إلى متى الصمت قـولوا شيئاً

بقلم مهندس: سليمان فايد دارشح - كاتب وبـاحث ارترى

بسم الله الرحمن الرحيم

إرتريا شعبها، شعب عظيم، جسد أروع صور البطولة والتضحية والفداء، حتى استطاع أن يحقق

بإقتدار النصر المؤزر، ونال مبتغاه الاستقلال التام، ولكنه للأسف الشديد، ما هو ماثل اليوم هذا الشعب يقف صامتاً، يضع يده علي خده، لا يفعل شيئاً ولا يقول شيئاً، لوضع حداً لحكومة الجبهة الشعبية المستبدة التي تعوث في البلد، فساداً وقتلاً وتعذيباً، وفي اقتصادياته نحراً وتهديماً، وفي أخلاقياته وقيمة وموروثات ناسه تحويراً وتزييفاً، وفي معائش مواطنيه نهباً وخطفاً!! فها هو الحرمان قد قيد أيدي الشعب الذي كان كريما، والبلد منذ استقلالها وحتى الأن، لم تخطو الخطوات التي كان مؤملة لها، حتى كل ما هو أصيل من الأخلاق ونبل وشهامة أين هو، مما يسود اليوم في البلاد، من انحطاط في الخلق والأخلاق والقيم والشرف.

وفوق ذلك كله تلوذ حكومة الجبهة الشعبية المتسلطة بالأكاذيب، فتنتقيها ببراعة، وترسلها في غضب وهياج، بغرض إقناع من يتحلقون حولها، ليظلوا صامتين لا يثورون، ولا يحتجون، ولا يتظاهرون، أو يرفضون سياستها الخرقاء وتصرفاتها الحمقاء، وهي - حكومة الشعبية - بذلك سعيدة كل السعادة، مطمئنة كل الاطمئنان، لأن الناس تسير في الحياة مسكينة، مطاطة الرؤوس، كالسائمة، التي تساق إلي المرعى، ومنه إلي زرائبها وحظائرها، لا مجموعة منها تخرج عن خط السير، أو تتمرد وترفض الانصياع لأوامر ونواهي الراعي والحارس!!. وبالتأكيد هذا الإنقياد بلا وعي والصمت الغير مبرر، هو الذي قوى ومكن حكومة الجبهة الشعبية الاستبدادية من تطويل أمد سيطرتها علي البلاد.

وكذلك أكاذيبها تترى، واتهاماتها الخطيرة تلفق، علي الذين يختلفون معها، بقصد عزلهم من المشاركة في بناء المجتمع، لا.. ليست ذلك وحسب، بل تقول لهم زائقة بأعلى صوتها: (نحن القيادة والريادة، الحُكم لنا بدون منازع، وإلى أبد الآبدين، وانتم تصمتوا، صمت اهل القبور، ومن لم يعجبه، فذاك هو البحر، فليشرب منه، أو يلقي نفسه فيه، ولا مأتم يقام، ولا عزاء يقدم)!!.

ومشهد آخر من مشاهد أكاذيبها، يتمثل في خطاباتها التي تلقيها في الاحتفالات الوطنية السنوية، حيث تعيد كل عام تكرار نفس الكلام الذي قاته العام الذي سبقه، وهي خطابات مغلفة بالأكاذيب في إنشاء ركيك، فاقد المعني والمحتوى، ليس فيها شيء جديد لحل المعضلات التي تواجه البلاد، تملأ نفس سامعيها حزناً وحسرةً وإنقباضاً.

والشيء الملفت والمذري حقاً هو أن الناس الذين يتم حشدهم بالأوامر إلي مكان الاحتفالات لسماع تلك الخطب الجوفاء، عليهم بالاستماع والصمت، صدقوا ما قيل لهم، او لم يصدقوا، و المهم هو أن يصفقوا ويهتفوا، ثم يرقصوا علي نغمات الموسيقي وينفض المولد!!.

وأيضاً أعتادت - حكومة الشعبية - في هذه الاحتفالات أن تذرف دموع التماسيح علي سيادة وطن منتهكة، وأمن بلد مهدد.

ألا يدرك هؤلاء الطغاة الفاسدين، أن هذه السيادة المنتهكة والأمن المهدد، ليس سوى صنيعهم، وحصاد انتهازيتهم، وتلاعبهم الفج بمصير الوطن ومصالحة، حتى حولوه إلي مجرد ملطشة يطمح فيه من هب ودب. كما تقوى وتتضاعف كل صباح جديد سلوكيات حكومة الشعبية الرديئة، من كذب ونفاق وتَدْليس، وسرقة وخيانة، وقسوة ووحشية وتخريب وفساد، وعدم إحساس بالمسؤولية، ولف ودوران، وتلون كالحرباء مع كل موقف وظرف داخلي وخارجي، والتباكي لكسب تعاطف وتأييد البسطاء وإنصاف المثقفين .. إلى آخر هذه السلوكيات الرديئة القبيحة التي يتناقلها الناس كالإرث، والتي هي سبب بلاء ونكبة هذا البلد وأهله!!.

وهذه الافتراءات والممارسات التعسفية، تدل بلا مراء ولا خداع نفس، أن الجبهة الشعبية، التي رضعت حليب الطائفية، لم تتولي مقاليد الحكم في البلاد، من اجل خدمة الوطن الممحون، ولا لخدمة شعبه المنكوب، بل تسلقت سلم السلطة من أجل برامجها وأهدافها الطائفية - نحن وأهدافها - ومن أجل السلطة والتسلط. وبالتالي لا يهمها ما يحدث للبلد وأهله، من ضياع وتوهان، وافتقاد دليل، انبهان هدف، وضباب رؤية، وضياع مستقبل!!. هكذا تسير البلاد منذ العام 1991م إلي يومنا هذا، كمركب فقدت مُجازيفها ودفتها في أيام عاصفة، هائجة الريح والموج!!. أنها بحق أزمة أسوأ قيادة، ومحنة حكم فاسد، ومأساة إنسان إرتريا.

إرتريا الجريحة الكسيحة.. متى يحس الناس، الذين يدعمون حكومة الجبهة الشعبية المستبدة، أنهم ينفخون في قربة مقطوعة، وإن هؤلاء الطغاة، لم يحققوا لهم مطمحاً أو أملاً أو رجاء، وأنهم يتركونهم هكذا كالبقرة الحلوب، يلجأون إليها كلما أحتاجوا لبنها!! هؤلاء حالهم مثل شخص يركن إلي ظل خادع، يحسبه يحميه من القَيْظّ الشَدِيدّ، ثم تلفحة ألسنة لهبه، ويغدو مثل الظمآن الذي يلوذ بالسراب كي يروي عطشه، ثم لا يجد إلا مزيداً من العطش، وخيبة الأمل وإنكسار الروح!! ألا يدركوا هؤلاء الناس، أن الشعب الصامت عن حقه والمنقاد بلا وعي، هو شعب هالك مهلوك، لن يري شمس حريته، ولن تكن له عزة وكرامة؟.

تحدث في هذا البلد أشياء تورث القلب الوجع.. فماذا ينتظر جموع الحادبون علي هذا البلد، وعلي حياة مصير أهله الطيبين.. أين أنتم، وأين موقفكم ؟.. ولماذا تلوذون بالصمت، وأنتم ترون بأعينكم، وتسمعون بأذانكم، هذا الذي يحدث للبلد وأهله طوال هذه السنون.. فإذن إلي متى الصمت، والإنكفاء علي ذات، وحرق الأرّم، وإغلاق الأفواه، ومسك الأقلام، والتواري خلف العجز؟..

متى تتحرك إرادتكم وتصحوا عزيمتكم وتنهضوا متحدين الهدف والمسعى لتقلعوا هذه الأشجار الجرداء - الجبهة الشعبية - التي لا تثمر سوي الحصرم والشوك، وتفسحوا المجال للأشجار ذات الظل الوريف، والثمار الدانية؟؟.

وبقيت كلمة أخيرة: مها حاولت حكومة الجبهة الشعبية الظالمة ومناصريها الجدّد الواهمين، إخراج ثعابينهم من أجربتهم الخربة، فانهم لم، ولن يعيقوا مسيرة الشعب الإرتري العظيم المتطلع للعُلا والمجد، فهو بإذن الله تعالى، مستمر في مسيرته النضالية، حتى ينفض عن كاهله غبار السنوات الكالحة، ويبني من جديد بلده الجميل والرائع، الذي يسع الجميع.

Top
X

Right Click

No Right Click