الفاتح من سبتمبر تاريخ ميلاد بطل

بقلم المهندس الأستاذ: إبراهيم عمر - كاتب ارتري

يصادف اليوم مرور ٦١عام علي ذكري وطنية مهمة في تاريخ الشعب الإرتري وهي ذكرى انطلاق

مسيرة الكفاح المسلح. ولكن هذه المرة تعتبر فريدة من نوعا لأنها تصادف مرور ٦١ عام علي إنطلاقها وبالتحديد في الفاتح من سبتمبر ١٩٦١م. الفاتح من سبتمبر لم يكن يوم انطلاق ثورة الكفاح المسلح فحسب بل هو يوم ميلاد بطل سطر اسمه بحروف من نور في تاريخ الشعب الإرتري.

ففي هذا اليوم ومن قمة جبل ادال اطلقت اول رصاصة في مسيرة الكفاح المسلح. اطلقها قائد شجاع قل ما يوجد مثله هذه الايام. لم يكن يقود جيشا جرار ولا يحمل اوسمة او نياشين علي صدره ولا حتي رتبة عسكرية علي كتفيه. وكل ماكان يحمله هو بندقيته بمعية رفاقه من خيرة أبناء المنطقة الغربية ومن جبل ادال اعلن انطلاق مسيرة الكفاح المسلح التي استمرت ثلاث عقود متواصلة ٦١-١٩٩١م والتي تعتبر اطول حرب عصابات في تاريخ القارة السمرا. حمله هم الوطن وبغض الظلم فقرر دحر الإحتلال الإثيوبي الغاشم.

حمله نبله واخلاقه معتمدا علي الله ثم علي خبرته الطويلة في الدفاع عن شعبه وارضه فعمل بالاسباب الواردة في الأية الكريمة《وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ》(١) ففي هذه المحاولة البسيطة سنحوال سرد بعص الأحداث المهمة في مسيرة بطل ثورتنا المجيدة القائد الشهيد حامد ادريس عواتي.

ولد بطلنا "حامد إدريس عواتي فايدوم في عام ١٩١٧ بقرية هابردة شمال مدينة بارنتو وبالتحديد في منطقة شلاليت وينتمي لقبيلة البني عامر"(٢)ص٣٨. نشاء بطلنا في اسرة عريقة اشتهرت بمقاومة الإحتلال الإيطالي بسبب إستحواذهم علي اراضي المواطنين الخصبة فكان "جده فايدوم مشهورا بالشجاعة والإقدام وايضا والده ادريس عواتي كان يسير علي درب والده فايدوم حتي وصل الأمر لمطاردته حتي بلوغه منطقة والقيت علي ضفة نهر سيتيت فاستقر وتزوج هناك وانجب حامد وهارون"(٣).

ومنذ نعومة اظافره اشتهر حامد عواتي بالفروسية والشجاعة والقنص. ففي عام١٩٣٥م وبعمر ١٨ سنة التحق بالجيش الإيطالي فأثبت براعته في استخدام السلاح بالاضافة لإجادته "عدة لغات محلية منها اللغة العربيةوالتجرايت والنار والكوناما البداويت والتجرنية ثم تعلم اللغة الإيطالية واتقنها فتم اختياره ضمن بعثة الي روما عاصمة ايطاليا للتدريب العسكري والإستخباراتي".(٤)

"وبعد عودته تم تعينه ضابط أمن في المنطقة الغربية اقليم القاش بركة حاليا. وبعد فترة وجيزة تم تعينه نائبا لعمدة مدينة كسلا التي كانت تحت الحكم الإيطالي في الفترة مابين ١٩٤٠-١٩٤١م".(٥)

وفي عهد الحكم الإيطالي "شارك في معركة كرن الشهيرة ضد الإنجليز واستمر في قتاله ضد الإنجليز والإثيوبين معا في معارك تحرير اثيوبيا مع جيش القائد كافليري علي جابر".(٦)

حربه ضد العصابات:

وفي فترة الإحتلال الإيطالي اندلعت بعض المواجهات بين قبائل البني عامر وقطاع الطرق من قبائل الهدندوة فتكونت نواة للدفاع عن اهالي المنطقة بقيادة "الجاويش علي بن طاز و محمد حامد شليشي وإدريس علي بخيت الملقب (وهاردي) تمردو علي الآيطالين لحماية المواطنين وماشيتهم التي كانت تتعرض للنهب المسلحمن بعض القبائل الحدودية".(٧)

فالتحق بهم بطلنا حامد عواتي للدفاع عن شعبه من عصابات الهدندوة من شرق السودان. وحينما هدأت الأوضاع استعان اهالي منطقة القاش ومنطقة سيتيت بحامد عواتي من اجل حماية المواطنين وأملاكم من الإعتداءت الإثيوبية عبر في تلك المناطق وأستجاب لهم من منطلق شعوره الوطني لحماية الأرض والعرض".(٨)

استمر القائد حامد عواتي في دفاعه عن شعبه في كل مرة يتعرض فيها سكان المنطقة للظلم او إعتداء فكرس نفسه لهذه المهمة الشريفة. هذه المهمة النبيلة لم يتسلمها من احد بل ورثها عن اجداده واخرهم ابيه الذين عرف بالدفاع عن شعبه. فهو من قبيلة اشتهرت بالفروسية والشجاعة والأخلاق النبيلة ومحاربة الظلم والعبودية فكرسو حياتهم للدفاع عن المواطنين العزل من عصابات الشفتي وتعني قطاع الطرق. فهذه الخطوة لم تأتي من فراغ بل هو موروث يجري في دمه كجَرى الْمَاءُ فِي الوِدْيَانِ

الصدام مع الإحتلال البريطاني:

بعد انتصار الحلفاء في الحرب العالمية الثانية بسط الإنجليز سيطرتهم علي ارتريا واثيوبيا بعد ان كانتا تحت حكم الاحتلال الإيطالي. اما عواتي فاستمر في نضاله المعهود في التصدي للعدوان والظلم فتمرد علي البريطانين رافضا ظلمهم للمواطنين. مع العلم ان الإدارة البريطانية لم تكن مطمئنة لتحركاته وإزدياد شعبيته وقصص بطولاته.

برغم ذلك لم ترغب في الدخول في مواجه مع البطل عواتي وكان يعتبر في نظرهم متمردا لعدم انصياعه لأوامرهم فطلبو الوساطة من وجهاء المنطقة وفي في هذا الصدد يذكر الكاتب "كان المحتل البريطاني يري أن حامد يشكل عبئا عليهم فطلبت الإدارة البريطانية الحاكمة الوساطة لعقد صلح مع حامد ادريس عواتي".(٩)

طيلة هذه الفترة ظل البطل حامد عواتي يراقب الوضع ويتنقل من منطقة الي اخري لأداء مهمة الدفاع عن المواطنين العزل. وفي نفس الوقت ظل يتابع الاوضاع السياسية عن كثب وعلي اتصال بالمهتمين من سادة القوم. اما المؤشرات فكانت واضحة وتشير الي بوادر ثورة لم تتحدد ملامحها ولكنها كانت تسير في ذاك الإتجاه.

لم يدم الوضع طويلا حتي تم ربط ارتريا مع اثيوبيا في اتحاد فيدرالي عكس رغبة الشعب الإرتري الذي إختار الإستقلال التام ط. ولكن تدخلات الحلفاء افسدت كل محاولات وأمال الشعب الإرتري وكان لهم ما ارادو بعد ان "اتفقت امريكا مع امبراطور اثيوبيا الهالك هيلي سلاسي وبالمقابل حصلت امريكا علي قاعدة كانيو ستيشن في اسمرا". (١٠)

اعلان الكفاح المسلح ضد الإحتلال الاثيوبي:

لم يمهل حامد عواتي المحتل طويلا فهو سليل اسرة عريقة قاومت الظلم بشتي انواعه وخبرت حروب العصابات كانت تصول وتجول في سهول اقليم القاش بركة تدفع الظلم عن سكان المنطقة ووقفت سدا منيعا امام هجمات قطاع الطرق من عصابات الشفتي المتفلتة من اثيوبيا وعصابات الهدندوة في شرق السودان. فكان قرار مواجه الجيش الإثيوبي متوقع رقم الفارق الهائل في التدريب والتسلح وفي اول مواجهة هز اركان امبراطورية الظلم والعبودية في افريقيا في عدة معاك بطولية.

وقبل إعلان الكفاح المسلح عملت مجموعة من القادة الوطنين بوضع اللمسات الأولي لتهيئة الوضع لميلاد ثورتنا المجيدة بقيادة رئيس اول برلمان ارتري القائد ادريس محمد ادم ورفاقه من الرعيل الأول وكانت كالتالي."قام المجلس الأعلي بقيادة الزعيم إدريس محمد أدم بإنشاء قيادة ثورية لقيادة العمل الثوري بالداخل... وخرج حامد عواتي في ١ يناير ١٩٦١م مع شابين في ريعان الشباب وهم عبده محمد فايد وشقيقه الأصغر عواتي محمد فايد وهما ابناء شقيقته وابن عمه وايضا لحق بهم رفاقه الذين صاحبوه في التمرد الأول ضد الإنجليز وهم:-

١. فوجوراي ابو حليمة
٢. بيرق نوراي ادم (اول اسير)
٣. احمد قادف
٤. عمر محمد علي كراي
٥. شينقيري عمار بخيت
٦. كرار ادم حزوت
٧. النور حجاج همد
٨. محمد دين
٩. جبت موسي حمدين
١٠. داود الامين سليمان
١١. محمد حسن دوحين
١٢. علي داود
١٣. ادم كشة
١٤. ادم النور تيتا
١٥. ابراهيم محمد علي
١٦. صالح قرجاي

وكان هؤلا النفر هم الذين تجمعوا بعد النداء الذي وجهه لهم عواتي لمعرفته بهم حينما كان مناضلا ضد الإنجليز فكانو محل ثقة عواتي"(١١).

قرار إعلان الكفاح المسلح كان باهض الثمن علي اسرة قائد الثورة وكعادة المحتل بداءو بمحاولة ثنيه عن فكر حمل السلاح هو ورفاقه فقامو بارسال الوفود للتفاوض وعندما لم تفلح محاولاتهم "قامت السلطات الأمنية بجمع كل مايملكه البطل عواتي من إبل وأملاك ومصادرتها وتم اعتقال زوجته الحامل وإبنته أمنة وإبنه كرار وتم ذلك تقريبا بعد ثلاث اشهر من خروج عواتي ووضعوا في السجن بين ظلام الإحتلال وظلمة السجن" (١٢) وتم احتجازهم في سجن مدينة سني الحدودية وحكم عليهم بعد محاكمة صورية لإرهابه وبعد عدة محاولات من أعيان المنطقة تم اطلاق سراح زوجته وابناءه وبعد اسبوع واحد من خروج زوجته من السجن انجبت له طفلته مريم وهي في ضيافة الناظر ادريس كبرو بمدينة سني ناظر اللبت(١٣).

اللقاء بالجماهير وحثهم علي النضال والتبرع:

رغم المضايقات ومصادرة ممتلكاته وسجن اسرته استمر عواتي في مسيرته حاملا شعلة النضال التي اوقدها عازما علي إكمال المسيرة وبداء في التعبئة الجماهيرية والعمل من اجل تحقيق هدفه وهدف كل ارتري نبيل وهو طرد المحتل الإثيوبي من كل شبر في ارتريا. "وفي منطقة قورقوجي بالقاش وبالتحديد في منطقة ابناييت إجتمع في يوم ١٩٦١/٩/٩م القائد عواتي مع مجموعة من أبناء القري بتلك المنطقة ويعد هذا اول اجتماع جماهيري وشرح فيه عواتي أهداف الثورة موجها ندائه إليهم خاطبا《إننا نهدف لمقاومة النظام الإثيوبي وطرده من وطننا وإقامة دولة وطنية لا تميز بين مسلم ومسيحي بل إنهم أبناء وطن واحد تم اغتصابه من قبل الإمبراطورية الإثيوبية》(١٤). تبرع المواطنون بالأسلحة تلبية لدعوة عواتي وبلغ العدد ١٣ بندقية.

معارك قادها حامد عواتي وإسشهاده:

اول معركة قادها عواتي كانت معركة ادال في منطقة "كارمرويت" بتاريخ ١٩٦١/٩/١م قتل فيها اثنين من جيش العدو وإسر فيها المناضل الشهيد محمد بيرق نوراي أول اسير في تاريخ الثورة الإرتري. "خرجت قوة من بوليس اغوردات بقيادة الضابط قبار وقوة اخري من اغوردات بقيادة الضابط اشبير وقوة ثالثة بقيادة شنبل ياسين لمحاصرة عواتي الإ ان الشهيد البطل عواتي انسحب الي تلال كارمراويت واحتمي بها ولم يتمكنو منه" (١٥).

استمر عواتي في قيادة المعارك ونشر فكرة الكفاح المسلح وسط المجتمع من خلال اللقاءت الجماهيرية حتي اشتد عود الثورة. "وفي مساء يوم ٢٧ من مايو ١٩٦٢م وبعد تناول وجبة العشاء شعر بطلنا بتعب واخبر رفاقه انه ليس علي مايرام وبدأت حالته بالتدهور وفي اليوم التالي الموافق ٢٨ وبعمر ٥٢ سنة فاضت روحه الي بارئها بعد مسيرة حافلة بالنضال والبطولات مازالت سيرته تملاء الصفحات وقصص بطولاته تحكي وتورث كرمز للعزة والكرامة والشجاعة صفات نادرا ماتجتمع في رجل واحد. في ١٦ اكتوبر من عام ٢٠١١ وعلي بعد الاف الاميال تم تكريم بطلنا في ايطاليا في بلدة بلونيا بالقرب من مدينة ميلان في حديقة الدو مورو تحت مسمي حديقة العدل في العالم.

Aldo Moro Park called《Garden of
the Just of the World ".(١٦)
وتم تكريمه ضمن مجموعة تضم تسعة شخصية وتخصيص شجرة لكل فرد كتخليد لذكراهم وبطلولاتهم في سبيل العدالة.

المصادر:

١. القران الكريم سورة الأنفال الأية ٦٠ ص ١٨٤
٢. ص ٣٨ من كتاب جولة في اروقة الدبلوماسية الإرترية العربية/ المؤلف: المناضل سليمان ادم سليمان
٣. نفس المصدر السابق......... ص٣
٤. نفس المصدر السابق......... ص٣٩
٥. مقال https://blog.libero.it/wrnzla/view.php?id=wrnzla&mm=0&gg=100526
٦. نفس المصدر السابق...... مقال
٧. كتاب جولة في اروقة...... ص ٣٩
٨. نفس المصدر السابق...... ص ٣٩
٩. نفس المصدر السابق...... ص ٣٩
١٠. نفس المصدر السابق...... ص ٢٧
١١. نفس المصدر السابق...... ص ٤٦-٤٧
١٣. نفس المصدر السابق...... ص ٤٩
١٣.نفس المصدر السابق...... ص ٤٩
١٤. نفس المصدر السابق...... ص ٥٠
١٥. نفس المصدر السابق...... ص ٥٢
١٦. مصدر السابق...... مقال

Top
X

Right Click

No Right Click