تساؤلات حول الديمقراطيه بين النظام والمعارضه
بقلم الإعلامية الأستاذة: آمال علي محمد صالح - كاتبة والناقدة ارترية المصدر: عركوكباي
الحديث عن الديمقراطيه، في الإطار الارتري الوطني، كان ومازال حديثاً مرتبكا وذا ارتدادت متعثرة
على المستويين الحكومي والمعارض.
بالطبع ليس من باب المقارنه ولا المقاربه، انما من واقع التناقض المتضمن في موقف الاتجاهين النقيضين من مفهوم أساسي وبنيوي. فإذا ما أردنا العبث قليلا وتناول الديمقراطيه من منظور النظام في ارتريا فإننا وببساطه ومباشره نخلص الى ان نظام أفورقي قد حسم عمليا معركته ضد الديمقراطيه في مراحل متقدمة من العمل الوطني. وجاء هذا الحسم قاسيا ولا وطني في تبني الجبهه الشعبيه لفكره ان الساحه الارتريه في فتره الكفاح المسلح لا تتسع لتنظيمين.
وبغض النظر عن الملابسات التاريخية التي رافقت هذه الفكره والمنهج الذي تبعها، والذي يظل محل جدل كبير الا إنها وعلى ما يبدو قد شكلت أولى البوادر الصارخة في تحديد صراع زعيم تنظيم الجبهه الشعبيه ومن صادق معه على هذا الحسم في صراعه ضد اليمقراطيه. اما المرحله الثانيه من هذا الصراع المعلن تبلورت في احكام الرئيس اسياس افورقي قبضته على السلطه بعد ان أعلن العالم اعترافه بدوله ارتريا، في استفتاء دولي عام ١٩٩٣، دوله مستقله وذات سياده بتأكيد مندوبون امميون. وعلى غفله من نشوه الانتصار التي كنا نعيشها كشعب، وعلى غضب وقلق الكثير من القوى الوطنيه التي تم إقصاؤها من المعادلة أصبح اسياس افورقي اول رئيس غير منتخب لحكومه غير شرعيه لارتريا الحره، المستقله. ولذا فان القول الصريح للسيد الرئيس بان من يحلم بالديمقراطيه في ارتريا عليه البحث عنها في كوكب آخر، لم يكن عبثا، ولا تجاوزا. بل أتى متناسقا مع فكر الرجل وقناعاته وسياساته التي مارسها على مدى عقود كأمين عام للجبهه الشعبيه سابقا ورئيس غير منتخب لارتريا لاحقا.
عموما، لم يعد مهما الان التعمق والتأمل في أسباب مآلات فرص الديمقراطيه في ظل الحكومه الحاليه، كونِها تجاوزت ذلك الى واقع اكثر مأساوية، يعنى بحق الحياه اولا، والأمان والحريه والعيش الكريم للشعب في ظل هذه الحكومه. ولكن التساؤولات التي تطرح نفسها في هذا الوقت برأي، هو أين تقف الديمقراطيه اليوم، كأحد إهم مقومات الفكر والعمل الذي يسعى الى أقامه نظام عادل ومتكافىء في الطرف الاخر، آي المعارضه الارتريه. ومن ثم كيف تقيم التنظيمات المعارضه والمنظمات الفعاله، والأفراد المهتمين مسأله الديمقراطيه وإمكانيه ممارستها ولا تقف التساؤلات عند هذا الحد بل تتجاوزه الى المسائلة حول المقاييس التي تحدد تيرموميتر الوعي الشعبي العام لنا كشعب في كيف نفهم حوجتنا للديمقراطيه، وماذا نعني تحديدا عندما نطالب بالديمقراطيه ضمن أولوياتنا الوطنيه. و كيف نفهمها وكيف يمكن ان نمارسها.
اذا كانت الديمقراطيه ترتكز على محاور أساسيه، كحق المشاركه في القرار، الاقتراع، وكذلك حريه التعبير،فان ذلك الامر قد يكون محل جدل ونقاش. فالبرغم من مرور سنوات طوال وربما عجاف على مفاصل العمل الوطني المعارض، متمثلا في تنظيمات سياسيه ومنظمات (مدنيه) وربما جماهيريه (المرأه والشباب). يعتقد ان معظمها يلجأ الى وسائل تصنف ديمقراطيه في مسأله ترشيح وانتخاب قياده تنظيم هنا وهناك. إو عقد مؤتمرات دوريه وتشكيل هيئات تنفيذية وسياسيه وغيره الا أن ذلك كله لا يعني بالضروره ان هذه التكتلات تعي وتمارس العمل الوطني ضمن إطار ديمقراطي حقيقي. فالتساؤل الذي قد يفرض ذاته هنا،يكون، هل يمكننا القول بوجود فعال للديمقراطيه، ضمن دوائر تنظيمية، تكرر نفسها وبشكل حصري وتدور في فلك منظومه عاجزه عن تجديد خطابها السياسي والتنظيمي ليكون مواكبا للمرحله وتغيراتها. وفي ظل عجز التركيبه السياسيه المعارضه عن انتاج فكر معارض فعال، قادر على تبني مفاهيم معاصره تلبي احتياجات جيل جديد من الشعب الارتري، وان ترسم بجداره أسس ومرتكزات متطلباته وبالتالي تكون قادره على استقطاب طاقاته مباشره للعمل على تحقيق مكاسب حقيقيه له. في ظل مثل ذلك عجز واضح يكون السؤال عن ماهيه الديمقراطيه التي نتحدث عنها سؤالا مشروعا وآني.
كلنا يعلم أن نظام اسمرا وقيادته متمثله في شخص الرئيس اسياس افورقي، كان ومازال متأثرا بالتيار الماوي الشهير وفكره. الذي يرتكز على المنتج الخاص وذا علامه (تجاريه) حصريه. ماو تسي تونغ أنتج فكرا، ماركسيا، صينيا مبدأ إنتاجا حكومه ذات شرعيه (ثوريه)، وذات طابعي (ليبرالي، اشتراكي) له منفستو مكتوب، يحمل فكر رجل واحد، صاغه بإلهام من واقع ثوري، وساقه الى يومنا هذا ليكون بمثابه الكتاب المقدس الذي يحكم، ويقرر به مصير شعب متعدد ومتشعب كشعبنا. أنتج هذا شئنا ام أبينا منظومه، تفكير شكلت وعي شريحه واسعه من شعبنا، تحديدا، كل من عايش وعاصر الجبهه الشعبيه ومازال يحمل جزءا كبيرا، متفاوت في تفكيره من هذا الإرث، الثوري، الذي يعطي شرعيه غير قابله للنقض الا بشكل جزئيا في أحسن الأحوال. اذا، العمليه الديمقراطيه ومفهوم الشراكه الوطنيه والتعدديه السياسيه والحزبية ستكون دائماً رهن مقاييس محكومه بهذا الإرث، الا اذا تولت النخبه الوطنيه في ذلك التيار عمليه غربله المفاهيم وخلق مساحات حقيقيه للتغيير، ربما شيء يشبه البريسترويكا.
على الجانب الاخر، اي معارضه مابعد الاستقلال بتنظيماتها المتعددة، ورموزها التي مازالت رموز مرحله ضاربه جذورها في التاريخ الثوري لشعبنا. هي أيضاً تستمد شرعيتها من موروث نضالي، شرعيتها في المعارضه ومطالبتها بالتغيير، والشراكه ووضع أسس لعمل سياسي ديمقراطي يرتكز على التمثيل والانتخاب والعداله وتقاسم الثروات و ضمان الحريات وغيره من مقومات الفكر الديمقراطي. وهنا نتسائل، هل تمارس هذه التنظيمات والفعاليات فكر ديمقراطي حقيقي في ظل غياب الركائز الاساسيه في وجود قاعده شعبيه، متفاعله معها. ولماذا عجزت عن انتاج عناصر جديده، قاده جدد، دماء جديده تحمل فكرها وتكمل رسالتها. ولماذا لم تستطع استقطاب شرائح مهمه كالنساء والشباب وهم أغلبيه صامته،لها قضاياها ومعاناتها التي تحتاج ان تُضمن في البرامج السياسيه لأي تنظيم او منظمه مدنيه. ولماذا يكون التمثيل عاده، صوري، تكميلي، كأن تجد في منظمه مدنيه إمرأه واحده او اثنتين بالكثير.. أو يكون هناك شاب واحد ضمن مجموعه قياديه تجاوز معدل إعمار أعضاءها العقد السادس.
اذا كانت الديمقراطيه، مرهونه باولويات اخرى يحددها هذا التيار او ذاك على حسب مايراه ملائما لسيره ووجوده في الصراع السياسي، وإذا كانت الديمقراطيه ترف وابهام لدى الكثيرين، حتى في من يعدون في طليعه النخبه الوطنيه، وإذا كانت الديمقراطيه قابله ان توقولب وتصنع حسب الخصائص المحدده لهذا الشعب او تلك الأمه. اذا سيكون علينا الوقوف بحذر، بل وعلى مسافه واسعه قبل ان نهلل لذاك التنظم او تلك ألمنظمه. فلا يمكن لأي طرح سياسي، مدني في العمل المعارض ان يتبنى قضايا الشعب كله، اذا ظل انتقائيا وحددا مسارات وطرق عمله ومن يشارك ومن يظل خارج العمليه السياسيه كمتفرج او ان يكونوا هم وكلاء دائمين له.
إن غياب البرامج السياسيه والأطروحات وبرامج العمل،مرحليه كانت ام مستقبليه، وفي ظل غياب الآليات التي توصل تلك البرامج للشعب و تعمل على أشراكه، مباشرة و بشفافيه في كل خطوات العمل الوطني، بل وفتح آفاق التجديد و التوقف عن التمسك بالمواقع والمناصب على حساب تقدم العمل الوطني، وكذلك تمليك المعلومه وأتاحه مساحات واسعه لإبداء الرآي والنقد والتغيير والإخذ بها وتطبيقها عمليا. كل ذلك، وبرأي، سيجعل التساؤلات قائمه، ومحاوله إيجاد الفروق بين منظومه النظام وممارساته القمعية، وبين منظومه العمل المعارض في معظمه وآلياته التي تعاني من خلل واضح، سيجعل التساؤلات حول مفهوم الديمقراطيه فكرا وممارسة قابله للمقارنه وربما المقاربه رغم التناقض بين النظام والمعارضه.
إن الديمقراطيه هي قيمه بحد ذاتها. ليس فقط كونها وسيله لضمان المشاركه الفعاله في صنع القرارات وإرساء دوله القانون والسلام. إن الديمقراطيه مهمه جدا لانها تمثل فكره المساواه والحريه والعدل والكرامة الانسانيه التي تتحقق فقط عندما يكون لكل فرد الحق في المشاركه في صنع القرار السياسي عبر انتخاب ممثليه. وللحديث بقيه.