رؤية عربية لأمن «أفرابيا»: ثلاثية الخليج والبحر والقرن 2 من 2
بقلم الأستاذ: طه حسيب - أبوظبي المصدر: صحيفة الاتحاد
اعتبارات عدة تجعل الارتباط بين أمن الخليج العربي وأمن البحر الأحمر حقيقة لا تخطئها العين.
وراهن المنطقتين يثبت مقولة المفكر الكيني العُماني الأصل الراحل الدكتور علي مزروعي الذي اقترح مفهوم «أفرابيا» أي الارتباط بين القرن الأفريقي وشرق أفريقيا وشبه الجزيرة العربية، فالمكونات الثلاثة تشكل تكتلاً إقليمياً واحداً، البحر الأحمر قاسمها المشترك، وأهمية هذا الارتباط تأكدت في السنوات القليلة الماضية، خاصة منذ بداية التصدي للانقلاب «الحوثي» على الحكومة الشرعية في اليمن، في 25 مارس 2015 فـ«الحوثيون» المدعومون من إيران سعوا لعرقلة الملاحة في البحر الأحمر، وهددوا ناقلات النفط، وهذا أيضاً تهديد لأمن دول الخليج العربية المصدرة للطاقة، وأيضاً للأمن المصري باستهداف حركة النقل البحري صوب قناة السويس، ما يضر بالاستثمارات الواعدة بموانئ البحر الأحمر من جازان جنوب السعودية إلى العقبة جنوب الأردن. وبدا واضحاً أن إيران نقلت تهديداتها للملاحة الدولية من مضيق هرمز إلى باب المندب عبر ذراعها «الحوثي»، وأيضاً من خلال محاولاتها المتواصلة النفاذ للدول الأفريقية المطلة على البحر الأحمر أو حتى في القرن الأفريقي، المرتبط جيوسياسياً بهذا البحر. كما أن التنافس الدولي على التواجد في البحر الأحمر، سواء من قوى إقليمية، أو دول كبرى، يدق أجراس الخطر، بعدما دبت الفوضى منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي في الصومال، الذي يواجه خطر التشظى لدويلات، وما تبعه من ظهور موجات القرصنة عام 2008، وجماعات الإرهاب، ومن ثم استغلال سواحله في دفن النفايات الذرية، وصيد الأسماك النادرة، والسطو على ثرواته من النفط والغاز، بل ومحاولة تدشين قواعد عسكرية غير عربية على أراضيه بذرائع متعددة. والترابط العضوي بين الخليج العربي، أو شبه الجزيرة العربية والبحر الأحمر والقرن الأفريقي، يستوجب رؤية عربية واضحة لأمن المناطق الثلاث، بحيث لا يُترك المجال لقوى معادية وأخرى طامعة في ثروات المنطقة كي تستحوذ على مفاصل الملاحة الدولية كالمضايق الاستراتيجية والموانئ، وهذه الرؤية ينبغي أن تتضمن مقومات صلبة (أمنية وعسكرية) وأخرى استثمارية وتنموية قائمة على شراكات وتبادل منافع مع دول البحر الأحمر والقرن الأفريقي، من أجل تفعيل علاقات طبيعية قائمة على التنمية وما تتطلبه من استقرار.
«مجموعة دول البحر الأحمر» مطلب إريتري قديم !
أشار حلمي شعراوي، رئيس مركز البحوث العربية والأفريقية، إلى أن الدول العربية التي يهمهما أمن البحر الأحمر ينبغي أن تنظر إلى السودان وإريتريا وإثيوبيا وجيبوتي والصومال كظهير مناسب للأمن القومي العربي في البحر الأحمر. ويلفت شعراوي الانتباه إلى ثروات الدول المتشاطئة على البحر الأحمر، وكذلك القرن الأفريقي، على سبيل المثال هناك ثروة من الذهب في الصومال وإثيوبيا وإريتريا، وسبق وأن استفادت دولة مثل كينيا من التعاون مع جنوب السودان وحصلت منه على النفط مقابل تدشين بنى أساسية، ويحذر شعراوي من فراغ عربي في منطقة البحر الأحمر، خاصة بعد الانقلاب «الحوثي» في اليمن، وتشظي الصومال وتكريس انقساماته، وظهور خطر القرصنة، والإرهاب والتدخلات الإقليمية ومحاولات الوجود الإيراني، كل هذا يتطلب حضوراً عربياً أكثر قوة، من خلال أدوات، قد تكون منفردة تقوم بها كل دولة على حدة، أو من خلال تنسيق وحشد لجهود عربية مشتركة. وحسب شعراوي، فإن تركيا تنافس الوجود العربي في القرن الأفريقي، ناهيك عن إيران التي يتزايد نفوذها بوسائل عسكرية تسبقها عادة وسائل أيديولوجية واقتصادية.. وينوّه شعراوي إلى ضرورة الحذر من الكثافة العسكرية في مدخل البحر الأحمر، وتحديداً في سواحل جيبوتي، فهذه الكثافة قد تشكل خطراً على دول المنطقة، في حال وقوع اضطرابات مسلحة تعرقل المجرى الملاحي لأي سبب من الأسباب، ما قد يتيح فرصة لإسرائيل كي تتدخل وتتواجد عسكرياً في القرن الأفريقي.
إثيوبيا.. أهمية التغيير:
ويلفت شعراوي الانتباه إلى أهمية التغيير الحاصل في إثيوبيا، فالقيادة هناك تريد التعاون الاقتصادي مع القوى الإقليمية والدولية، والأمر يتطلب كتلة عربية لها صوت مسموع تُعبر عن المصالح العربية في البحر الأحمر والقرن الأفريقي. ولعبت الاستثمارات الإماراتية دوراً إيجاباً في إثيوبيا، ودور الإمارات في دعم المصالحة بين إريتريا وإثيوبيا. وأشار شعراوي، إلى أن قطر على سبيل المثال سعت لحل خلاف حدودي بين جيبوتي وإريتريا، ومنذ عدة سنوات طرحت الدوحة إمكانية الاستثمار السياحي في جزيرة دهلك الإريترية، ووعدت بتحويل هذه البقعة الاستراتيجية المهمة في البحر الأحمر إلى مدينة ملاهٍ شبيهة بـ«والت ديزني»، لكن المشروع لم يتم، وربما كانت إريتريا تريد من بحث هذا الموضوع التأكيد عل بطلان المزاعم الخاصة حول العلاقات الإسرائيلية- الإريترية. ونوّه شعراوي إلى أن الرئيس الإريتري أسياس أفورقي طرح خلال مناقشات أجراها شعراوي معه في أكثر من مناسبة، بعد استقلال إريتريا وأيضاً من خلال مستشار الرئيس الإريتري للشؤون السياسية، تدشين ما يسمى «مجموعة دول البحر الأحمر». وتجدر الإشارة إلى أن سفير إريتريا في القاهرة فاسيل جبرسيلاسي تكلا صرّح في مقابلة لإحدى الصحف المصرية في نوفمبر 2014، بإفادات تشي بإدراك أسمرة لأمن البحر الأحمر، حيث قال: «نؤمن بأننا إذا لم نحافظ على السلام فى البحر الأحمر، فلن يكون هناك معنى لوجود موانئ إريترية، كما أن قناة السويس الجديدة لن يكون لها جدوى، لذلك اقترح الرئيس أسياس أفورقي على مصر بقوتها والسعودية بموقعها عقد لقاء لدول البحر الأحمر، للحفاظ على أمن البحر الأحمر، لكن لم ينفذ المقترح إلى الآن رغم موافقة مصر عليه».
روح التكتل في «القرن»:
منطقة القرن الأفريقي وشرق أفريقيا لديها روح التكتل، فمنظمة «إيجاد» نجحت في حل مشكلة جنوب السودان، وهو حل خارج النطاق العربي، وإثيوبيا ساهمت إلى حد ما في تسوية بعض مشاكل السودان مع جنوب السودان، خاصة ما يتعلق بمدينة «أبيي» الحدودية، ولعبت أديس أبابا في مرحلة ما قبل أبيي أحمد دوراً في دعم الجبهة الثورية الشعبية بقيادة ياسر عرمان على المنطقة الممتدة من جنوب النيل الأزرق إلى كردفان في أقصى الغرب، أي شريط مواز للحدود الفاصلة ما بين شمال السودان وجنوبه، ماراً بمدينة «أبيي». بالإضافة إلى الحديث التركي عن جزيرة سواكن، كما أن تركيا عززت نفوذها في الصومال منذ زيارة أردوغان لهذا البلد عام 2011، وتطورت العلاقة لدرجة تدشين قاعدة عسكرية تركية في الصومال في أكتوبر 2017 ومطلة على المحيط الهندي، ويبدو أن أيضاً أن هناك جهات لها مصلحة في استمرار تشظي الصومال، حيث كانت الأزمة على وشك الحسم، عندما اجتمع 14 قيادة من قيادات التمرد في الصومال في القاهرة قبل عشر سنوات في إطار اجتماع نظمته الجامعة العربية بدعوة مصرية، لكن الملف أغلق لأسباب غير مفهومة، ولحرمان الجامعة العربية من أي دور لها في الصومال، وظلت الانقسامات الصومالية على حالها. وضمن هذا الإطار أثيرت في التسعينات قضية استخدام أراضي الصومال كمكب للنفايات النووية الألمانية، كما أن لدى ألمانيا قوات في جيبوتي علماً بأن الجيش الألماني ليس لديه انتشار خارجي.
السودان والبحر الأحمر:
أكد مبارك الفاضل المهدي، رئيس حزب الأمة الجديد، ونائب رئيس وزراء السودان السابق، أن إيران تحاول الالتفاف على دول الخليج العربي عبر الوجود في اليمن والعراق وسوريا ولبنان، وهذا يزيد من أهمية منطقة القرن الأفريقي والبحر الأحمر، وأيضاً السودان، خاصة أنه ابتعد عن التحالف مع إيران وبعض الحركات الإسلامية. السودان لديه سواحل على البحر الأحمر تمتد بطول 700 كيلومتر، ولديه ميناء سواكن في وسط البحر الأحمر. ويكتسي هذا البحر أهمية كونه يربط بين أفريقيا وآسيا وأوروبا، وفي الوقت ذاته يوفر خياراً استراتيجياً لتصدير النفط إلى أوروبا دون المرور بمضيق هرمز، في حال تعرض الأخير لتهديدات إيرانية تحول دون مرور ناقلات النفط منه. بورتسودان وسواكن هما المنفذ لبترول جنوب السودان ومعبر تجاري مهم لوسط أفريقيا، وضمن هذا الإطار، قام وزير النقل السوداني السابق مكاوي محمد عوض في أغسطس الماضي بالتوقيع مع شركة صينية على دراسة إنشاء خط سكة حديد يربط هذه الموانئ مع تشاد، ويمكن أن يمتد إلى أفريقيا الوسطي والنيجر والكاميرون فيربط البحر الأحمر بالمحيط الأطلسي، وتجدر الإشارة أيضاً إلى أن الصين دعت لتدشين منطقة حرة وميناء في السودان، لكن طلبها لم يتم التصديق عليه. ويلفت «الفاضل» الانتباه إلى أن ميناء سواكن دخلته قوات من جميع الأجناس، كان يعتبر «مدينة عالمية» شاركت قوات بنجالية وهندية في حراستها، ووصفها الفاضل بأن الميناء كان «قِبلة الأنظار»، أو «فتنة للأنظار» على حد قوله، لأهمية موقعه من الناحية الاستراتيجية، الذي شجع - تاريخياً - قوى كبرى للسيطرة عليه في الماضي.
وحسب الفاضل، تمتاز شواطئ السودان على البحر الأحمر بوجود ثروات تحتاج إلى استثمار، إذ تم اكتشاف الغاز بواسطة شركة شيفرون وشركة شلامبرجير في السبعينيات، وحديثاً في الألفينات تم اكتشاف كميات كبيرة من الذهب في عمق المياه السودانية- السعودية في البحر الأحمر، وتشكلت لها هيئة مشتركة. ويقول الفاضل: هناك مشروع مع قطر لإنشاء ميناء حاويات في سواكن بأربعة مليار دولار وتم توقيعه في يونيو 2018. وحسب الفاضل، فإن شواطئ السودان على البحر الأحمر بِكر، وتمتاز بطبيعة خلابة من الشعب المرجانية، مما يجعلها قبلة للسياحة البيئية ورياضة الغطس، وقد تم حديثاً إدراج جزيرة «سنقنيب» ومحمية «دونقناب» السودانية علي البحر الأحمر من قبل لجنة التراث العالمي في اليونيسكو ضمن التراث العالمي، وهي أول محمية بحرية بالإضافة إلى أنها الجزيرة المرجانية الوحيدة في داخل البحر الأحمر.
وعي مبكر:
ويرى محجوب محمد صالح رئيس مجلس إدارة ورئيس تحرير صحيفة الأيام السودانية، ورئيس مركز الأيام للدراسات الثقافية والتنمية، أن الدول العربية التي تعيش على جوانب هذا البحر أدركت أهميته لأمنها القومي منذ وقت باكر فقبل أكثر من ستين عاماً ناقش مجلس الجامعة العربية في دورة انعقاده الثامنة المنعقدة في فبراير عام 1955 الموقف من الأحلاف الأجنبية التي تسعى الدول الكبرى إلى إنشائها في المنطقة وعلى ضوء هذه المناقشات توصل المجتمعون إلى اتفاقية الدفاع المشترك العربية بديلاً لأي تحالفات مشبوهة ثم وعلى أساس تلك الاتفاقية تقدمت المملكة العربية السعودية بمقترح ميثاق جدة لحماية أمن البحر الأحمر ثم التوقيع عليه عام 1956 من مصر والسعودية واليمن وهو يحمل التزاماً من الدول الثلاث بحماية أمن البحر الأحمر، ولكن ما لبثت أن تدهورت العلاقات بين هذه الدول الثلاث، لكن الفكرة عادت للحياة من جديد عام 1973 بعد أن تولى اليمن إغلاق مضيق باب المندب في إطار حرب أكتوبر.
وحسب «صالح» فإن المهددات الأمنية التي يتعرض لها البحر الأحمر تتصاعد والانقلاب «الحوثي» في اليمن - مثلاً - وفر مدخلاً لإيران عبر «الحوثيين» - ورغم ذلك فإن الأهمية الاستراتيجية والاقتصادية والعسكرية للبحر الأحمر تتزايد والصراع حوله في تصاعد مستمر وبنفس القدر فإن مهددات الأمن فيه وحوله تتنوع وتتخذ أشكالاً شتى - فانهيار الدولة في الصومال فتح الباب لأعمال القرصنة التي أثارت قلق العالم عام 2008 وأثمرت المزيد من اهتمام الدول، حتى تلك التي لم يعرف عنها اهتمام بالبحر الأحمر من قبل - مثل اليابان - أن تفكر في إعداد قوة بحرية لحماية تجارتها من أعمال القرصنة.
موقف مشترك لحماية «البحر»:
ومن ناحية اقتصادية ما زالت الدول المتشاطئة حول البحر الأحمر تتحدث -حسب محجوب- عن كنوز في جوف البحر الأحمر وباستثناء الاتفاقية السودانية السعودية للتعدين في كنوز قاع البحر الأحمر التي ظلت مجمدة عشرات السنين لم تحدث أي محاولة للاستفادة من تلك الكنوز أو حتى إجراء أبحاث متكاملة حولها بينما تتركز أنظار الدول الكبرى العالمية والإقليمية في الجانب الإستراتيجي والعسكري حتى كاد نشاطها يطغى على دور ومسؤولية الدول المتشاطئة في حماية أمن البحر الأحمر وهو الدور الذي ينبغي أن تقوم به الدول العربية المتشاطئة حول الحوض بل ودول الجوار التي تعتمد عليه بصورة كبيرة في نقل إنتاجها النفطي (دول الخليج) - وقد آن الأوان أن تتحرك هذه الدول مجتمعة لتثبت وجودها دفاعاً عن حقوقها وحماية لأمنها ولاقتصادها.
ويرى محجوب أن المخاطر التي يتعرض لها أمن البحر الأحمر باتت كثيرة ومتنوعة ومختلفة الأبعاد وأن اللاعبين الدوليين في الساحة باتوا كثيرين، الدول الإقليمية الطامعة والطامحة لدور في المنطقة وإسرائيل التي ما فتئت تصطاد في الماء العكر ازدادت عدداً وتنوعت تدخلاتها فشملت إيران التي وجدت في حركة الحوثيين مدخلاً وتركيا التي باتت تسعى عن طريق الاتفاقات الثنائية والتحالفات المزمنة لأن تجد موطئ قدم في المنطقة وهناك الدور الروسي والصيني وكلاهما تتزايد حركته وطموحاته.
القرن الأفريقي.. استثمارات الموانئ:
دول القرن الأفريقي (الصومال جيبوتي إريتريا وإثيوبيا السودان وجنوب السودان وأوغندا وكينيا) التي يبلغ إجمالي عدد سكانها قرابة 270 مليون نسمة ليس لديها موانئ جيدة التجهيز أو مياهها عميقة باستثناء ميناء «دوراليه» في جيبوتي، ما يفتح آفاق الاستثمار الخليجي في إدارة وتطوير هذه الموانئ، وفي ذلك فرصة لتدشين علاقات اقتصادية خليجية خارج منطقة الشرق الأوسط التي عادة ما تربكها الأزمات. وكانت «شركة موانئ دبي العالمية» سبّاقة في هذا المجال بإبرامها في 2006 عقداً لتطوير ميناء «دوراليه»، وتطوير ميناء بربرة في صوماليلاند، وميناء بوصاصو في ولاية بونتلاند الاتحادية، وهناك اتجاه نحو تطوير كيسمايو في ولاية جوبالاند الاتحادية جنوب الصومال، وضمن هذا الإطار توقعت «موانئ دبي العالمية» وجود فرص استثمارية في قطاع الموانئ بشرق القارة الأفريقية يصل ما بين 10 إلى 12 ميناء. ومن الضروري تقوية العلاقات مع هذه الدول في أجواء من الثقة، التي تسمح بمزيد من التعاون والاستثمارات، ونموذج المصالحة الإريترية- الإثيوبية، المدعوم إماراتياً وسعودياً، خطوة مشجعة لمصالحات أخرى، وبالفعل شرعت السعودية في تحفيز مصالحة بين إريتريا وجيبوتي لتصفية نزاع حدودي بينهما يعود ظهوره إلى عام 2008، وبالفعل التقى رئيسا البلدين بجدة في سبتمبر الماضي. وبالنسبة للإمارات، فإن الاهتمام بأفريقيا عموماً يتأكد من حضورها الدبلوماسي المتنامي داخل القارة السمراء، التي دشنت فيها خلال عام 2018 ست سفارات جديدة.
حوض «أتلانتس 2»:
لفت «عدنان كريمة»، الكاتب المتخصص في الشؤون الاقتصادية، الانتباه إلى أفق الاستثمار في ثروات البحر الأحمر، فقد أثبتت الأبحاث الجيولوجية وجود أكثر من 30 موقعاً في قاع البحر، تحتوي رواسب طينية متمعدنة، بتركيز مرتفع من الذهب والفضة والزنك والنحاس والكوبالت والكادميوم.
وتقوم لجنة دائمة سعودية سودانية مشتركة، بتنفيذ الاتفاقات الموقعة بين البلدين لاستثمار معادن حوض «أتلانتس 2»، الذي يعرف بـ«كنز البحر الأحمر»، وتقدر ثروات هذا المشروع بنحو 47 طناً من الذهب، و3 آلاف طن من الفضة، ومليوني طن من الزنك، و500 ألف طن من النحاس، و3 آلاف طن من المنغنيز، إلى جانب معادن أخرى، وقدرت عائدات المشروع بعد انطلاقه عام 2020 بنحو 20 مليار دولار.
وحسب «كريمة» تسعى روسيا مع السودان والمملكة العربية السعودية إلى المشاركة في استثمار مشروع «إتلانتس 2»، ووقعت موسكو مع الخرطوم اتفاقيات عدة، في قطاع المعادن.
والصين بدورها، وقّعت مع السودان اتفاقيات استثمارية في قطاعات عدة، ومنها إنشاء منطقة تجارية حرة على ساحل البحر الأحمر. ويبلغ عدد الشركات العاملة بالذهب في السودان، والذي يزيد إنتاجه عن 100 طن، نحو 349 شركة، منها 149 شركة امتياز، و152 شركة تعدين صغيرة، و48 شركة لمخلفات التعدين، وارتفع العدد في السنوات الأخيرة إلى 434 شركة بعد دخول شركات سعودية وإماراتية ومصرية، في منظومة الاستثمارات العالمية بالذهب.
قوة بحرية عربية في البحر الأحمر وخليج عدن:
أكد الخبير العسكري والاستراتيجي الأردني اللواء الدكتور فايز الدويري أن خليج العقبة هو المنفذ البحري الوحيد للأردن ومن دونه تصبح المملكة دولة حبيسة، ومن ثم يعد أمن البحر الأحمر أحد المرتكزات الاستراتيجية لعمّان. واجتماع وزراء خارجية الدول المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن الذي انعقد في الرياض يوم 12 ديسمبر الجاري، يؤسس لكيان يضم هذه الدول، ويعد ثاني مبادرة تقودها المملكة العربية السعودية ما يعكس اهتمامها بالأمن الإقليمي والأمن الجماعي، وذلك بعد مبادرة «التحالف الإسلامي» في 16 ديسمبر 2015، ناهيك عن فكرة «الناتو العربي» لمواجهة التوغل الإيراني ويضم دول مجلس التعاون الست ومصر والأردن والولايات المتحدة. التركيز على أمن البحر الأحمر ظهر منذ 30 أبريل عام 1951 عندما دعت الرياض إلى تحالف مصري سعودي يمني في البحر الأحمر. وهناك ميثاق جدة الصادر في 21 أبريل 1956 بين الدول الثلاث، وتجددت الدعوة عام 1972 في جدة لتأمين البحر بحضور هذه الدول إضافة إلى إثيوبيا والسودان، وظهور دراسة أجرتها الجامعة العربية عام 1977 لتشكيل قوة أمن عربية في البحر الأحمر، وفي مارس من العام ذاته انعقد مؤتمر تعز بين اليمن الشمالي واليمن الجنوبي آنذاك والسودان والصومال.
ويحصر الدويري التهديدات التي يتعين على الدول العربية مواجهتها في البحر الأحمر، وتتضمن:-
أولاً: خطر القرصنة الذي ظهر عام 2008 قبالة سواحل الصومال، أي في القرن الأفريقي، عند المدخل الجنوبي للبحر الأحمر، ما يتطلب تدشين قوة بحرية عربية متجولة في البحر الأحمر وخليج عدن، أي دوريات بحرية تساهم فيها السعودية ومصر بالمجهود الرئيسي لأن لديهما قدرات بحرية وبمقدور بقية الدول المشاركة المساهمة حسب ما لديها من قدرات.
ثانياً: كسر جموح إيران وأطماعها، ما يعني منع وجود قواتها على ساحل البحر الأحمر، واستغلال طهران لبعض الدول المشاطئة للحصول على مواقع استراتيجية مثلاً حدث مع السودان وإريتريا في مرحلة سابقة، ويقترح الدويري احتواء إريتريا ضمن مقاربة سياسية لأن لديها إطلالة كبيرة على البحر الأحمر، 683 كيلومتراً ولديها 126 جزيرة.
ثالثاً: التهديد «الحوثي» في أرخبيل حنيش اليمني شمال غرب مدينة الُحديدة، ودحره يتطلب عملية جوية وبحرية.
أسطول عربي مشترك لمواجهة التهديدات البحرية:
لفت رياض قهوجي مدير عام مؤسسة الشرق الأدني والخليج للتحليل العسكري، الانتباه إلى أن سواحل شرق أفريقيا هي الضفة الغربية لشبه الجزيرة العربية، ما يعني أن الدول الواقعة شرق القارة السمراء تندرج ضمن العمق الجغرافي لدول الخليج العربية، ومن ثم أي توتر أمني بدول شرق أفريقيا يهدد الأمن في الخليج، ومن هنا، يقول «قهوجي» تتضح دواعي الاهتمام الكبير بالصومال، وإيجابية الدور السعودي والإماراتي في المصالحة الإريترية الإثيوبية. وتتجدد أهمية منطقة شرق أفريقيا باعتبارها خزاناً غذائياً لدول الخليج، إضافة إلى المصالح الاستثمارية في موانئ المنطقة مثلما هي الحال في إدارة «موانئ دبي» لبعض موانئ دول المنطقة. الترابط الاستراتيجي بين دول الخليج العربي والدول المطلة على البحر الأحمر ومنطقة القرن الأفريقي تفرضه الممرات الاستراتيجية كباب المندب وحتى قناة السويس، ما جعل الصين تدشن في جيبوتي أول قاعدة عسكرية بحرية لها في الخارج. اهتمام دولة الإمارات بالقرن الأفريقي والبحر الأحمر ليس جديداً، فقد استضافت الإمارات ثلاث نسخ من المؤتمر الدولي لمكافحة القرصنة البحرية خلال الفترة من 2012 و2014، وذلك تحت رعاية وزارة الخارجية والتعاون الدولي، وشارك فيها وزراء خارجية دول القرن الأفريقي. ويشير «قهوجي» إلى أن الإمارات من أكثر الدول التي ساهمت في تدريب وتجهيز القوات المسلحة الصومالية، وتدريب عناصر خفر السواحل لتمكينه من أداء دوره، وتساهم الإمارات أيضاً في تحقيق المصالحة الصومالية وعودة الاستقرار في هذا البلد المحوري في القرن الأفريقي.
وأكد «قهوجي» أن التمرد «الحوثي» على الشرعية في اليمن جدد الاهتمام الدولي بموقع اليمن الاستراتيجي، وأكد خطورة وجود قوى لديها أجندة عدائية تهدد الملاحة البحرية في باب المندب، مثلما فعل «الحوثيون» باستخدام صواريخ إيرانية، والفضل الكبير يعود الآن لقوى التحالف العربي التي باتت مسيطرة على سواحل اليمن الجنوبية والغربية. وحسب «قهوجي»، فإن التهديدات المحدقة بمنطقة الخليج والبحر الأحمر والقرن الأفريقي تتطلب تعاوناً عسكرياً مشتركاً تستطيع دول الخليج البدء به بالاعتماد على قوات بحرية. وضمن هذا الإطار تطور السعودية الآن أساطيلها البحرية، ومصر تعزز ترسانتها البحرية، ويمكن تدشين أسطول مشترك لتعزيز أمن السواحل والممرات المائية، التي تكتسي أهمية كبيرة لدول الخليج، حيث اقتصادها وحركة تجارتها استيراداً وتصديراً تعتمد على النقل البحري. وإذا كان هناك حوار حول تدشين «ناتو عربي» فإنه ينبغي أن تكون هناك قيادة بحرية عربية لديها أسطول بمهام واضحة، ضمن جهد مشترك يوفر خياراً ناجعاً للتعامل مع التهديدات البحرية في المنطقة.