إرتريا جحيم الأرض

بقلم الأستاذ: أحمد شيكاي - كاتب وقاص وصحفي وباحث ارتري  المصدر: أبواب

تظاهر أكثر من أحد عشر ألف إرتري في الثالث من حزيران - يونيو المنصرم أمام مبنى

مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف السويسرية، دعمًا لتقرير لجنة تقصّي الحقائق حول الأوضاع الإنسانية في إرتريا، اللجنة التي كوّنها مجلس حقوق الإنسان في العام ٢٠١٤، ورفعت تقريرها بعد عام، ولكن المجلس طلب منها الاستمرار لعام آخر، لتقصّي مزيد من المعلومات والدلائل حول حالة حقوق الإنسان في إرتريا.

في هذا العام رفعت اللجنة تقريرها مدعّمًا بالدلائل والوثائق، ومشاركة مباشرة للضحايا وذويهم في الإدلاء بالمعلومات وتقديم براهين على ذلك، كما أن النظام لم يسمح للجنة بالدخول إلى إرتريا ومتابعة حالة حقوق الإنسان على الأرض، مما أضطرها إلى إجراء المقابلات مع المواطنين والضحايا الهاربين من بلادهم ويتواجدون في معسكرات اللجوء في إثيوبيا أو في المهجر.

تقدمت كل من جيبوتي والصومال بمقترح قانون يطالب بإحالة الملف للجمعية العامة للأمم المتحدة وكل الجهات ذات الصِّلة، وسيكون من بينها مجلس الأمن الدولي.

ممثل النظام الإرتري الذي شارك في جلسات مجلس حقوق الإنسان، وأثناء ردّه على التقرير حاول الهروب إلى الأمام، وتكذّيب ما جاء في التقرير دون أن يقدم أي دليل على ذلك، على العكس من اللجنة المكلفة برفع التقرير، والتي جاء تقريرها مدعّمًا بالأدلة والبراهين.

تقرير لجنة تقصّي الحقائق حول الأوضاع الإنسانية في إرتريا رصد حالة الحق الإنساني المنتهك بشدة وبشكل وحشيّ ومنذ العام ١٩٩١ أي منذ دخول الجبهة الشعبية لتحرير إرتريا إلى أسمرا عاصمة البلاد، بعد حرب تحرير شرسة أستمرت منذ العام ١٩٦١، أي قبل عامين من الاعتراف الدولي بالدولة الإرترية في أيار-مايو من العام ١٩٩٣م. الانتهاكات الإنسانية التي مورست من قبل السلطة على المواطن الإرتري وبشكل ممنهج شملت: التعذيب والإخفاء القسريّ، الاسترقاق والاغتصاب وكبت كامل الحريات الشخصية والأساسية واضطهاد الأقليات وغيره.

الحكومة الإرترية هي حكومة مؤقتة منذ ثلاثة وعشرين عامًا ولم تجرِ أية انتخابات رئاسية، وتشهد علاقات سيئة مع كل دول الجوار، ودخلت معهم في حروب حدود دفع ثمنها الشعب الإرتري المكلوم، مع عدم وجود دستور تحتكم إليه البلاد وغياب المؤسسات العدلية القضائية.

كل المؤسسات الإرترية تفتقد لأبسط مقومات المؤسسية وتشهد نزيفًا مستمرًا في موظفيها وكوادرها سواء أكانوا مدنيين أم عسكريين، كما أنها أغلقت الصحف المستقلة في العام ٢٠٠١، ولا توجد غير صحيفة واحدة وإذاعة وتلفزيون هم صوت السلطة وأدوات تغييب وعيّ المواطن.

في الجلسات الجانبية لإجتماع مجلس حقوق الإنسان شارك بعض ذوي الضحايا بسرد مآسيهم وبعض القانونيين والدبلوماسيين الإرتريين مما أكد التقرير الذي توصلت إليه لجنة تقصي الحقائق في إرتريا وخاصةً بعد تخلُّف رئيس القسم العربي بالإذاعة والتلفزيون الإرتري والذي كان قد أبتعثه النظام من أجل تغطية مسيرة مناوئة للتقرير ولجنة تقصي الحقائق، انشقاق هذا الإعلامي عن النظام، أثبت أن الجميع يعيش في حالة إنسانية سيئة، وتردٍّ وكبت للحريات بشكل كامل.

مجلس حقوق الإنسان يتكون من سبع وأربعين دولة، وفي شكل كتل قارية، أكبر هذه الكتل هي الكتلة الأفريقية والتي تتكون من ثلاث عشرة دولة، وبعض الدول الأفريقية ترى أن مجلس حقوق الإنسان ومجلس الأمن الدولي يتقصدان الأنظمة الأفريقية دون غيرها، وجاءت هذه النقطة بوضوح في كلمة ممثل دولة السودان أثناء النقاش حول التقرير في إشارة لمطالبة محكمة العدل الدولية بضرورة مثول الرئيس عمر البشير أمامها، وفي جوهره هو تكتل لديكتاتوريات أفريقية تقمع مواطنيها ثم تتهرّب من الاستحقاقات العدلية بهكذا مبررات، وبرغم كل هذا، تم تحويل التقرير إلى الجمعية العامة والتي ستعقد جلستها في أكتوبر القادم، وسترفع لجنة تقصي الحقائق تقريرها الشفهي في إحدى جلساته.

الجموع الإرترية التي تظاهرت أمام مجلس حقوق الإنسان، هم في الأساس ضحايا الانتهاكات الإنسانية التي مورست عليهم في بلدهم إرتريا وهربوا منها إلى أوروبا، معظمهم عبر البحر الأبيض المتوسط بواسطة مراكب الموت أملاً في حياة كريمة وإنسانية.

القضية الإرترية الآن لم تعد مغلقة في مكتب الديكتاتور الإرتري وجنرالاته، بل أصبحت قضية إنسانية عالمية، ولأن العالم نفسه تأثر مما يحدث للشعب الإرتري، وأصبح أحد ضحاياه وخاصةً بعد اللجوء الكثيف لأوروبا وبعض دول الجوار، فهروب أكثر من خمسة الآف مواطن شهريًا من إرتريا رقمٌ عظيمٌ، ولا يحدث عادةً إلا في الهزات الإنسانية الكبرى من حروب وغيرها، وليس تحت حكم نظام يرى أن كل شيء طبيعي وبأفضل حال.

النظام الإرتري أحال البلاد إلى سجن كبير وجحيم لا يُطاق ووأد أحلام الشعب بدولة آمنة مستقرة ومتقدمة وتمتلك مقومات حياة وريادة، بما لها من مميزات طبيعية وجيوسياسية، كما أن انسداد الأفق لدى الجيل الجديد وخضوعه لبرنامج تجهيل ممنهج، انعكس على واقع البلاد وسيكون واضحًا على مستقبلها الذي أصبح في مهب الريح.

Top
X

Right Click

No Right Click