التنظيمات القومية اذرع إثيوبيا في إريتريا 1-2
بقلم الأستاذ: محمود طاهر - زيورخ
إن التنظيمات القومية والجهوية مثلها كالتنظيمات الايدلوجية تعمل على دغدغة المشاعر وتهيج العواطف للوصول إلى غاياتها السلطوية، من خلال الشعارات البراقة كالحرية والديمقراطية وانتزاع الحقوق القومية، ولكن كل هذه الشعارات المرحلية ما هي إلا أدوات لامتطاء السلطة، ومن ثم يظهر الوجه القبيح لها المتمثل في التسلط والديكتاتورية والفردية، التي هي سلوك وممارسة يومية الأن.
ونماذج الأنظمة القومية غير سارة بصفة عامة، كما أن الاستبداد صفة ملازمة لها، فالفاشية في إيطاليا والنازية في ألمانيا، هما نتاج للفكر القومي المتطرف، وفي المنطقة العربية، الأنظمة البعثية والناصرية هي مثال صارخ للاستبداد والوحشية والدموية.
وعند البحث في نشأة التنظيمات القومية في إرتريا نجد أن تاريخها غير بعيد، حيث لا يبلغ عقدين من الزمان، كما يخفي بروزها المفاجئ على ساحة المعارضة الكثير من الغموض.
إن أحدى أسباب ظهور هذه التنظيمات هي سياسات النظام الديكتاتوري، لكن لا يمكن أن تكون السبب الوحيد والقوي في ظهورها، فبعد الحرب الإرترية الإثيوبية الأخيرة من عام 1998 إلى 2000م والتي خلَفت عداءً كبيراَ بين النظامين، اتجهت إثيوبيا إلى فتح مكاتب للمعارضة الإرترية وسمحت لها بالنشاط السياسي والعسكري من أراضيها، وقامت أيضا بتأسيس وتنبني تنظيمات قومية من مناطق التداخل القبلي وقدمت لهم كل الدعم والمساندة.
وسأتناول كمثال التنظيم الديمقراطي لعفر البحر الأحمر، لأنه اكبر واكثر مكون له امتدادات خارج حدود الدولة الواحدة، وعند تناولي لهذا المكون لا استهدف منه التحريض أو التقليل من شأنه، أو تخوين نخبه، لكن لوجود عاملي الجغرافيا والديمغرافيا، والتي يتمتع بهما والتي لا تتوفر عند باقي التنظيمات القومية التي ترفع لواء تقرير المصير، كما أن خصوصية العلاقة بين أطرافه جعلت منهم كتلة صلبة مستهدفة من الدول الثلاث، بسبب محافظتهم على مناطقهم الأصلية، وقلة النزوح أو الهجرة إلى الأقاليم الأخرى، إلا بأعداد قليلة جدا رغم قساوة الحياة هناك، وساعد ذلك على انتشار ثقافة الاعتزاز القومي بينهم، كما أن تاريخ السلطنة ما زال حاضرا في تراث وثقافة المجتمع، وان كان بطريقة رمزية في الجانب السياسي، وهذه كلها أمور ساعدت على تماسك النسيج الاجتماعي، وحلم إنشاء كيان خاص بهم، وأقول هذا بدافع الحصر على التضحيات التي قدمها كل أبناء الشعب الإرتري، في سبيل الحفاظ على هذا الوطن بحدوده المتعارف عليها، وأخرها معركة بوري، التي ضرب فيها أبناء الشعب الإرترى أروع أمثلة التضحية، في الحرب الأخيرة مع إثيوبيا، ولكي لا يجعلوا من الشعب العفري محرقة، في سبيل تحيق أجندات ومشاريع دول أخرى، أو مطامع لأوهام شخصية في منطقة حساسة وبالغة التعقيد، خاصة ما لم تتوافق هذه التحركات مع هوى الغرب، الذي لن يسمح بتفكك إثيوبيا، ولكن لا يمانع، بل قد يكون داعم ولو بطرق خفية، في أن ينفصل العفر عن إرتريا ومن ثم انضمامهم إلى إثيوبيا، بما يوفر ذلك لإثيوبيا منفذ بحري يعطيها حرية الحركة، ويجعلها دولة إقليمية، ذات شواطئ على اهم منفذ بحري بمنطقة القرن الإفريقي، والتي تفتقده بشدة وتعمل بكل قوى لبلوغ ذلك.
الأهداف:
هي أهداف عامة للحركات القومية وغالباً الأهداف بينها مشتركة، وان اختلفت في التفاصيل والجزئيات الصغيرة، لكن على ارض الواقع كل هذه الآمال والأحلام تذهب أدراج الرياح.
الاستقلال، بالحصول على تقرير المصير وتحرير امتها.
الاتحاد، تهدف كل قومية إلى تكوين دولة واحدة من أفراد الأمة الواحدة في شكل دولة مركزية،أو اتحادية أو كونفدرالية، وقد تكون هذه الدول ملكية أو جمهورية رأسمالية أو اشتراكية.
التقدم، ترمي كل قومية إلى تشكيل دولة مستقلة لخدمة أفرادها، والسير بهم نحو التقدم في جميع الميادين الاجتماعية والثقافية والاقتصادية.
الوسائل:
تقوم أدبيات التنظيمات على الشحن القومي، وإظهار القومية بانها مستهدفة من كل المكونات الأخرى، وانها الوحيدة التي تعاني من الاستبداد والاضطهاد والظلم والتهميش، وان الأخرون مشاركون في ذلك بطريقة وأخرى، لذلك تجدهم متحفظين في علاقاتهم مع الأطراف المعارضة، ومتشنجين في نقاشاتهم معهم، ومتحفزين في كل الأوقات.
لا شك إن قيام أي دولة بدعم أي نزعة قومية خاصة في مناطق التداخل القبلي، يمثل خطراً على الدولة نفسها، ولو نظرنا إلى إثيوبيا، نجد أنها تعاني من الصراعات القومية داخلها، فكل القوميات تشكوا من التهميش، وعلى رأسهم الاورمو والاوغادين، و بطرق اقل العفر والبني شنغول وشعوب الأقاليم الجنوبية، ووسط هذا نجد مشروع دولة عفر الكبرى، (المثلث العفري) التي كانت ومازالت فكرة تراود الكثير منهم، ولها علم وخريطة، خاصة أبناء العفر في الخارج، وتتشكل الدولة الموعودة من أجزاء في إرتريا وإثيوبيا وجيبوتي، فكيف لدولة اذا تقوم بدعم مثل هذه النزعات الانفصالية، وفي الذكرة القريبة الحرب الأهلية الجيبوتية بين أثنية العيسى ذات الأصول الصومالية، والعفر سكان البلد الأصلين، والتي اندلعت بسبب استئثار العيسى بالسلطة في نوفمبر 1991م وانتهت في ديسمبر من العام 1994. بعد التوصل إلى اتفاق يقضي بتقاسم السلطة وتم الاتفاق بان تكون رئاسة البرلمان من نصيب العفر.
للتواصل مع الكاتب: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.