حتى لا ننسى جرائم نظام أسمرا

بقلم المهندس: سليمان فايد دارشح - كاتب وبـاحث ارترى

جثم نظام الشعبية الحاكم في أسمرا، أكثر من ثلاثة عقود حسوماً وما رسخت أقدامه

وتعززت هيمنته الفعلية علي البلاد وأهلها إلا باعتماده علي أمرين: اولهما الترهيب والقهر لترويض عامة الناس علي القبول بما طرحه من خطط شوهاء ومثقوبة، ثانيهما سعيه إلي تقوية أرضية نظامه لضمان بقائه لأطول مدة في سدة الحُكم، لذلك يتضح لنا أن جوهر الأزمة العامة في البلاد، تتجلي في إحتكار السلطة والاستبداد بها وتسخير أجهزة الدولة لتحقيق ذلك، ونتيجة لهذا النهج الاستبدادي تعرض الشعب الإرتري لسلسة طويلة من الجرائم المّروعة، فالحديث عن هذه الجرائم يطول كثيراً، ولكننا نختصر ونقول: إذا إنطلقنا من استخدام القوة في ترويع الناس وبث الرعب والخوف في نفوسهم نتيجة استبداد فكرة أو نهج لدي الفاعل، فإن سجل الشعبية ومنذ نشأتها حافل بذلك، وقد نفذت في الفترة ما قبل التحرير القتل الجماعي لمعارضيها في الرأي، كما قامت بجملة من الأغتيالات في الداخل والخارج، وبالذات في المدن السودانية، للذين خالفوها في الرأي.

أما إثر جلاء جيش الاحتلال الإثيوبي، فإن نظام الحاكم الاستبدادي الذي أقامته الشعبية في أسمرا وهو نظام الأمر الواقع، فقد غيب الحريات وكمم الأفواه، ونفي الآخرين وأقصائهم، بل سجنهم وتعذيبهم والازدراء بهم، فامتلأت سجون النظام المظلمة تحت الأرض بالمناضلين الأحرار الشرفاء، لا محاكمات، ولا تهم محددة توجه لهم، ولا يسئل عنهم، ولا يعرف لهم مصير حتى هذه اللحظة، هل هم علي قيد الحياة أم شهداء؟!

ومن ممارسات النظام المرعبة خاصة للأطفال والنساء، مداهماتهم للمنازل في أوقات متأخرة من الليل وانتزاع المطلوبين من الرجال كبار السن والشباب، وايضاً وضع الكمائن واختطاف البعض في الطرقات المعزولة، كل ذلك يتم عبر مجموعة خاصة من أمن النظام الملثمين، والأدهي والأنكي بعد كل هذه الأعمال الإرهابية، ويل لمن يلح علي معرفة الحقيقة ويتجاسر علي معرفة مصير المختلف!!

ومن جرائم النظام الشنعاء أنه يقمع باستمرار المحتجين والمتظاهرين السلميين بدم بارد دون أي وخز للضمير، والغريب في الأمر يعتبر النظام هذا القتل من حقوقه الطبيعية، فأي قانون وحق يعطي الطغاء رخصة للقتل وإخفاء وضرب وتعذيب المدنيين الأبرياء العزل؟!

ومن ممارسات النظام الإجرامية أنه اجبر الكثيرين من مختلف الاعمار علي الهروب واللجوء إلي خارج البلاد، ليكونوا عرضة للموت في الصحاري والبحار أو ضحايا للممارسات اللاإنسانية من تعذيب وإغتصاب وبيع اعضاء الجسم علي يد شبكات الإتجار بالبشر، ويعيش اليوم ما تبقي من الشعب في الداخل حياة البؤس والفقر والحرمان بسبب عسكرة المجتمع بأسره .

وليس ذلك وحسب، بل من أجل بقائه في السلطة وتغطية أزماته الداخلية يشعل النظام كل يوم الفتن ويحبس الود والسلام، ويواصل ويستمر في إرسال الشباب إلي حروب عبثية طاحنة مع أغلب دول الجوار، كان أخرها حرب إقليم تقراي الأثيوبي، راح ضحية هذه الحروب مئات الشهداء الذين كانت البلاد وأسرهم في أمس الحاجة إليهم. والشيء المستغرب يزعم بعض الأفراد من المعارضة الإرترية، بأن نظام أسمراء شن حرب تقراي الأخيرة دفاعاً عن سيادة وطن!!!

قولوا لنا.. ما نفع السيادة لإنسان يعاني الظلم والقهر والفقر، وما نفع السيادة لإنسان ما خرج من كارثة وأزمة إلا ووقع في كارثة وأزمة أشد واعتى؟! وما نفع سيادة لوطن فر أبناءه خارج الحدود بحثاً عن ملاذ آمن؟! وما نفع سيادة لبلد يعم الرعب والخوف مواطنيه كل يوم؟! وما نفع سيادة لوطن يشعر مواطنيه بداخلة بالدّونية والإهانة؟! فعن أي سيادة يتحدث هؤلاء الإخوة ؟! أرى من الأفضل أن يصمتوا لأن رأس السيادة قد بدأ من كلامهم غير المقبول ينِز ألماً وصداعاً، فأرحموها واريحوها.

وصورة آخري من صور إنتهاكات نظام أسمرا الاستبدادي لحقوق الشعب أنه رفض بشدة المبدأ الديموقراطي الذي يدعو إلي المشاركة السياسية والحكومات المنتخبة أسوة بدول العالم الأخرى، واتبع بدلاً من ذلك القيام بقمع وترهيب الشعب لفرض استمرار سلطته غير شرعية فرضاً، وفوق ذلك كله رفع شعاراًَ استبدادياً فحواه ”من بايعنا علي الحكم وبارك منطلقاتنا وأهدافنا - نحن أهدافنا - فهو آمن، ومن لا يفعل ذلك فهو بالضرورة ضدنا ويحتمل تبعات ذلك“، وبالتالي استمرت حكومة الشعبية الانتقالية التي كان يفترض أن يكون عمرها القانوني أربع سنوات إلي اثنان وثلاثون عاماً، كأن حُكم البلاد حكراً لنظام الشعبية!! أنه لشىء عجيب وغريب، حكومة انتقالية غير منتخبة تستمر في حُكم البلاد إلي هذه المدة الطويلة!!

والغريب خلال هذه الفترة الانتقالية 32 عاماً - رفض النظام بشكل قاطع فكرة ومبدأ الحوار مع المعارضة الوطنية الإرترية، بل أنكر باستهزاء وجودها، في حين تقدمت تنظيمات المعارضة خلال تلك الفترة بعدة مبادرات للتفاوض والحوار لإيجاد حلول لأزمات البلاد المعقدة والمتفاقمة، ولكن النظام المستبد رفض الاعتراف بوجود قضايا داخلية تحتاج إلي معالجة!! وكذلك خلال هذه السنون الطوال، لم يتقدم النظام رسمياً بأي مبادرة لإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، لإظهار حسن النوايا، بل أنكر اعتقالهم!! فليس في ذلك غرابة فتلك هي طبيعة الأنظمة الاستبدادية.

وهنا نجد أهمية لنشير إلي أن بعض هؤلاء المعتقلين السياسيين هم مناضلين شرفاء من تنظيمات الثورة الإرترية، قرروا - كأفراد - بعد التحرير العودة إلي البلاد للمشاركة في معركة بناء وتعمير بلدهم، للأسف عند دخولهم لوطنهم عملت اجهزة النظام الأمنية إلي مضايقتهم واستفزازهم ومراقبة تحركاتهم اليومية، إلي أن وصل الأمر إلي اعتقال بعضهم بتهم زائفة وملفقة، إلي يومنا هذا هؤلاء المناضلين يقبعون في سجون نظام أسمرا، والبعض الآخر قلوبهم تملؤها الحسرة والحنق اضطروا للخروج من بلادهم، ليعيشوا في المهجر بعيداً عن بلادهم التي أحبوها وافنوا عمرهم في سبيل تحريرها من الاستعمار الاثيوبي البغيض!! بهذه الصورة المذرية تعامل النظام المتسلط مع الذين عادوا لبناء وتعمير بلدهم!!

واليوم ظهرت بعض الأصوات هنا وهناك - من المعارضة - داخل المهجر الإرتري تدعو بالعودة وفتح صفحة جديدة مع النظام الحاكم في أسمرا، وهنا تعترضنا أسئلة مهمة مفادها: كيف تفتح صفحة جديدة مع نظام دكتاتوري مستبد أخرج لشعب إرتريا كل ما في جعبته لاثنان وثلاثون عاماً كان نتاجها البؤس والشقاء والخراب والدمار؟! كيف يأمن من يرغب في العودة جانب نظام سجله حافل بالمؤامرات والانتهاكات والخيانة والخسة والغدر؟! هل يقبل النظام الذي شرد الشعب الإرتري إلي أصقاع الأرض ضمن حملة تغيير ديموغرافي - إفراغ البلاد من سكانها الأصليين - بعودة من يرغب في العودة؟! ما جدوى فتح صفحة جديدة مع نظام مستبد لا يعترف إطلاقاً أن للشعب الإرتري أدني حق للعيش بحرية تحت سقف إرتريا؟!

كيف تفتح صفحة جديدة مع نظام حاقد عنصري يعتبر أرض الوطن وماءه وهواءه ملك له، وهو المتفضل علي الناس بما يملكون؟! وأني أستغرب كيف تفتح صفحة جديدة لإذابة إرادة الشعب الحرة في إرادة النظام المتسلط المستبد المتخلف، والخضوع إلي مشيئته والإرتهان بنزواته ومصالحه؟! في رأيي مثل هذه الأصوات تعمل بصورة وأخري إلي طي بلا محاسبة سجل جرائم النظام وإطالة عمره، وكذلك تعمل علي إضاعة الوقت في نقاشات غير مجدية، فلن تساهم مثل هذه النقاشات إلا في شحذ الخلاف والفرقة والتعصب، ويحز في النفس أن تري هؤلاء الإخوة لا هم لهم سوي الإنهماك المتواصل في هذه النقاشات العقيمة، ولم يبدوا أي قلق علي جرح وطنهم ومعاناة شعبهم خلال السنوات الثلاثين الماضية!! وهذا بالطبع ليس تجنياً علي أحد ولكنه واقع الحال المعاش، واقع اليأس والانكسار!!!.

ومن جرائم النظام انه قام ببيع ونهب موارد البلاد، وسخرها في دعم أجندته الأمنية والقمعية وإثراء اتباعه، وأدي ذلك إلى إنهيار وتدمير الاقتصاد الوطني، كما عجر النظام طيلة فترة حكمه للبلاد من القيام بأي مشروع إنمائي أو خدماتي، وتسبب هذا العجر إلي خلق أزمة البطالة الفظيعة في البلاد، وذلك لعدم وجود مشاريع تنموية وخدماتية تستوعب الأجيال التي بلغت سن العمل، فضلاً أنه - النظام - أوصل البلاد اليوم إلى مؤخرة الدول من حيث الفقر والغلاء والبوس والتخلف وتداعي كل الأساسيات الأولية لكل عمل وفي أي مجال وحقل. لم تتوقف انتهاكات وجرائم النظام عند هذا الحد، فقد تسبب في تمزيق وحدة الشعب الإرتري، وزرع الحقد والكراهية بين مكوناته، وتسبب أيضاً في تغبيش وتشويش الوعي الوطني وطمس الأبعاد الحقيقية للأزمة الراهنة في البلاد ومآلاتها، وفوق ذلك كله ضرب النظام الفاسد الأخلاق وكل ما هو نبيل واصيل وموروث في المقتل!!!

لا نريد الأسهاب في إحصاء كل الجرائم الوحشية التي ارتكبها نظام الشعبية الحاكم في أسمرا بحق الشعب الإرتري وقواه الوطنية المناضلة، ولكن طبيعة الحال تجعلنا نتسأل، ألا يندرج هذه اليسير مما ذكرناه في نطاق أبشع صفوف الجرائم ضد الإنسانية؟! ونتسأل أيضاً ألا يحق للشعب الإرتري الذي آلت اوضاعه إلي القاع السحيق، وضاعت آماله وتطلعاته كاملة دون أن يبقي منها شيء يحرص عليه بعد أن إنقلب الاستقلال عليه نقمة تمني منها عدمه، أن يقاوم بضراوة النظام الاستبدادي الحاكم في أسمرا، من أجل تقويم الأوضاع وإرساء ديمقراطية متجذرة في كل مفاصل الحياة السياسية والاجتماعية؟! ونتسأل وما أكثر التساؤلات، كيف ننسى جرائم نظام أسمرا المرّوعة التي تزداد يوم بعد يوم؟!.

وختاماً، يبقي القول : إن جرائم نظام أسمرا لم ينج منها أحد، وإن عدم نسيانها هو بمنزلة وفاء لدماء الشهداء وتضحيات المناضلين الشرفاء، كما أنها - جرائم النظام - لا تسقط بالتقادم، ولا يمكن أن تمحي من ذاكرة الشعب الإرتري، كذلك يدرك النظام في قرار نفسه طبيعة الشعب الإرتري الذي يتعامل معه، إذ أن هذا الشعب عبر تاريخه لا يرحم أعداءه، ولا ينسى ثأره، وإذا كان زمن أغبر قد جعل من الشعبية الحاقدة علي رأس الدولة الإرترية، فإن فجراً جديداً سيبزغ - بإذن الله تعالى - علي أيدي شباب المستقبل الواعد أصحاب الرايات الزرقاء وعشاق البطولة والحرية، الذين يمهرون النصر بالدماء الطاهرة الذكية دون أن يهتز منهم طرف شبل عصب راسه بحب الشهادة.

Top
X

Right Click

No Right Click