المنخفضات - مشروع تقتله الذاكرة

بقلم الأستاذ: صلاح ابوراي - كاتب وناشط سياسي ارتري

عقد في العاصمة البريطانية - لندن - بتاريخ 29 مارس 2014م سيمناراً لما يسمى برابطة ابناء المنخفضات الارترية.

ولقد صاحب انعقاد المؤتمر الكثير من اللغط هنا في لندن وفي مواقع التواصل الاجتماعي لا لكونه سيمناراً او مؤتمراً ولكن "المنخفضات" كمصطلح سياسي يحمل دلالات سلبية في الذاكرة السياسية الارترية من جهة وقيام الكيان الارتري على نقيض هذه المصطلحات من جهة ثانية، ويتأمل الانسان الارتري ما دفع من ثمن باهظ واغتيالات لرواده الوطنيين الذين كانوا ضد هذه المصطلحات التقسيمية وما تلاها من ارتواء ارتريا بدماء ابنائها من اجل افشال تلك المسميات التي تم اغراقها بدماء الشهداء.

إن الساحة الارترية تسع الجميع ومن حق اي مجموعة ان تعبر عن نفسها وعن مطالبها بالطريقة التي ترى وليس من حق احد ان يمارس الوصايا على الآخرين والأخوة ليسوا استثناءاً من هذا المفهوم. ان الاعلان عن تنظيم سياسي أو منظمة مجتمع مدني كلها اشكال من النضالات التي تأخذ مشروعيتها من المظالم والاختلالات في ارتريا.

ونتفق مع الأخوة أو لقد اتفق معنا الأخوة على مشروعية النضال لرفع المظالم عن كاهل شعبنا ولكننا نختلف في الوسائل وفي الخطاب السياسي الذي يتخذه الاخوة بالرغم ان الحقوق والمباديء الاساسية التي وردت في وثيقتهم وجميع الاهداف التي اشارت اليها لا تحمل شيئاً جديداً ان لم تكن ناقصة مقارنة بكثير من مثيلاتها من المنظمات المدنية. فالجديد في الوثيقة هو الاسم والدلالات السياسية الذي يحمله وهذا ما اود مناقشته واجماله في النقاط الآتية؟

1. ليس من حق احد الادعاء بأنه يمثل او يتحدث باسم قبيلة أو منطقة حيث لم يفوضهم أحد للحديث باسمه، ولقد شهدنا في الساحة السياسية الكثير من التنظيمات التي تأتي لتنصب نفسها تمثيل قطاعات مجتمعية ثم ما تلبث ان تفشل، والتضامن الذي صاحبه ادعاء وتمثيل المهمشين والمسلمين ووصف من كانت له وجهة نظر مختلفة بالمروق والنشوز لم يؤخذ منه العبرة لاسباب فشله كما لم يتم مراجعة تصورات من كان يقول (وانا احدهم) بان حركة التضامن حركة رغبوية لا تستند الى اي فهم سياسي سليم وكذا اواسا ولمجلس الوطني الذي اعلنا معارضتنا له وتصوراتنا بفشله رغم الضجيج العالي الذي صاحب انعقاده!. كان الاجدى على الاخوة تقديم ذواتهم بأي اسم يتناسب واهدافهم والتعبير عن تمثيل عضويتهم حصراً دون التغول على المجتمع او الجغرافيا.. ماذا فعل اسياس اكثر من ذلك!؟ الم يمارس الوصايا على الشعب ويسلب ارادتهم ويمثل الشعب الارتري دون تفويض؟.

إن تمثيل الشعب وسلب ارادته ليس بجديد على الاخوة في شبكة ادعم - وهم صميم هذا العمل- حيث كانوا من ممارسي ودعاة برلمان وحكومة المنفى ذلك الحق الحصري والمسلوب للشعب الارتري لم يجد الاخوة حرجا وبأساً في اغتصابه وكانوا صنواً باسياس في ذلك، ويبدو لم يقومو بمراجعة مواقفهم وتجاربهم السابقة وقاموا بتكرارها بنفس القهر السياسي على كتلة آخرى هو مجتمع المنخفضات. لكن مرة اخرى نجزم بالقول ان المنخفضات لا تتحمل مسؤولية الافكار "الغريبة" التي تسكن رؤوس هؤلاء الاخوة والاسم لا يمثل الا رغبة كمن " ليست كل من اطلق عليها اسم شريفة هي شريفة ".

2. لا اعلم عن صراع يتأسس على اساس جغرافي او يكون اطارها المرجعي (مجتمع المنخفضات)! الصراعات اما تتأسس على الافكار الايدلوجية واما على اساس العصبية الدينية او العصبية القومية. ان الجغرافيا لا تستجيب لأي شرط من شروط النضال وتتبلد امام الحقائق الدينية او القومية. فمثلاً كيف يمكن فصل مصير ابناء الساهو والاساورتا عن امتداداتهم القبلية في السمهر والساحل واعتبار هذه المجموعة ورفض ابناء عمومتهم؟. الم تكن هنالك قبائل في المنخفضات ترتبط بصلات وشائجية اقوى مع التجرنية في المرتفعات (اذ حيدتم العامل الديني)؟ وبأي صلات وشائجية أو تاريخية ترتبط قبائل في القاش مثلاً بالقبائل والمجتمعات في السمهر والساحل؟. كيف يتم ربط ما ليس لهم صلات مع بعضهم البعض وفك ارتباط ما لهم صلات مع بعضهم؟ وكيف يتم فصل المسلمين في المرتفعات عن اخوتهم المسلمين في المنخفضات حيث انهم اقرب الى بعضهم البعض من قربهم من المسيحيين في الهضبة؟ وتمزيق الصلات بين مجتمع المنخفضات من جهة والساهو والاساورتا والجبرتة في المرتفعات من جهة آخرى اليس هذا عمل كيفي وتسلط ووصايا؟ يبدو ان التخطيط الاستراتيجي العميق الذي قال الاخوة تفتقده الساحة الارترية هم اول ضحاياه.

3. اثقل الاخوة على انفسهم كثيراً عندما انتقدوا التنظيمات السياسية الارترية المنتمية الى مجتمع المنخفضات بدعوى غياب تخطيط وفكر استرتيجي تستهدي به للتعامل مع الصراع الارتري الارتري من اجل تحقيق توازن في الصراع ونيل الحقوق المغتصبة مستبطنة انها تحمل الرؤى الاستراتيجية والتخطيط السليم والحلول لهذا العجز وهذه المشكلات، واذا فشل الاخوة فذلك يعني ان نخبتنا ومفكرينا الاستراتيجيين فشلوا ونفس الفهم ينطوي على شعب المنخفضات!.

4. وثيقة المنخفضات تعج وتضج بعبارات ودلالات وثيقة الصلة بالصراع الوشائجي ضد قومية التجرنية في حين يؤكدون الاخوة ان مجتمع المنخفضات يقبع في الضعف والهوان ويعوزه التماسك والقوة وهذه الوصفة تكفي لتكون احدى المسلمات اللازمة التي تلقي بالمسؤولية على الاخوة للنأي بالمجتمع عن المفاهيم الصدامية. ان الشفرة لتصبح عضوا في هذه المنظمة فقط ان تعادي قومية التجرنية وتجاهر بمعاداتها ومظالمها وكلما كنت اكثر معاداة وكراهية كنت اعلى مرتبة وفي مركز العمل وبالعكس تماماً كلما كنت تطالب بعمل سياسي وطني وبالاشتراك مع جميع مكونات الشعب الارتري بعيداً عن التحيزات الوشائجية (كطرح مجتمع المنخفضات) أو متعالياً عن المدارات القبلية أو الاقليمية الضيقة الى الفضاء الوطني الرحب كلما كنت بعيدا عنهم وتفقد عضويتك بصورة تلقائية هذا اذا لم يتم دمغك بالمتخاذل والمتهاون ...الخ.

5. العمل السياسي دلالات وليس توكيدات لفظية (كما يقول غراميشي) والدلالات التي سوف تتلقفها قومية التجرنية هي التكتل ضدها.هل تتحقق مصلحتكم ومصلحة من تدعون تمثيلهم بهكذا تكتلات وبهكذا خطابات ؟ وهل مجتمع المنخفضات في وارد خوض صراع وشائجي لنيل حقوقه برغم الوهن والضعف وغياب الوحدة والتماسك الذي وصفتموه به ؟ وهل قومية التجرنية من الغفلة والوداعة بمكان ان تتفرج على هكذا تكتل ليتم ولم تبعثره أو تتحالف مع بعض قبائله وقومياته وتفكك وحدتهم الهشة اصلاً؟ وهل تعجز على اشعال فتنة طاحنة بين مكوناته ام تعجز على تحريض بعض القبائل في الامتدادات لتصفية وترهيب بعض القبائل في المنخفضات ؟ ام تعجز في منع التنمية عن مناطق المنخفضات لما تتمتع به هذه القومية من بنية مجتمعية صلبة وتماسك داخلي (وسلطة) وتحالفات تطال عمق المنخفضات وفي الامتدادات؟ ام ان الأمر قفز في الفراغ دون ادنى مسؤولية لمآلات خطابكم؟

6. لا احد يختلف معكم في المظالم والتهميش الذي يقبع فيه مجتمع المنخفضات وهذه المظالم سواء كانت في السلطة والتنمية وعودة اللاجئين واللغة وقضية الأرض وحقوق الرعاة وغيرها كلها قضايا وطنية صرفة ومن مصلحة المنخفضات ان تكون قضايا وطنية بدل ان تكون هموم ابناء الهامش. الكثير من منظمات المجتمع المدني تتخذ هذه القضايا كقضايا وطنية ونحن في منظمة مواطنون من أجل الحقوق الديمقراطية في ارتريا (سدر) اعددنا دراسات وبحوث حول مجمل هذه القضايا في جميع مؤتمراتنا وسيمناراتنا وقدم فيها الباحثون واساتذة الجامعات من المسلمين ومن ابناء التجرنية ليست مجاملة لأحد من المسلمين ولكنها كقضايا ومشكلات وطنية وتقديم التصورات لحلها. لقد صدق من قال ان الديمقراطية هي وسيلة الضعفاء.

في رحاب الحياة الديمقراطية جميع القضايا والمشكلات هي مشكلات وطنية عامة تحمل من الهامش الى المركز عبر ممثلي البرلمانات أو يتم تقديمها الى الحكومة كعرائض ومطالب أو المظاهرات أو الاعتصامات أو الكتابة في وسائل الاتصال الجماهيري او لوبيات ومجموعات ضغط ...الخ. حول تظلمات المجتمعات بجميع ابعادها... هذا اذا ما استبعدنا ان تلك المشكلات هي اولويات وطنية بعد التغيير. ان جميع النخب تدرك ان الوطن لا يمكن ان يستقر وينهض ما لم تتحقق الديمقراطية وتحل المشكلات، وان جميع التنظيمات الوطنية تحمل تلك المطالب وتناضل من أجل تحقيقها هذا فضلاً عن التضحيات الجسام التي يقدمها شعبنا شهادة وسجونا وغرقا وموتا وهجرة ونضالات تكفي لمقابلة استحقاقات الديمقراطية، وعليه يسهل القول بان الاخوة لم يأتو بالجديد سوى بفتنة يستفيد منها النظام السياسي في اسمرا أو صاحب مأرب يتخذها ذريعة لزيادة اضطهاد مجتمع المنخفضات اكثر مما هو عليه وهو من عواقب عملكم.

Top
X

Right Click

No Right Click