التوافق المفقود.. و الإتفاق المشروط
بقلم المناضل الأستاذ: صالح أشواك
في ظل تداعيات المشهد السياسي الوطني يعد استحضار كل الحقب التاريخية و أحداثها التي صاغت و سادت المشهد السياسي امر لا مناص منه لأن العبر تستلهم من التأريخ مع عدم إغفال عوامل تشابه الظروف من عدمه من حيث مستوى الوعي و النضج و الظروف الموضوعية المحيطة...
منذ نشوء و ظهور الحركة الوطنية الإرتيرية كان لمواطني ونخب مرتفعات إريتريا و علي نحو ادق المسيحيين مواقف سالبة من موضوع الوحدة الوطنية لإرتيريا بشكلها الجغرافي لعوامل هي ذات صلة بنزعة دينية تجاه الكنيسة الأم الكنيسية الأثيوبية علاوة علي التقارب الثقافي مع المكون الأثيوبي الأقرب لهم التجراي و في تقديري فأن اغلب نخبهم بقيادة القس ديمطروس كانوا يتوجسون من الاستمرار علي طريق التوافق الوطني و حتى لا يكون الأمر منطوي علي التعميم المخل فأن هذا ما دأبت عليه نخبهم ممثلة في الكنيسة و كتلهم السياسية و قياداتهم الاجتماعية..
يمكن ربط هذه المسألة ايضا بعوامل موضوعية تتمثل في موقع ارتيريا الجيوسياسي كونها تجاور دول اسلامية عربية و أن انفتاح المكون الإسلامي الإرتري علي دول الجوار كان و مازال في أفضل حالاته إذ إنه مهيأ لشراكة حقيقة مع دول الجوار العربية الإسلامية إذ لا وصاية تلزمهم التبعية و إنما علاقات قائمة علي الاتزان و إدراك أهمية إريتريا بالنسبة لهم اقتصادياً و أمنياً...
عكس علاقة الاتجاه الأخر القائمة علي مفهوم ديني مع الكنيسة الإثيوبية و حققت لهم حظوة من قبل الكنيسة فتحت لهم أفاق الانخراط في العمل الحكومي لذا تجد أن نسبة الذين تقلدوا مناصب قيادية في أثيوبيا من أصول إرتيرية عدد لا يستهان به مقارنة بالنسمة من حيث تعداد نسبة مسيحي إريتريا كل هذا و ذاك علاوة علي عوامل الجغرافية و الديموغرافيا للأقاليم ذات الكثافة الإسلامية التي تخلو من وجود الديانة المسيحية خلا بعض مناطق المنسع و السنحيت و مناطق الكوناما و بشكل يفتقر إلي الأثر الثقافي للديانة المسيحية القائم علي لغتهم التجرينية فأن هذا قد خلق وزاد التوجس لديهم من الاستمرار في هذا النسق الوحدوي الوطني و جاءت جل مواقفهم مخيبة لحلم الشراكة الوطنية...عكس المسلمون الذين لم تخالجهم هذه الهواجس نتيجة عامل مهم و هو مصداقيتهم في المضي قدما علي طريق بناء الهوية الوطنية لإريتريا علي ثوابت مشروع وطني توافقي يستند إلي شراكة لا يعكر صفوها التباينات الدينة و الثقافية حتى علي المستوى المعرفي فقد كانت النخب الإسلامية لا تعبر عن حساسيتها من ثقافتهم و لذا كانت هذه النخب تجيد التجرينية بشكل مذهل خلا نفر قليل ربما نتيجة بعدهم من مركز هذه الثقافة لم تتاح لهم فرصة تعلمها و حتى هذه اللحظة نظرة مسيحي إريتريا إلي اللغة العربية قائمة علي فرضية إن التحدث بها أمر فيه تجاوز لقناعاتهم التي تحسبها لغة للإسلام حصرا...
حتى الذين تعلموها ربما لم يكن دافعهم الإيمان بها كلغة تعبر عن جزء من هويتنا الوطنية بل كانت الحاجة دافعهم إما لأسباب خاصة ذاتية او موضوعية لها صلة بالعمل ضمن مؤسسات الدولة و لا سيما للدبلوماسيين...
هنا لا اود أن احيلكم إلي مادة تاريخية بذكر كل المواقف المخزية بشكل فيه التفصيل لأن بعضكم ربما يعلمها أكثر مني...
من كل هذا يمكن أن نصل إلي استنتاج مؤداه بأن التوافق مفقود مع من نسميهم نحن شركاء الوطن... و ربما الكثير من الوقائع يمكن ان تعضد ما ذهبت إليه و سنجد ذلك في اهم مرحلة من نضالنا في صناعة الوطن و هويته ، مرحلة ثورتنا التحريرية..
المسلمين عندما وجدوا انهم في مواجهة استعمار جديد يسعى إلي إلغاء الهوية الوطنية و انهم امام مشروع يهدف إلي تذويبهم كانوا هم المبادرين في مواجهة هذا التذويب و اسسوا حركة التحرير التي كانت النواة الاولي للعمل المقاوم حينما بدأ العنف الغاشم فان قادة المسلمين أدركوا بان هذا العنف لا يمكن مجابهته إلا عبر عنف ثوري منظم و جاء ميلاد اول مشروع وطني يعتمد الكفاح المسلح و سيلة بلوغا للهدف السامي و النبيل بان لا بديل للاستقلال التام لإريتريا..
ذات التوجس كان حاضرا ولذا لم يتم التحاقهم بالثورة إلا بعد ان بلغت كامل قوتها و تمددت الثورة في طول البلاد و عرضها عبر جيشها المسلح و جماهيرها التي انتظمت صفوفها علاوة علي انتهاء سطوة الكنيسة و ظهور قوة يسارية جديدة تحكم إثيوبيا و تخلص الثوار من رئيس مجلسهم العسكري ذو الأصول الإرترية كل هذا و ذاك فرض عليهم الالتحاق بالثورة بعد أن غدت واقع لا يمكن تجاوزه لذا لا يمكن الجزم بأن دوافع من التحق مبكرا من النخب الكبساوية المسيحية المتعلمة كان ينطلق من منطلقات استحقاقات وطنية و إن بدت كذلك في ظاهرها و هذا الذي يجب ان نسلم به..
تمظهر سلوكهم الذي لا يجنح إلي التوافق في اول انشقاق لهم من جبهة التحرير الإرتيرية في وثيقتهم الفطيرة (نحن و اهدافنا) التي تحدثت عن مظالم مسيحية وقعت عليهم من مكون إسلامي و هكذا توالت المؤامرات علي أعظم مشروع وطني من خلال حركة الفالول و محاربة القوميين العرب و الإسلاميين بفكر التوجس الذي ظل حاضرا في كل حركاتهم و سكناتهم حتى افضى كل ذلك إلي إنهاء وجود الجبهة من خلال اختراقات و خلق الأزمات في داخلها و كان هذا اثره انجع في حسم المعركة لصالحهم...
و ما بعد التحرير دخلت اغلب الجموع الكبساوية المسيحية إلي اسمرا واضعين خلافاتهم التي تعد شخصية و ثانوية.. و جاء العفو العام عن من في الخارج و كأنما بهم مجرمين إذا ان أغلب التنظيمات التي دخلت عضويتها و قياداتها كانوا من المسلمين و ليتهم رفضوا العفو و التزموا منهجهم القديم في رفض انفراد الجبهة الشعبية بالساحة و طالبوا بشراكة حقيقة لأن التضحيات التي اتت بهذا النصر كانت للشعب الإريتري بكل ألوانه...
و الآن و في هذا الظرف الذي جعل من الصف المقاوم الذي مانع الانخراط و التذويب الثقافي و الإقصاء الطائفي الممنهج عبر الإرهاب الذي يمارسه النظام من كان من خيار لصف الممانعة إلا أن يحمل راية التغير و مواجهة النظام رغم قلة الإمكانيات لظروف تتعلق بالمحيط الإقليمي و التغير الذي حدث في المنطقة...
فأنه إثر تقاطع مصالح البعض من النخب الكبساوية التي كانت تمني نفسها بالشراكة الداخلية مع النظام عبر تبنيها الخيار الديمقراطي في ظل وضع أمن و خالي من عوامل تهدد غلباهم إذ أن النسبة الغالبة من المكون الإسلامي الممانع هم خارج اسوار هذا الوطن و من هو منهم بالداخل مغلوب علي أمرهم..
فقد استغل هؤلاء الترهل الذي حدث في التنظيم و اوقدوا الخلافات العميقة العتيقة بين رأس النظام و دائرته الخاصة من جهة و اصحاب الخلاف التاريخي معه من جهة أخرى حتى تمخض عن ذلك ما عرف بمذكرة G15 و أصحابها أو من مهروها غيبهم رفيق الأمس عن مسرح الدولة و كنتيجة لذاك تقاطرت هذه الجموع لتنخرط في العمل المعارض هرباً من ذات المصير الذي حدث لرفاق الأمس و لكن وفق رؤيتها الخاصة فيما يجب أن يكون عليه وضع العمل المعارض بما لا يضيع مكاسبهم و يضعف غلبة المسلمين عليه لأنهم حينما دخلوا معترك المعارضة و جدوا انفسهم امام مكون إسلامي سياسي منسجم بشكل يتجاوز تبايناته السياسية..
و هنا ادركوا ان لا مناص من العمل مع هذا المكون و لكن و فق اتفاقات مشروطة لا تسقط مشروع الدولة القائمة علي الاقل و مضامين مشروع النخب الكبساوية المسيحية الذي تشكل في الدولة الإرترية و إن تبدلت الوجوه و الاشكال و لكن يجب ضمان بقاء جوهر المشروع هذا لا يمكن تحقيقه إلا عبر اتفاق مشروط يحيد الغلبة الإسلامية علي التغيير المرتقب و الذي سوف لن يكون بعيدا في ظل بلوغ الدولة إلي نقطة السقوط في دورتها..
لذا تأتي كل هذه العراقيل الآن امام المشروع الوطني المعارض و طالما كنا نحن اصحاب المصلحة الحقيقين من التغير فان هذا الأمر له استحقاقاته المتمثلة في:
1. عدم حيدتنا عن المشروع الوطني القائم علي الشراكة الوطنية كلا حسب حجمه الطبيعي...
2. تمتين جبهتنا الداخلية كمسلمين و ان يكون بيننا ميثاق و عهد علي ان نحافظ علي هذا الوطن من خلال قيادته إلي بر الأمان..
3. العمل علي صياغة دستور وطني ينسجم مع الثوابت الوطنية التي كانت مضمنة في الدستور الفيدرالي و العمل علي تطويره بما يحقق دولة العدالة و المواطنة و لا يخرج عن ما كان يعبر عنه واقع الحال من السلم الاجتماعي مع ضرورة استحضار التجربة النضالية و خلق هياكل دستورية تنسجم مع التطور التاريخي للعملية الديمقراطية إنسانيا..
4. عدم تكرار ذات المشهد السياسي الذي خلقه النظام من إقصاء و تهميش عبر إقرار الحكم الفيدرالي...
5. معالجة موضوع الأرض و اللاجئين و إعادة الأرض لأصحابها الحقيقين و إلغاء كل القوانين التي ادت إلي حرمان المواطنين من اراضيهم الجدية المتوارثة..
6. العمل علي إشاعة الطمأنينة لدي الشركاء من خلال التأكيد علي ان التوافق و التعايش السلمي هو الذي يحقق السلام..
7. اعتماد خطط واضحة للتنمية تسهم في الاستقرار الداخلي و توطن ما يحتاجه المواطن حيثما وجد و أن تراعي التوازن بما لا يخلق الغبن..
8. تنشيط حراكنا السياسي كمسلمين و الوصول إلي الحكومات و الهيئات و المنظمات التي وصلتها رسائل سالبة من المكون المسيحي حكومة و معارضة.
9. أثيوبيا تبحث عن الامن و السلم في ظل حراك شعبي مناهض للحكومة نتيجة عدم وجود الاستقرار الذي احدث خصما في مستحقات التنمية للأقاليم الأكثر تضرراً من غياب التنمية فيها لذا فأنه من الضروري تقديم كافة ما يطمئن الجارة أثيوبيا بأننا سوف لن نسهم في خلق دولة فاشلة تخلق عبء عليها بحكم الجوار..
و حتما ان النصر قريب...