اللغة العربية المفترى عليها في إريتريا
بقلم الأستاذ: إبراهيم إدريس - كاتب إريتري وناشط سياسي
عطفا "علي ما نشر مؤخرا" و تضامنا "مع جذور الثقافة العربية وتراثها الحضاري لغالبية سكان إريتريا، وردا" علي مقولة المدعو
(عندي برهان جرجيس)، بأنها لغة تتحدث بها قبيلة الرشايدة والتي لا يتجاوز عدد أفرادها خمسة وعشرون ألفا، "وعلي سخريته وإستخفافه باللغة العربية مؤخرا" إبان إنعقاد ورشة عمل فرانكفورت في نوفمبر من العام الماضي، حيث زعم أنه لا يعرف لها أصل في إريتريا، واصفا" إياها، بأنها لغة إكيتو، وما يدعو للإستغراب والدهشة، إصراره علي ذكر السيد/ محمد عمر إكيتو، النائب البرلماني الإريتري دون سواه من النواب الأخرين آنذاك في العام 1952، ومع كامل إحترامنا وتقديرنا وفخرنا بالمناضل إكيتو، حيث أنه دافع بقوة عن اللغة العربية بلسان حال الأكثرية من غالبية سكان إريتريا، ذات المكون الثقافي الأبرز والمتجذر في ضمير الأمة، حتى تم تضمينها كلغة رسمية للبلاد في أول دستور لإقليم إريتريا في العام 1952 بقوة إرادة الشعب الحرة، رغم أنف الإستعمار الإثيوبي الطائفي العنصري.
ولقد جرت عدة محاولات قبل إقرار اللغة العربية في الدستور، لقطع الطريق أمامها بواسطة القسيس (ديمطروس)، حيث قام بإسقاط لغة التجرينيا في إريتريا وإقترح تثبيت لغة التجري التي تشكل أكبر كتلة ثقافية وقوميه في إريتريا، إلي جانب لغة الأمهرا، إلا أن الأمبراطور هيلي سلاسي زعيم حزب (الأندنت) الأثيوبي آنذاك، طالب الوحدويين من نوابه الوقوف مع مشروع اللغة العربية كلغة رسمية لإقليم إريتريا، إدراكا" منه بأهمية اللغة العربية وعمقها الثقافي المتجذر في وجدان الأمة الإريترية، وحتى لا ينهار الإتحاد الفيدرالي مع إثيوبيا، هذا وعلي الرغم من أن الأمبراطور هيلي سلاسي، كان شديد العداء للغة العربية إلا أنه كان عقلانيا" وتعامل معها كحقيقة تأريخية وواقعية، وطأطأ الرأس لتمر تلك العاصفة بسلام وتحتل موقعها الطبيعي في الدستور كلغة رسمية للبلاد.
وبالنظر لمقولة المدعو عندي برهان البائسة، نجده قد زآيد علي أسلافه العنصريين من أرباب الإستعمار الإثيوبي، بالرغم من معرفته بحقائق التأريخ والجغرافيا لإريتريا والثقافة العربية لشعبها، إلا أنه إستدعى التأريخ متهكما "و مستخفا" به، ظنا "منه بأن حقائق التأريخ قد تؤيد (عنصريته)، فقد جاءت وبالا" وحجة عليه وعلي من شايعه من إثنية التغرينا.
حيث أنه سخر من نسبة اللغة العربية للنائب البرلماني الإستثنائي السيد/ محمد عمر إكيتو، في محاولة يائسة منه تنم عن حقد دفين في إختزال اللغة العربية في شخص المناضل (إكيتو)، الذي يتشرف باللغة العربية ويتشرف بها كذلك الشعب الإريتري، وذلك لتشويه وتزييف التأريخ والتقليل من شأنها، تماما" كنهج نظام الهقدف الطائفي والعنصري في محاربته للغة العربية والدين الإسلامي.
فهذه المقولة العنصرية السمجة، كانت هي الأبرز، في التداول والمناقشات والأكثر إثارة" للجدل في فعاليات تلك المنتديات و الورش وخلف كواليسها، وضجت بها مواقع التواصل الإجتماعي المختلفة وقتها، ولاقت استنكارا" وإستهجانا" كبيرين، ونالت من الإهتمام بأكثر مما جاء في أجندات ومخرجات السادة المؤتمريين، في فرانكفورت حيث نجد أن بعض القوى والتنظيمات السياسية المشاركة فيها وممن ينتمون للثقافة العربية والإسلامية، قد وقعت علي مخرجات الورشة التي إعتبرت اللغة العربية لغة عمل ورديفة لبقية اللهجات المحلية الأخرى وصنوها من حيث الأهمية، كما طالبت بعض القوى السياسية الأخرى بصورة خجولة بتثبيت اللغة العربية كلغة رسمية للبلاد، الأمر الذي أدى إلي تمييع قضية اللغة العربية الجوهرية في الصراع مع النظام الحاكم الطائفي، وغطت علي أي فضيلة سياسية إيجابية تمخضت عنها تلك المنتديات التفاكرية بين القوى السياسية المعارضة، لحساسية وأهمية اللغة العربية في وجدان الشعب الإريتري، وكشفت بجلاء عن مخططات ونوايا هولاء الطغاة العنصريين القدامى الجدد في المعارضة الإريترية المستغفلة والمستغلة بواسطتهم، ومحاولتهم المستميتة لطمس اللغة العربية قسرا "مرة أخرى، كنظام الهقدف العنصري المستبد، ومن أمثال المدعو عندي برهان، الذي يسوق نفسه بديلا" لرأس النظام ويناطح جبل اللغة العربية الأشم.
ومثل هذا الإستفزاز والإستخفاف بثوابت الأمة الإريترية الوطنية، ظل يمارسه النظام الحاكم علي مدى تاريخه الطويل، ولكن الغرابة أن يأتي هذا الفعل الآن، ومن هذا الشخص المحسوب علي كيان المعارضة الإريترية ويتصدر منصاتها في أجندات العمل المعارض المشترك عبر آلية المنتدي الإريتري للحوار (مدرخ)، فهذا يدل بوضوح علي أنه إستهداف ممنهج في ممارسة الإقصاء وعزل القوى السياسية الاخرى ذات الثقافة العربية والإسلامية، وضرب الثوابت الوطنية في مهدها، بهذه الأساليب الرخيصة والمبتزلة، والتي لا تنطلي علي أحد، فهي مقصودة لذاتها في مقام الخبث والمكر السياسي وممارسة القتل المعنوي والتشكيك في الهوية الثقافية للأمة الإريترية قاطبة" لأنها لغة التواصل البينية مع بقية القوميات الأخرى، وهذه أساليب وألاعيب سياسية معروفة، وسيتجاوزها شعبنا بوعيه وإيمانه بإرادته ويقينه بقوة حضارته الكونية، ولا يمكن إعتبار هذه المقولة خطاءا" غير مقصود أو زلة لسان.
كما أن منتدى الحوار الإريتري (مدرخ) قد درج علي التعتيم الإعلامي والصحافي، وإصراره علي عدم إشراك الإعلام الناطق باللغة العربية في هذه الفعاليات والمنتديات، وحصر المشاركة الإعلامية فقط علي إثنية التجرنيا، رغم إدعائه بأنه يعمل علي توحيد جهود المعارضة الإريترية ضد النظام الحاكم في اسمرا، بمختلف توجهاتها وبرامجها السياسية، حيث ظل يعمل علي إطلاق التسريبات المشابه والإشاعات المغرضة من وقت لأخر لشغل الساحة السياسية وصرف انظارها لتمرير أجنداته الطائفية والعنصرية، ولتحديد مسارات الرأي العام وتوجيهه و إحتواء الفكر السياسي، لأغراض إختراق ملفات القوى السياسية المعارضة للنظام ومن ثم بناء إستراتيجيته علي تناقضات وصراعات الكتل السياسية المختلفة، وتمكين الأجندات الخاصة بهم، وتحقيق الإنفراد بالسلطة مستقبلا "بهذه التدابير والترتيبات التآمرية الإقصائية، وجلد الأخرين بقهر الطائفية والعنصرية البغيضة مرة أخرى بهوس تعصب الدين المسيحي وثقافة التغرنيا، وهي بذلك تعمل جنبا" إلي جنب مع نظام الهقدف العنصري، في تكريس مشروعهم الطائفي وضمان إستمراريته حتى بعد زوال النظام الحاكم، بينما معارضة بقية القوى السياسية ضد النظام معارضة حقيقية نابعة من ضمير الشعب الإريتري وحقوقه المغتصبة في الأرض وتراثه الثقافي والتمييز العنصري الممارس ضده علي أساس العرق والدين الإسلامي واللغة العربية.
وإن ما جاء به هذا المدعو (عندي برهان)، ومن يقف خلفه، من هذه الإهانة البالغة التي مست ثوابت أمتنا الحضارية مردودة ومدانة، ونرفض أي مساومة باللغة العربية والدين الإسلامي والأرض وعودة اللاجئين وإعادة كافة الحقوق لأصحابها، بما في ذلك حق الشرفاء الأحرار في التعويض عن فترة سجنهم وإعتقالهم تعسفيا"، ومحاكمة الطغمة المستبدة الفاسدة عن الجرائم الوحشية وإنتهاكاتها لحقوق الإنسان، وتضمين اللغة العربية كلغة رسمية للبلاد في الدستور المقترح تأكيدا "لما سبق تثبيته في الدستور الرسمي المصادق عليه والمجاز بواسطة برلمان نواب الشعب الإريتري الشرعي في العام 1952 كحق أصيل وليس مكرمة ولا تنازل ولا رجعة فيه نهائيا".
حيث أن هذه الثوابت الوطنية تمثل صمام الأمان الإجتماعي والتعايش السلمي بين مكونات الشعب الإريتري الثقافية المختلفة، وإن المحافظة عليها هي التي تعصم البلاد من الإنزلاق في حروب أهلية لا تبقي ولا تذر.
وينبغي أن يعي الجميع سواء في المعارضة أو النظام الحاكم المؤقت في اسمرا، بأن مسيرة النضال لن تتوقف وأن الثورة مستمرة طالما يصر منسوبي (مدرخ) من المسيحيين المتعصبين أمثال المدعو عندي برهان علي السير في ذات النهج التدميري والتخريبي لكيان الامة الإريتريةوتفتيتها كما يفعل النظام، لكي يسود هو بفرض رؤاه الأحادية بإنتهاج سياسة فرق تسد الإستعمارية.
لأجل ذلك قد آليت علي نفسي ألا أدخر جهدا" في سبيل نصرة قضايا أمتنا العادلة، وسأكون لهم بالمرصاد، وقوفا" إلي جانب الشعب الإريتري في إبراز هويته الثقافية وتراثه الحضاري، والعمل علي كشف مخططاتهم الإستعمارية، وأجنداتهم العنصرية الطائفية.
ولهذا قد أطلقتها صرخة" داويه في وادي الصمت المريب وفي وجوه الخونة والعملاء الإنتهازيين بأعلى صوت: (اللغة العربية في إريتريا المستقبل خط أحمر).
نداء عاجل:
لأجل ذلك أناشد كافة القوى السياسية المعارضة للنظام ومنظمات المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية، بأن تتخذ موقفا" واضحا" من القضايا الأساسية الآتية:
1. قضية اللغة العربية كثقافة راجحة وذات جذور تاريخية راسخة وبوصفها لغة رسمية، للبلاد بسند تشريعي صادر من السلطة التشريعية للبرلمان الإريتري في العام 1952.
2. قضية عودة اللاجئين الإريتريين إلي أرض الوطن بدون قيد أو شرط، كحق أصيل غير قابل للمساومة أو التسويف.
3. قضية إعادة كافة الأرآضي لأصحابها فورا" حيث شرعية ملكية أجدادهم وجذورهم الضاربة في التاريخ السحيق.
4. قضية حرية التدين الإسلامي وعدم إقصائه وإلغائه من الحياة العامة في إريتريا، وبالمقابل عدم ممارسة العنصرية الطائفية والتعصب للدين المسيحي في إريتريا المستقبل، بوصفها ديانات سماوية ومكونات ثقافية للتعايش السلمي فيما بينها وعدم تأجيج الفتنة الطائفية بسلطان الدولة وهوس العصبيات الإثنية بين الشعب الإريتري في إطار وحدته الوطنية الجامعة في دولة القانون والعدل والمساواة.
إذن لابد من الإنتباه الواعي والحذر الشديد لأجل تقويم المسار السياسي للمعارضة، والعمل سويا" بنوايا سليمة ومخلصة لمصلحة الشعب الإريتري العليا وحقوقه المشروعة في الحرية والكرامة الإنسانية، حتى نتجنب لعنات التاريخ ونؤسس لوطن شامخ، يسوده حكم القانون والدستور وقيم العدالة والحريات العامة وحقوق الإنسان.
عاش الشعب الإريتري حرا "مستقلا"
والخزي والعار لنظام الهقدف وأزلامه.