خيبات المبشرين بالجنة الأمريكية وآمال القادمين الجدد بأحلام نعيمها
بقلم الأستاذ: الحسين علي كرار
عندما تتدخل الولاياة المتحدة الأمريكية لتغيير الموازين في مناطق الصراع لصالح قوة معينة لحماية مصالحها فإنها لا تختارأعوانها
هكذا وإنما تختارهم بعد الدراسة والتفحيص والتمحيص والتقييم والمراجعة ولا يقع إختيارها إلا علي من يملك مقومات معينة تتطلبها ضرورتها السياسية وينسجم معها في أدائه، ومتي انتهت الظروف تنتهي مهام الموظفين، كما نشاهد أبنائها العناترة أفورقي وسيلفاكير وموسفيني، يبكون ويصرخون ويشتكون لعدوهم عمر البشير الذي يمد لهم بيد المساعدة، بعد ان كانوا متحمسين لحشره في قفص الإتهام الأمريكي، ويبدو حسب المؤشرات وحسب حاجتها اليوم وقع إختيارها لقيادة المرحلة القادمة في ارتريا علي جماعة المدرخ المنشقون عن النظام الذين تري فيهم توفر الشروط التي تتطلبها ضرورتها.
وإذا عدنا إلي الوراء أبان الحرب البارده في أواخر القرن الماضي كان صراعها مع الاتحاد السوفيتي علي أشده وتدخلاتهم الدامية كانت في جغرافية ما كان يسمي بالعالم الثالث، والذي كان بمثابة قطع الشطرنجة التي يجيدون فيه ألعاب الدمار، ومن هذه التدخلات تدخلهما في القرن الأفريقي، فأثيوبيا التي تعتبر الدولة الكبري في هذا القرن ويعتبرها الغرب القلعة المسيحية في أفريقيا التي قاومت الاسلام، كانت عبر القرون محميتهم التي تطلب النجدة في أزماتها مع جيرانها،وعندما أطاح منغستو هيلي ماريام الشيوعي بنظام الأمبراطور هيلي سلاسي المسيحي الموالي للغرب،قد تغير ميزان القوة في المنطقة لصالح السوفيتي الذي كان متواجدا في كل من عدن والصومال.
وبسقوط أثيوبيا في معسكر موسكو فقدت أميركا توازنها بهذا الحدث الكبير في المنطقة، ولإعادة ما فقدته في اثيوبيا كان أمامها حسب إعتقادي ثلاثة خيارات من التحالف، الخيار الأول كان الصومال الذي كان مواليا للمعسكر الإشتراكي وبمجيء منغستو واختلاف المصالح ترك المعسكر الاشتراكي الصومال و إحتضن اثيوبيا منغستو،فلجأ سياد بري إلي المعسكرالغربي، ولكنهم استبعدوه ولم يقع عليه الخيار، وذلك حسب إعتقادي لسببين الأول أن الصومال دولة مستقلة وعندما تدخلت بجيشها في الاوجادين وتوغلت داخل الأراضي الأثيوبية وهزمت جيش منجستو هيلي ماريام هزيمة كبيرة هبت الدول الاشتراكية لنجدته بالقوة وبتدخل سافر،ولكن الغرب لم يلتقط الفرصة لإسقاط منغستو وخذلوا الصومال لأن تدخله المباشر يخالف القانون الدولي وهوتدخل مكشوف غير مقبول لدي المجتمع الدولي وكان هذا هو المبررالذي ساقوه، والسبب الثاني أن الصومال له إمتداد اثني وديني داخل أثيوبيا وهو السبب الاساسي لتخوفهم، اذ ستصبح القوة في داخل اثيوبيا إذا انتصر الصومال للمسلمين والغرب الراعي لمسيحيتها لا يقبل بذلك، فانهزم الصومال هزيمة كبيرة مذلة علي يد الاشتراكية الدولية، وكان انعكاس هذه الهزيمة الكبيرة هو الذي أدي للصوملة وليس صراع القبائل كما يقال لان الهزائم الكبيرة نتائجها المرتدة كارثية إذا فقدت القيادة السيطرة، الخيار الثاني لأميركا والغرب كانت جبهة التحرير الأرترية، كذلك تم استبعدها وحسب اعتقادي كذلك لسببين: السبب الأول علاقة الجبهة وقربها النفسي والعضوي من الدول العربية وهو ما لا ترغبه أمريكا والدول الغربية، والسبب الثاني أن العنصر البشري المكون للجبهة كان اسلامي في غاليبته وليس له امتداد مؤثر داخل الأثيوبيا، وهكذا وقع الإختيار علي الجبهة الشعبية، ذات التأثير الديني المسيحي وذات التأثيرالإثني التجراوي وقربها العضوي والنفسي من المجتمع الأثيوبي، إختاروها لهذه الأسباب الثلاثة وليس كما يدعي أنصارها بأنها وصلت السلطة بذكائها، وبهذا أخلوا لها الساحة من المنافسين المحتملين في الصراع القادم بالمساهمة في تصفية الصومال والجبهة، ونشأت التحالفات الجديدة بين التجراي ومن معهم من القوي الأثيوبية الأخري المعارضة لمنغيستو هيلي ماريام وبين الجبهة الشعبية الأرترية، كان بامكان جبهة التحرير وقوات التحرير الشعبية الوقوف لقراءة حدث واحد مهم وبدقة الف مرة والوقوف عنده وليس تمريره مرور الكرام بالغفلة، فمناضل في الميدان يقود فصيل في الغابات ولا يمثل دولة وهو اسياس أفورقي، تستدعيه امريكا في الخرطوم و تخفيه سفارتها بين موظفين السفارة وتذهب به إلي مطار الخرطوم لمقابلة اعظم رئيس دولة متحكمة في العالم وهوالرئيس كارتر الذي ينتظره ليعطيه التعليمات لعمل المستقبل، حتي حكومة السودان لم تكن تعرف ما يحدث بين الأثنين فوق أرضها، فالقياس بين الشخصيتين بعيد، ثوري لا يعرفه العالم وفي الغابات ورئيس أعظم دولة متحكة في أنفاس العالم يلتقيان بهذه الأهمية في مطار دولة ثالثة منتهكين كل الأعراف الدولية، فاللقاء لم يكن إلا علي الوضع الأثيوبي الشامل وكيفية إزاحة منغستوهيلي ماريام أسرار مخفية لا يعلم بها إلا الآمر والمأمور، وكانت كل القوي الأخري التي تم استبعادها جبهة التحرير ومن انشق عنها ومنهم جناح رمضان داخل الشعبية سقطوا فيما بعد في غياهب جبوب نحن وأهدفنا بالغفلة والكيد والتشنجات السياسية فيما بينهم، ولم يقدرّوا قوة التحالف ضدهم واستبعادهم، فخسروا وأصبحوا يتلاومون، والحقيقة لم يكن لهم وقتها استعداد لمجابهة مثل هذه التحالفات الكبيرة، واليوم عندما يظهر فجأة تنظيم المدرخ من خارج المعارضة بهالة كبيرة يحاط بها ويقدم فيها بأنه القادر والمنقذ للمعارضة العاجزة وبمبادراته الجريئة التي سوف تحقق ما عجزت عنه التنظيمات المعارضة الأخري خلال الخمسة والعشرون عاما وهي في أكثريتها محسوبة علي المسلمين، ما هو إلا إختراق جديد للمعارضة ليسلبوا تضحياتها لصالح الإسياسيين، وتعظيما من شأنه ودوره واحباطا لمعنويات المعارضين الذين ضحوا في سبيل رفض تسلط النظام، ولإعطائه كذلك إرث من التضحية ضد النظام والتي يفتقدها، تقرأ أخيرا أنهم معرضون للتصفات من النظام، هكذا تسلط علي المدرخ أضواء الإعلام المبيتة المدروسة، وتجد من بعض أبناء المسلمين المبررين لقبولهم دون معرفة هويتهم – وأمثالهم كانوا أساس دمار المسلمين - يسوقون عبارات مثل العيب فينا، ويقللون من مكانة المسلمين بنعتهم بالقبلية والإقليمية وغيرها وكأن الأخرين يملكون طهارة الملائكة، وكقولهم لماذا لا نضمّهم علي المعارضة لتستفيد منهم، والسخرية المقصود ة من بعض كتاب الأسماء المستعارة من كيانات وشخوص المعارضة، كلها الهدف منها إيجاد موطئ قدم متقدم للمدرخ داخل المعارضة،وقد تجد بين هؤلاء الهمازين البرئ الغافل، والمؤمن بأهدافهم، والمتخفي من النظام والقاصد تدميرالمعارضة.
هذا الحدث الذي يعيد نفسه بلقاء رسل امريكا الجدد المدرخ برئيس وزراء اثيوبيا، أشبه بحادثة لقاء اسياس بكارتر في مطار الخرطوم، لأن القوي الدولية الفاعلة وهي أمريكا والدول الغربية في القرن الأفريقي يرون أن غصن اسياس الذي تم استهلاكه قد سقط، وقد استبعدوا المعارضة التي يعتقدون أنها غير محسوبة عليهم كما فعلوا بالجبهة والصومال، ولهذا يدفعون المدرخ المبشرالجديد بالجنة الأمريكية، ويغدقونه بالأموال لتسهيل حركته وجذب الأعوان إليه وخاصة من المسلمين.
المعارضة متواجدة علي الاراضي الأثيوبية منذ خمسة عشر عاما ولكن لدي أثيوبيا والغرب لم تكن لها هذه الأهمية، ليس لفشلها لأنها تملك أشد الرجال وأكثر الخبرات، ولكن الأسباب هي ذات الأسباب السابقة الامتداد الاثني والديني والقبول النفسي، لم تتوفر فيها هذه الشروط، اليوم يقدمون من تتوفر فيهم شروط القيادة لديهم وهو المدرخ حسب مصالح الطرفين الاثيوبي والغربي ليلتقوا برئيس الوزراء الأثيوبي، وهم يرفعون شعار إنقاذ المعارضة ومجلسها الوطني الذي تعطلت مكينة كومره بفعلهم، ويحاول بعض أعضاءه من المسلمين صيانته برأس كومرالمدرخ المعطوب.
فالمعارضة المحسوبة علي المسلمين استبعدوها كما استبعدوا جبهة التحرير الأرترية في سبعينات وثمانينات القرن الماضي، والسقوط اليوم أصبح في غياهب جبوب حادي حزبي وحادي لبي , وما زال الكيد السياسي والغفلة تسود القيادات المسلمة،وعندما قدم المدرخ الدعوي لقيادات الفصائل السياسية لإجتماع نيروبي كانوا قد خرجوا ببيان باهت أشبه بحكاوي ألف ليلة وليلة وما حدث هو أن عفاريت السند باد خطفت من بين كفي المعارضة، المدرخ علي بساط الريح، بعد أن جمع من البحار الأسماك التي قدم بها إلي اديس أبابا، واستوت فوق الساج الأثيوبي، ولكن العارضة الإسلامية، لا تعرف كيف إتكلت الأسماك، علي الرغم أنها تعرف منهم الآكلون، والمدرخ قبل أن يدركه الصباح رفض الإفصاح عن الكلام غير المباح.
وعندما يقول المجلس الوطني إنه سيتفق علي الحد الأدني لإجتماع أعضاءه وتسيير تحضيريته للمؤتمر الثاني، نسي أوتناسي أن المجلس الوطني عند تأسيسه في أواسا قد تم انتخابه علي أساس الحد الأدني من التوافق، شطبت كل الوثائق والدراسات التي حضرتها التحضيرية من مسودة الدستور و وثائق نظام الحكم وغيرها، ومع كل ذلك استبشر الشعب بالخير لمجرد وجودهم في المعارضة بكثافة، ولكن حتي هذا الحد الأدني دمروه، واليوم عندما يأتي المجلس ويقول الحد الأدني، انما هو في الواقع يقول: الأدني من الحد الأدني وهكذا تنازل تدريجي نهايته خسارة الخاسر ومكاسب الكاسب، إذا كان المدرخ وغيره من فصائل التجرنية متفقون مع المعارضة الإسلامية في إزالة نظام حكم إسياس ومحاكمته فعلي ماذا يكون إتفاق الحد الأدني، لماذا لا يقبلوا بمبدأ تنازل الكاسب وإكساب الخاسر، ويزيلوا بدون غموض كل هذه الشكوك والتحفاظات من المسلمين مما ينتهجونه، بصراحة هم يرفضون التغيير في نظام الحكم هدفهم فقط رأس النظام، ويحرصون علي إبقاء الهيمنة السياسية والعسكرية والإقتصادية التي حققها لهم أفورقي وكذلك إبقاء نظرتهم الإستعلائية من رفض اللغة العربية والثقافة الإسلامية وإغتصاب الأرض وتجرنة الدولة، هذا هو منطلقهم وهذه هي خطوطهم الحمراء، وهو منهج إسياس أفورقي في الحكم، فإذا كان منطلقهم واحد أليس اسياس بمنهجه موجود في الحكم؟ لماذ تعمل المعارضة ومجلسها الوطني باستبداله بمثله؟ وما هي مكاسبها معهم؟ لماذا التعب معهم بعد أن ضحي فيها المسلمون بالكثير، ويأتون بالبديل المتمسك بانجازات النظام القديم؟إن أحدا لم يعترض علي نشاط المجلس الوطني ولكن في ظل التمسك بأهداف وخطوط المعارضة الشامل، وليس بإختزالها بمراضات المعطلين لعمله،وغير المعترفين بوجوده، وهضم حقوق الآخرين.
إن كل المؤشرات تدل علي أن هناك مرحلة جديدة قادمة في أرتريا الغرض منها استمرار هيمنة التجرنية علي الحكم مدعومة من الغرب ومن أثيوبيا راعية المعارضة، وابعاد المعارضة الإسلامية عن الحكم بعد أن ضحي فيها المسلمون بالكثير وارهقوا النظام، يريدون أن يخطفوا خلاصة زبدة الخمسة والعشرون عاما من المعانات والبؤس والحرمان كما فعلوها مع جبهة التحرير وقوات التحرير، فالصراع حضاري تريد اثيوبيا والغرب أن يشكلوا هوية هذه الدولة الحديثة الصغيرة بالهوية الأكسومية للسيطرة عليها بعيدا عن الدول العربية، وإلحاق المسلمين المهمشين والمغلوبيين بالحضارة الأكسومية في ظل التجرنة القائمة المرضي عنها، والقادمة مع القادمين الجدد، فهل يقبل المسلمون بذلك؟ فهو تحدي جبار وبالتأكيد سوف يكون التحدي الأكبر، لأن تغيير الهويات والإلحاق وسلب الأراضي وتجرنة الدولة التي تسعي معارضة التجرنية لتحقيقها كنظامها، سوف لا تكون بهذه السهولة التي يتخيلونها، فلكل هويته وثقافته وأرضه وتراثه ولا يستيطيع أحد إلحاق أرتريا بكامل إرثها الحضاري إلي الأكسومية، فهي إما للجميع وإما خراب الدولة، فأي الخيارين يفضلون؟ يجب أن يكون هذا هو السؤال المطروح؟ ويجب أن يكون التصور بمثل هذا الوضوح؟.
للتواصل مع الكاتب: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.