رؤية عربية لأمن «أفرابيا»: ثلاثية الخليج والبحر والقرن 1 من 2
بقلم الأستاذ: طه حسيب - أبوظبي المصدر: صحيفة الاتحاد
اعتباراتٍ عدة تجعل الارتباط بين أمن الخليج العربي وأمن البحر الأحمر حقيقة لا تخطؤها العين.
راهن المنطقتين يثبت مقولة المفكر الكيني العُماني الأصل الراحل الدكتور علي مزروعي (1933-2014) الذي كان مديراً لمركز الدراسات الأفرو - أميركية والأفريقية بجامعة ميتشجن. مزروعي اقترح مفهوم «أفرابيا» أي الارتباط بين القرن الأفريقي وشرق أفريقيا وشبه الجزيرة العربية، فالمكونات الثلاثة تشكل تكتلاً واحداً، البحر الأحمر قاسمه المشترك. أهمية هذا الارتباط تأكدت منذ بداية التصدي للانقلاب «الحوثي» على الحكومة الشرعية في اليمن، فـ «الحوثيون» المدعومون من إيران سعوا لعرقلة الملاحة في البحر الأحمر، وهددوا ناقلات النفط، ما يهدد أمن دول الخليج العربية المصدرة للطاقة، وأيضاً الأمن المصري باستهداف حركة النقل البحري صوب قناة السويس، ويعطّل الاستثمارات الواعدة بموانئ البحر الأحمر الممتدة من جازان جنوب السعودية إلى العقبة جنوب الأردن. وبدا واضحاً أن إيران نقلت تهديداتها للملاحة الدولية من مضيق هرمز إلى باب المندب عبر ذراعها «الحوثي»، وأيضاً بمحاولاتها النفاذ للدول المطلة على البحر الأحمر وبلدان القرن الأفريقي، المرتبطة جيوسياسياً بهذا البحر، الذي يشهد تنافساً دولياً من قوى إقليمية ودول كبرى، بوتيرة تدق أجراس الخطر، بعدما دبت الفوضى منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي في الصومال، وما تبعها من موجات قرصنة قبالة سواحله عام 2008، وظهور جماعات الإرهاب، ومحاولات استغلال سواحله في دفن نفايات ذرية، والسطو على ثرواته من الأسماك النادرة والنفط والغاز، بل وتدشين قواعد عسكرية غير عربية على أراضيه بذرائع متعددة. والترابط العضوي بين الخليج العربي، أو شبه الجزيرة العربية، والبحر الأحمر والقرن الأفريقي، يستوجب رؤية عربية واضحة لأمن «أفرابيا» تلك المنطقة التي تتضمن المكونات الثلاثة، بحيث لا يُترك المجال لقوى معادية وأخرى طامعة في ثروات المنطقة كي تستحوذ على مفاصل الملاحة الدولية كالمضايق الاستراتيجية والموانئ، وهذه الرؤية ينبغي أن تتضمن مقومات صلبة (أمنية وعسكرية) وأخرى استثمارية وتنموية قائمة على شراكات وتبادل منافع مع دول البحر الأحمر والقرن الأفريقي، من أجل تفعيل علاقات طبيعية قائمة على التنمية وما تتطلبه من استقرار.
ليس أدل على تنامي الوعي لدى الدول المشاطئة للبحر الأحمر بأهمية التكتل والتعامل مع التهديدات المحدقة بالمنطقة من الاجتماعين الوزاريين اللذين استضافتهما القاهرة في منتصف ديسمبر 2017، والرياض في 12 ديسمبر الجاري. وكلمة عادل الجبير وزير الخارجية السعودي في مستهل اجتماع وزراء خارجية الدول العربية والأفريقية المطلة على البحر الأحمر، تعكس حرص الرياض على إنشاء آلية تعاون مشتركة في البحر الأحمر والقرن الأفريقي، تساهم، على حد قول الجبير، في «تعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة، وإيجاد تناغم في التنمية بين دول هذه المنطقة الحساسة، وبالتالي يساهم في منع أي قوى خارجية في أن تستطيع أن تلعب دوراً سلبياً في هذه المنطقة الحساسة». ولا شك في أن كلمة الجبير، بصفته وزير خارجية أكبر دولة في مجلس التعاون الخليجي، تعكس الترابط العضوي بين أمن الخليج العربي وأمن البحر الأحمر، ومشاركة وزراء خارجية دول البحر الأحمر: السعودية ومصر واليمن والسودان والأردن وجيبوتي والصومال.
اجتماع الرياض الذي ضم وزراء خارجية السعودية والأردن ومصر والسودان وجيبوتي والصومال واليمن، ناقش مسودة ميثاق لإنشاء مجلس الدول العربية والأفريقية المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن. نقلة نوعية إذن تتجه بالتعاون بين هذه الدول صوب إطار مؤسسي له أدواته وأهدافه التي ستمتد سياسياً واقتصادياً وأمنياً، لدرء أي مخاطر محدقة بالمنطقة.
الخليج والبحر.. عوامل الارتباط:
أحمد يوسف أحمد، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، والخبير المتخصص في الشؤون العربية، أكد أن أمن الخليج العربي وأمن البحر الأحمر مرتبطان، فهناك ارتباط جغرافي، حيث تتقارب المنطقتان مما يعرضهما لتهديدات وتحديات مشتركة. ويلفت يوسف الانتباه إلى أن المملكة العربية السعودية تطل على البحر الأحمر وأيضاً على الخليج العربي، مما يجعل الارتباط بين أمن الخليج العربي وأمن البحر الأحمر واضحاً بالنسبة إلى المملكة وراسخاً في أجندتها السياسية.
ويظهر هذا الارتباط جلياً بسبب وجود قوى إقليمية توسعية، مثل إيران التي لها سواحل على الخليج العربي، ولكن دعمها لميليشيات «الحوثي» في اليمن يعكس محاولاتها لبسط سيطرتها ونفوذها في باب المندب ومن ثم تهديد الملاحة البحرية. كما أن جهود دولة الإمارات العربية المتحدة ومشاركتها في التصدي للمشروع التوسعي الإيراني في اليمن، وبحكم واجبها العروبي، أصبح لديها مساهمة قوية في الدفاع عن عروبة البحر الأحمر، وهذا ما يتأكد في دور الإمارات في الدفاع عن الحكومة الشرعية في اليمن، أي أن الحس القومي للإمارات جعلها تلعب دوراً رئيساً في الدفاع عن عروبة البحر الأحمر، علماً بأنها ليست مُطلة عليه.
ولدى يوسف قناعة بأن مهمة تأمين البحر الأحمر لا بد أن تكون منوطة بالدول المتشاطئة عليه. ومن حسن الحظ أن العلاقات بين الدول العربية المطلة على البحر الأحمر جيدة في الوقت الراهن، حيث تشهد العلاقات المصرية- السعودية ازدهاراً، وتحسنت العلاقة بين مصر والسودان كثيراً، والعلاقات بين الأردن ومصر والسعودية والسودان على ما يرام. أما بالنسبة لجيبوتي، يرى يوسف أن لديها وضعاً خاصاً، فهي تقوم بتأجير قواعد عسكرية للأجانب، ومن الصعب إدراجها ضمن منظومة عربية لأمن البحر الأحمر، ولكي تصبح جزءاً من هذه المنظومة، فإن الأمر يتطلب جهداً عربياً كبيراً.
معادلة أمنية عربية:
ويؤكد يوسف أهمية وجود معادلة أمنية عربية في البحر الأحمر؛ لأن القوى الإقليمية الكبرى تخطط بوضوح لوجود عسكري على شواطئه، مثل إيران وتركيا وإسرائيل.
ولدى يوسف قناعة بأن لدى مصر والسعودية والإمارات والسودان واليمن - بعد تخليصه من النفوذ الإيراني- القدرة على صياغة معادلة أمنية في البحر الأحمر قادرة على ضمان عروبته.
ويلفت يوسف الانتباه إلى أن القيادة السياسية والعسكرية في مصر تدرك المخاطر الراهنة على أمن البحر الأحمر، وهي مخاطر تشكلها دول غير عربية، ومن هنا ظهر المشروع البحثي الكبير الذي تم إنجازه في أكاديمية ناصر العسكرية العليا في نوفمبر الماضي، وتحديداً في كلية الحرب التابعة للأكاديمية، وهي دراسة حظيت باهتمام وحضور وزير الدفاع المصري ورئيس أركانه.
وحسب يوسف، يرتبط أمن البحر الأحمر بفرص التنمية على ضفتيه، وتوفير الأجواء المحفزة للاستثمار والاستغلال الأمثل للموارد، وهذا المنحى التنموي يتطلب جاهزية الدول العربية المطلة على البحر الأحمر للدفاع عن هذه الموارد وحمايتها. وإذا كان الشيء بالشيء يُذكر، فإنه عندما اكتشفت مصر احتياطات ضخمة من الغاز في منطقة شرق المتوسط، سعت إلى حيازة قطع بحرية متطورة وحاملة طائرات وأبرمت صفقة طائرات رافال مع الفرنسيين، وذلك في إطار تأمين حصولها على الغاز الطبيعي شرق المتوسط بعدما كثفت علاقاتها مع اليونان وقبرص. كما أعلنت مصر عن مزايدة عالمية كبرى للتنقيب عن النفط والغاز في البحر الأحمر، وعلى الجانب السعودي هناك مشرع «نيوم» الواعد وغيره من المشروعات، مثل «مشروع البحر الأحمر».
الطريق الوحيد صوب أوروبا:
ويرى الخبير العسكري السعودي، العميد الركن المتقاعد الدكتور علي التواتي، أنه لا يمكن الفصل بين أمن الخليج العربي، وأمن البحر الأحمر، بأي حال من الأحوال، فالبحر الأحمر الطريق البحري الوحيد الذي يربط الخليج بأوروبا، والبديل طريق بري يمر بدول غير مستقرة مثل العراق وسوريا وتركيا، كما أن الوصول براً يعني التعامل مع توازنات سياسية واحتواء مخاطر محتملة.
ويؤكد التواتي أهمية الطريق البحري وتميزه، خاصة في ظل تأمين الموانئ المطلة على البحر الأحمر، فالدول المتشاطئة على البحر الأحمر معظمها دول عربية صديقة للمملكة العربية السعودية، كما أن الجزر الواقعة داخل البحر الأحمر يسهل الدفاع عنها. ويري التواتي أن الدول التي تؤثر بشكل مباشر على البحر الأحمر، هي مصر والسعودية والسودان وإريتريا واليمن، ويلفت التواتي الانتباه إلى أن إرتيريا تحسنت علاقاتها كثيراً مع دول المنطقة، وخاصة في ظل التحرك السعودي بالوساطة في إبرام اتفاقية السلام بين إثيوبيا وإريتريا، وحسب التواتي فإن أكثر دولة تمتلك مقومات التأثير العسكري على البحر الأحمر هي مصر، كونها تتمتع بقوة بحرية تقليدية مهيمنة ظهرت فاعليتها بوضوح في الحرب مع إسرائيل وفي حصار «الحوثيين»، وهذه القوة يمكن اعتبارها - حسب التواتي جزءاً لا يتجزأ من القوة الخليجية.
ما يبعث على الاطمئنان - حسب التواتي - أن جزر البحر الأحمر معظمها تقع تحت سيطرة عربية باستثناء جزر دهلك الإريترية المحاذية لجزر «فرسان» السعودية. وفي مدخل البحر الأحمر، وتحديداً بعد باب المندب توجد جزيرتا «حنيش» و«زقر» اليمنيتين، وفي داخل المضيق، توجد جزيرة «ميون» اليمنية وهي الآن تحت سيطرة قوات التحالف العربي، هذا بالإضافة إلى جزر في شمال البحر الأحمر وفي مقابل السودان، ويرى التواتي أن وجود ميناء إيلات في الشمال لا يؤثر على حركة الملاحة البحرية، لأن خليج العقبة يتم ربطه بالمجرى الملاحي للبحر الأحمر من خلال مضيق تيران، والممر الملاحي من وإلى خليج العقبة لا بد أن يمر بجزيرتي تيران وصنافير السعوديتين، ويُشار أيضاً إلى أن السعودية لديها جزر مقابل منطقة مكة ومقابل منطقة تبوك، وأمام جدة مجموعة جزر منها «ضباء» و«الوجه» و«أملج». وأكد «التواتي» أن المعركة التي تخوضها الشرعية اليمنية والتحالف العربي معركة مصيرية؛ لأن سيطرة أي قوى منافسة ومعادية، مثل إيران على باب المندب ومضيق هرمز، معناه شلل بحري تام لدول الخليج. ويؤكد التواتي أن لدى السعودية موانئ مهمة مثل جدة وضبا والوجه وينبع وجازان، ما يعطيها ميزة استراتيجية للاتصال بأوروبا. ما يحدث الآن من دور للتحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن هو بالتأكيد معركة دفاعية صرفة بغض النظر عن نتائجها، أي أنها من أجل الدفاع عن حرية الحركة من المنطقة إلى أرجاء العالم كافة، والتصدي للقوى التي تحاول التمدد الإقليمي في المنطقة؛ لأن هذا التمدد لو تُرك يمكن اعتباره انتكاسة استراتيجية.
والموانئ السعودية على البحر الأحمر تُشكل في حد ذاتها ميزة نسبية، لكنها ليست مطلقة، فهي تعمل على إبقاء خطوط التجارة مفتوحة مع أوروبا. ويقول التواتي: إذا تمكنت دول الخليج من إنشاء خط ربط محوري بالقطارات والطرق البرية السريعة يربط بين شاطئ الخليج والبحر الأحمر، تحديداً في جدة أو ينبع، يمكن حينها، أن تستفيد من الميزة النسبية السعودية، والمتمثلة في إبقاء خطوط التجارة مفتوحة مع أوروبا، كما يمكن أيضاً توسيع خطوط أنابيب نقل النفط «البترولاين» السعودية لاستيعاب صادرات النفط الخليجية، ويبقى مضيق هرمز في حال اضطراب حركة الملاحة فيه عقبة كأداء في حركة التجارة الخليجية إلى شرق أوروبا والهند.
ولدى التواتي قناعة بوجود رؤية سعودية تجاه أمن البحر الأحمر، استدل عليها من إصرار المملكة على المساهمة في المصالحة بين إريتريا وإثيوبيا، وأيضاً العلاقات المتجددة بين السعودية والسودان، والتعاون في التدريب العسكري بين مصر والمملكة، كما أن هناك مشروعات اقتصادية مع السودان لاستغلال الموارد المعدنية في المنطقة البحرية المشتركة بين البلدين، ناهيك عن مشروعات مشتركة للاستفادة من الغاز الطبيعي مع مصر.
تنسيق سعودي - مصري:
ولفت التواتي الانتباه إلى تنسيق سعودي - مصري مشترك من أجل أمن البحر الأحمر، استدل عليه من تمويل السعودية لصفقة شراء حاملتي طائرات فرنسية الصنع من طراز ميسترال، كما أن جزيرتي تيران وصنافير السعوديتين ستكونان ضمن مشروع كبير للربط البري بين أفريقيا وآسيا، ربط منطقة رأس الشيخ محمد السعودية بمنطقة رأس محمد في مصر، وهذا كله في إطار تعاون واضح يهدف إلى تحويل البحر الأحمر إلى بحيرة عربية.
ويرى اللواء الطيار الركن، والخبير العسكري السعودي محمد القبيبان أن أمن البحر الأحمر لا يتجزأ عن أمن المناطق البحرية الأخرى في المنطقة، أي عن بحر العرب والمحيط الهندي والخليج العربي، خاصة أن السفن التجارية وناقلات النفط تجوب هذه المناطق البحرية. وبالنسبة للسعودية، فإن الخليج العربي يشكل القطاع الشرقي بسواحل يبلغ امتدادها 700 كيلو متر لها والبحر الأحمر هو القطاع الغربي بسواحل يبلغ طولها 1200 كيلومتر، ولدى المملكة أسطولان للتعامل مع القطاعين. وبالنسبة لباب المندب، فإن 25 إلى 30 في المئة من تجارة النفط العالمي تمر منه، ما يستوجب ضرورة تأمينه، وضمان توفير الحراسة المشددة لناقلات النفط التي تمر منه. وضمن هذا الإطار، كان «الحوثيون» قد هددوا بإغلاق باب المندب، وعلّقت السعودية تصدير النفط منه إلى أن تم إعادة الأمن والاستقرار في هذا الممر البحري الحيوي. هذا يؤكد أن أمن باب المندب وأمن البحر الأحمر خط أحمر بالنسبة للسعوديين. ولتعظيم الجاهزية السعودية، فإن المملكة تنفذ تمارين عسكرية مشتركة، بالتعاون مع دول الخليج ومصر، ومع الدول الصديقة مثل باكستان والولايات المتحدة، ولدى المملكة قوات بحرية متقدمة قادرة على إعادة التموضع، وعادة ما يجري الأسطولان الغربي والشرقي تدريبات مع الدول الشقيقة والصديقة. وهناك تعاون جوي مع القوات البحرية. ولدى القبيبان قناعة بأن الصراع المستقبلي سيكون على القرن الأفريقي، ومن المهم الإشارة إلى الدور الذي لعبته المملكة العربية السعودية في الوساطة بين إريتريا وإثيوبيا، وهو ما يمكن اعتباره خطوة من أجل استقرار القرن الأفريقي، الذي يشهد تنافساً إيطالياً تركياً إسرائيلياً إيرانياً أميركياً.
ولفت «القبيبان الانتباه إلى الدور الذي تلعبه إيران عادة من خلال التشيع الديني وقيامها بطرح مقدمات أيديولوجية كي تتقبلها الشعوب، فإيران تغزو المجتمعات فكرياً قبل أن تستهدفها عسكرياً حدث ذلك في نيجيريا مثلاً».
سباق على «القرن»:
وتحت عنوان «الاتجاهات الرئيسية لعام 2019 في أفريقيا جنوب الصحراء»، تنبأ مركز ستراتفور الأميركي بنتائج إيجابية للمصالحة بين إثيوبيا - وهي دولة حبيسة - وجارتها إريتريا، كونها ستسمح بإعادة فتح طرق النقل وزيادة فرص الاستثمار الأجنبي. وحسب التقرير، فإن إثيوبيا هي العملاق الاقتصادي الصاعد في المنطقة، وتعتزم حكومتها الإصلاحية بزعامة أبيي أحمد أن تقوم بخصخصة الشركات المملوكة للدولة جزئياً، على أمل جذب الأموال من الدول الأجنبية، مثل الإمارات العربية المتحدة والصين، وستسير أديس أبابا قدما نحو الخصخصة الجزئية للمؤسسات الكبيرة المملوكة للدولة مثل «إيثيو تيليكوم» و«الخطوط الجوية الإثيوبية»، وغيرها في عام 2019. صعود إثيوبيا- حسب التقرير- سيحشد اهتمام الصين وروسيا والولايات المتحدة بكل من إريتريا والصومال وجيبوتي والسودان. وستحاول الصومال وجمهورية صوماليلاند - التي أعلنت استقلالها من جانب واحد- استغلال هذه الفرص لتعزيز التجارة وخطوط الواردات. وبالنسبة لإريتريا، يعني السلام مع إثيوبيا إمكانية تخصيص موارد أكثر لاقتصادها الذي عاني التدهور والانكماش في العقود الأخيرة، حيث من المرجح أن يجذب الاستثمار في الصناعة والتعدين والسياحة المستثمرين الأجانب. إن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن إريتريا سيزيد من اهتمام أميركا وغيرها من الدول بما لدى أسمرة من فرص استثمارية وأمنية. ويبدو أن التنافس بين القوى الدولية الكبرى في القرن الأفريقي سيكون السمة الغالبة لعام 2019. ومن المحتمل أن تدعم روسيا علاقاتها مع إريتريا، حيث تعهدت موسكو ببناء مركز لوجستي في أحد الموانئ في البلاد. وستواصل جيبوتي الاستفادة من موقعها الجيوستراتيجي المهم في مضيق باب المندب من أجل التأثير والمكاسب المالية. وتمتلك الصين ما يقرب من 80 في المائة من الديون الخارجية لجيبوتي، ما يمنح بكين درجة كبيرة من النفوذ.
ويقول اللواء طيار دكتور هشام الحلبي، مستشار أكاديمية ناصر العسكرية العليا، وعضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، وعضو الجمعية المصرية للأمم المتحدة، إن البحر الأحمر أحد أهم شرايين الملاحة العالمية، وأمن مجراه الملاحي وأيضاً شواطئه وجُزره لا يخص أمن الخليج فقط، بل الأمن العربي بشكل شامل، خاصة مصر والأردن والسودان والصومال.. وأمن البحر الأحمر مرتبط أيضاً بالأمن الإقليمي، فهناك دول غير عربية يهمها أمن البحر الأحمر مثل إيران وإسرائيل، والأمر نفسه ينطبق على قوى كبرى، مثل دول أوروبا والولايات المتحدة والصين، فتجارة النفط تنتقل من البحر الأحمر وكذلك التجارة العالمية، ومعظم الدول الكبرى لديها قواعد في جيبوتي، وكل من هذه الأطراف ينظر إلى الموضوع وفق مصالحه.. ويلفت الحلبي الانتباه إلى أن إيران تريد نقل التهديد إلى المصالح العربية في البحر الأحمر، من خلال دعمها لـ«الحوثيين»، التهديدات التي يتعرض لها أمن البحر الأحمر قديمة، فعلى سبيل المثال كانت إسرائيل مصدر تهديد، وخلال حرب أكتوبر 1973 أغلقت مصر مضيق باب المندب، وعقب هجمات 11 سبتمبر 2001 الإرهابية نشرت الولايات المتحدة قطعاً بحرية لتأمين الملاحة داخل المضيق.
حروب بالوكالة:
وأكد «الحلبي» أن طبيعة التهديدات تغيرت خلال الآونة الأخيرة، خاصة مع انتشار التنظيمات الإرهابية، التي ترعاها دول في إطار حروب بالوكالة. ففي الماضي كانت هناك حروب بالوكالة تقوم بها دول نيابة عن دول، الآن تستعر هذه الحروب من خلال تنظيمات إرهابية مدعومة من دول. وهذا النمط يُشكل تحدياً كبيراً عند التخطيط لمواجهته، فالتنظيمات الإرهابية غير محددة وغير ثابتة ومتعددة الأسلحة، ومن ثم يصعب توقع عملياتها، وفي البحر الأحمر، ثمة تحديات تشكلها الطبيعة الجغرافية للبحر، على سبيل المثال عرض مضيق باب المندب يبلغ 30 كيلو متراً فقط، ما يعني أنه بالإمكان استهداف السفن أثناء عبورها المجرى الملاحي من مسافات قريبة، وهذا التهديد مثلاً، غير موجود في البحر الأبيض المتوسط كونه بحراً مفتوحاً، كما تشكل الجزر غير المأهولة بالسكان مصدر تهديد آخر للمجرى الملاحي في البحر الأحمر، وهي جزر يمكن لتنظيمات إرهابية أن تستغلها.
ولدى «الحلبي» قناعة بأن العمليات الإرهابية في هذه المنطقة البحرية عادة ما ترعاها دول، فتلك العمليات تتطلب معلومات دقيقة عن حركة السفن وتوقيتات مرورها والأسلحة التي تستخدم لاستهدافها، وكلها معطيات تتجاوز قدرة التنظيمات الإرهابية. وأكد الحلبي أن إيران نقلت التهديد الأمني للملاحة البحرية من الخليج العربي إلى البحر الأحمر عبر دعمها لـ«الحوثيين» في اليمن، وذلك بعدما أدركت أن التلويح بإغلاق مضيق هرمز، مجرد زوبعة إعلامية، ويتسبب في خسائر اقتصادية، وسيُعرّضها في حال إغلاقه، أو إرباك حركة التجارة الدولية التي تمر منه، إلى ضغوط دولية كبيرة، وقد يعرضها لضربة عسكرية.
ويرى الحلبي أن إيران اتجهت لتهديد الملاحة في البحر الأحمر من خلال «الحوثيين» كورقة ضغط على الدول العربية، بمنطقة يصعب فيها تحديد من المتسبب في العمليات الإرهابية، التي تتسم بأنها متغيرة وعنقودية، وهذا النوع من التهديدات يستفز الدول المُستهدَفة، ولفترة طويلة، كما أن لهذه العمليات الإرهابية تداعيات من بينها زيادة تكلفة التأمين على السفن وتعطيل حركة الملاحة، ومن ثم زيادة أسعار السلع المستوردة، وما قد ينجم عن ذلك من تداعيات اقتصادية واجتماعية.
الاهتمام بأمن البحر الأحمر يتزايد بعد الفرص التنموية الواعدة التي بدأت الدول المتشاطئة عليه في استغلالها، ففي مصر، تم ازدواج المجرى الملاحي لقناة السويس، وانطلاق مشروع محور قناة السويس، وفي السعودية، يوجد مشروع «نيوم»، وفي حال تحرير اليمن من الانقلاب «الحوثي» يمكن استغلال الموانئ اليمنية في تحقيق الازدهار المنشود لهذا البلد الذي لطالما عاني كثيراً من عدم الاستقرار.