النظام الإريتري وتصفية الحسابات مع معارضيه

بقلم الأستاذ: سمير محمد - كاتب وناشط سياسي إرتري

الحرب الدامية في السودان والتي بدأت في الخامس عشر من أبريل ٢٠٢٣ مازالت مستمرة

بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع والوضع يشهد تفاقم الأزمة الإنسانية مما تسبب في تهجير العديد من المواطنين السودانيين من مناطق النزاع هربا من الموت والدمار التي خلفتها الاشتباكات بين الطرفين. ولكن مع تطور واشتداد القتال بين أطراف النزاع توسعت دائرة الصراع لتمتد إلى مناطق أخرى في البلاد.

اشتداد دائرة الصراع في السودان قد يؤدي إلى إطالة الحرب والأخطر من ذلك هو تأثيره على المنطقة ودولها المجاورة والتي أصلا تشهد اضطرابا وعدم الاستقرار. ولم تنجح العديد من المبادرات والمفاوضات بين طرفي النزاع كالمبادرة السعودية الأمريكية لاستضافة طرفي الصراع لخفض مستوى التوتر وتهيئة الأرضية اللازمة للحوار لضمان أمن واستقرار السودان وشعبها. ولكن بالرغم من ذلك لم تنجح المبادرة السعودية الأمريكية لعدم التزام طرفي الصراع بمضمونها ولم يلتزم الطرفان أيضا بوقف إطلاق النار بالرغم من تعهدهما بذلك. وبلاشك أن أهم ما يعيق جميع المفاوضات والمبادرات هي أن كلا الطرفين يرى نفسه القوى الشرعية والنظامية والآخر إما متمردا أو متطرفا!.

وما نشاهده في ساحة الصراع تظهر مؤشرا بأن انتصار الجيش أو قوات الدعم السريع لن ينهي الأزمة المشتعلة بل قد تتحول إلى نزاعات داخلية وحروب أهلية بين مختلف القوميات والأعتئ من ذلك قد يتسبب في انهيار السودان التي أنهكته وكسرته سياسة وحكم العسكر للبلاد وفي نهاية المطاف قد يجر البلد للتدخل العسكري لدول لها أطماع في خيرات السودان.

وفي ظل هذه الأحداث الخطيرة أجلت العديد من الدول رعاياها في السودان ولكن كان المصير الكارثي للاجئين الإريتريين العالقين بين مطرقة الهلاك في السودان وسندان الديكتاتور القمعي الإريتري. يعاني العديد من اللاجئين الإريتريين من مراقبة ومضايقات من أتباع النظام الإرتري الذين ينشطون في الخارج ويكنون ولائهم للنظام الحاكم ويعتبروا أتباع النظام أو حاشيته هم الأعين الخارجية التي تراقب وترصد لكل تحركات وأراء الإريتريين الأحرار في المنفى. وهنالك مصادر عديدة وتقارير واعترافات من مواطنين إريتريين تفيد بانتقام السلطات الإريترية من اللاجئين في السودان خصوصا المعارضين والهاربين من خدمة التجنيد الإجباري أو الاستعبادي إذا صح التعبير بترحيلهم قسرا من السودان. بلاشك النظام الإريتري استغل الانفلات الأمني الحاصل في السودان نتيجة الحرب وقام بتصفية حساباته مع المعارضين الفارين من بطشه.

بكل تأكيد لا يستغرب من نظام تمرس وتفنن بقمع كل من يعارضه بأن يفعل ذلك في الأزمة الحالية في السودان. النظام الإريتري وصل بطشه للنيل من المعارضين حتى في الدول الآمنة من خلال مجنديه وهنالك الكثير من الدلائل التي أثبتت ذلك باعتراف المنظمات والمؤسسات المعنية بهذا الشأن. ولكن الأمر الغريب والمثير للشك هو أين ماتسمى بالمنظمات والمؤسسات المعنية بحقوق الإنسان من كل ذلك وهي على علم بكل ما يحدث؟ أليس شأن اللاجئين الاريتريين هو نفس شأن اللاجئين الآخرين في العالم؟ النظام الإريتري بات يتصدر القوائم في العالم لانتهاكات حقوق الإنسان بعد كوريا الشمالية ويمكن تسميته بالوصيف العالمي للاجرام أذا صح التعبير. وكل ذلك تحت مرأى المؤسسات الدولية لحقوق الإنسان والدول الكبرى التي اتخذت من الديمقراطية وحقوق الانسان شعار زائف.

إن مايحدث في السودان بحق اللاجئين الإريتريين ليس بجديد مطلقا اعتاد الشعب الإريتري على مواجهة هكذا ظروف من بين الظلم والمصير الغير معلوم في ظروف قاسية محفوفة بالمخاطر. وإن ما يحدث حاليا بحقهم نتيجة الوضع الراهن في السودان ما هو إلا سيناريو مشابه لما يحدث بحق اللاجئين الإريتريين في أثيوبيا بحسب المصادر المعنية بهذا الشأن أن اللاجئين الإريتريين في أثيوبيا يتم استهدافهم من قبل النظام الإريتري لتصفية الحسابات مع الفارين من القمع والظلم خصوصا من النشطاء السياسيين.

كما هو واضح ما يتم في السودان من قبل النظام الإريتري تجاه اللاجئين مستغلا حرب السودان وانعدام الأمن هو مشابه تماما لما يحدث بحقهم في أثيوبيا حيث تستغل حكومة أسمرا عودة العلاقات مع الحكومة الأثيوبية حيث أن الأخيرة لم تتدخل لمنع اعتقال اللاجئين الإريتريين وترحيلهم قسرا إلى إريتريا بالرغم من أن أثيوبيا ملزمة بتقديم الحماية لمن يقطنون على أراضيها في مراكز اللجوء.

ولكن كان لسياسة الحكومة الأثيوبية رأيا آخر في هذه القضية وهي بكل تأكيد إرضاء الحكومة الإريترية والسماح لها بذلك والتستر عليها وكل ذلك ليس إلا لمصالح حكومة أبي أحمد مع النظام الإريتري على حساب الشعب الإريتري الذي أصبح رهينة كل السياسات المستبده. وفي نهاية المطاف لا يكتب بالهجرة لهؤلاء المستضعفين لدول أمنة إلا القلة منهم والباقي يكون ضحية الهجرة أما الموت في طريقه لبر الأمان أو الخطف والمتاجرة بهم واستغلالهم من قبل العصابات الإجرامية. فبات الشعب الإريتري مستغلا ابتداءا من قبل حكومته مرورا بحكومات دول الجوار وحتى أصبح للمجرمين من قطاعين الطرق نصيب من كل ذلك في حياة الشعب الإريتري وما يحدث بحقهم في ليبيا خير دليل على ذلك.

وكما هو معلوم بأن كل تلك الممارسات والسياسات تمارس بحق اللاجئين الإريتريين أمام مرأى المؤسسات والمنظمات الدولية التي لم تنشأ وتوكل إلا لحماية حقوق الإنسان ولكن صدق من قال لا حياة لمن تنادي. أعتقد بأن هذه المنظمات والمؤسسات ماهية الا شماعة لما يسمى بحقوق الانسان وان هدفها وأولوياتها في العالم هي تحقيق مصالحها بالدرجة الأولى تحت راية حقوق الإنسان وهي أبعد ماتكون من ذلك الاسم. فعلا الحرب في السودان وضعت الشعب الإريتري المغلوب على أمره بين نارين وهما وضع مأساوي خطير بسبب تفاقم الأزمة في الوضع الراهن في السودان من جهة واستغلال النظام الإريتري القمعي لهذا الوضع لتسليط جبروته عليهم من جهة أخرى.

Top
X

Right Click

No Right Click