حواء الإرترية... تحية واحتراما

بقلم الأستاذ: محمد عمر عبدالقادر - كاتب ارتري

تعتبر المرأة حجر الزاوية في كافة المجتمعات، فبنهوضها ينهض المجتمع وبتخلفها عن الركب

نضالات المرأة الارترية 1

يعوج بناء الأمة، فالمرأة هي الجدة الكنز والمعين الذي لا ينضب، والأم الحنون والزوجة السكن، والأخت العطوف والبنت النسمة الرقيقة التي تلامس الروح، وهي المدرسة الأولى في حياة الفرد.

المرأة الإرترية أثرت وتأثرت بالثوابت والمتغيرات التي حولها خلال العقود الماضية، إذ كانت الأكثر تكبدا للمشاق جراء الكوارث والأزمات الناتجة عن الحروب سواء كان ذلك قبل التحرير أو بعده، نظرا لسايكلوجيتها وحضورها الطاغي والمستمر في كل المحافل.

خلال فترة الكفاح المسلح أزهقت أرواح بريئة كان جلها من النساء والأطفال، فما من اقليم ارتري إلا واحترقت قراه ودمرت مزارعه ونهبت ثرواته بيد الإستعمار البغيض.

• حرقيقو ،
عونا ،
أغوردات ،
قام جيوا ،
عد ابرهيم ،
دقي إت أتبا ،
شعب والكثير من القرى والمدن ،

يالها من أرواح بريئة انتقلت إلى بارءها دون أن تقترف أية جريرة غير أنها تحمل جينات ارترية.

المرأة الإرترية لم تتأخر قيد أنملة عن مؤازرة الثورة منذ انطلاق الشرارة الأولى، حيث انخرطت مبكرا واستوعبت أهمية دورها، فكانت البداية بتجمع نساء فضليات فهمن دورهن كما ينبغي، وقمن بتوعية اخواتهن بغرض مساندة الثورة وتحمل الدور الأكبر في غياب الأب والزوج والأخ في تلكم المرحلة.

وعندما رأت المرأة أهمية مشاركتها في ميادين القتال لم تتوانى في تلبية النداء، حينها شاركت جنبا إلى جنب مع أخيها الرجل ولم تتأخر عنه إن لم تتقدم عليه في كثير من المهام، فسطرت البطولات التي يذكرها التأريخ كل ما ذكر نضال الشعب الإرتري، إذ كانت المجندة في قوات المشاة تخوض المعارك ببسالة، وقائدة للمجنزرات تدك حصون الأعداء، وممرضة تتقدم الصفوف في المعارك من أجل إنقاذ أرواح الجرحى، وكانت هي الطبيبة في مستشفيات الثورة تقوم بأدق العمليات الجراحية، والمعلمة التي محت أمية الكثيرين وأنارت لهم الدروب فكانت سببا للإرتقاء نحو القيام بالمهام الموكلة على الوجه الأكمل، كما لعبت بكل اقتدار دور الإعلامية التي تنقل بشريات النصر وتحرير المدن، وأيضا كانت هي الفنانة التي تصدح بصوتها الشجي تشرح البطولات فتلهب حماس الشباب من الجنسين للحاق بركب الأبطال والإنطلاق نحو ساحات البسالة والفداء.

إن التحديات التي واجهته المرأة الإرترية خلال مرحلة الثورة لم يكن بالأمر اليسير، فمنه ما هو فطري بطبيعتها الأنثوية وما هو مجتمعي يتقاطع مع الثقافة المجتمعية والدين، ولكن رغم صعوبة كل ذلك استطاعت أن توازن بينهما واجتازت الكثير من الصعاب حتى تم تحرير كامل التراب الإرتري.

مايو 1991 م تم هزيمة جحافل الجيش الإثيوبي وأعلن تحرير ارتريا من الإستعمار، حينها حواء الإرترية لم ترغب في الإستراحة بعد طول عناء ولم تفتر عزيمتها وتركن للعب الأدوار التقليدية للمرأة، بل ازدادت رغبتها للمساهمة في بناء الدولة بعد أن اكتسبت الكثير من الخبرات في مرحلة الثورة، فتم تحويل بعضهن إلى الإدارات المدنية بعد التأهيل اللازم وتسريح البعض الآخر ولكن في ظل الإنتقال من الثورة إلى الدولة عانين الكثير من المظالم فشتان ما بين الثورة والدولة، إذ كان ينبغي إنشاء لجان مختصة يتم تكوينها من كفاءات تستصحب تجارب الشعوب التي مرت بظروف مشابهة مع الأخذ في الإعتبار خصوصية المجتمع الإرتري، وذلك من أجل خلق بيئة مواتية تستطيع من خلالها مواصلة اسهاماتها في التنمية والرخاء بعيدا عن إنتظار مكرمة كريم أو صدقة محسن.

مايو 1998 م بدأت الخلافات الإرترية الإثيوبية تظهر على السطح ريثما تحولت سريعا إلى حرب طاحنة بذريعة السيادة على مثلث بادمي، خسرت فيها دولة ارتريا الكثير من الأرواح التي كان يحدوها الأمل أن تسهم في برامج التنمية المتسارعة في تلكم الفترة، ولكن الحرب أعاقتها وتحطمت الآمال العراض في بناء ارتريا المستقبل، ودمرت أحلام الشباب للعيش في دولة آمنة ومستقرة، فوقعت الخسارة الأكبر على عاتق المرأة الإرترية التي فقدت الأب والزوج والأخ نتيجة الحرب، وبدأ النزوح خارج الديار بصورة تهدد مستقبل الدولة قبل أن تكتمل عودة لاجئي حرب التحرير الذين يعيشون في ظروف مأساوية بمعسكرات اللجوء في السودان.

حواء الإرترية ما زالت تعاني الأمرين بين صعوبة الأوضاع في داخل الوطن وقساوة ظروف اللجوء التي أثرت على تشكيل المفاهيم السلبية للكثير من الشباب في مجتمعات ديناميكية ومادية بحتة لا تعبأ بالعادات والتقاليد والدين، حواء الإرترية مازالت قابضة على الجمر في حلها وترحالها، آملين أن تنجلي هذه السحابة السوداء عن سماء دولة ارتريا، ويصفو المسار لتلعب دورها الحقيقي كما ينبغي لها وتسهم في بناء الأجيال من أجل مستقبل مشرق.

Top
X

Right Click

No Right Click