لماذا جبهة التحرير الإرترية - الحلقة الخامسة والأخيرة

بقلم المناضل الأستاذ: عثمان صالح - كاتب ومفكر سياسي

في مستهل هذه الحلقة إنوه الى ان ما أوردته في الحلقتين الثالثة والرابعة من مهام نضالية للجبهة

سواء ما كان منها خاصا بالمرحلة الراهنة أو مهام مستقبلية لم تكن من عندي ولكنها مقتطفات منقولة نقلا من برنامج التنظيم وهي التزامات وتكليفات مطلوب النهوض بها تنظيميا وسياسيا. وواضح انها في مجملها أهداف ومطالب آنية ومنها ما هو حقوق ومطالب تتطلب العمل من اجلها في الدولة لتحقيقها اولا ولحمايتها وضمان استمراريتها ثانيا. وكما لاحظتم ليس فيها مطلبا هامشيا ولا هدفا تجاوزه الزمن لم يعد الشعب الارتري بحاجة اليه.

كما انه موضوعيا لا وجاهة تقتضي اعتبار كيان سياسي يضع كل ما تقدمت الاشارة اليه كمهام نضالية له، كيانا غير مواكب من حيث متطلبات الراهن او المستقبل إلا ان تكون الخصومة هي الحكم الذي يسوق الى هذه الخلاصات.ذلك ان الحداثة والمواكبة بقدر اهميتهما للحياة فلا يجوز ان يتخذا من الخصومة مع الماضي منطلقا ولا ان يكونا وسيلة هدم للحاضر ولا عامل تثبيط.

بل المطلوب ان يكونا اداة محفزة نحو المستقبل ومن شروط هذا التحفيز الا يهملا الراهن كليا بل لابد من اخذ حقائقه بعين الاعتبار حتى وان كانت غير مرضية فمثلا بهذا الخصوص لابد من اجابة صادقة عن عناصر الخطاب في الدعوة الى التجديد ودائما أميل الى استخدام مفردات (التجديد والتحديث والتطوير والمواكبة) لانها لا تهمل الاصل ولا تخاصمه عكس مفردة التغيير التي تخاصم الاصل او تهمله في احسن الاحوال.

١) ماهي القضايا الملحة التي تطرحها المرحلة؟

ج) (اسقاط / تغيير/ إزالة) النظام.. هذا واجب المرحلة ومهام التنظيمات منذ العام ١٩٩١م وبروز الموقف الجاحد للشعبية والمتنكر لحقوق الارتريين في وطنهم، وتلك هي مطالب شعبية في حقيقتها حتى وان صارت اهدافا سياسية للتنظيمات. إذن ماهي الصيغة الجديدة التي ينبغي ان تطرح الآن؟ لا اتصور أية امكانية للجنوح الى مطالب معاكسة أي - المحافظة على النظام مثلا - مهما ساء واقعنا الراهن فعجزنا عن تحقيق اهدافنا ومطالب شعبنا لا يلغي شرعيتها البتة. والصحيح حتى في حالة العجز ان لا نحوّل الوجهة ونعرقل سير التاريخ فببقاء الوجهة لنا ضمانة ان اجيالا اخرى تأتي وتكمل المسيرة وتحقق ما عجزت عنه اجيالنا.

٢/ واذا سقط النظام او تغير – بغض النظر عن الفاعل- ما هو البديل المطلوب؟

ج/ على ضوء الارضية المشتركة للقوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني وعموم مطالب الشعب خلال العقود الثلاثة الفائتة فان الاجابة وباختصار هي:-

(نظام ديمقراطي تعددي /دولة مؤسسات وحكم قانون وحقوق انسان / نظام حكم لا مركزي / دولة تلتزم بحسن الجوار وعدم التدخل في شئون الغير وتقيم علاقات ايجابية في المنطقة والعالم ).. إذن هذه وغيرها تصورات بل مطالب واهداف مرسومة منذ اكثر من ثلاثة عقود بل في اغلبها متفق عليها بين كل القوى التي تتم الاشارة اليها دائما (بالمعارضة) وعليه فلا غرابة مطلقا في ان يظل الخطاب السياسي مرتبطا بها ويدور حولها باستمرار لانها لم تتحقق بعد، وإذا تحققت فبداهة سيدور حولها ايضا من اجل تأمينها وحمايتها وحسن تطبيقها.. فماهو التجديد المطلوب فيها؟.

وهل التجديد مطلوب فيها هي ذاتها أم في خطابها أم في وسيلة المطالبة بها؟. قد يرى بعضنا التجديد في (الوسيلة) وليس في هذا غرابة لكن على من يقول به استحضار ان القوى التي تقاوم الدكتاتورية رغم اتفاقها على جزء مهم من الاهداف والمطالب لكنها في ذات الوقت تبنت اكثر من وسيلة في سعيها نحو هذه المطالب الموحدة.

ولذلك فان كياناتنا الجماعية اعتمدت (اتباع كل الوسائل) لكي يكون في الامر متسع وليترك لكل الحق في ان يحدّث وسيلته دون الاعتداء أو الاعتراض على وسيلة الآخرين والاصل في هذا إن اختلاف الوسائل متولد اساسا عن تعدد في الافكار والرؤى وبالتالي هو احد أهم أوجه الحياة التي نناضل من اجلها (التعددية) وعلى فهم ان نجاح أي منهم في تحقيق مكاسب على طريق الهدف هو بالنتيجة رصيد للجميع.وبحسب متابعاتي المتواضعة فان مبعث السؤال:

لماذا التمسك باسم (ج ت إ)؟. – مع هامش الاختلاف في الدوافع – ثلاث حالات:

الاولى: بعض (وبعض هذه مهمة) منتسبي تنظيمات أو احزاب تعود في جذورها الى تجربة الجبهة، نشأت عن الانشطارات التي اصابت التنظيم واختارت عناوين اخرى لنفسها – قريبة او بعيدة الدلالة.

الحالة الثانية: هي (بعض) منتسبي تنظيمات وأحزاب نشأت اساسا على أرضية رؤى وأهداف مخالفة للمشروع السياسي للجبهة.

الحالة الثالثة: هم أفراد كانوا جزءً من مسيرة الجبهة ولاسباب عدة ابتعدوا عن المسرح السياسي برمته، تضاف عليهم فئة صغار السن ممن لم ينتموا ولم تتح لهم لا فرصة العمل ولا فرصة الاطلاع على تجربة الجبهة.

اخيرا هناك ملاحظات تجب الاشارة اليهما:

ان (ج ت إ) بعد المؤتمر الوطني الثاني وكذلك كل التنظيمات التي تمسكت باسمها وبرنامجها وعلى عكس الصور التي ذكرت لم اعثر لها على اعتراض على نشوء تنظيمات جديدة (فقط الاعتراضات كانت ترد في حالات الانشطار داخل الجبهة ذاتها وفي معرض التنافس على الاسم لاكتساب الشرعية السياسية والتنظيمية) ثم تنتفي هذه الحالة ويتم القبول بالأمر الواقع.. اقول لم اعثر على اعتراض واحد من تنظيمات الجبهة على نشوء أي تنظيم جديد ولا على أي اسم تم تبنيه في الساحة فيما يدل على سعة افق مشروع الجبهة وربما لاطمئنانها على صحة الاختيار حتى الآن../ الاصل في التمسك باسم (ج ت إ) ان لها ارثا نضاليا عظيما وتضحيات باهظة قوامها مئات الآلاف من الشهداء والجرحى والمفقودين واللاجئين وأموال ضخمة تم الاعتداء عليها بحجة محاربة هذه المسيرة إذن هي مسيرة تتعلق بها جملة هائلة من الحقوق المادية والمعنوية على امتداد اكثر من ستين عاما فمن سيكون مدافعا ومعبرا عنها ومطالبا بها في غياب الكيان الذي قدمت تحت رايته؟.

نعم كل الارتريين شركاء في جزء من هذه المسيرة وتضحياتها ولكن بعد العقد الاول اختلفت العناوين وتباينت المقاصد وتعددت الكيانات ولكن استمرت التضحيات بعناوينها الجديدة والعقل والمنطق والقانون والسياسة كلها تقول ان الجميع سيدافع عن آخر خياراته.

وكذلك فإن التعددية التي نناضل من اجلها لن تقبل ان يكون احد هذه الخيارات (التنظيمات) وكيلا عن الجميع. فقط سيكون ممثلا لآخر اصطفافاته السياسية وحينها فان الغائب (المتروك) لن يمثله احد في معترك السياسة وستكون جريمة كبيرة بحق تاريخنا الوطني.

في هذه المرحلة التي تعاني فيها كل القوى السياسية التي تقاوم الدكتاتورية اعوجاجا كبيرا يتمثل في هذا الانصراف والعزوف الغريب لفئة الشباب عن الاهتمام بالدور المنوط بهم ليس مناسبا ان يكون معيار صحة التمثيل والمشروعية سواء للجبهة أو غيرها من التنظيمات السياسية فقط باعتبار ظاهر الحال من غلبة مكون اجتماعي معين في قيادة او قواعد الكيان فان العنصر (الغائب) الذي اشرنا اليه هو الذي سيغير الملامح الحالية لجميع التنظيمات.

وفي ظل غياب هذا العامل الضروري والحاسم فان اقرب الاعتبارات موضوعية هو التعويل على البرنامج في مثل هذه الامور كما كان حال الجبهة في سنواتها الاول اذ استطاعت ان تمثل بمشروعها الوطني كل الشعب الارتري رغم غياب بل وسلبية مواقف قطاعات واسعة من مكونات الشعب الارتري.

Top
X

Right Click

No Right Click