لابد من حرقيقو ولو طالت الغربة - الحلقة السادسة

بقلم الأستاذ: حسين محمد باقر - كاتب وبـاحث

بِسْمِ ٱللّٰهِ ٱلرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

هل هي هبة ام رشوة ؟ ان مسألة جمع الضرائب او الاتاوات من المواطنين في ظل حكم النائب، مرت بعدة مراحل بين اواخر القرن

مسجد حرقيقو

الثامن عشر وعام 1850م. ففي بداية القرن التاسع عشر نقل عن اللورد فالينسيا Lord-Valincia بأن النائب كان يحصل على ستون (تالر Thaler) نقداً كما يحصل على جمال وماعز وحمير من زعيم (ارخبيل دهلك).

ان مسألة جمع الاتاوات أو الجزية في الزمن القديم أي في وقت مبكر كان يعتبر إلى حد ما مخالف للقواعد والأصول وعلى وجه التخصيص عندما ينظر اليها كهدف أو غاية.

ولكن وبعد ان انضمت تحت حكم النائب مجموعات ثرية نسبياً، وبصفة خاصة (الحباب) فإن دفع الأتاوات أو الجزية اصبح له اهمية قصوى بالنظر إلى انها كانت وسيلة في توطيد دعائم الحكم وتأكيد على الاعتراف بسلطة الحاكم. وعلى اية حال فان الاتاوات اصبحت اهم مصدر دخل للحفاظ على مليشيات النائب حتى لا تكون عالة على الدولة. وفي مقابل ما كان يدفع من اتاوات النقدية منها والعينية فان النائب كان يمنح المناصب والرتب للاعيان وكذلك كان يفي بوعوده في فض المنازعات والمشاكل التي كانت تطرأ بين البيوتات والأسر.

فعلي سبيل المثال عندما عين النائب (كنيتباي الحباب)، فإن الكنتيباي الجديد المعين اعطى للنائب مئة راس من الأبل ومئة راس من البقر ومئة راس من الماعز ومئة بطانية من الصوف، وذلك تقديراً لموافقة النائب على منح المنصب. ولا ندري من الناحية الشرعية كيف يكون الحكم في مثل هذا التصرف. وهل هي هبة أم ربا أم رشوة ؟

بناء على تحليل الكبتين بوري Boari فيما يتصل بالاتاوات في سمهر، فإن النائب حافظ على التوازن في جمع (الاتاوات Tribute) وتجنب اصدار الاوامر بدفع قيمة الضرائب لكي لا تفسد أو تعوق النشاط التجاري الاقليمي الدوري.

ان الانتقال التدريجي من الحكم الغير مباشر إلى الحكم المباشر اوجد تحولاً جوهرياً في بنية أو طبيعة مسألة الجزية وقلص نفوذ النواب السياسي وكذلك على حكمهم الذاتي إلى درجة ما وأيضا على الاستقلال في الادارة وشئونهم الاقليمية. ان الطموح على نظام اداري عصري في مدينة مصوع قاد إلى نمط جديد في دفع الاتاوات السنوية من مجموعات في مناطق السمهر والساحل. الحباب كانوا يدفعون ثلاثون الآف (تالر) ومجموعة عد تكليس وعد تيماريا Ad Temariam و سمهر Semhar كانوا يدفعون عشرة الآف (تالر) كل منهم ان مدينة مصوع والحواضر المحيطة بها. حرقيقو، حطملو، ام كلو وامبيري Embermi كانوا معفيين أو مستثنيين من نظام دفع الجزية الجديد، حيث كانت تمثل هذه الحواضر مراكز تجارية ولها خاصية أو صفة مميزة وكانت لها حق الملكية في المواشي والمنتوجات الزراعية. في اطار النظام الجديد فان النائب احال مهمة جمع الاتاوات من الافراد إلى الادارة المركزية.

منصب كنتيباي على المزاد:

هناك رواية تقول: بانه وبعد وفاة (كنتيباي تسفامكيائيل Tesfamekael) كان يتوقع حفيده (تيدروس Tedros) بأن يفوذ بلقب (كنتيباي) للمنسع Mensa' (بيت ابرهي Bet Abrehe). فعندما كان النائب حسن ادريس يقوم بجمع الجزية من (عد تيماريام Ad Temariam) في (افعبت AF Abet) تقدما اليه اخوين (مجاهد وعدالة) من عشيرة عد الاي - منسع - بيت ابرهي.

واقترحا على للنائب بان يعين مجاهد لمنصب (كنتيباي) وبالمقابل ان يعطيا الاخوين النائب خمسمئة راس من الماشية. إلا ان النائب فضل ان يمنح تيدروس فرصته وابلاغه بالعرض المقدم من الاخوين قبل ان يعطي موافقته بأقتراح الاخوين (مجاهد وعدالة).

وعندما علم تيدروس بالأمر رفع عرضه إلى ألف وخمسمئة رأس، وبدوره ابلغ النائب لمجاهد وعدالة بعرض تيدروس وسألهما فيما اذا كانا في مقدروهما ان يرفعا أو ان يزيدا عرضهما. إلا ان الأخوين توقفا عن الخوض في الأمر مما يدل على عدم قدرتهما في مقارعة تيدروس. وهكذا فاز تيدروس بلقب (كنتيباي) واستلم الطلبة تعبيرا للرمزية القبلية وسيف اروبي وثوب وقبعة أي غطاء الراس (غلنسوة) وسوار من الذهب. وبعد فترة زمنية اظهر النائب (حسن ادريس) عن استيائه وغضبه من كنتيباي تيدروس الذي فشل في ارسال الاتاوات الاضافية إلى النائب مما اعتبره النائب تمرداً على سلطته.

الانقلابات اصبحت سمة بارزه بين عائلة النائب:

بعد رفض كنتيباي تيدروس اوامر النائب، شن النائب هجوما على كنتيباي تيدروس، لكن الأخير فرّ من مخيمه قبل ان تصل اليه قوات النائب لاعتقاله. وهناك رواية تقول : بأن مرسولا من تيدروس جاء إلى النائب وابلغه بأن تيدروس ليس متمردا ولكنه شرد تجنباً من ان يصيبه مكروها من جنود النائب، وأنه على استعداد للمثول امام النائب اذا اطمئن على سلامته، تعهد النائب بعدم معاقبته (كنتيباي تيدروس) إذا عاد والتزم بما هو مطلوبا منه.

عاد كنتيباي تيدروس إلا ان النائب لم يوفي بتعهده فأعتقله ونقل إلى (مدن Medun) في حرقيقو حيث سجن هناك لمدة سنتين. ولم يطلق سراح تيدروس إلا بعد ما قام النائب محمد عبدالرحيم بانقلاب على النائب.

قام كنتيباي تيدروس بتقديم ابنته زوجة للنائب الجديد محمد عبدالرحيم كما اهداه عدداً من المواشي.

تتكرر الغزوات على ميناء مصوع ومدينة حرقيقو:

ان أول تغيير ذو مغزى في موقع النواب، ربما يعود اثره إلى نهاية عام 1808م وذلك عندما قام الشريف غالب وآلي مكة بإرسال فرقة عسكرية إلى ميناء مصوع من اجل تأسيس حكمه ونفوذه هناك. مصادر تستند على رواية النائب توحي بان ذلك الفعل (الغزو) كان يهدف إلى زعزعة الجبهة الداخلية وخلق انقسامات داخل العائلة الحاكمة وتمرد الرعية على الحاكم. وكان ذلك في عهد النائب ادريس عثمان 31-1801م الذى قام انصاره بتأييد الشريف في قمع العناصر المناوئة للنائب داخل العائلة وكذلك المقاومة الرفضة للعزو (الثوار).

وبعد مضى ثلاثة اعوام على غزو المصريين للحجاز حاول اسطولاً بحريا تابع للوهابية في محاصرة ميناء مصوع ولكن دون جدوى. في عام 1814 ارسل وألي جدة الجديد السيد/ احمد طوسان قوة من ستون جنديا وقائمقام إلى مصوع، حيث كانت قوة عثمانية - مصرية مشتركة على الشواطئ الجنوبية للبحر الاحمر. ان محاولات العثمانيين والمصريين باستعمال القوة لم تمكنهم من تغيير منصب النائب الذي حافظ على سلطته وراتبه الشهري ايضا.

في عام 18-1811 قام الملك محمد علي - ملك مصر بأجتياح الجزيرة العربية واستمر بحملاته في السودان 21-1820م.
كل هذا شجع المصريين على زيادة جهودهم لتوطيد حكمهم وشكل حافظاً لهم للقيام بعملية تدريجية تمهيداً للاستيلاء المباشر على مصوع.

ان المصريين كانوا باستمرار يضعون قواتهم المحدودة بالتساوي مع القوة العثمانية (الباب العالي العثماني). في عام 1826هـ قام قائمقام مصوع بتجميد رواتب مليشيات النائب في حرقيقو وذلك بهدف استمالة الثوار ومعارضي النائب الذين ارسلوا جنودهم لمهاجمة مصوع وقطع الماء من الميناء الأمر الذي ارغم القائمقام على الفرار من مصوع اخذاً معه ثلاثة من الموظفين الرسمين (من عائلة النائب) كرهائن واخيراً تركهم في جزيرة دهلك وواصل طريقة على الفرار. ونزولا عند رغبة أهالي مصوع من اجل استتباب الامن والاستقرار عاد إلى الميناء قائمة جديد مع قوة متواضعة. على كل حال فإن القوة الحقيقية بقيت في يد النائب.

في العام 1830م حدثت تطورات سياسية في المناطق الشمالية للهضبة، حيث ان الاروبيين المغامرين كانوا يسعون على تأسيس علاقات مع حكام الهضبة. كما ان الاندفاع المصري على اطراف الهضبة الغربية وفي البحر الاحمر كان له اثراً عظيما في الوضع على الشواطئ. ان الرهبنة أو الاخوية الاقليمية والتي بدأت تأخذ شكلا مختلفا عن ما كان قائماً كانت تهدف إلى تهميش مكانة النواب في المنطقة.

في عام 1831م نجح دجزماش وبي هيلي ماريا Dejazmach Webe Haile Mariam (1867-1799) في فرض نفسه كأقوى حاكم في مناطق شمال المرتفعات، حيث كان يشرف أو يتحكم على مناطق شاسعة كانت تشمل تجراي Tigray، سيمين Semen وولقايت Walgayet ان علاقات وُبي Webe بالنائب كانت دقيقة وغير واضحة، لكن سكان شمال المرتفعات كانوا يطالبون على نحوٍ متزايد في الاستيلاء على الشواطئ كأمر واقع.

ما بين 1837- 1832م اخذ الضغط يتصاعد على الحدود الغربية للهضبة تماشياً مع الخارطة التوسعية التي وضعها (خورشيد باشا) نحو الهضبة في عام 1840م تول المصريين أمر مدينة كسلا والخوف من الطموح المصري الوشيك من اجل خلق واقع جديد بين النيل والبحر الاحمر بدا يدفع إلى حقبة المواجهة الثلاثية بين وبي Webe والنواب Na'ibs والمصريين Egyptians إلى حدٍ بعيد. لكن فإن النواب سيصبحون خارج التشكيلة وهذا ما يضعف مكانتهم السياسية في المنطقة.

كانت التوترات تتعمق وتزداد، كما ان الأروبيين كانوا يتعاملون مع كل الاطراف ويفكرون في تمرير اجندتهم وتحقيق مصالحهم ويدفعون حكوماتهم للانخراط مع قضايا المنطقة اكثر. بقيت مصوع تحت سيطرة المصريين (لكن ليس كسلطة عليا) التي بقيت في اسطنبول. من 1813 حتى أول 1841م بأن اتفاقية بين الباب العالي العثماني ومحمد علي قادت إلى جلاء القوة المصرية من ميناء الجزيرة. العثمانيون اقاموا حامية عسكرية وقمائمقام مع حفنة من الجنود لكن كانت غير قادرة لمراقبة فاعلة. عادوا المصريين بعد خمس سنوات فقط في 1846هـ وذلك بعد ان ترك العثمانيون المدينتين مصوع وسواكن لمحمد علي مقابل مبلغ سنوي يدفعونه المصريون للعثمانيين يساوي 5000 كيس Kis يعادل 25,000 جنيه مصري. في الفترة الفاصلة النواب مجددا اصبح لهم مكان وقوة مؤثرة في سمهر وتحدوا طموحات وٌبي Webe تفرض سلطته في المساحات بين المرتفعات والبحر الاحمر.
وتعاظمت الصراعات خلال النصف الثاني من عام 1843.

بين عام 1841–1844م قام ابن النائب يحيى بغارة على حماسين واخذ ثلاثة آلاف راس من المواشي واحرق قرية هناك. توعد وبي Webe بغزو مدينة حرقيقو اذا لم تعاد المواشي ومبلغ اربع آلاف فرنك يساوي (600 تالر) وهي قيمة ضرائب القوافل التي لم تكن قد دفعت.

طرحت هذه القضية أمام مجلس الحكم (Majlis) مما اثار مخاوف المسئولين من تدمير مدينة حرقيقو. وافق النائب على مطالب وُبي Webe من أجل سلامة الشعب والمدينة.

نواصل في الحلقة القادمة انشاء الله

Top
X

Right Click

No Right Click