إلى متى سوف تتواطأ الحكومة السودانية مع النظام الإرتري ضد الشعب الإرتري؟

بقلم الأستاذ: أبوالحارث المهاجر

في خطوة متقدمة تدين لجنة الأمم المتحدة المكلفة بتقصي حقوق الإنسان في إرتريا تدين النظام الإرتري بإرتكاب جرائم ضد الإنسانية

في الجلسة التي عقدت في 2016/6/8 بجنيف. حيث يقول مايك سميث رئيس اللجنة: ("خلصت اللجنة إلى أن المسؤولين الإرتريين

قد ارتكبوا جرائم ضد الإنسانية، بما فيها الاسترقاق والسجن والاختفاء القسري والتعذيب والاضطهاد والاغتصاب والقتل، كما أن أفعالاً لا إنسانية أخرى ارتكبت كجزء من حملة ممنهجة وواسعة النطاق ضد السكان المدنيين منذ عام 1991. وتهدف هذه الحملة إلى إبقاء السكان تحت السيطرة").

بيد أن دول أعضاء مجلس حقوق الإنسان البالغ عددها 47 دولة، إنقسمت إلى فريقين،، فريق مؤيد لتقرير لجنة تقصي حقوق الانسان في إرتريا وفريق آخر يرفض نتائج التقرير. الدول التي وقفت بالتأييد للتقرير مع الوضع الإنساني في إرتريا ورفضتً الانتهاكات التي يمارسها النظام ضد شعبه فلها الشكر والتقدير، ولا شك أنها وقفت مع الحق والحقيقة وهذا ما يمليه عليها مبادئها والثوابت التي تؤمن بها في تكريس الحرية والانعتاق وإحترام حقوق الإنسان كبشر.

وأما الدول التي وقفت مع الجلاد ضد حقوق الإنسان والعيش الكريم في إرتريا منذ الاستقلال، هذه الدول سقطت أقنعتها ليس أمام شعوبها فحسب فهي دوماً أنظمة شمولية مستبدة وإنما أمام شعوب العالم الحر، إنكشف زيفها أمام العالم والتاريخ، وخاصة إنكشف أمرهم لدى الشعب الإرتري بأن تلك الدول التي ساوت بين الضحية والجلاد ومضت تدافع عن النظام المجرم وزمرته الحاكمة دون أن تعير أي إهتمام لأنين الثكالى ودموع الأمهات المكلومة و الزوجات اللاتي فقدن ازوجهن في غياهب سجون النظام والأيتام الذين لم تكتحل عيونهم برؤية آبائهم وحرموا من حضنه الدافئ بعد أن تم تغيبهم في السجون خلال ربع قرن، كل هذه المآسي لم تحرك ساكناً في ممثلي تلك الدول التي أُشربت الظلم والقهر والاستبداد، ولا غرابة أن تستهين بكرامة الشعب الإرتري في أروقة الأسرة الدولية وتنكر الحقائق المقدمة في تقارير أممية اعدته لجنة تقصي مختصة بالتحقيق في الشأن الإنساني الإرتري لأنها جرى في عروقها الظلم والإضطهاد للبشر. تظن تلك الحكومات التي وقفت ضد إرادة الشعب الإرتري عبثاً عبر ممثليها بإمكانهم طمس الحقائق لإفلات الجلاد من العدالة. وإذا نظرنا لتلك الدول التي وقفت ضد إرادة الشعب الإرتري نجدها من اسوأ دول العالم في سجل حقوق الإنسان والبعض منها احيلت ملفات رؤسائها الى المحكمة الجنائية الدولية لتقديمهم للعدالة جراء الجرائم التي ارتكبوها في حق شعوبهم. وهنا سوف أتناول موقف حكومة السودان الرافض لتقرير لجنة التحقيق بإعتبارها الدولة الجارة وبالتأكيد قرارها يؤثر على الشعب الإرتري سلباً أو إيجاباً. وهنا يجب التفريق بين الشعب السوداني الذي احتضن واستضاف الشعب الإرتري وثورته منذ ستينيات القرن الماضي وتقاسم معه الحياة المعيشية بكل ما فيها، وكان الخلفية الآمنة للشعب الإرتري وثورته وله كل التقدير والإحترام، وبين الحكومات والأنظمة التي تعاقبت على حكم السودان ومواقفها السلبية تجاه القضية الإرترية والتي لم تتعامل معها يوماً كقضية مركزية أو إستراتيجية لعمق السودان، ولم تعترف بالثورة الإرترية الإعتراف القانوني، وإنما كان اعترافها سياسيا فقط، ولم تتجاوز القضية الإرترية مكاتب أجهزة الأمن التي كانت تعتقل وتسجن وتسلم للعدو الإثيوبي طيلة فترة الكفاح المسلح وبعد الإستقلال وبدء الهروب العكسي إلى السوادان تورطت الحكومة السودانية في تسليم وإبعاد مئات الشباب إلى النظام مع معرفتها المسبقة بمصير هؤلاء الشباب وهو السجن أو القتل على يد النظام المجرم.

السودان لها خصوصية تجاه القضية الإرترية بحيث من المفترض أن تكون الدولة التي تعرف معاناة الشعب الإرتري أكثر من غيرها، حيث استقبلت اللاجئين الارتريين منذ 1967م ولا تزال حتى كتابة هذه السطور معسكرات اللجوء والحرمان في الأراضي السودانية تحتضن مئات الآلاف من الشعب الإرتري الذين يعيشون تحت الفقر في ظروف تفتقر لأبسط مقومات العيش الآدمي، هم عرضه للأمراض وتجارة البشر تحت حراسة ومرأى الأمن السوداني الذي يمارس عناصر منه سياسة الإبتزاز على المقهورين. فهل موقف الدكتور مصطفى عثمان إسماعيل حول تقرير لجنة التحقيق في الشأن الإنساني في إرتريا هو موقف شخصي أم موقف الحكومة التي يمثلها؟ إذا كان هو موقف حكومة السودان (البشير) وهو كذلك فهل ياترى حكومة السودان تجهل مأساة الشعب الإرتري جراء سياسات النظام وممارساته؟ وهل هذا الموقف هو إرضاء لاسياس حسب العلاقات التي تربط الحكومتين؟ أم لحسابات تعود للحكومة السودانية؟ في تقديري الأمر فيه هدفان الهدف الأول هو ترضية ورد الجميل لاسياس أفورقي في تضامنه مع الرئيس السوداني عند إصدار قرار الجنائية الدولية وإضفاء الشرعية ومباركتها في القتل والتشريد والقمع وسجن الشرفاء الذي يمارسه النظام ضد الشعب الإرتري بالرغم ان المجتمع الدولي لفظ هذا النظام وإسند إليه كل الجرائم الإنسانية التي يمارسها ضد الشعب الإرتري. والهدف الثاني هو الصد لعدم شرعنة محاكمة رؤساء الدول المستبدين الذين ارتكبوا الجرائم التي يعاقب عليها القانون في حق شعوبهم، وبالتالي ابعاد شبح المتابعة والمطاردة على الرئيس السوداني عمر حسن احمد البشير، فبدلاً من أن يبحث سبل أخرى ينقذ بها الرئيس السوداني من مطاردة الجنائية الدولية استغل قضية الشعب الإرتري المسكين وحقهم في محاكمة المجرمين بعد تقرير لجنة تقصي الحقائق بالوقوف ضد إرادة الشعب الإرتري.

وهنا أريد أن أذًكر الدكتور مصطفى عثمان إسماعيل لعله يتذكر تصريحاته التي أدلى بها في الدوحة عندما كان وزير الخارجية للسودان عشية إنعقاد قمة مؤتمر منظمة المؤتمر الإسلامي قبل تحويل إسمها إلى منظمة التعاون الإسلامي، وذلك عقب مهاجمة جنود جون غرنج مدينة كسلا في عام 2000 م بالدعم العسكري واللوجيستي والإستخباراتي من النظام الإرتري حيث شدد في تصريحات مقتضبة آنذاك بأنه سوف لن تعيد حكومة السودان العلاقات مع النظام الإرتري أبداً. وعندما أتت مرحلة تطبيع العلاقات كان من مهندسي التطبيع مع النظام الإرتري!!

أذًكر الحكومة السودانية وممثلها وسفيرها في جنيف الدكتور مصطفى عثمان إسماعيل بأن النظام الإرتري الذي تدافعون عنه هو الذي قدم الدعم المادي والمعنوي والعسكري والإعلامي للمعارضة السودانية (التجمع الوطني)، بل سلمها السفارة السودانية في أسمرا منتهكاً بذلك كل المعاهدات والموائيق الدبلوماسية الدولية. ومنح الجوازات الدبلوماسية الإرترية لقيادات المعارضة السودانية (الصادق المهدي والحاج آدم يوسف وغيرهم) لتسهيل التحرك الدولي لإسقاط الحكومة في السودان. تبنى النظام الإرتري الهجوم على مدينة كسلا في عام 2000 تحت غطاء المعارضة السودانية وقدم الدعم اللوجيسيتي والمعلوماتي لهجوم حركة العدل والمساوى على العاصمة السودانية الخرطوم. تشهد الحدود الشرقية للسودان تدفق آلاف الإرتريين الهاربين من جحيم النظام لإرتري بشكل يومي. آلاف من الشباب الإرتري الذين يبتلعهم المحياطات والبحار في طريقهم إلى أوروبا هرباً من جحيم إسياس أفورقي وزمرته اليس هذا كافياً لإجرام ودكتاتورية النظام الإرتري الذي يستحق المحاكمة الدولية؟؟؟ إلى متى سوف تتواطأ الحكومة السودانية مع النظام الإرتري ضد الشعب الإرتري؟

الدكتور مصطفى عثمان إسماعيل الذي عين سفيراً للسودان مؤخراً في سويسرا في شهر مارس 2016 وبالرغم من خبرته الدبلوماسية الطويلة إلا أنني كمواطن إرتري أعتب عليه في موقفه وموقف حكومته الذي صدم الشعب الإرتري وأن هذا الموقف لا يشبه شهامة الشعب السوداني الذي نعرفه بتضامنه الكبير مع قضايا الشعوب العادلة، ولا تتفق مع الأخلاق الإسلامية وحق الجوار ونصرة المظلوم. ما هي جريرة الشعب الإرتري حتى تقف الحكومة السودانية ضده هذا الموقف في المحافل الدولية؟ هل الحكومة السودانية تجهل خصائص وأخلاق الشعب الإرتري لربما؟

ولا بد من التذكير للحكومة السودانية ربما أنها مشغولة بقضاياها بأن اللاجئيين الإرتريين الموجودين في السودان منذ عام 1967م، لم يسجل ضدهم أي ملف جنائي وهذا بشهادة معتمدية شؤون اللاجئين التابعة للحكومة السودانية ومفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR). الله أكبر شعب عفيف بالرغم من الفقر والعوز ولم يتورط في أي قضية جنائية طيلة هذه السنوات شعب يستحق الإجلال والتقدير بجدارة.

في الهجوم الذي تعرضت له مدينة كسلا الاربعاء 2000/11/8م بواسطة قوات المعارضة السودانية وبالدعم العسكري والإستخباراتي للنظام الإرتري، الشعب الإرتري في مدينة كسلا هو من دافع عن المدينة وأخرج المتمردين من المدينة وقام بمهام عجزت القيام به حكومة ولاية كسلا بمؤسساتها العسكرية والأمنية في دحر القوات المهاجمة. كان ذلك بالنسبة لهم دفاع عن العمق الإستراتيجي من الناحية الأمنية والإجتماعية هذ من جانب، وأنه لا يرضى الظلم والضيم لنفسه ولغيره فهو مع الحق والحقيقة من جانب آخر. فهل هذا الشعب الذي قدم هذه التضحيات الجسام في الدفاع عن مدينة كسلا والحدود الشرقية للسودان جزاءه أن تقف حكومة السودان ضد إرادته والإرادة الدولية في محاكمة المجرمين من النظام الحاكم في أسمرا؟

الحكومة السودانية يجب أن تعرف وتتذكر عندما كان أمن الحدود الشرقية في يد الشعب الإرتري بدءاً من قرورة شمال البحر الأحمر حتى وصولاً مدينة أم حجر عند المثلث الحدودي بين إرتريا والسودان وإثيوبيا عبر التنظيمات الإرترية المعارضة كانت حدود السودان الشرقية أكثر أمناً واستقراراً. وعندما تم طرد قوات المعارضة وقياداتها من السودان وتسليم أمن الحدود لعناصر الإستخبارات التابعة للنظام الإرتري نشاهد إزدهار تجارة البشر وإنتشار الجريمة بكل أنواعها وإنتشار الفوضى الأمنية والتهريب في الحدود.

إذاً من مثل الحكومات المستبدة وممثليها لا يعول عليهم الشعب الارتري كثيراً وفاقد الشيء لا يعطيه. وإنما يعول شعبنا على أبناءه وإرادته الفولاذية في المقاومة والمطالبة بحقوقه المشروعة في العدل والحرية والعيش الكريم وبإذن الله سوف تتحقق، ما ضاع حق وراءه مطالب.

أطالب الحكومة السودانية بضرورة مراجعة مواقفها وأن تعلم بأن الحكومات زائلة مهما طال بقاؤها في سدة الحكم، ولو كانت الحكومات أبدية لما وصلتم إليها!! المطلوب أن تبنوا العلاقات مع الشعوب وأن لا تخسروا الرهان مع الشعوب فهل من معتبر!!!

إِن كُنتَ تَعلَمُ يا نُعمانُ أَنَّ يَدي * قَصيرَةٌ عَنكَ فَالأَيّامُ تَنقَلِبُ

للتواصل مع الكاتب: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

Top
X

Right Click

No Right Click