ارتريا بين التقرنة و المشروع الوطني الإرتري
بقلم الأستاذ: صلاح علي أحمد - كاتب وناشط سياسي إرتري المصدر موقع: adal61
كل فرد إرتري.. لا يحس بمَوْجُودِية مْوَاطِنَته في دولة إرتريا - يحق له أن يقاوم نظام الدولة،
لأنه لا يمثل مشروعه ”الوطني“ الذي أوجد في الأصل استقلالية الكيان الإرتري حراً - ومميزا بهوية إرترية مستمدة من مَوْجُودِية التنّوع لمكونات المواطنة الإرترية، دون إقصاء إحداها لأي من الأخريات أو استعلاء هؤلاء على أولئك - فتقرنَة الدولة الحالية المتعمّد من نظام أفورقي مثلا يلغي مَوْجُوْدِيّة مُوَاطَنَة الآخرين من مكونات الشعب الإرتري.
فنظام ”التَقْرَنَة“ المُتَبَع طِيلة سنوات النظام الحالي منذ فجر الاستقلال، هي رؤية تستجيب فقط لمن ينتمي إليها، وبذلك يكون جليّا بأنّ هذا النظام الذي يدير يوميات ”دولة إرتريا“ هو نظام ضد المشروع الوطني الإرتري العام، وبذلك فهو نظاما لا يحقق الإحساس بِمَوْجُودية الكُل الإرتري بمُواطِنيته الإنتمائية الفعلية الكاملة، إنما يدفع بالشعور إلى مجرد التبعية إلى هيمنة مَوْجُودِية لمكوِّنٍ واحد يرى في نفسه (هو الوطن والوطن هو) ومن ثم يرى هو من يحدد مَوْجُوْدِية المكونات الأخرى وفق إستجابتهم ”لفكرة القوميات“ وهي رؤية مشروع مفاده الهيمنة المتمثل في التَقْرَنَة بالنسبة للحالة السائدة الآن في إرتريا، و هو مما لاشك مشروع أفورقي ومنظموته وفق ”رؤية تَقْرَنَة الكل الإرتري“ مستخدما لتحقيق ذلك العاطفة الثقافية الدينية ”الطائفية“ كوسيلة منذ بدايته التنظيمية في مرحلة الثورة إبان إلتحاقه بالكفاح المسلّح وإعلانه منيفيستو ”نحن وأهدافنا“ - الذي جاهر بمدخل تطبيقه العملي مباشرة في باكورة ميلاد الدولة بعد التحرير والاستقلال، رافعا شعار ”حدي لبي حدي هزبي“ أي شعب واحد وقلب واحد - وذلك من أجل أن يحقق تواجد مصالح قومه ”التقرنية“ كاملة بالتمام غير منتقصة كمكون تتمثل فيه قيادة الدولة (أهل السلطة والثروة والسلاح).
ثم لكي يكون الآخرين تابعين لأهل السلطة المتمثلة في (نخب التقرنية) صاحبة المشروع والرؤية التي أساسا تستجيب لكل متطلابتهم المَوْجُودية من الثقافة والدين واللغة - وهي رؤية طبق الأصل من ”أمْحَرَتْ أو أمْهَرتْ“ المكونات الإثيوبية في إمبراطوريتها من قبل أهل السلطة السابقة (الأمهرا) في أديس أبابا بالرغم من المشترك الديني مع بعض المكونات - مما جعل مشروعية نضالات المكونات الأخرى في إثيوبيا كا اورومو.. التقراي.. الأغادين / الصوماليين والعفر ضد نظام الأمهرا... أو كحالة السودان ومحاولة أسلمة و تعريب المكونات الإفريقية والمسيحية من قبل أهل السلطة (الشمال النيلي العربي بالتحديد) مما أدى إلى شرعنة نضالات مكونات جنوب السودان مؤديا إلى الإنفصال... وكذلك نضالات مكونات غرب السودان و جنوبه الغربي الحالي - وتمظهر ذات النضالات في شرق السودان نتيجة الاستعلاء والهيمنة من أهل سلطة المركز رقم المشترك الديني... وهو فشل واضح لغياب تحقيق مشروع وطني سوداني عام يحقق مَوْجُوْدِيَة المُواطِنِيَة بإحساس وشعور إنتمائي كامل غير التابعية لمجرد امتلاك ”الجنسية السودانية“ فقط... وربما الجمهورية الجزائرية اليوم إتجهت نحو معالجة مثل هذا الأمر بمراجعة تضمنت مفاتحة دستورية، تتضمن ثوابت وطنية لم تكن ذات مرجع توافقي من قبل بالنسبة للأمَازِيق.
فالأزمة الإرترية الحالية، يتحملها مشروع أفورقي الإنحرافي من جراء ”رؤية تَقْرَنة“ مكونات كافة المجتمع الإرتري - والاستماتة ضد المشروع الوطني الإرتري العام، الذي خرج من رحمه أساس وجود هذا ”الكيان“ الإرتري الجامع لتساوي موجودية كافة مكونات شعبه - متمثلا في الدولة الإرترية التي في طور التشكّل والتكوين - بل التي للأسف نجدها الآن مهددة تماماً من حيث إستمراريتها وإستقرارها بفعل الهيمنة الثقافية الأحادية الإقصائية المعتمدة من أفورقي ومنظومته الحاكمة إلى أجلٍ غير مسمى ما لم يحدث الوطنيين من الإرتريين التغيير والخلاص منه.
وللخروج من الأزمة التي خلقها ”مشروع التَقْرَنَة الاقصائي“، بفعل نظام أفورقي المستبد والقمعي، يستوجب على جميع الإرتريين أن ينضالوا بإرادة وآلية موحدة لإستكمال المشروع الوطني الإرتري العام الذي كان مرجعا توافقي لجميع مكونات المجتمع والشعب الإرتري عندما تفوقوا منتصرين على مشروعي الإنضمام إلى إثيوبيا و مشروع التقسيم البريطاني بين إثيوبيا والسودان - وهذا النضال لإستكمال المشروع الوطني يجب أن لا يكون فقط ضد دكتاتورية أفورقي والتخلص الفوقي من رأس النظام، بل أيضا يجب أن يكون ضد كل بوادر وجذور إنحرافه المتعمد من المشروع الوطني لتحقيق ”مشروع التَقْرَنَة“ الذي كان له رؤية وإرادة وآلية متكاملة قاضيا على كل التحديات التي توقعها.
وعليه نضالنا ومقاومتنا الحالية يجب أن تكون برؤية واضحة ورافعة وطنية جامعة ورائدة للمشروع الوطني الإرتري العام مقابل وضد.. ”هم و أهدافهم“.. التي هي الآن إمتداد لمشروع و رؤية (نحن وأهدافنا)... وهنا يستوجب على الوطنيين الذين تجمعهم الثقاقة والدين واللغة مع نظام إسياس، الذين عمل لإستعطافهم بتلكم المشتركات من العناصر، بأن لا يكن نضالهم للتخلص من دكتاتورية أفورقي فقط - ناسين أو غاضين البصر عن الذي مارسه أفورقي من هيمنة ثقافية أحادية نتاج تلك التَقْرَنَة التي مما لاشك تستجيب لمَوْجُودَاتهم الثقافية واللغوية والدينية في كل مفاصل دولة نظامه الإقصائي - مما سوف لن يرهقهم كثيرا بعد التغيير الديمقراطي ملامسة الإشباع المُسبق من حاجتهم بالنسبة للمواطنية والحاجة لمواجهة ما يقلقهم من التحديات للاستمرار في إدارة الدولة والتواصل بمكونهم الذي أساساً بنى لهم أفورقي مشروعه لإثبات وجودهم - ومنحازا في الأصل إليهم وبنظام لا يحسسهم بأنهم غرباء من حيث ثوابتهم الثقافية واللغوية والدينية، كما حصل مع المكونات الإرترية الأخرى الآن التي عمل نظام أفورقي جاهدا كي يلهيهم بمتفرقات ”لغة الأم“ و محدثات بدعة ”القوميات“ التي أحدثت شرخاً ملحوظ بالنسبة للتوازن المجتمعي بجانب إلغاء رسمية اللغة العربية وإحلال التقرنية الأحادي والملحوظ عنوةٍ دون التوأمة المشروعة معها.
فالوطنية الحقة هو أن يؤكد الجميع بأنّ ما يسري من حكم في إرتريا هو لا يقل عن حكم الإحتلال الأثيوبي و مشروع ”أمحرّت“ كافة الشعب الإرتري بالقضاء على ثوابته الثقاقية وتنوعه المجتعي والديني و إلغاء رسمية لغتيه العربية والتقرنية - بل إلغاء الهوية الإرترية المنفصلة والمتميزة عن الهوية الإثيوبية فى تلك الفترة (1962-1991م).
ولذلك فإنّ الدفاع والتمسك بالثوابت الوطنية التي يتضمنها المشروع الوطني هو الذي نستمد منه معيار وطنية التصدي لمشروع نظام أفورقي وبمجمل سبيل تطبيق آلياته من سياسة التهميش والإقصاء والتهجير ثم التوطين القسري من أجل التغيير الديمغرافي الممنهج للطبيعة السكانية التاريخية و مرجعية الإنتشار المجتمعي لمكونات الشعب الإرتري وإرتباطهم بالأرض وفق تواجدهم الجغرافي الأزلي فيها... ودون ذلك سيصبح نضالات المقاومة الإرترية في مفارق الطرق ولأغراض مصالح متناقضة ليس لها علاقة باستكمال المشروع الوطني الإرتري وإحلاله المشروع بديلا محل هيمنة مشروع أفورقي الثقافي الإقصائي متمثلا في هندسة كافة المجتمع الإرتري في قوالب التقرنة هوية لإرتريا...
فالنضال المتكامل و المقاومة الوطنية التامة ضد مشروع الهيمنة ودكتاتورية أفورقي يجب بأن لا يكن فقط لتغيير رأس النظام بل يستوجب على كل وطني أن يناضل ضد نهج ومنهجيته، وضد كل من تسول له النفس بتلك الهيمنة الثقافية التي تعد تهديدا حقيقيا للاستقرار والوحدة الوطنية المبنية على الوفاق الإرتري العام والتعايش الذي ثبته لنا المشروع الوطني الإرتري العام... فتغيير النظام وحده غير كافي ما لم نتخلص من عقلية الهيمنة والإستعلاء الثقافي من مكون على باقي المكونات.. ودون ذلك لا يمكن أن يستقيم وجود دولة إرترية موحدة آمنة ومستقرة.