تكرار أخطاء الماضي إستتباع لمعاناة الشعب الإرتري

إعداد: مكتب الإعلام رابطة أبناء المنخفضات الإرترية

ما أشبه اليوم بالأمس فالمراقب الفطن لتتابع فصول الأحداث فى الشهور القليلة الماضية يجدها

تعيد الى الاذهان شريط الذكريات الأليم لولادة نهج الهيمنة القومية والاقصاء وبنفس تفاصيل السيناريو القديم عندخروج فصيل ”سلفي ناظنت“ وانضامه لفصائل قوات التحرير الشعبية الأخري، وفرض نفسه منذ الوهلة الاولى بفرض لغة التقرينية في التعليم العسكري. الأمر الذي لم تنتبه لخطورته بقية الفصائل انذاك ليتطور الامر الى ما وصل اليه الوضع من تقرنة المجتمع بأكمله ومكونات الشعب الإرتري لاحقاً. فقد كانت تلك الخطوة بمثابة جث للنبض، حيث عملت مجموعة اسياس اثرها على الأستمرار في استكمال مخططها التآمري بالتخطيط لبسط نفوذها بالتدريج على مفاصل التنظيم، وبعد أن قوى عودها واتيحت لهم الفرصة عمدوا إلى الإنقضاض على التنظيم دفعة واحدة مستفيدين من الامكانيات والدعم الذي كان متاحا، متنكرين بذلك لفضل التنظيم عليهم .

وفى المراحل التالية طرحت الجبهة الشعبية نفسها كبديل قوي ومؤتمن لمصالح الغرب في المنطقة وقطعت شوطا كبيرا بفضل الدعم الغربي لها وتعاون بعض دول المنطقة معها من منطلق انها الأقدر على تحقيق الإستقلال. وقد اتجهت معظم الفصائل نحوها وسلمت بقيادتها للعمل الوطني، ولم ينتبه احد الى ما تطرحه والى ما تنوي تحقيقه في حالة الإنتصار، وإن الشعارالذي رفع حينها ”دعوها تحقق الإستقلال ومن ثم نرى ما يحدث بعد ذلك“. نعم تمكنت من تحقيق الإستقلال ولكن ما ذا كانت المحصلة النهائية ؟ فبعد مرور ربع قرن من استيلائهم على السلطة تحولت البلاد إلى جحيم لايطاق ذاق خلالها الشعب صنوف من الويلات والحرمان والاضطهاد وضنك العيش، حتى اصبح حال الشعب الإرتري اسوأ مما كان عليه أبان فترة الإستعمار، تمثل ذلك في الآتي:-

• حرمان اللاجئين من العودة الى ديارهم.

• فرض الاستيطان والتغيير الديموغرافي وتوزيع الأراضي لغير اصحابها.

• تسخير مقدرات البلد من ثروة وسلطة لصالح مكون واحد مع استبعاد تام لبقية المكونات.

• تكريس الهيمنة القومية ثقافيا من خلال أساليب تقرنة كافة المكونات واعتبار من لا يجيد التقرينية أمياً مهما كانت درجة مؤهلاته باللغة العربية. وحتى لغات الأم التي يتشدقون بها لا تستخدم في اي نشاط للدولة سوى تدريسها لأبناء المكونات ليتخلفوا عن المنافسة او يقروا بسيادة التقرينية.

• زج الواجهات السيايسة والدينية والمجتمعية في السجون، وكذلك كل من اختلف مع النظام من كوادره وقياداته دون تقديم لمحاكمات، ودون معرفة اماكن اعتقالهم حيث تجاوزت فترات اعتقال بعضهم العقدين.

• اجبار الشباب وكافة أفراد الشعب على السخرة والخدمة الاجبارية المفتوحة، الأمر الذي عطل اي نمو في البلد وعرض الكثير من الشباب الى المخاطر اثناء فرارهم معرضين الى القتل من قبل السلطات، ومن حالفه الحظ في العبور يتعرض لابتزاز عصابات الاتجار بالبشر في مختلف دول المعبر، وبعدها مخاطر الغرق في البحار والمحيطات.

• افتعال الحروب العبثية مع كافة دول الجوار وازهاق ارواح الإرتريين وخلق حالة من عدم استقرار في المنطقة.

وعندما انفردت الجبهة الشعبية بالساحة بعد اخراج جبهة التحرير الإرترية - التنظيم الذي كان منافسا لها بالإستعانة بامتداداتها المجتمعي عبر الحدود غير مكترثة بالفصائل الأخرى، الى ان جاءت نقطة التحول بالنسبة للجبهة الشعبية بعد ان تم اقامة التحالف بين الفصائل الأثيوبية والجبهة الشعبية لاسقاط نظام منقستو وتسليم قيادة التحالف للوياني بدلا من الجبهة الشعبية من قبل الامريكان، عندها فتحت الجبهة الشعبية حوارا مع نظام منقستو كرد فعل على القرار الأمريكي بتنصيب الوياني قائدة للتحالف المذكور، إلا أن ذلك الحوار لم ينجح لعدم قبول منقستو بصفة تمثيل الجبهة الشعبية للشعب الإرتري بأكمله واعتبارهم يمثلون مصالح قوميتهم فقط.

من هنا ادركت الجبهة الشعبية اهمية استصحاب بقية المكونات الإرترية وانها لاتستطيع بمفردها وبدعم قوميتها فقط من تحقيق الهيمنة القومية والسيطرة على مقدرات البلد، عليه قامت بالخطوات التالية:-

• اعترفت رسميا لأول مرة بأن الشهيد حامد ادريس عواتي هو قائد الثورة الإرترية.

• سجلت سلسلة من اللقاءات مع الشهيد ابراهيم سلطان وبثتها عبر اذاعة صوت الجماهير.

• وجهت كوادرها الأساسية من المكونات الإرترية الأخرى لتوطيد علاقاتهم مع اقربائهم واصدقائهم خارج التنظيم.

• اعادت الاتصالات بمن كانوا ضمن عضويتها وتمردوا عليها لسبب او لآخر.

• فتحت حوارات مع الفصائل الأخرى.

وللأسف كان لها ما ارادت حيث تمكنت من اقناع الكثيرين من أبناء المكونات الأخرى من الانضمام إليها مستغلة توقهم للحرية والاستقلال بما في ذلك تنظيمات بحالها وواجهات اجتماعية وسياسية مختلفة. وكان هذا بمثابة تفويض ضمني للجبهة الشعبية لتمثيل الشعب الإرتري، والذي توجته بالاستفتاء على أساس بطاقة عضوية التنظيم. ولم تستطع التنظيمات المعارضة من دق ناقوس الخطر للتحذير مما سيترتب على هذا التفويض الأمر الذي يدفع ثمنه اليوم الجميع دون استثناء وان كان بدرجات متفاوتة.

وبعد معاناة ربع قرن نجد ان هناك ارهاصات لتكرار نفس السيناريو وبنفس الصورة وذلك بظهور المعارضين الجدد للنظام - ممن ساهموا في ايصال الوضع الى ما نحن فيه الآن بدعمهم لمبادىء الجبهة الشعبية في الهيمنة القومية الى ان جاءت الحرب الأثيوبية - الإرترية الثانية.

ولا بد من الإشارة هنا الى اننا لا ننكر على هؤلاء حقهم في العمل من أجل التغيير مع بقية القوى المعارضة للنظام بصرف النظر عن ماضيهم وما قاموا به من ادوار لصالح النظام في السابق والتى لم يعتذروا عنها حتى الآن بعد التحاقهم بالمعارضة على الأقل من الناحية الأدبية، حيث مازالوا يعتبرون ان جلَّ المشلكة الأرترية يكمن في رأس النظام.

كما ان ”مدرخ“ لم تحدد موقفها من المظالم المذكورة اعلاه وتغيير الواقع، وإن مايصدر من قياداتها غير مطمئن على الاقل حتى الان، حيث انها تسير باتجاه الحفاظ على المكتسبات التي تحققت لصالح قوى الهيمنة، وما ذكر من قبلهم في ورشة فرانكفورت قد ارسل بعض المؤشرات من خلال بعض العبارات التي ذكرها ممثلهم كقوله ”ان اللغة العربية كان يقال عنها انها لغة أكيتو“، وتعليقه حول نظام الحكم اللامركزي حيث ذكر ”انه مهما كانت طبيعة نظام الحكم فى المستقبل، فان الواقع على الأرض سيحدد من سيحكم“، وذلك في اشارة واضحة الى التغيير الديموغرافي وهندسة المجتمع التي احدثتها الجبهة الشعبية لصالح قومية التقرينية. كما ان بيان ورشة نيروبي التي كانت تحت اشرافهم التام كان خاليا من اي قضايا اساسية واقتصر على اسقاط النظام ولم يتناول اي مسائل تتعلق بإزالة الهيمنة القومية التي تعاني منها مكونات المجتمع الارتري.

وعندما بدأت ”مدرخ“ نشاطها المعارض كان لديها موقف سلبي من المعارضة التي ناهضت سياسة النظام منذ عام 91 واتهمتها بأنها تابعة لأثيوبيا التي لديهم منها موقف معارض بسبب الخلاف حول ترسيم الحدود، و لكن يبدو ان احلام ”مدرخ“ قد اصطدمت بالواقع الذي اصطدمت به الجبهة الشعبية في عام 86 فغيرت ”مدرخ“ من خطابها السياسي و عرضت نفسها على انها منبر للحوار بين مختلف القوى السياسية في الساحة ليتكرر نفس السيناريو القديم، حيث ان جزء اساسي من المعارضة يتشكل فى معظمه من التنظيمات المنتمية لمجتمع المنخفضات الارترية بدأت تنطلى عليه نفس الخدعة تحت نفس المبررات القديمة المتجددة.

ونحن من هذا المنبر ننبه من تكرار التجارب الخاطئة التي اوصلتنا الى ما نحن فيه الآن، وعدم الإنجرار لإعادة انتاج تجربة الجبهة الشعبية فى ثوب جديد بدعاوى الوطنية والديموقراطية لتقود المرحلة القادمة مستفيدة من الدعم الجماهيري والسياسي الإرتري بنفس الأسلوب الذي حصلت به الجبهة الشعبية في السابق على التفويض الضمني لتسير الأحداث وفق سيناريو محكم نحو غايات مماثلة تكرس الهيمنة والإقصاء في نهاية المطاف لتستمر معاناة مكونات المجتمع الإرتري المهمشة.

ان التحاور بين كل القوى المعارضة امر ضروري للبحث عن الحلول المناسبة لقضايا شعبنا ولكن يجب ان يتم في ظل الندية بين مختلف الجهات التي تتحاور، والتي يفترض ان تكون اما ثنائية بين جهتين، او جماعية بين جهات متعددة بدعوة من جهات خارجية مثل ما تم في فرانكفورت، او بين جهات ارترية متعددة يساهم الجميع في الاعداد لها مثل التحالف الوطني الديموقراطي، أو ملتقى الحوار، أوالمجلس الوطني وليس كما تم في نيروبي.

اننا من حيث المبدأ لسنا ضد التعامل مع ”مدرخ“ او اي فصيل إرتري آخر، ونتفهم أهمية العمل المشترك بين جميع المكونات وكافة القوى السياسية فى الخارج والداخل شريطة ان يتم ذلك بالاتفاق على أسس لتغيير النظام وصياغة عقد اجتماعي يضمن تحقيق العدل الاجتماعي ويضع اسس المشاركة العادلة في السلطة والثروة لجميع مكونات الشعب الارتري. وليس مجرد استبدال النظام باخر لايحل القضايا المصيرية لنكتشف لاحقا انه لم يكن الامل المنشود.

من هنا فإننا ندعو كافة القوى المعارضة من تنظيمات سياسية ومنظمات مجتمع مدني وشخصيات وطنية عامة وكل الحادبين على مصلحة الوطن ان ينظر للصراع بجدية لضمان بناء دولة العدالة والمساواة والديموقراطية التي تنتفي فيها الهيمنة القومية، وتحقق الأمن والأستقرار لشعبنا.

رابطة أبناء المنخفضات الإرترية
مكتب الإعلام

Top
X

Right Click

No Right Click