لابد من حرقيقو ولو طالت الغربة - الحلقة الرابعة

بقلم الأستاذ: حسين محمد باقر - كاتب وبـاحث

بِسْمِ ٱللّٰهِ ٱلرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

نفوذ النائب من البحر الى الجبل: في الحلقة الثالثة ذكرنا ان وفد الملك اياسو الثاني الذي كان مسافرا إلى مصر عبر ميناء حرقيقو كيف

مسجد حرقيقو

ان نائب حرقيقو قام بسجنه في حرقيقو لمدة ستة شهور ولم يطلق سراحه الإ بعد ان قام الوفد بسداد كل ما كان يطلبه منه النائب.

كما جاء في الفقرة بان الوفد واثناء عودته من مصر وبرفقته رئيس قساوسة الكنائس الارثوذكسية (ابون الجديد Abuna) الذي جرى رسمه أو تسميته هناك. قام النائب ثانية بحبس الوفد بسبب عدم التزامه بشروط دفع رسوم المرور، ولم يخلى سبيله إلا بعد سداد المبالغ المطلوبة.

تناولنا في أول الحلقة وبالتحديد في مقدمة الموضوع بأن ما تواجهه حرقيقو لم يأتي من فراغ ولكن هناك ثمة دوافع تلعب دوراً في التعامل مع هذه المدينة المهجورة بكل قسوة لا لها مثيل على الرغم من انها لعبت دوراً مميزاً خلال مسيرتنا النضالية في الحقب القديمة من تاريخ منطقتنا.

في النصف الثاني من القرن الثامن عشر توسع نفوذ النائب ليشمل مناطق كثيرة في المساحات التي كانت تقع بين البحر الاحمر والمرتفعات. ان نجاح النواب في توسيع رقعة نفوزهم وسلطاتهم على المجتمعات المختلفة والمتباينة التي كانت تقيم أو تعيش في هذه المساحة كان يعتمد أو يتأسس على عدة عوامل وهي: أولاً قدرتهم على فرض مراقبة دقيقة وفعالة وصارمة مع استعمال القوة المناسبة عند الضرورة في المناطق التي كانت تحت نفوزهم. ثانياً قدرتهم على الحفاظ على الامن والسلام في المجتمعات الريفية التي كانت تقيم على حافة أي اطراف الاقاليم الشمالية للمرتفعات وفي المناطق السودانية والتي من المحتمل ان تتعرض لمحاولات الغزو وشن هجمات عليها من قوة خارج نفوز النائب.

قال السيد/ بلودن: ان مواطني اقليم سمهر يعتمدون على الحبشة في المراعي (رعي ما شيتهم) وعلى مصوع في اسواقهم وتجارتهم وفي الامن على كلاهما أي مصوع والحبشة.

فبالنسبة للمناطق الحدودية التي تقع خارج الحدود والتي لا تخضع للمراقبة والتي لها تأثير مباشر فان النائب كان يلزم نفسه للقيام بعمل معين يتم انجازه في اطار السلطة المركزية. وذلك من اجل تأمين نظام اقتصاد مناطقي قابل للتطبيق من خلال مراقبة المسارات التجارية الرئيسية والاهتمام بالماشية والمراعي واصلاح الأراضي الزراعية وضمان السلامة للقطعان (الماشية) والجمال كل هذا كان محل اهتمام النائب وتنفيذ هذه المشاريع مرهون برفع الضرائب والاعتراف بسلطة النائب.

ومن اجل نجاح المهام الكبيرة لأبد من رسم تحالفات اقتصادية واجتماعية واسرية معقدة أي ملفوفة مع المجتمعات الاخرى وشبكات من العلاقات مع النصير التابع من اجل ضمان السلامة للمجموعات المتحالفة مع النائب يمكن القول بان المساحات الجغرافية لسلطة النائب تتذبذب حسب الزمان والمكان قد تتوسع وتتقلص أي تنكمش حسب الحيز الجغرافي أو المكان وحسب التاثير السياسي فاذا كان النواب في اوج قوتهم يمتد نفوذهم إلى سكان المناطق الريفية والشبة ريفية للسكان الناطقين بلغة التجري (التجرايت) في مناطق سمهر وساحل والشواطئ الشمالية حتى (عقيق) ثلاثمئة كيلو متر تقريباً شمال مصوع.

يقول جونثان ميران بأن (المصاوعة) مارسوا التجارة مع قبائل في منطقة سواكن وان النائب احتفظ بعلاقات مع افراد من سكان الأرياف وان من أهم المجاميع التي كانت تحت حكم النائب هم سكان الأرياف وان من اهم المجاميع التي كانت تحت حكم النائب هم (الحباب) والمنسع وجزء من بيت توقي (بلين) وكذلك انتشر حكم النائب على المناطق التي تتحدث بلغة الساهو على سفوح الجبال وعلى مشارف اقليم تجراي، وفي أكلى قوازي وحماسين حيث كانتا مجموعتي الاساورتا والتروعة تشكلان اكبر المجموعات.

وكذلك منطقة العفر والساهو والمجتمعات الناطقة بلغة التجري كانت تحت نفوذ وسيطرة النائب في شبه جزيرة بوري. منطقة زولا ومناطق من الساحل العفري حتى ميناء (عِِدْ Edd) خمسمئة كيلو تقريبا جنوب مصوع بالإضافة إلى ارخبيل دهلك.

انسحاب العثمانيون من حرقيقو ومصوع:

ان اهم مصادر القوة العسكرية التي دعمت النائب في المنطقة كانت تتمثل في الاهتمام الكبير الذي أولاه النائب في تأمين الاجهزة والمعدات للقوة النظامية في الشواطئ.

سحب العثمانيون معظم قواتهم من مصوع في اواخر القرن السادس عشر وذلك بسبب المؤامرات والدسائس والتسللات التي كان العثمانيون يواجهونها من الأوربيين عبر مضيقي (الدردنيل Dardanil) و(بوسبرس Bosprus) وبحيرة (مرمره Marmara) وكان ذلك في اطار مشروع يهدف لتقسيم وتمزيق الدولة العثمانية وكانوا الأوربيون يسمونها في تلك الحقبة (بالرجل المريض) هذه الاسباب هي التي عجلت بسحب العثمانيون قواتهم من كل الموانئ في البحر الاحمر والساحل الصومالي والمحميات التي كانت في الحبشة (هرر) (وديرداوى).

عندما انسحب العثمانيون من مصوع تركوا خلفهم قوة أمن صغيرة (بوليس) وموظفي الجمارك. كما كانت هناك مليشيات كانت تتألف من قوتين (مجموعتين) الاولى يرمز اليها بالعرب والثانية كانت من الأتراك. وكانت المليشيات تحت سلطة النائب وحلت مكان القوة العثمانية، وكان قائد القوة التي كانت تعرف بالمليشيات التركية الشبة رسمية يحمل لقب عثماني (سيردار Sirdar والذي كان تربطه صلة نسب بالنائب . في العقد الاول من القرن التاسع عشر قال (اللورد فالنشيا): ان (سيردار) كان قائد حرس خاص لنبلاء البلو.

ومن جهة اخرى بان المليشا الغير نظامية التي كانت تعرف بالعرب كانت تتكون من الخدم والعبيد ومن انسباء النائب الفقراء وكان يرأسها (كيخيا أو كيكيا). (إن كلا المنصبين أو الرتبتين العسكرية اصبحتا بالوراثة القاباً تلقب بهما الان الاسر التي كانت تسيطر أو تقود المليشيات في الحقبة العثمانية).

وهنا ينبغي ان نوضح بأن الكلمات مثل النائب وآغا وكيخيا وسردار هي مجرد القاب أو رتب أو مناصب عثمانية باللغة التركية ولا علاق لها بنسب الاسر التي تحمل هذه الالقاب.

ان هذه الاسر في يوم من الايام سيطرت في المنطقة وكانت مؤهلة على ذلك، وبالنتيجة حولت قوتها الرمزية والاعتبارية إلى مهام أو مجالات مفيدة سواء كانت في المجال التجاري أو في السياسة الملحية . ان قوات النائب تعززت في اوساط السكان الناطقين بلغة (الساهو Saho) والتجري في منطقة سمهر لاستخدام تلك القوة في حملاته العسكرية بجانب القوة التي ينحدر اساسها من البلو والذي كانت تبلغ عده عدة آلاف.

ان تفوق النائب في المنطقة اعتمد بالاساس على تمكنه من ادخال اسلحة نارية ومادة البارود عبر الشواطئ. كما ان علاقته بالعثمانيين ضمنت له التموين المستمر بالبنادق والقذائف مما كان له دوراً كبيراً في تفوق قوته بين كل الأطراف المتنافسة.

حملات النائب العسكرية:

في عام 1741-1781 قاد النائب حملة عسكرية ضد قبيلة (دمهويتا Dammohoyta) العفرية في شبة جزيرة بوري والتي سبقت وان هاجمت قرية (زولا Zula) وما حولها . وفي عام 1781 دخل النائب احمد حسن في حرب طويلة ضد مدينة (دباروا Dabarwa) في المرتفعات التي حرضت عدة قرى في سراى بعدم دفع الضرائب للنائب.

وفي القرن التاسع عشر قاد النائب حملة عسكرية ضد ميناء (عِِدْ Edd) في الشاطئ العفري، وذلك بسبب موافقة زعيم ميناء (عِِدْ Edd) باستعمال الميناء لنقل قوافل المرتفعات التجارية إلى الخارج وكان ذلك نكاية للنائب الذي كان قد رفض باستعمال ميناء مصوع ما لم يستجيب اهل المرتفعات لشروط النائب. هذا ما دفع قوات النائب واحراق القرية. ثم ارغم زعيم القرية بالاعتراف بسلطة النائب ويحلف على المصحف بان لا يسمح بمرور قوافل المرتفعات من الميناء.

نواصل في الحلقة القادمة انشاء الله

Top
X

Right Click

No Right Click