لماذا جبهة التحرير الإرترية - الحلقة الأولى

بقلم المناضل الأستاذ: عثمان صالح - كاتب ومفكر سياسي

يلح بعض الارتريين على توجيه هذا السؤال على الجبهجيين. وهو سؤال يدخل في عداد الاسئلة العادية

اذا اعتبرناه محض استفسار يستوضح غموضا ما في الامر، ولكن ما يجره الى خانة الغرابة ان ينطوي على مضمون (استنكاري) أو بما يوحي انه نوع من انواع (الاعتراض) على استمرار الاسم او استمرار البرنامج وكأن في الامر غرض مما يسهل الركون ببساطة الى القول ان مثل هذا السؤال (الاستنكاري) لايمكن تصور صدوره إلا من (متضرر) بالدرجة الاساس بغض النظر عن مستوى الضرر او درجة الأذى.

فإن صح هذا الافتراض فبدوره يقتضي سؤالا مهما مقابلا هو: من يتضرر من التمسك باسم ‎وبرنامج جبهة التحرير الإرترية؟.

‏‎الحقيقة هناك فئات يحددها التاريخ النضالي للشعب الارتري بانها قد تضررت فعلا من ميلاد وأداء وتضحيات (ج ت إ) وبطبيعة الحال يأتي في مقدمة هذا الصنف الاستعمار الاثيوبي، واعوانه من الاوساط والدول الاستعمارية التي هيأت له واعانته على استعمار ارتريا، وكذلك ادواته المحلية من الارتريين الذين حاربوا المشروع الوطني الذي تمثل في (ج ت إ) وهدفها المركزي في الحرية والاستقلال.

ولكن مع صمود (ج ت إ) في المواجهة المكلفة ضد المستعمر واعوانه واستمرار ثبات الطرح الوطني للجبهة انقشع الجزء الاكبر من التشويش الذي حاول المستعمر ان يوظف له العاطفة الدينية والثقافية للتفريق بين الارتريين وبالتالي برزت (ج ت إ) كممثل سياسي وحيد للارتريين ومعبر عن رغبتهم في الحرية والدولة المستقلة.

من اجل الوصول الى صورة معقولة لفهم العلاقة بين برنامج الكيان السياسي (أي كيان سياسي) وعنوانه سأحاول الاجابة على بعض الاسئلة التي ستشكل مدخلا (عاما) وضروريا ندلف به الى موضوعنا الخاص.

وابتداء لابد من التأكيد ان أكبر الأخطاء التي يقع فيها العديد ممن يخوض في المناقشة لهكذا شئون سواء كان تحت بند (التقييم / او الحكم / او الموقف) ان تصدر الخلاصات التي تشبه (الاحكام) ممن ينظر الى المسألة محل النقاش:-

١. بعين العدو أو الخصم أو المنافس أو اللامبالي في احسن الأحوال، بما يجعل (حقيقته) هذه جزءً مما يخلص اليه رضي بذلك أم لم يرض.

٢. بعين تقرأ الافراد لا المشروع السياسي والرؤى في البرامج وهكذا يصل الى خلاصة وتصورات ظالمة وغير صحيحة عن المشروع، كالذي يتخذ موقفا من الاسلام لان (س) من المسلمين يسكر او يزني او لا يصلي.

٣. بعين لا ترى التجديد والمواكبة إلا من ثقب التضاد فقط وهو موقف سلبي وحالة مستجدة من الجمود وعبء سياسي اضيف مؤخرا على الساحة.

٤. بعين تختصر كل مطلوبات المواكبة والتجديد في المظهر والعناوين والاسماء وكفى.

‏‎وفي معرض تناولنا للعلاقة بين (الاسم) و(المشروع) المحمول والمأمول لابد من طرح مجموعة من الاسئلة ونحاول الاجابة عليها:

• هل من ضروريات (الاسم) ان يصف (المسمى) بالتمام والكمال وبكل اساسياته وفروعه؟

• هل المهم ان يرتبط اسم الكيان السياسي بالوسيلة أم بالهدف النهائي؟

• هل تحقق بعض اهداف المشروع السياسي يستلزم تغيير الاسم؟ وهل تحقق الهدف المركزي يسلتزم تغيير الاسم والوجهة؟ وبصورة أخرى هل تحقق الهدف المركزي للكيان السياسي يقتضي نهايته ام استمراره لحماية ما تحقق وتطوره مع مقتضيات كل مرحلة ومطالبها؟

‏‎فيما يتعلق بالعلاقة بين الاسم والكيان السياسي لابد من مناقشة هادئة لهذه العلاقة. عموما ان اسماء الكيانات السياسية ليست مجرد كلمات بعيدة الدلالة عن أهداف الكيان بل هي مؤشر بقدر او آخر على المشروع السياسي وعنوان لمقاصده قد يكون دالا تصريحا على بعض مضامينه واهدافه بغض النظر عن مستوى هذا التصريح وقد تبقى هذه الاشارة على مستوى التلميح فقط لضرورات كما سنلاحظ لاحقا.

وقد تبرز الوسيلة المتبعة وتهيمن على اسم الكيان وتطغى على ما سواها من مضامين ومهام نضالية مثل مفردات (تحرير / جهاد / افواج / او سرايا) وقد يطغى الشكل التنظيمي على الاسم مثل (حركة / جبهة / حزب) وقد يكون كامل الاسم هو المهيمن كما يلاحظ في الاختصارات (أمل / داعش).

وقد يجمع اسم الكيان السياسي كلمات دالة على كل من الوسيلة او الهدف والشكل التنظيمي بحيث يوجد نوعا من التوازن بينها.

وبما ان جل الكيانات السياسية تعتمد برنامجا لمرحلة زمنية قد تمتد لعقود فليس من المتصور ان يحمل اسم الكيان السياسي (كل) تفاصيل البرنامج.

وبحسب متابعاتنا المتواضعة لسلسلة الكيانات السياسية وحتى غير السياسية التي برزت منذ ميلاد الحراك السياسي الذي ظهر في بلادنا في مستهل الاربعينات وفي منطقتنا بشكل عام والعالم بشكل اعم فان الغالب في هذا ان يحمل الاسم (بعضا) من مضامين واهداف الكيان وقد يكون اهمها على الوجه الارجح ولكن ليس ضروريا ان تصب في الاسم كل الاهداف والمقاصد، وبالمقابل فان اسماء بعض الكيانات ليس فيها اشارات صريحة لأي من اهداف ومقاصد الكيان وقد يكون ذلك شكلا من اشكال التمويه او التغطية حماية للكيان من الملاحقات والتضييق.

نقول هذا في اطار قراءة الاسم ومقارنته بالمقصود السياسيى للكيان بعيدا عن مقارنة الاسم بالممارسة التي قد يكون فيها احيانا التناقض كبيرا بين الممارسة والاسم.

• هل من شروط معقولية الاسم ان يغطي الاسم كل مراحل الأداء للكيان السياسي - أي ان يستوعب كل المراحل التاريخية للمسمى؟


‏‎فيما يتعلق بعلاقة الاسم وصلاحيتها لكل المراحل التاريخية ففي تقديري الامر فيه متسع. وهنا لابد من التفريق بين المشروعات السياسية والكيانات التنظيمية المعبرة عنها، وبين مفهوم أو مزاج (الموضة الذي طبع ساحتنا السياسية مؤخرا).

ذلك ان مسألة الحداثة ومترادفاتها انما هي في الاصل مسألة سلوك وممارسة بالدرجة الاساس وليست مسألة اسماء وعناوين.

فالدعوة بالحكمة واتباع اسلوب الحوار والمناقشة الموضوعية في عرض الافكار، ونظافة الانتخابات وتداول السلطة، وافتك انواع الاسلحة، وارقى وسائل السفر والاتصال، كلها أدوات واساليب موصلة وليست اهدافا لذاتها.

ومثلما تكون اسماء الكيانات السياسية ذات دلالة بقدر او آخر على الاهداف كماسبقت الاشارة، فقد تكون الاهداف في ذاتها ذات مدلول على زمنها ايضا كأن تكون قريبة مدى او متوسطة مدى وقد تكون اطول بحيث يستغرق تحقيقها مراحل زمنية عديدة وتمتد مهمتها الى اجيال متعاقبة، وقد تكون اهدافا دائمة دوام الحياة كتلك المؤسسة على ارضية الدين او الحرية والديمقراطية باعتبارها قضايا تبقى الحاجة اليها مستمرة.

وتأسيسا على هذا وفي غالب الاحوال فلا يتصور ان يحمل أي كيان سياسي عقلاني في وثيقة برامجه (المنفستو)، تاريخ انتهاء صلاحيته، ولهذا فان الخوض والاصرار على هكذا مطالب يعتبر نوعا من لغو الكلام ومضيعة للوقت.

نواصل بإذن الله... في الـحـلـقـة الـقـادمـة

Top
X

Right Click

No Right Click