لابد من حرقيقو ولو طالت الغربة - الحلقة الخامسة

بقلم الأستاذ: حسين محمد باقر - كاتب وبـاحث

بِسْمِ ٱللّٰهِ ٱلرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

حكام المرتفعات يتملصون من اتفاقهم مع النائب: نتيجة للاستقرار السياسي والأمني الذي كان سائداً في مناطق شمال المرتفعات،

مسجد حرقيقو

فان النواب ايضا ازداد طموحهم على توسيع مناطق نفوذهم على ان تشمل منطقة المزارعين الريفيين الناطقين بلغة (الساهو) الذين كانت مواشيهم تتنقل بين المنخفضات وسفوح الجبال وإلى اكلي قوزاي وحماسين وتجراي بالتعاقب بين المواسم. وفي بعض المناطق فان النواب تمكنوا من السيطرة على اعداداً من المتحدثين بالتجرنية على الأغلب من السكان المزارعين في المرتفعات.

بناء على معلومات نقلها السيد/ أودوريزي Odorizi بأن النائب عثمان أمير 81-1741م عقد اتفاق بينه وبين حكام المرتفعات على ان يمتلك النائب اربعة واربعون قطعة أرض في المرتفعات مقابل أن يتحصل حكام المرتفعات على قطع من الاسلحة النارية (مقايضة). إلا ان اودوريزي Odorizi يقول بأن الامر مبالغ فيه أي ان مساحة الاراضي المذكورة مبالغاً فيها.

أما مواقع تلك الاراضي فهي:- (زيبان زيجب Zeban Zegeb) بالقرب من عدى قيح و(معربا Ma'reba) غرب حلاي Halay و(امبادرهوه Ambaderho) و(بلزا Beleze) و جوازين (Quazen) شمال اسمرا (وبيت مُخا Betmekae) الجهة الغربية من اسمرا وكذلك في سراي بالقرب من مدينة (عدوى Adwa) في تجراي. يقول السيد/ كولمودين Kolmodin). بأن بحر نقاش (سلمون في حماسين حكم حتى (1743) منح ايضا للنائب مساحات من الأراضي الزراعية. أما بحر نقاش بخرو ابن سلمون 76-1770م الذي كان يناصب العداء للنائب استعاد الأراضي التي كان والده قد منحها للنائب.

قال السيد/ جلوم لجين Guillaume lajean بأن النائب كان يمتلك ستة عشر قطعة في منطقة (حلاي Halay) وقال البرتو بوليرى Alberto Pollera بأن النائب امتلك ارضا على مشارف أي على اطراف الهضبة عند (حلحل Hal hal) في (طلما Tselema) و(مزبر Mazber) في اقليم تجراي. لكن بالمقابل فان سكان المرتفعات طالبوا النائب بدفع الضرائب مقابل الأراضي الزراعية وكذلك مقابل حق الرعي الذي كان يتمتع به النائب في اراضي المرتفعات. هذه المسألة خلقت نزاعاً حادا بين النائب وحكام المرتفعات (كما طالب حكام المرتفعات).

وفي القرن التاسع عشر بدأ زحف سكان المرتفعات خلصة وبالتدريج نحو المنخفضات الأمر الذي اكسبه زخما بين سكان المرتفعات مما شجع حكام المرتفعات بالمطالبة بحق السيادة على اراضي سمهر في الشواطئ.

وفي عام 1870 ومع زيادة ارتفاع طموح حكام شمال الهضبة من خلال اعادة نظام الحكم المركزي في شمال الهضبة ونتيجة لبداية ضعف موقع النواب على شمال الهضبة فإن كل الأراضي التي كانت تعتبر من املاك النائب أعيدت أي استولوا عليها حكام المرتفعات، وهذا ما يتعارض ويتناقض مع ما تم الاتفاق عليه. علما بان النائب كان قد امدهم بقطع السلاح مقابل الأراضي المسترجعة أو المنهوبة. ومن أجل تعزيز موقعه عمل النائب على توطيد وترسيخ علاقاته مع محيطه الاجتماعي والجغرافي بالقرب من مصوع في كل من (ام كلو Omkulo) و (حطملو Hetumlo) و (زجا Zaga) وامبيرمي Embermi) حيث كان النائب يتحكم على كل المسارات التجارية من جرقيقو ومصوع إلى المرتفعات وكان النائب يفرض ضرائب على القوافل التي كانت تسير في طريقها من الداخل إلى الشواطئ وكان هناك مسارين مهمين يربطانِ الشواطئ بمدينة عدوى Adwa في تجراي. المسار الاول وهو يبدأ من مصوع عبر ام كلو ويمر (بقرع Gura) و (عدي خالا Adi Kwala).

اما المسار الثاني فيبدأ من حرقيقو ويمر عبر (وييعا Wi'a) و(حلاي Halay) و (طرنا Tserana) وان كلا المسارين كانت توجد بهما مراكز تفتيش حيث ان المسافرين كانوا ملزمين بدفع رسوم المرور وان السلطات كانت تراقب مباشرة محطات المرور مثل محطة حلاي Halay. وتراقب السلطات ايضا المحطتين الرئيستين اللتان كانت تنطلق منهما القوافل في ضاحية مصوع بلدة حرقيقو التاريخية كأهم مركز وكأكبر حاضنة اجتماعية.

بعض العوائل من مدينة حرقيقو اسسوا قرى:-

عايلت وام كلو وعسوس وجمهود وعد عسكر اما المحطة الثانية فكانت ام كلو Omkulo التي اسستها مجموعة من العوائل من حرقيقو وكان ذلك في فترة حكم النائب عثمان أمير 81–1741م.

علاوة على ذلك فان السلطات كثيراً ما كانت تقوم بمراقبة طرق المواصلات والمسافرين إلى المرتفعات للاطمئنان على أوضاعهم ولضمان سلامتهم وتوفير الجمال والمرشدين أو الدليل المناسب لهم عند السفر إلى عدوى Adwa في اقليم تجراي.

أن الشاهد أو الدليل الموثق يعزز شهادات الأروبين الذين اكدوا بأن عملية السفر كانت تعتمد على رضا النائب والتراخيص التي كان يصدرها للسماح لهم بالسفر إلى المرتفعات.

أما النظام الثاني الذي كان متبعاً في المسار التجاري. حيث يبدأ من ام كلو ويتفرع في شعبتين في عاليت Aylet التي كانت قرية كبيرة نسبياً وسوق مركزي ومحطة قوافل وتقع حوالي ثلاثين كيلو متر غرب مصوع. وكانت اربع مسارات رئيسية. كانت القوافل تغادر عايلت نحو سنحيت Sanhit بيت (اشهقن) (منسع) وكرنشم Karnxum وحماسين. عايلت كانت أهم قرية اسسها أهل حرقيقو وبالتحديد ممن ينحدرون من ابناء النائب أمير علي (1720 - 1690) عبدالرسول وعثمان شقراي اللذان هاجرا من حرقيقو إلى الموقع وبالفعل اقاما هناك. ولكن ان القرية جذبت أي استقطبت اناس آخرين منهم بيت شيخ محمود (وعد طاورا Ad Tsaura) وكلاهما كانوا ممن يتحدثون لغة الساهو أصلاً ولكن تبنوا لغة التجرى تدريجياً وتطبعوا بطباع المنطقة في كل مناحي الحياة.

ان موقع عايلت على سفوح جبال الهضبة جعلها اهم قرية تجارية بين الشاطئ والمرتفعات في العقود الوسطى للقرن التاسع عشر. كانت قرية عايلت محاطة بمجموعات ريفية يأتون اليها بدوابهم وبضائعهم قبل ان تنقل البضائع إلى مصوع تحت المراقبة الصارمة من خلال شبكات كان يستغلها تجار المنطقة.

ان التصادق أو التزامل القوى للنواب مع اهل المنطقة ضمن لهم الاستقرار وترسيخ علاقات مع عد عسكر Ad Asker بالقرب من عايلت في السهول تجاه (سبارجما Subarguma). ان عد عسكر كانوا خليط من عشائر الساهو الذين تبنوا لغة التجرى تدريجياً، وقبل إقامتهم في هذه المنطقة كانوا جنودا في حرقيقو وانتقلوا إلى المنطقة بعد تصريحهم من الخدمة العسكرية.

واخيراً ان مقيمي أي مستوطني قرية عسوس Asus وجمهود كانوا أقل قليلاً من سكان عايلت وان دورهم الاقتصادي كسوق مركزي على حافة الجبال التي تشبه كالخندق أو كالجرف وكذلك كنقطة التقاء وتبادل بين تجار الشاطئ والريفيين الذين كانوا من دافعي الضرائب للنائب ومتشابهين على نحو ملائم.

ان من سكنوا قرية عسوس وجمهود كلاهما في الاصل من العوائل التي كانت مقيمة في مدينة حرقيقو وبعضهم من انسباء النائب الذين طوروا علاقاتهم مع النصير التابع أو الوكيل الوفي في اوساط العشائر الريفية المحلية.

ان أهمية ذلك تقع في اظهار الرابط السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي اطر شعب المنطقة في ظل الحكم العثماني الغير مباشر ودور النائب المحوري في العملية. ان مراقبة المراعي والأراضي الزراعية والمسارات التجارية ومراكز التبادل التجاري زود النائب بمصدر دخل قوى جعله المشارك المتمتع بامتيازات في النظام الاقتصادي الاقليمي.

ان تجار حرقيقو المسافرين منهم والمقيمين والمواطنين الريفيين والشبه ريفيين المنتجون في كل المنطقة كانوا يتقايضون بالمواشي (غالباً الجمال والماعز أو الضان) والمنتوجات الزراعية مقابل البضائع المصنوعة المستوردة عبر ميناء مصوع. على كل حل بأن النواب ومن موقهم كأصحاب السلطة في المنطقة كان في مقدروهم الحصول على دخل مقدر من العثمانيين سواء كان ذلك كراتب أو من خلال فرض ضرائب اضافية على القوافل والمسافرين ومن جمع الاتاوات غالباً ما تكون من المواد العينية من رعاياهم أو التابعين لهم.


كان النائب يحصل على ما مجموعه (1005 تالر Thaler) شهريا (التالر عملة ألمانية ظهرت في القرن الخامس عشر حتى القرن التاسع عشر) من ادارة جمارك مصوع تحت حكم النائب ادريس عثمان 31 – 1801م. وكان ذلك المبلغ من المفترض لتأمين قوة تتألف من اربعمئة جندي ولتموين المليشيا ايضاً.

بناء على الترتيبات المتفق عليها فإن النائب يحتفظ بخُمس المبلغ لنفسه بينما يقسم باقي المبلغ على الجنود والمليشيا في حرقيقو. وكان النائب يتقاضى ايضا راتب ألف تلر Thaler سنويا كأعتراف لسلطته على الاقليم. وادارة مصوع تدفع للنائب مبلغ اضافي تسعون تالر Thaler شهريا مقابل تزويد مصوع بالحطب من حرقيقو.

ما بين 1750 و 1850 تقريبا بأن معظم المسافرين الأجانب المبشرين والبعثات الدبلوماسية والحجاج والقوافل التجارية التي تمر عبر الأراضي تحت حكم النائب كانت تشكو من رسوم المرور العالية أو المرتفعة التي كانوا يدفعونها. اما الرسوم الاساسية فهي التي كان النائب يتحصل عليها من الدخول أو القدوم إلى مصوع.

الافيات Avait والفاسس Fasces
والروحيا Rohoia والكبه Kubba

كانوا تجار القوافل يدفعون رسوم (الافيات Avait) أي رسوم دخول الميناء بعد ان يسمح لهم باستخراج تصريح بدخول الميناء. الافيات كانت تقسم بين فروع عوائل النواب وكان النائب يجمع ايضا رسوم الفاسس Fasces) أو رسوم الخروج ولكن هذا المبلغ كان يسلم للسلطات العثمانية ربما عبر ادارة الجمارك التي كانت دائما تثق على ادارة الاقليم المركزي بجدة.

بالإضافة إلى رسوم الدخول (افيات Avait) كان النائب يفرض ضريبة على البضائع التي كانت القوافل والقوارب تنقلها إلى مصوع. في العقد الاول للقرن التاسع عشر قال السيد/ فالينسيا Valentia:- كان النائب يتحصل على 10% عشرة في المئة من قيمة كل البضائع التي تصدر أو ترد إلى ميناء مصوع وواحد تالر Thaler لكل فرد يدخل البلد بقصد التجارة. تقرير صدر في 1830م ينص: على ان النائب كان يفرض ضريبة واحد تالر Thaler لكل عبد وواحد تالر Thaler في كل قرن جراب (المسك) و (الحكومة تأخذ واحد عشر من كل الكمية من عبير المسك وواحد تلر Thaler ي كل سن عاجي يزن اربعون رطلاً (ما يساوي 5% من سعره).

في جنوب حرقيقو اسس النواب مخفر أو مركز في (جمبدلي Giumbedli) بالقرب من (ارافلو Irafalo) في الطريق إلى شبه جزيرة بوري وذلك للتحكم على كل البضائع التي كانت تأتي من المنطقة. على سبيل المثال كميات الملح التي كانت تنقل من حقول الملح في مكائنيل Meka'enil على ان يتحصل النائب على (روحية Rohoia) من كل حمولة جمل أي ما يعادل اربعة ليتر من الملح لكل حمولة جمل. ومن كل حمولة جمل من السمن كان نصيب النواب واحد كبة Kubba وهي أقل قليلاً من (روحيا Rohoia) اقل من اربعة ليترات. كما طلب النائب من المسافرين وممثلي الدول أو مبعوثي دول والحجاج بدفع رسوم مرور قاسية ومرهقة للأعصاب، كما قال معظم الأوربيون المسافرون. على سبيل المثال نذكر منهم (هنري سولت Henry Salt) الذي طلب منه النائب دفع 1000 ألف تالر Thaler وايضا مجموعة من المبشرين الكاثوليك طلب منهم دفع ألف اكس Ecus للمساح لهم بالسفر إلى الداخل (المرتفعات).

وفي عام 1830م طلب النائب من حجاج مسيحيين احباش كانوا في طريقهم إلى بيت المقدس طلب منهم بدفع رسوم المرور وان تترك كل المواشي التي كانت معهم - يتركوها عند النائب في حرقيقو.

نواصل في الحلقة القادمة انشاء الله

Top
X

Right Click

No Right Click