إنطلاق شرارة الثورة في ذكراها (61) نظرة في الواقع والتحديات
بقلم مهندس: سليمان فايد دارشح - كاتب وبـاحث ارترى
إرتريا ذات تاريخ عظيم راسخ في اعماق التاريخ، زاخرة بنبض البطولات المشهودة،
لقد مر نضالها الوطني منذ أرْبعينيّات القرن المنصرم، بمراحل مختلفة واشكال متعددة، صعوداً وهبوطاً وبالرغم من كل التحديات والمؤامرات فإن العطاء كان كبير، والبذل بلا حدود من الشعب، بل صعّد هذا الشعب العظيم من وتائر نضاله إلي العنف الثوري المنظم، فكان تأسيس جبهة التحرير الإرترية في 7 يوليو 1960م في القاهرة من قبل مثقفين وطلاب إرتريين برئاسة القائد الشهيد إدريس محمد ادم - طيب الله ثراه - و التي فجرت نضالها المسلح في الفاتح من سبتمبر1961م بقيادة الشهيد البطل حامد ادريس عواتي - رحمه الله - تحت راية جبهة التحرير الإرترية، والتي كانت تهدف إلى تحرير الأرض والإنسان، وقيام الدولة الإرترية الديمقراطية، ذات السيادة الوطنية.
لذلك كانت إنطلاق شرارة حرب التحرير في ذلك الوقت إيذاناً بالمرور إلي زمن الحرية و الكرامة والعزة، وفي ذلك اليوم التاريخي العظيم أثبت القائد عواتي ورفاقه المقاتلون الأبطال الأوائل، إن الثورة الإرترية لم تكن قلباً ميتاً، ولا طائراً مكسور الجناحين، بل هي قلب ثوري قوي ينبض بالحياة والحيوية والنشاط، وصقر لا تطاله السهام والنبال، لا تفلت منه فريسته، مهما كانت طاغية أو شرسة.
بهذا الايمان القوى والراسخ بضرورة الكفاح المسلح من أجل تحرير الارض و الانسان الإرتري من قيود الاحتلال البغيض، تحدى القائد البطل حامد عواتي ورفاقه الأشاوس، هيلي سلاسي المدعوم آنذاك بكل قدرات قوى الشر والعدوان في العالم، وبعد أن أدى واجبه الوطني رحل القائد عواتي بجسده عن الدنيا وعاش بروحه وعطائه الثر في نبضات قلوب أبناء شعبه، تاركاً جيلاً من المناضلين الشرفاء الأحرار، يواصلون المسيرة الثورية وينقلون بندقية التحرير من كتف الي كتف، ويرفعون راية الثورة شهيداً وراء شهيد.
فما أجمل ذكرى اولئك الرجال العظماء من الرعيل الأول، الذين خدموا وطلبوا الخير لشعبهم، وكانوا يرجون الجزاء من ربهم، وإن الأعمال والمأثر التي خلدتها التواريخ من ثمرة وجهود هؤلاء الرجال الشجعان لن تموت بموتهم، بل ستظل حية حاضرة في ذاكرة الاجيال.
وشاء الله عز وجل أن تنتهي هذه الحرب الطاحنة، الخالية من التكافؤ، والتي دامت ثلاثة عقود، بإنتصار ثورة الشعب الإرتري، وقيام دولته المستقلة ذات السيادة الوطنية التي اخذت مكانها الطبيعي بين الأمم والشعوب في العالم.
ومن المؤسف هذا الشعب العظيم الذي فجر هذه الثورة المسلحة العملاقة، والتي بقيت حاضرة في ذاكرة أحرار العالم، تعيش بلاده منذ فجر الاستقلال إلي يومنا هذا، أزمة مأساوية محزنة، لم يعد بإمكان أحد قراءتها واختصارها، ولم يعد بالإمكان طرح حلول حاسمة لها، فلم تجدي كل المحاولات المحلية والدولية علي مدار السنوات الثلاثين الماضية نفعاً، لتعنت النظام الحاكم في البلاد، لذلك غدت إرتريا مثالاً لحالةٍ مستعصية عن الحل، كأنها سؤال لا إجابة له، مأساة إنسانية يرويها الجميع وتتناقلها وسائل الإعلام.
وفي تقديرنا تتجلى هذه الأزمة المزمنة، في عدم تحديد فجر يوم الاستقلال المهام والوظائف والبرامج التأسيسية للدولة المستقلة حديثاً، ونتيجة لتعنت الجبهة الشعبية الحاكمة للبلاد، ظلت هذه الأزمة مؤجلة ومتراكمة، ثم تفاقمت وتعقدت.
وبالتالي كانت منذ البداية انطلاقة الدولة الإرترية، إنطلاقة عرجاء أو عوجاء، فلا يستقيم الظل والعود أعوج، وهذا جعل إرتريا تبدو وكأنها تعيش فترة انتقالية منذ الاستقلال في العام 1993م وحتى عامنا هذا 2022م.
ومن هنا فإن الذكرى (61) لإنطلاق شرارة التحرير بقدر ما تمثل محطة هامة في التاريخ الإرتري، تظل مرتكزاً أو محفزاً للشعب في مقاومته للنظام الدكتاتوري في أسمرا، الذي تنكر لمبادئ الثورة وخان اهدافها، ليس هذا فحسب بل حطم آمال وتطلعات الشعب الإرتري في الحياة الحرة الكريمة!!
لا أدري ما الذي جعل الإرتريين يغضون عن قصد أو بدون قصد الطرف عنه، أو يتحملون فساده وطغيانه واستبداداه طوال ثلاثين عاماً الماضية، فما من عاقل يعتقد بأن يرضخ الشعب الإرتري الحر الأصيل الذي عرف عنه بحبه للحرية والعدالة، وعزة النفس، ورفضه للذل والهوان، لظلم نظام الشعبية المتسلط!!.
نظام مستبد مثل هذا النظام لا يمكن تحمله أو يغض الطرف عنه، نظام دكتاتوري إنفرد بحكم البلاد لأكثر من ثلاثون عاماً، ذاق خلالها الشعب الأرتري أقسي أنواع القتل والتعذيب والظلم والاضطهاد، وتسبب بتمزيق وحدة الشعب، وزرع الحقد والكراهية بين مكوناته الاجتماعية، ودعا علناً إلى معاني العنف والإكراه، وزج معارضيه وخصومه في السجون والمعتقلات، ألقي أشد أنواع العقوبات الجسدية والنفسية عليهم.
إذن.. ماذا ينتظر الوطن والشعب بعد ان أضاعت وحطمت حكومة الشعبية المستبدة الآمال والتطلعات التي ناضل لأجلها الشعب سنون طوال؟ وماهي الخطوة القادمة المطلوبة للخروج من الأزمة الحالية، التي لم تعد أزمة حُكم، بل هي أزمة شعب وبلد؟
هذه أسئلة او غيرها يجب ان تطرح نفسها علي الشعب، الذي يجب ان يضع في حساباته خطورة الوضع الحالي، وفداحة ثمن مالاته، بعد كشف نظام الشعبية عن البعد الحقيقي لمخططاته العدوانية الطائفية، ورغبته الجامحة في السيطرة على الأخرين وإخضاعهم بسلوك استعلائي مفرغ من القيم الإنسانية، فليس هنالك بعض هذا التحدي السافر، من مبرر من وقوف الناس في خانة المتفرجين، ولا مبالين، واليائسين، او عدم التجاوب مع دعوات الانتفاضة ضد النظام لإستعادة كرامة وحرية الشعب الإرتري المنهوبة.
ختاماً: نأمل كثيراً أن تكون مناسبة الذكرى (61) لإنطلاق الثورة الإرترية المسلحة، وقفة تحدي شجاعة وموعداً مع التاريخ، لخروج ألاف المتظاهرين في المدن والقري الإرترية، خروجاً لا يعودون إلا وقد سقط نظام الشعبية اللعين في مزبلة التاريخ، وحينما يعملون ذلك انهم بالتأكيد سينجحون بإذن الله تعالى في بناء وطن إرتري حر جديد، تتحقق فيه آمال وتطلعات الشعب الإرتري في أن يحيا حياة حرة كريمة.