المؤتمر التأسيسي كان من التحديات الفعلية لرابطة المنخفضات
بقلم الأستاذ: الحسين علي كرار
مقدمون علي المؤتمر التأسيسي لرابطة المنخفضات ونحن علي أبواب انعقاده، وبخصوصه يمكن القول، من الصعب أن تبدأ بالتحدي
وبتأسيس تنظيم أياّ كان نشاطه، و تجربة الرابطة كانت فريدة، حيث طرح مؤسسوها وثيقتها للنقاش قبل تأسيسها ووجدت القبول والرضا من قبل الكثيرين من النخب الذين عرضت عليهم، ومن قاموا بالتأسيس لم تكن لهم أرضية مفروشة بالورد والياسمين، و كانت الصعوبات والتحدي في لم الشمل وجمع الأفراد علي مفهوم جديد لم يتعوّدوا عليه من طرح الفكرة وجرأة الإقدام، وقد واجهت الرابطة الكثير من التشويه من الغافلين والمثاليين والمتعمّدين، وصفوها كذبا بأنها أداة للسودان ووصفوها كذبا بأنها أداة لأثيوبيا ووصفوها كذبا بأنها أداة لأفورقي، وقالوا عنها بأنها تضيّع دماء الشهداء والمناضلين، ووصفوا قاعدتها بالتقسيميين والقبليين وألصقوا بهم كل صفات التشنيع، وبالرغم من ذلك انطلقت الرابطة بخطي ثابتة وواثقة بإمكاناتها الذاتية ولم تتأثر بكل الوشوشات والتشويهات المغرضة، ووصلت اليوم بعد أكرمن عامين من تأسيسها إلي مؤتمرها التأسيسي لتنطلق في المستقبل بشرعية قراراته وتتجاوز مرحلة التكوين بعد أن أرست قاعدتها العريضة.
إن رابطة المنخفضات ولم الشمل فكرة جديدة ومعللة بأسباب: منها ما لقيته المنخفضات من تهميش وسخرة واستعلاء وغطرسة من أفورقي وأعوانه الذين يخوضون في ارتريا مشروع التجرنة وطمس الهويات وتغيير الجغرافيا حتى وصل بهم الأمر في الخرائط التي أصدرها قائدهم الطائفي أفورقي أن جعلوا كامل مدينة مصوع بمينائها وقراها من ضمن جغرافية التجرنية، وإعطاء ساحل البحر الأحمر بكامله إلي الرشايدة، هم يتصرفون كإقطاعيين بحرية في حقوق لا يملكونها، ومنها ما دفعته المنخفضات في سبيل الاستقلال من تضحيات جسام خلال الثمانون عاما، وما تتعرض له من التهميش والإهمال المتعمد في التنمية بعد خراب الحرب الذي لحق بها بإحداث الخلل الواضح في التوازن الاجتماعي لصالح التجرنية في كافة مجالات الحياة بعد أن سخّر أفورقي كافة إمكانات الدولة لمشروعهم.
وإذا نظرنا مسيرة النضال والكفاح الارتري منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، سنقف علي محطات مؤلمة كان حصادها مرا بفعل غطرسة التجرنية وعدم وطنيتهم وسعيهم خلف أمهم الحنون أثيوبيا كما يرونها متجاهلين وطنهم، فارتريا أنشأتها إيطاليا من مكونات مختلفة كعادة الاستعماريين، وكان طريق الاستقلال في أربعينيات القرن الماضي سهلا وقريبا دون إراقة الدماء والدمار الشامل،ولكن الاختلافات الداخلية وولاءات طبقة التجرنية المثقفة وسعيها إلي الانضمام لأثيوبيا قضت عليه مبكرا وضاع حق كان مستحقا، وبعد ذلك تحملت المنخفضات أعباء الكفاح المسلح والتدمير الشامل بينما كانوا ساقطين في أحضان الإمبراطور هيلي سلاسي وينمون مناطقهم علي حساب وطنهم بل بعضهم قاتل الثورة مع الأثيوبيين، وتحملت وحدها المنخفضات سياسة القرى المحروقة والمدن المدمرة التي مارسها الجيش الأثيوبي فهرب سكانها من الجحيم الأثيوبي إلي دول الجوار، ولكن بعد الاستقلال قال لهم قائد الطائفية أفورقي لا مكان لكم ولا عودة، وهم يعرفون أن هؤلاء هم من دفعوا الضريبة الثقيلة للاستقلال، وبنفس أسلوب الأربعينات تم إجهاض الدولة المستقلة الحديثة هذه المرة مفعما بشعور التفوق والسعي للهيمنة والإقصاء وطمس تاريخ ونضال وتضحيات المنخفضات وثقافتها ودينها وإرثها الحضاري لجعلها جزء لا يتجزأ من الحضارة الأكسومية التي يحلمون بإقامة دولتها، وهكذا دمروا الكيان الجديد المسمي بالدولة الارترية الذي دفع فيها الشعب الارتري أغلي الأرواح والأموال، فلجأ أبناء المنخفضات إلي تبني المعارضة السلمية والمسلحة ضد أفورقي ونظامه الطائفي،وعندما قوي عودها أشركت أبناء التجرنية الذين تمردوا علي أفورقي اعتقادا منهم بأن ارتريا للجميع ورغبة منهم لوحدة الصف الوطني وبناء الدولة وتطويرها وتنميتها، ولكن نفس القوي كررت داخل المعارضة ما تعودت عليه من التدمير والهدم والاستحواذ والشعور الانفرادي، ومن هذا المنطلق الذي يسوده التفوق والغرور والهيمنة قتلت مؤتمر أواسا الذي حشدت له المعارضة كل الإمكانات وحضره أكثر من 600 عضو ولكن قراراته لم تعجبهم وقضوا عليه قضاء مبرما وعلي قيادته المنتخبة وهو المجلس الوطني وقراراته بالتعطيل والرفض، دمروه من الداخل عن طريق ما عرف بالمنظمات المدنية التي شاركت في المؤتمر ومن الخارج بحزب الشعب الذي رفض الانضمام إلي المؤتمر لأنه كان يعتقد أنه سوف لا يحقق فيه ما يطمح إليه من الهيمنة، والمدرخ المكون من السياسيين الهاربين من أفورقي ليس من أجل حماية الشعب ومصالحه وإنما قد وصل حبل مشنقة الفساد لرقابهم، فتكالبوا علي المجلس الوطني وهم يحملون ثقافة أفورقي الإقصائية،وهو الآن في فراش الموت وكل الذين يريدون أن ينفخوا فيه الروح لا يستطيعوا إلا إذا نزلوا علي رغبة هؤلاء الذين لا يعنيهم وطن أكثر مما تعنيهم غطرستهم وهيمنتهم ومصالحهم وسحب ارتريا إلي البلاط الأثيوبي بعد طبعها بهويتهم وثقافتهم، لأنهم لا يرون الطرف الأخر المسلم إلا بعين واحدة كخادم لهم ومسخر لبناء المنازل لزعاماتهم و مشاريعهم وكحراس أمن لبيوتهم، في وضع الخدمة الإلزامية المجانية الشاذة التي فرضها كبيرهم، وهكذا كانت نتيجة التسامح والسعي خلفهم لبناء الدولة التي تسع الجميع، لأن التسامح معهم كان أكثر مما يجب إلي درجة العباطة والهبالة والغباء التي نتج عنها هذا الاستهزاء وهذه السخرية وهذا الخراب والتزوير.
إن ما فعلته أثيوبيا الإمبراطور هيلي سلاسي وما فعله منغستو هيلي ماريام وما تزرعه أثيوبيا حاليا من الفرقة والتشتيت بين الارتريين بتغذية من تسميهم القوميات لنفس أحلام من سبقوهم، كل ذلك يحسبه الارتريون من باب السيئات، ولكن نفس تلك القوي تعتبره هكذا من باب الحسنات.
ولكن أكبر المأساة للمنخفضات الارترية هو ما أطلقه نظام اسياس أفورقي الطائفي الدكتاتوري من الأمواج الغازية، إذ أطلق أمواج من الأفكار المتطرفة التي يمسح بموجبها الثنائية الثقافة التي كانت سائدة قبل الاستقلال فحدد هوية الدولة بالتجرنة ومسح الثقافة الإسلامية ومسح التراث الإسلامي ومسح اللغة العربية وفعل بالمنخفضات ما فعله الأباطرة الأثيوبيين بالمسلمين الأثيوبيين في قرون الظلام الماضية، وأطلق أمواج من البشر للإحلال مكان اللاجئين الذين كانوا ضحايا النضال، وهجّر فعليّا من بقي من أبناء المنخفضات علي الأرض وملأ بما أحدثه من فراغ بتوطين قوميته علي تراب أهل المنخفضات، وأطلق أمواج من التنظيمات السرية التي أبعد بها أبناء المنخفضات من أقسام إدارات الدولة وجعل منهم عبيدا وخدما يأتمرون بأوامر سادتهم ويتعاملون معهم كمستعمرين جدد وبعقلية الاستعمار وربما كان الاستعمار أرحم منهم، وأطلق أمواج من شريعة الغاب التي بموجبها وضع كل مثقفين المنخفضات الذين تخرجوا من الجامعات العربية والغربية ورجالات دينها في السجون قبل حرب بادمي وبعدها ولا يعرف مصيرهم، وأغلق المعاهد الدينية والمدارس التي كانت تدرس اللغة الغريبة كل ذلك يهدف إلي تجريد المنخفضات من ثقافتها وتراثها والهيمنة عليها بالتغيير الديمغرافي والثقافي ومحوها وإعطاء الدولة طابع الدولة الأكسومية التي يهاتون بها في مجتمعاتهم.
تقول المنخفضات لأفورقي وزمرته حقيقة يعلموها ولا يستطيعوا أن يغيروا فيها بشيء مهما تكالبوا هي : أن التجرنية ليست لغة المنخفضات وأن ثقافتهم ليست ثقافتها وأن عاداتهم وتقاليدهم وتراثهم ليست عاداتها وتقاليدها وتراثها، وأن ارثهم الحضاري ليس إرثها وحضارتها، وإن طقسهم ومناخهم ليس طقسها ومناخها، دولة ارتريا هكذا رسمها الإيطاليون، أما السطو علي حقوق المنخفضات فهذا يعني إشعال نار الجحيم بين المكونات الاجتماعية وسوف لا يكسبه أحد غير الدمار، فتعقلوا وتبصروا فإن ما تفعلونه لا يفيد أحد.
إن تأسيس رابطة المنخفضات كان ضرورة اقتضته هذه المرحلة الراهنة التي يمر بها سكان المنخفضات ويعبث فيها أفورقي وهقدفه فسادا في الحياة السياسية الارترية، والذين يزايدون بالقول إن المعانات تشمل جميع المواطنين، الرد عليهم ببساطة هو أن من قطعت من يده أصبع، أو أصبعان، ومن قطعت أصابعه الخمسة، لا يستويان لا في درجة الألم ولا في درجة تحقيق المصالح، لأن الأول بإمكانه أن يستخدم ما تبقي له من أصابع.
إن فصائل المعارضة سواء منها العلماني أو الإسلامي لا أحد يزايد عليها من حيث العطاء والصمود عبر العواصف وعبر السنين الماضية وهي ما زالت تقاوم وتعطي ما بمقدورها من عمل وتضحية وتلعب دورا أساسيا في الحياة السياسية، ولكنها أصيبت بداء التشتت والتفرق، فأصبحت كيانات صغيرة الأحجام نتيجة لارتباطها بماضيها ومناهجها وأصبح وضعها أشبه بوضع علب مكعبات الثلج الصغيرة داخل الثلاجة، جمود وصغر أحجام لا يروي الظمأ، فأصبحت غير مؤثرة وغير فاعلة أمام تعصب التجرنية، وأثر عليها ابتعادها عن الأجيال الحديثة التي ولدت ونشأت في ظروف مختلفة، فهي لم تجدد ذاتها فتجاوزها عامل الزمن لأن ما تتمسك به أصبح جزء من التاريخ، فعجزوا أن يقفوا بقوة أمام هؤلاء التجارنة الذين يسلبون كل الإنجازات بتشددهم في مواقفهم الرافضة لكل شيء إلا التي تعطيهم الهيمنة والتنازل للإنفراد بالقرار رغم اختلافهم فهم متفقون علي هذا، وهؤلاء يتراخون أمامهم ويكيدون لبعضهم، وقد سحب التجرنية الملتحقون الجدد بالمعارضة، البساط من تحت أقدامهم وعبثوا بكل تضحياتهم، لترجع عقارب الساعة إلي الوراء.
لهذا كان قيام رابطة المنخفضات ضرورة للتصدي لهؤلاء العابثين بالمقدرات الوطنية صراحة دون مجاملة ودون مواربة وتقول لهم كفى كفى استهتارا يا سادة الغرور والعنجهية فإن الوطن ليس ملككم، كل ما تملكوه هو جغرافيتكم ولا تزايدوا ولا تتغطرسوا فإن كل مجتمع له أرضه وجغرافيته وتاريخه ودينه وثقافته، فليس لكم قرار في تحديد هوية المنخفضات فهذا قرارها، المنخفضات قامت بالثورة من أجل ثقافتها ولغتها العربية وتراثها وعاداتها وتقاليدها لتحميها من الأثيوبيين القادمين بثقافتهم وإرثهم الحضاري، إن رابطة المنخفضات لا تدعوا إلي الطائفية والفرز الديني بين المكون الاجتماعي، وهي ليست قبلية تستقوي بقبائل ضد قبائل أخري ولكنها تنظيم إقليمي جغرافي يطالب بحقوقه الكاملة دون نقصان في إطار الدولة الفيدرالية، فيجب أن يلتف حولها جميع أبناء المنخفضات أصحاب الحقوق الضائعة، فهي السد البشري والجغرافي المتين والمنيع الذي لا تهزه هذه الأمواج التي أطلقها أفورقي وهقدفه وبهذه اللوثة الذهنية من قومه الذين يرون اقتلاع بشر المنخفضات ودفعهم إلي اللجوء ورفض إعادة لاجئين الكفاح المسلح منهم ليحققوا ويتخيلوا مكاسب لا يتخيلها إبليس علي أرض المنخفضات ليسرحوا ويمرحوا فيها بلا أناسها.
إن أفورقي وهقدفه وأنصاره حتى داخل المعارضة يعلمون جيدا أنهم لا يستطيعوا أن يهزوا قيد أنملة في سلسلة جبال (أولا) الشامخة وسهول القاش وبركة وعنسبة، ولا يستطيعوا أن يهزوا قيد أملة في سلسلة جبال (الرورات) الشامخة وجبال الساحل وسهوله، ولا يستطيعوا أن يهزوا قيد أنملة في جبال (قدم) الشامخة وسهوله، ولا يستطيعوا أن يهزوا قيد أنملة في صحراء دنكاليا العريقة، هنا شأت الثورة بمعاناتها ودمائها ودموعها، وهنا حسمت معارك التحرير بتضحياتها الجسيمة وبدمائها ودموعها، وهنا في صحراء دنكاليا حسمت حرب البحر في حرب بادمي ببطولاتها وبدمائها ودموعها، وهنا علي أرض المنخفضات ستحسم المعركة الدائرة الحالية مع الدكتاتورية الطائفية وفكرها الإقصائي، ومن هنا ستولد دولة ارتريا الحديثة التي تسع الجميع دولة المؤسسات التي ستقهر فيها أفكار الطائفيين والانعزاليين وأصحاب الأحلام الخيالية الذين لا يرون ارتريا إلا في أحضان تجراي تجرنية أوفي أحضان أثيوبيا.
إن هذا المؤتمر التأسيسي سيناقش فيه المؤتمرون الأوراق والدراسات التي تم وضعها من قبل أفضل النخب في الرابطة وتم نقاشها عبر الغرف من قبل كافة كوادرها الفعالة، وتم في هذه الأوراق من قبل هذه الكوادر الحذف والتعديل والإضافة، و كل ذلك حدث بالديمقراطية وبروح العمل المشترك لم تفرض هذه الدراسات من قبل قيادة عليا ولا من قبل كادر معين يريد الهيمنة وتمت إجازتها من هذه القاعدة العريضة وسيناقشها المؤتمرون وسيجيزونها بعد النقاش والمداولة لتكون المنهج الواضح الذي ستسير عليه الرابطة، وهذه الأوراق المطروحة علي المؤتمرين هي:
الورقة الإستراتيجية التي تحدد عمل الرابطة، والورقة الثقافية، والورقة السياسية، وورقة الوحدة الوطنية، وورقة منظمة المجتمع المدني والعقد الاجتماعي، وغيرها من الموضوعات.