مبادي يجب التوافق عليها ضمانا للتعايش السلمي في ارتريا

بقلم الأستاذ: إسماعيل قبيتا - قيادي في التنظيم الديمقراطي لعفر البحر الأحمر

مقدمة:

إن المهدد الرئيسي للإستقرار السياسي لإرتريا هو السياسات التدميرية التي يمارسها النظام الإرتري

المتمثلة في الهيمنة والإقصاء لبقية المكونات الإرترية والإستئثار بالسلطة والثروة للفئة الحاكمة . لذلك نرى بإن أفق البحث عن الحلول الناجعة لإيقاف دائرة الصراع المهلكة من قبل قوى المعارضة الإرترية هو العمل على تبني وسائل لتحقيق تحول ديموقراطي حقيقي والتوافق علي مبادي اساسية لتجنيب البلاد المخاطر التي يمكن أن تتعرض لها إذا لم يتم تداركها الآن. لذلك نتقدم رؤيتنا للمساهمة في الحل لإقامة نظام حكم عادل يؤمن الإستقرار والسلام لكافة مكونات الشعب الإرتري من اجل التوافق عليها بين الجميع كمقدمة ضرورية لتوحيد صف قوى المعارضة الارترية، صناع الراي والنخب المجتمعية.

المباديء والنقاط الأساسية التي يجب التوافق عليها هي:-

1. نظام الحكم:

انطلاقا من واجب الوطني ومجتمعي نرى بأن نظام الحكم المستقبلي لإرتريا هو من المعضلات الرئيسية التي تعيق عملية الإستقرار المستدام في إرتريا وتعرض وحدة مكوناته لمخاطر حقيقية، لذا يجب على كل الأطراف المعنية على التوافق على تبني نظام حكم يعبر عن تنوعنا، ويضمن الحقوق الجماعية، والحريات العامة، ومصالح وحقوق المكونات الإرترية كافة من خلال تبني نظام لامركزي دستوري (فيدرالي) قائم على الديموقراطية، وحكم القانون والعدالة والمشاركة العادلة في تقاسم السلطة والثروة . وإن الطريق لتبني نظام الحكم المناسب في تصورنا يجب أن يمر بالتوافق والتراضي بين جميع الأطراف على المباديء الأساسية لصياغة الدستور الوطني الحامي لهذا النظام التوافقي الذي يحظي برضى جميع مكونات الوطن بحيث يجد الجميع نفسه فيه، مايضمن تحقيق الأمن والسلم الإجتماعي ويؤمن التعايش السلمي ويؤسس لبناء وحدة مستدامة.

2. الوحدة الطوعية في إطار التنوع:

إن الوحدة الوطنية الدائمة يجب أن تستند على الإرادة الطوعية لجميع المكونات الوطنية المختلفة على أساس الاعتراف المتبادل بالتنوع بما يضمن الحفاظ على المصالح، وحقوق المواطنة الكاملة والمتساوية للجميع . وهذا يمهد لأرضية صلبة لبناء وحدة وطنية مستدامة للبلاد وشعبها. وينبغي أن يتضمن هذا الاجراء وسائل ممارسة حق تقرير المصير باعتباره ضمانة وصمام أمان حتى لايرتكب أي تعدي أوانتهاك للحقوق ضد إرادة أي مكون تحت ذريعة حماية المصلحة والحفاظ على الوحدة الوطنية. حيث إن الضمانة الوحيدة للحفاظ على مصالح الجميع وبناء وحدة وطنية مستدامة هو تحقيق العدالة والحقوق المتساوية لجميع مكونات الوطن.

3. الدين:

ينبغي على الدولة أن تقف على مسافة واحدة من جميع الأديان وأن تحترم وتضمن الحرية والحقوق الكاملة لجميع أتباع الديانات لممارسة طقوس وشعائر عباداتهم و إدارة مصالحهم الدينية وشؤونهم بشكل مستقل دون تدخل من الدولة وضمن الحدود التي تسمح بها القوانين.

4. قضية الأرض:

هي من أكثر القضايا تعقيدا في معظم الاراضي الارترية، نخص بالذكر ماحدث منها في أراضي العفر في إقليم البحر الاحمر جنوبه وشماله من استيطان وتهجير قسري وقتل جماعي يصنف ضمن التطهير العرقي . وإذا لم تحل قضية الارض في كافة المناطق بشكل صحيح يتم الاتفاق عليه فإنها سوف تدخل البلاد كلها في أزمة عميقة ودوامة من عدم الاستقرار يمكن أن تقود لاندلاع حرب أهلية تكون نتائجها كارثية على الجميع و تعرض وحدة البلاد لأخطار وخيمة، وإن مايحدث حولنا في دول المنطقة ليس ببعيد عن ما يمكن أن يحدث في إرتريا نتيجة للممارسات التعسفية من قبل النظام الحاكم . فالأراضي الواقعة داخل الموطن الاصلي لأي مجتمع سواء بصورة جماعية أو فردية تعتبر مملوكة لاصحابها الأصليين على حسب القوانين والأعراف المتفق عليها تاريخياً. وبالتالي يجب الإقرار على حق المكونات الإجتماعية على ملكية الأراضي التي توارثوها من الأجداد وأقر عليها الشركاء فيما بينهم في الماضي كشرط للتعايش السلمي.

وهكذا، فإن جميع الانتهاكات التي ارتكبها النظام الإرتري من مصادرة الأراضي وملكية الملاحات في إقليم عفر البحر الاحمر دون موافقة الملاك الشرعيين تعتبر غير قانونية . ومع ذلك يحق لأي مواطن إرتري في العيش في أي جزء من البلاد، لكن اقامة المستوطنات الجماعية المنظمة بشكل قسري وتشريد المواطنين من أراضيهم هو أمر غير مقبول، ولحل هذه المسألة فالأمر بحاجة إلى حل مرضي يضع مصلحة السكان المحليين في الاعتبار للتوصل إلى اتفاق تسوية يعترف فيها بحقوقهم التاريخية التي لا جدال عليها في ملكية الأراضي، مع الحفاظ على مصالح الآخرين فيما يتم التوصل اليه من اتفاق يرضي الجميع.

5. قضية اللاجئين:

قضية اللاجئين أيضا تعتبر مسألة خطيرة تتعلق بالأرض وحقوق الملكية وانتهاك حقوق الإنسان والمواطنة الأساسية التي ينبغي حلها بشكل صحيح من قبل الجميع. فعملية تدفق اللاجئين هو نتيجة الظلم والاعتداء الصارخ للحقوق التي ارتكبها نظام الحكم الحالي، ما أدي لموجات هروب جماعية للمكونات الإرترية خاصة للسكان في إقليم عفر البحر الاحمر إلى دول الجوار ( اليمن، جيبوتي وإثيوبيا ) هرباً بحياتهم التي تعرضت لمخاطر شتى. لذلك نرى انه من الضروري وضع القوانين الضامنة لحق العودة الغير قابل للتصرف لجميع اللاجئين إلى مواطنهم التي هجروا منها، وحقهم في استعادة أرضهم وطريقتهم في الحياة مع توفير ما يلزم من الدعم والتعويض المناسب لإعادة تأهيلهم . مع ضرورة الإقرار بهذا الحق من قبل الجميع والنظر إليه كمهمة وطنية ذات أولوية مشتركة لتحقيقها بأسرع ما يكون بعد أقرار توافقات المرحلة الإنتقالية للنظام الجديد .

6. اللغة:

تعتبر جميع اللغات متساوية من قبل القانون مع الحق في استخدامها في جميع جوانب الحياة والحق في تطويرها مستقبلاً من قبل الدولة وإقراراً لمبدأ الإعتراف بالتنوع الثقافي. أما اللغتين العربية والتيجرينية لابد من التوافق عليها كلغتان العمل في إرتريا للأسباب التاريخية المعروفة، مع حق كل أقليم من الأقاليم إختيار واحدة منهما للعمل في الاقليم بجانب لغتهم الاساسية.

7. المصالحة الوطنية:

لقد عشنا أرضاً وشعباً فترات عصيبة من الصراع في خضم عملية كفاح سياسي وثورة مسلحة، خاض خلالها شعبنا معارك في ظروف صعبة ومريرة من أجل التحرير. ولم يكن سير العملية النضالية سلساً، بل مر بمنعرجات خطيرة جراء ما صاحبه من الخلافات والصراعات الداخلية الى حد الاقتتال بين الأطراف المختلفة وما تلاه من مظالم واضطهاد بعد الاستقلال الوطني على ايدي طغمة النظام الحاكم مما أدى الى تمزيق النسيج الاجتماعي الى أشلاء. لذلك صار من الأهمية بمكان إجراء مصالحة من شأنها رتق هذا النسيج الاجتماعي الممزق وذلك من اجل بناء أساس متين لمستقبل البلاد بمشاركة الجميع، ليستعيد المجتمع الإرتري عافيته ويعمل على تطبيع أوضاعه للتعايش مستقبلا في سلام ووئام. ولن يتحقق ذلك إلا من خلال التصدي لمعالجة المظالم والتجاوزات والمرارات المتراكمة على مر الزمن بطريقة صحيحة لتمكين هذه الأمة من التغلب على رواسب الماضي الأليم والمضي قدما في طريقها إلى بناء مستقبل مشرق بثقة وثبات يتطلب تحقيق مصالحة وطنية بين كافة اطراف الوطن ومكوناته.

من المسلمات أن المصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية الناجزة تعتبران اليوم من أنجع الوسائل المطبقة من قبل العديد من الشعوب التي مرت بتجارب مماثلة لحالة شعبنا، وذلك للتعافي من المآسي والصدمات الاجتماعية العميقة التي تعرضت لها. وينطوي ذلك على خوض عمليات علاجية معقدة للتعامل مع المظالم التي ارتكبت، على نحو صحيح وعلمي، و ذلك بتوفير تعويضات عن الخسائر المادية المترتبة، وإزالة بؤر وأسباب التوتر لاستعادة الثقة المفقودة بين المكونات الاجتماعية، من خلال وضع تدابير خلاقة ومبتكرة لعملية إعادة بناء الثقة وفق مناهج وآليات تتناسب مع ظروفنا المتفردة.

على الرغم من أن أهمية هذه العملية الا أنها لا يمكن ان تبدأ بشكل أساسي قبل المرحلة الانتقالية، لكن من الضروري التوصل الآن إلى اتفاق مبدئي بشأنها وحول وضع المبادئ الأساسية التي يجب اعتمادها وتطبيقها على أرض الواقع، وسوف يستدعي وضع منهجية معالجة وتشكيل لجنة للمصالحة تضطلع بمهمة جمع وتحري الحقائق والأدلة ذات الصلة لتتمكن من الإسراع في تنفيذ بعد إزالة النظام القائم.

8. العلاقات مع دول الجوار والأمن الإقليمي:

إن العلاقات الدولية تقوم على إحترام المصالح المتبادلة بين الدول بما يخدم المصالح الوطنية لكل دولة على حدة وفق المعايير والقوانين المتعارف عليها، للحفاظ على منظومة الأمن والسلم الإقليمي والعالمي . فالنظام الإرتري الحالي هو أحد النماذج السيئة للإضرار بالعلاقة بين دول الجوار ودول العالم أجمع، حيث كان سبباً مباشراً في إفتعال حروب عبثية مع كل دول الجوار وتهديد الأمن والسلم المحلي والعالمي. أما مانتطلع إليه وما ينبغي في دولة المستقبل هو قيام علاقات حسن جوار قائمة على الأسس والمواثيق الدولية المتعارف عليها، وتطوير العلاقات بشكل خاص مع دول الجوار ذات الإمتدادات الثقافية للمكونات الإرترية بما يحافظ على المصالح المشتركة ويحقق الامن والسلم مع دول الجوار بما يضمن الاحترام المتبادل للحدود الدولية.

ونعتقد ان الاتفاق على هذه المبادئ الاساسية هي مقدمة لازمة قبل الاتفاق على مراحل الفترة الانتقالية بعد اسقاط النظام الدكتاتوري.

مع خالص الشكر والتقدير

Top
X

Right Click

No Right Click