا بايرو) وهو اريترى مسيحي شاب كان قد خدم في الإدارة البريطانية برتبة مساعد إداري، وكان الحزب يتمتع بإمكانات مالية كافية وبتأييد الحكومة الأثيوبية والكنيسة الأرثوذكسية وبمعاهدة أكثرية المسيحيين في اريتريا و أما معارضوه من المسيحيين فكانوا أقلية غير منتظمة في (أكلى غوازي) والتي أسس فيما بعد حزب الأحرار التقدمي الذي سوف يأتي ذكره.

مقترحات وأراء الأحزاب السياسية الرئيسية VIEWS OF THE PRINCIPAL POLITICAL PARTIES الأحزاب السياسية في مرحلة حق تقرير المصير (في أربعينيات القرن الماضي) الكتلة الإستقلالية والأحزاب المتحالفة معها THE INDEPENDENCE BLOC AND ALLIED PARTIES الكتلة الاستقلالية كانت تتكون من عدة أحزاب ومجموعات سياسية تحمل رؤى سياسية موحدة وأن أختلفت في بعض القضايا الثانوية، حزب الرابطة الإسلامية كان يمثل العمود الفقرى في الكتلة الإستقلالية.

كانت الكتلة تطالب بالإستقلال المباشر لاريتريا، وتأسيس سلطة تشريعية لوضع دستور يحدد شكل الدولة ونظام الحكم، كما كانت تؤكد الكتلة بأنها تتمتع بتأييد الغالبية الواسعة من الشعب الاريتري (المعارضين لمشروع الإنضمام ANNEXATION) مع أثيوبيا أو التقسيم PARTITION أو الوصاية TRUSTEESHIP وكانت تؤكد أيضاً بأن الشعب الاريتري قادر على حكم نفسه بنفسه.

كانت ترى الكتلة الإستقلالية بأن اريتريا لكل الأريتريين وأن يسود العدل والقانون في أريتريا من خلال ترسيخ مبدأ المساواة والديمقراطية الحقيقية وإقرار الثنائية اللغوية (العربية والتجرينية).

أن ممثلي الكتلة وفي أكثر من مناسبة عبروا بشدة عن معارضتهم تجاه مزاعم اثيوبيا بأن اريتريا لم تكن في يوم من الأيام جزء من اثيوبيا كما لم يكن هناك أي إرتباط عرقي أو تاريخي بين القطرين، وحتى أقليم تجراي لقد تم ضمه إلى اثيوبيا دون موافقة شعب تجراي.

أن الحكومة الأثيوبية تدعم الأنشطة الإرهابية لكي تمنع المواطنين من الأداء بآرائهم بحرية تامة وبصفة خاصة في المرتفعات الاريترية ولا يخفى على أحد بان المسلمون في اثيوبيا يعاملون بقسوة ولا يتمتعون بأدنى حقوقهم المشروعة، أن الحكومة الأثيوبية غير قادرة على إدارة شؤونها الخاصة فكيف يمكن أن تحكم اريتريا كما أن الإدارة البريطانية تسعى إلى تقويض رغبات الشعب الأريتري التواق لحريتة وإستقلاله التام بتواطئها مع حزب الإنضمام من خلال تقديم التسهيلات له وبغض النظر عن الممارسات الإرهابية التي كانت تنفذها الفرق الأرهابية (شيفتا) التابعة لحزب الإنضمام، كما كانت الإدارة البريطانية تسعى لتقسييم اريتريا بين اثيوبيا والسودان.

ووصفت الكتلة الإستقلالية ممارسات حزب الإنضــــــــمام بدعم الأرهاب بأنها كانت دليل ضعفه وغطاء على عجزه في تحشييد الجماهير، حزب الإنضمام جاء من رحم جمعية حب الوطن (محبر فقرى هجر) التي أسستها اثيوبيا وكان ذلك الحزب يتلقى رواتبه وكل تسهيلاته من مكتب الارتباط الاثيوبية LIAISON OFFICE الذي كان يديره ضابط المخابرات الأثيوبي (الكونيل نغا هيلي سلاسي) وكانت له معسكرات ومستشفى في (عدى ابو) بإقليم تجراي الأثيوبي.

ومن أبرز الزعامات الأريترية المسلمة الذين استشهدوا على يد الحزب الإنضمامي الأرهابي الشهيد الراحل عبد القادر كبيري وشخصيات وطنية أخرى.

الحزب الوحدوي والأحزاب المتحالفة معه UNIONIST PARTY AND ALLIED PARTIES الملاحظ هنا بأن الحزب كان يسمى بالحزب الوحدوي علماً بان الوحدة أو الإتحاد لهما شروط وقيود والتزامات بين الطرفين الموحدين أو المتحدين، وفي الحالة الراهنة فإن ما كان يسمى بالحزب الوحدوي UNIONIST PARTY لم يطرح أي شروط أو قيود لتلك الوحدة المقترحة بين القطرين، وأن كل ما كان يطالب به هو: بأن اريتريا ينبغي أن تعود إلى أمها اثيوبيا دون قيد ولا شرط، وفي هذه الحالة فإن مطلب الحزب كان الإنضمام دون قيد ولا شرط.

أن الحزب كان يطالب بإعادة الوحدة المباشرة REUNION الغير مشروطة UNCONDITIONAL مع اثيوبيا، وكانت مطالبة تقوم على ما كان يدعيه من روابط عرقية وجغرافية وتاريخية وإقتصادية بين القطرين، وكان يزعم بان مطالبه تحزى على تأييد غالبية الشعب الأريتري، كما كان يعارض استقلال اريتريا الذي لا يقوم على الوحدة مع اثيوبيا، كما كان الحزب يدعي بأن الاستقلال الحقيقي لبلد فقير مثل اريتريا لا يمكن أن يستمر وأن مآله الفشل.

أن الحزب الوحدوي كان يعادي الكتلة الإستقلالية وكان يدعي بأنها صنيعة جهات خارجية ومدعومة مالياً وسياسياً من الإيطاليين، كما أنه يرفض التهم الدامغة الموجهة إليه حول دعمه للأرهاب وكان أيضاً يعارض مشروع التقسيم الذي كان يطرحه جناح من الرابطة الإسلامية في المنطقة الغربية وهو مشروع كانت تروج له وتدعمه الإدارة البريطانية وأن قياداته وكوادره كانوا من الموظفين والرسميين في الإدارة البريطانية ولا شك بأن الحزب كان يتلقى الدعم المالي والسياسي من الإدارة البريطانية.

حزب الأحرار التقدمي LIBERAL PROGRESSIVE PARTY أسس هذا الحزب السيد/ إبرهام تسما في أقليم (أكلي غوزاي) مسقط رأس بيت (تسما اسبروم) الأب الروحي للحزب، لم يتمكن الحزب من استقطاب عناصر من خارج الإقليم، وحتى في محيط الأقليم فإن عضوية الحزب إنحصرت في إطار الأصدقاء والأقرباء ومن تربطهم علاقات ومصالح مشتركة مع أسرة بيت (تسما).

تبنى الحزب ثلاثة برامج سياسية مختلفة في فترات زمنية مختلفة حيث طالب في أول الأمر بوحدة اريتريا واقليم تجراي الأثيوبي وأن يكون الراس منجشا سيوم حاكم تجراي رئيساً للدولة المقترحة. إلا أن ذلك الطرح لم يجد تجاوباً من الجماهير الاريترية حتى من أبناء الاقليم قاعدته الرئيسية بإعتبار أن أقليم تجراي أقليماً إثيوبيا فكيف يمكن سلخه من أثيوبيا مما جعل الحزب يفكر في تغيير برنامجه ومطالبه. فذهبت قيادة الحزب إلى أسمرا لمقابلة قيادة حزب الإنضمام حيث طرحت مع الإنضمامين فكرة توحيد الحزبين (التقدمي والإنضمامي) على أن يتبني الحزب الموحد مشروع الحكم (الفيدرالي) بين اريتريا واثيوبيا، إلا أن حزب الإنضمام رفض تلك الفكرة وقال: أن مطالبهم وآضحة وصريحة وهي: عودة اريتريا إلى أمها اثيوبيا دون شروط ولا قيود. وبهذا أغلقت قيادة الإنضماميين الباب أمام التقدميين.

ثم إنتقل الحزب إلى الكتلة الإستقلالية كمحطة ثالثة وأعرب عن رغبته في الإنضمام إلى الكتلة وفق برنامجها المعلن وطرح طلباً بأن تطالب الكتلة بالأراضي الاريترية التي ضمها الإنجليز إلى السودان وهي كسلا وطوكر وما جاورها إلا ان الكتلة كانت ترى بأن هذه المطالب سوف يتم دراستها فيما بعد وأن المرحلة الراهنة لا تتحمل تقديم مطالب جديدة نظراً لحساسية الموقف.

وبعد فترة قصيرة إنقسم الحزب التقدمي حيث انسلخ من الكتلة الإستقلالية بحجة أن الكتلة تجامل الإيطاليين على مطالبهم دون تقديم أي توضيح لإدعائه، أما الجناح الآخر فإستمر في إطار الكتلة يمارس نشاطه.

حزب التقسيم PARTITION PARTY:

أنقسم هذا الحزب من الرابطة الإسلامية في المنطقة الغربية بزعامة الشيخ علي رادآي. كان يطالب الحزب بتقسيم اريتريا بين اثيوبيا والسودان الذي كان تحت الإستعمار البريطاني آنذاك على أن تنضم المنطقة الغربية بالكامل - الساحل وسنحيت وبركة والقاش إلى السودان وتنضم المرتفعات الأريترية - حماسين وسراي وأكلي غوزاي وكذلك مصوع (سمهر) ودنكاليا إلى أثيوبيا.

حيث كان أعضاء الحزب من المسئولين والموظفين في الإدارة البريطانية كما كان الحزب يتقاضى رواتبه من الإدارة البريطانية بإعتبار أن المشروع بالأساس فكرة بريطانية.

لم ينجح الحزب من إقناع الجماهير الاريترية حتى في المنطقة الغربية فإن الأعداد التي إنضمت إليه كانت قليلة، أما الجناح الثاني في الرابطة الإسلامية للمنطقة الغربية فكانت تطالب بفصل المنطقة الغربية من اريتريا ويكون لها برلمان تحت وصاية هيئة الأمم المتحدة ثم يتقرر مصيرها بعد فترة زمنية معينة لم تحدد.

تقرير مصير اريتريا في الأمم المتحدة:

مصلحة اريتريا كانت تقتضي تقرير مستقبلها السياسي في أسرع وقت وأنه لم يكن بوسع أية إدارة مؤقتة أن تعالج المشاكل الإقتصادية الضاغطة مثل إنتشار البطالة في المدن، وبوار الأراضي الزراعية في الريف، كما أنه لم يكن بوسعها أرواء عطش الاريتريين المثقفين الشباب إلى التطوير السياسي، فمصلحة اريتريا كانت تتطلب تخطيطاً سياسياً وإقتصادياً وإجتماعياً واستقراراً يضمن لها تطوراً منظماً لكن قبل معرفة مستقبل اريتريا السياسي لم يكن هناك مجال للتخطيط ولا للتقدم، ولم يكن من شأن التردد والتأخير إيقاف التقدم فحسب، بل التسبب في خلق الإنشاق بين المسيحيين والمسلمين، وفتح الباب أمام الإضرابات والتصادم. وبعد ثلاثة سنوات ونصف من المناقشات فشلت الدول الأربع، ثم جاءت الأمم المتحدة لتحدث ضرراً أكبر من قبل اتخاذها قراراً بشأن اريتريا، بعد أكثر من سنتين.
في شهر سبتمبر 1949م بدأت الدورة الرابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة، مناقشة جديدة للقضية الأريترية وقررت إعلان الإستقلال المباشر لليبيا و إخضاع الصومال لعشرة سنوات من الرعاية الإيطالية، يمنح بعدها الإستقلال. وفي الواحد والعشرين من شهر نوفمبر، أوصت بتأليف لجنة مهمتها (التعرف بصورة أكمل على رغبات شعب (اريتريا) وإعداد تقرير بالموضوع ورفعه إلى الجمعية العمومية مع المقترحات التي تراها مناسبة لحل مشكلة اريتريا (قرار رقم 289) وتألفت اللجنة من مندوبي النرويج وغواتيمالا وباكستان وجنوب أفريقيا وبورما، ومن خلال ما شاهدته اللجنة وما إستمعت إليه من مختلف فئات الشعب الاريتري بإستثناء حزب الإنضمام الذي تنصل عن أريرتية وتنكر لهويته الوطنية الاريترية فإن اللجنة كانت تميل لمبدأ الإستقلال لأريتريا.

يقول ترفاسكيس:

بعد أن لاحظ الوحدويون (الإنضماميون) ميول اللجنة من خلال ما توصلت إليه من قناعة بمنــــح اريتريا استقـــــــلالها. في مــــــثل هذه الأجــــــــواء كـــــــان مــــــــــن الطبيعي أن يلجـــــأ الوحدويون (الإنضماميون) إلى العنف حيث لم يكن هناك ما يخسرونه بالعكس... فإن ما حصل في فلسطين وفي طرابلس، اثبت أن هناك مجالاً للربح، فالمبدأ القائل بأن العنف لا (يدفع) قد ثبت فشله بأنه سيفيد، وبأسرع مما كان متوقعاً، وبالرغم من أن اريتريا لم تشهد أية اضطرابات جدية بعد تلك التي حدثت سنة 1948م بعد سفر لجنة التحقيق الرباعية، فإن الوحدويون قاموا ببعض الأعمال الإرهابية ضد خصومهم الوطنيين بقيت بدون عقــــــــــــــاب لكن هذه المرة لم تكن الدورة الرابعة للجمعية العمومية للأمم المتحدة تنتهي حتى أطلقوا حملة أرهاب وعنف منظمة ضد جماعة الكتلة الإستقلالية مع التركيز على قيادات وكوادر الرابطة الاسلامية ادت إلى مقتل عدد من الوطنيين الأحرار. يقول ترفاسكيس ومع مرور الوقت لم يعد زعماء حزب الإنضمام أسياد أنفسهم وإنما مجرد خدام للحكومة الأثيوبية.

لم يكن قد مضى اسبوعان على رحيل لجنة التحقيق الرباعية حتى عاشت اريتريا أول بوادر الفوضى، عندما عمد فريق من التنظيمات الاريترية المسيحية التابعة (لحزب الإنضمام) والمعروف بأسم (الشيفتا) إلى القيام بسلسلة اقتيالات على بعض المواطنين الأحرار والإيطاليين وإحراق وتدمير ممتلكاتهم.

وقد استمروا في هذه الأعمال حتى إجتماع وزراء خارجية الدول الكبرى في سبتمبر بعد أن قتلوا عدد عشرون مواطناً من المسلمين الأحرار وكانوا قد عمدوا إلى قطع رؤوس خمسة من الرجال المسلمين أمام أعين زوجاتهم واولادهم كما قتلوا ثمانية من الإيطاليين ودمروا مناجم الذهب ومزارع تخص بعض الإيطاليين والمواطنين المعارضين لمشروع الإنضمام مع اثيوبيا ونهبوا عدداً كبيراً من مواشي المسلمين وقطعوا عدد من الطرق وخطوط السكك الحديدية، وفي كل مرة كانت افراد عصابة (الشفتا) التابعة لحزب الإنضمام والمدعومة من اثيوبيا يتركون رسائل تؤكد اخلاصهم للأمبراطور هيلي سلاسي وتهدد خصومه بالقتل وفي نفس الوقت كـــــانت صــحيفة (نيو تايمز اند اثيوبيا نيوز NEW TIMES AND ETHIOPIA NEWS) تصف ذلك الجناح الإرهابي (شيفتا) بالوطنين الأحرار وكانت السلطات الأثيوبية تفتح أبوابها لتستقبلهم في بلدة (عدى ابو) بإقليم تجراي.

يقول السير ترفاسكيس في كتابة اريتريا مستعمرة في مرحلة الإنتقال:

كانت المخابرات الأثيوبية والمؤيدون للإنضمام مع اثيوبيا من الاريتريين المسيحيين يأخذون مزيداً من المبادرات لإثارة مشاعر الأريتريين المسيحيين في اسمرا حملتهم الجديدة كان سلاحها الملصقات والمنشورات الدعائية، أحدى هذه الملصقات التي ظهرت على جدران اسمرا: كانت تقول (ايها الاريتريون تذكروا أمكم اثيوبيا أن أمكم لن تتنكر لكم ويجب عليكم أن لا تتنكروا لها أنها ستطعمكم، الطليان هزموكم ولطخوا شرف نسائكم، الإنجليز جوعوكم وأطعموا الأجانب، هل رأيتم كيف انبرى الطليان والعرب، بينما أنتم تشكون العرب.. هل رأيتم كيف أن الإنجليز يحمونهم ويحتقرونكم هـــل من المعــــــقـــــول أن يفضلوا مســــــاعدتكم على مساعدة أصدقائهم السودانيين والعرب لا تنتظروا المساعدة سوى من أمكم حاربوا الأجنبي واستعدوا للموت في سبيل وطنكم اثيوبيا عاش هيلي سلاسي عاشت اثيوبيا.

ولاقت مثل هذه الدعاية أرضاً خصبة عند مسيحي اسمرا كانت الحركة الوطنية الأثيوبية قد ربحت إلى صفوفها أكثرية الاريتريين المسيحيين في اسمرا ومدن الهضبة الأخرى، بعضهم كان يظن أن الإنجليز يعارض المطالب الأثيوبية ولكن في حقيقة الأمر فإن الحقيقة عكس ذلك سلسلة الإرهاب هذه تضمنت كذلك إلقاء قنابل يدوية على مناصرين للكتلة الإستقلالية التي كانت تطالب باستقلال اريتريا في كل من أسمرا ومصوع ودقي محاري وسرقة مواشي من المواطنين وإلقاء القنابل اليدوية وهجمات بالبنادق على مقاهي يمتلكها طليان في أسمرا وعدى وقرى، كما قاموا بغزو وتدمير مزارع إيطالية وبلغ عدد الإرهاب أوجه في شهر فبراير وموعد وصول اللجنة الدولية، عندما انفجرت معارك عنيفة بين المسلمين والمسيحيين في اسمرا دامت خمسة أيام وتسببت في قتل عدد كبير وجرحى أكثر وكانت كل هذه الأعمال تدار وتنظم في مكتب الارتباط التابع لاثيوبيا وبتنسيق ومباركة من الإدارة البريطانية.
سلسلة العنف والإرهاب هذه تلتها حملة تهديد ضد الطليان وانصار الكتلة الإستقلالية الاريتريين المسلمين وقامت فرق مسلحة من جماعة الـ (شفتا) قطاع الطرق الموالين لحزب (الإنضمام) والمسيحيين بترك رسائل ومنشورات في الأمكنة التي اعتدوا عليها مهددين الوطنين الاريتريين والإيطاليين ان هم ناصروا الكتلة الإستقلالية، والأريتريين بعائلاتهم وممتلكاتهم إذا لم يتخلوا عن مطالبهم الاستقلالية، ونشرت الكنيسة القبطية تحذيراً في جريدة (اثيوبيا) الوحدوية التي بدأت بالظهور سنة 1948م قالت فيه بأنها ستحرم أعضاء الكتلة الإستقلالية وعائلاتهم عن تقديم المراسيم الدينية لهم، من عماد وزواج ومناولة ودفن، ومن جهتها عمدت السلطات الأثيوبية الى طرد رجال قبائل التجرى المسلمة، التي كانت تقطع الحدود مع مواشيها سعياً وراء الكلأ في أشهر الشتاء والربيع الجافة مستثنية منهم أؤلئك الذين كانوا يحملون بطاقات عضوية في الحزب الوحدوي (الإنضمام). إنقسمت اللجنة الخماسية لتقصى الحقائق التابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة في تقاريرها حيث أبدا مندوبي الغواتيمالا والباكستان عن تأييدهما لأستقلال اريتريا أما النرويجي أظهر تحيزاً لأثيوبيا.

الخلاف الحاد في وجهات النظر، أدى إلى صياغة تقريرين مختلفين، ولا أقل من ثلاثة مجموعات من الإقتراحات المختلفة - مندوبا الباكستان وغواتيمالا اوردا بان الإرهاب وسوء إستعمال الكنيسة القبطية لسلطاتها، حالا دون تعبير الناس عن آرائهم بحرية مع ذلك كان من رأيهما بأن الأكثرية الساحقة كانت تريد الإستقلال.

فيما إتفق المندوبون الثلاثة الآخرون على ضوء تقرير أعده مندوب جنوب أفريقيا قال: أن اريتريا لا يمكن أن تكفي نفسها إقتصادياً، فقد عمد المندوبان الباكستاني والغواتيمالي إلى إتهام الإدارة الإنجليزية بإعاقة التطور الإقتصادي في اريتريا، كوسيلة لتقوية أمال بريطانيا بالتقسيم.

فيما إتفق مندوبو النرويج وجنوبي افريقيا وبورما على أن إستقلال اريتريا غير واقعي فإنهم إختلفوا عندما كان الوقت مناسباً لتقديم مقترحات بناءة.

المندوب النرويجي أكد أن الحل الواقعي الوحيد هو وحدة اريتريا مع اثيوبيا، لكنه رأى أن تبقي المنطقة الغربية تحت الرعاية البريطانية لبعض الوقت، ينتقي بعدها سكانها بين الإنضمام إلى أثيوبيا أو إلى السودان.

بينما رأى زميلاه الأفريقي الجنوبي والبورمي أن حل المشكلة هو الحكم الذاتي لاريتريا وإتحاد فيدرالي مع اثيوبيا في ظل التاج الأثيوبي.

فطالبا بحكومة اريتريا تتمتع بالاستقلال الذاتي في المجالين التشريعي والتنفيذي، على أن يعهد بشؤون الدفاع والسياسة الخارجية والمواصلات إلي حكومة إتحادية لذلك لما عادت الجمعية العمومية للأمم المتحدة للإجتماع في سبتمبر 1950م لدراسة تقرير اللجنة ولما كانت الجمعية العامة عاجزة عن تحديد أي من هذه الحلول الثلاثة يخدم مصلحة اريتريا بصورة أفضل، وجاء الاقتراح الذي أنتهي إليه مندوبا جنوب افريقيا وبورما بإنشاء دولة إتحادية يشكل نوعاً من الحل الوسط بين الوحدة والإستقلال. فتبنته الجمعية العامة للأمم المتحدة في الثاني من ديسمبر 1950م بأكثرية 46 صوتاً ضد أصوات (القرار رقم 390 - أ - 5). وقد أوصت اللجنة العمومية للأمم المتحدة بموجب هذا القرار بان اريتريا تشكل وحدة تتمتع بالحكم الذاتي وتتمتع الحكومة الاريترية بالسلطات (التشريعية والتنفيذية والقضائية) التي تتعلق بالشئون الداخلية. أما سلطة الحكومة الإتحادية فتمتد إلى شئون الدفاع والسياسة الخارجية والعمل والمال والتجارة الخارجية والداخلية والمواصلات الخارجية والداخلية، بما فيها المرافئ وتشمل سلطة الحكومة الاريترية بما فيها الشرطة المحلية وإقرار ضرائب لتغطية المصاريف المحلية واقرار ميزانيتها الخاصة.

Top
X

Right Click

No Right Click