لماذا جبهة التحرير الإرترية - الحلقة الثانية

بقلم المناضل الأستاذ: عثمان صالح - كاتب ومفكر سياسي

الوثائق الاساسية لأي كيان سياسي تتألف بصورة اساسية من رؤى متكاملة توصف بانها

(المشروع السياسي) للكيان تعتبر هاديا له في مجمل الجوانب والمجالات منها مثلا:-

١. السياسية: بما في ذلك ادارة الدولة وعلاقاتها مع المواطن والعالم.

٢. الاقتصادية: بما في ذلك منهج التنمية.

٣. الاجتماعية: بما في ذلك مهام الخدمات ومنهجها.

٤. السياسات الدفاعية والامنية: وبالتالي يمكن القول اجمالا ان البرامج السياسية هي موجهات اساسية لفلسفة القوى السياسية في مهام خدمة الدولة والمواطن معا.

ومن هذه اللمحة المختصرة يفهم ان برامج القوى والاحزاب في كل مكان وان كانت تخضع للتقييم والمراجعة والتطوير في فترات موصوفة في انظمتها الا انها من حيث الاساس هي مشروعات ومهام طويلة المدد وعلى امتداد اجيال.

‏‎وفي ضوء ما اشرنا اليه من ان اغلب الاهداف المركزية والمقاصد الاساسية التي تتضمنها البرامج السياسية وبالتالي الادوات والوسائل المعبرة عنها هي مهام طويلة الامد، فحتما ستكون مسيرة الكيان كذلك تمتد الى عقود من الزمن والى اجيال عديدة.

قد تأتي على الكيان السياسي مراحل يعجز فيها كليا عن الاستمرار في المشروع، وهنا يكون (حل) الكيان والانتقال الى مرحلة اخرى امرا منطقيا لمخالفته شروط ومعطيات الحال، او قد يفقد ارضيته النضالية (كأن يصبح برنامجه مخالفا لمطالب الراهن أو يتناقض مع اجماع سياسي أو رغبة شعبية أو نتيجة استفتاء / او لإنقضاء أجل الاطر الجبهوية الجماعية المؤسسة على المهام المرحلية المؤقتة)، فيتوصل من خلال مراجعاته الى انه لم يعد مناسبا سواء كان من حيث العناوين أو من حيث المضامين لمتطلبات المرحلة ويقرر الارتقاء بذاته وادوات عمله ويحل نفسه ويندمج في كيان آخر من ذات الوجهة اكثر ملاءمة للمرحلة كأن تكون وسيلته لتحقيق الاهداف (الاساليب السلمية) ثم تقتضي المواجهة الانتقال الى الكفاح المسلح (حركة تحرير ارتريا مثالا).

‏‎وقد تتمكن المسيرة من تحقيق بعضا من اهدافها او جلها او حتى كلها فهل يكون هذا الانجاز مدعاة لالغاء الكيان الذي كان وسيلة الوصول الى المبتغى واداة لتحقيق الهدف؟. ابتداء لا اتصور ان عاقلا يقبل على تدمير الوسيلة التي حقق بها اهدافه كلها او بعضها، فالاهداف التي تتحقق بتضحيات باهظة تحتاج الى حماية دائمة وتضحيات مستمرة لصيانتها من العبث والضياع مرة اخرى ولايوجد حارس أأمن عليها ممن ضحى في سبيل تحقيقها. كما ان الكيان الذي قدم التضحيات الجسيمة يكون قد ارتبط في وجدان الشعب وعلق في ذاكرته بالصور البطولية التي مكنته من هذا الانجاز وصار مكونا مهما من التاريخ الوطني وبالتالي يكون سفرا ملهما للاجيال المتعاقبة لمزيد من صور العطاء والبذل من اجل المحافظة على الانجاز وحماية الوطن.

وبطبيعة الحال فان هذه الاستمرارية لا تتناقض مع التجويد والتجديد في المهام بحسب مقتضيات الحال ومتطلبات المراحل وتحديث الطرق والاساليب التي تؤمن النجاح بما في ذلك تجديد طرق الادارة وحسن تنظيم العمل وتوسيع المشاركة وتنويع النشاط بحيث يكون الكيان ممثلا حقيقيا لنبض الشارع وحاجات المجتمع.

ومهمة التطوير هذه ليست مهمة المؤسسين وانما مهمة الاجيال المتعاقبة التي ينبغي ان تحرص على التأكد من صلاحية الكيان لمرحلتها هي ثم عليها من بعد ذلك ان تهتم بتوريث ما بعدها من اجيال كيانا مرنا قابلا للتطور والتجدد مع المراحل.

نواصل بإذن الله... في الـحـلـقـة الـقـادمـة

Top
X

Right Click

No Right Click