مشاهد مخيفة خليط بين أفراح وأحزان ! السلام الهش
بقلم الإعلامي الأستاذ: أبوبكر عبدالله صائغ - كاتب وصحفي ثقافي مهتم بالتأريخ
يعرف السلام بأنه (عيش ودع الاخرون يعيشوا) والسلام الدائم هو الذي تسنده القوانين والنوايا الحسنة
والممارسات الصحيحة على أرض الواقع، لو أسقطنا هذا الكلام على التطبيع الكامل الذى نشهده هذه الايام بين إثيوبيا وإرتريا سنجد أنفسنا أمام واقع يفرض دون مراعاة للواقع الموجود على الأرض.
صحيح لا أحد ينكر أهمية السلام بين إثيوبيا وإرتريا بما يجلبه من منافع للشعب الارتري والاثيوبي على حد سواء، والشعب الارتري الذى ظل طوال الثمانية عقود الماضية ينشد السلام ويدافع في سبيله لكى ينال حقه وحريته وأن تصان كرامته بأغلي ما يملك، ولذلك فهو بالنسبة له أمر مفروق منه ولا يحتاج الى تذكيره به عبر مفردات وطبول ومهرجانات أفراح وهرولة.
من الطبيعي ان يتبادر الى الذهن في مثل هذه الحالات سؤال فحواه ما الذى يجري ؟
ماهي المستجدات على أرض الواقع تجعل من هذا السلام ممكناً ودائماً ومستقراً لا تجرفه السيول العاتية ولا ينزلق في أقرب محطة خلاف بين الحلفاء الجدد الذين جمع بينهم عداء لما هو مألوف وطبيعي وهو القانون ومدى الالتزام به وتنفيذه لأن من كان يتهرب من تطبيقه طيلة 16 عاماً خاصة إثيوبيا دولة بها برلمان منتخب أصبح الأن حمل وديع ينحني أمامه سلطانه أو الخطة تقضي وبالضرورة شيطنة فئة معينة هنا وهناك ووصفهم بإنهم كانوا ضد السلام هنا وإرهابين هناك.
الوضع في إرتريا معروف لدى الجميع الشعب الارتري لا يعرف الاجندة الخفية وراء تلك الحرب التي إندلعت فجأة بعد أن كانت تدور رحاها تحت الطاولات بالرسائل والتهديدات لتنفيذ ما أتفق عليه شفهياً في عهد الثورة ليكون واقعاً في ظل الدولة.
هنا لابد من التذكير بالاتفاقيات التسعة التى وقعت صبيحة إعلان نتائج الإستفتاء عام 1993م وطرح النظام الكونفدرالى بين إثيوبيا وأرتريا، وإن تغليف الكلام المسموم حينها بمقولة إذا توافقت عليه إرادة الشعبين كان الهدف منها المناورة وجس البض وتذكير الشعب الإرتري الذى كان يرقصاً فرحاً بكنفدرالية عام 1952م التى إنتهت بقرار أحادى بضم إرتريا بإثيوبيا بعد إخراج مسرحية هزيلة في البرلمان الإرتري.
أما الأن لا يوجد برلمان في إرتريا دستور ولا حريات و لا حقوق للإنسان الذى ناضل وضحي طيلة ثمانية عقود، فكيف تهرول إثيوبيا وبنزعة لا يفسر مغزاها الا الطرفين في التطبيع مع نظام هم أكثر شعوب الارض أدري به وبمخططاته !
قيل سبب الخلاف بادمي وهنا اقول منذ متى كانت بادمي تحت الادارة الارترية بالرغم من إنها أرض إرترية محتلة طيلة الاربعة عقود الماضية !
أتذكر إنني قرأته رسالة كانت ضمن الوثائق التى تركها قادة التنظيم الموحد عند تسليمهم لمكتب الفردوس بدمشق للحكومة الإرترية المؤقتة، وتم نقل تلك الوثائق الهائلة بمخزن بنمطقة ما بدمشق، ثم تم نقلها مرة أخري الى مكتب الميسات التابع للجبهة الشعبية لتحرير إرتريا بدمشق لتجهيزها وفرزها لإرسالها الى أسمرا، أنا وصديق الدكتور/ محمود محمد سعيد ناود إستدعانا الاخ والصديق/ عبدالعزيز حسن خيار هو الان "بالمانيا" الذى كان يدير مكتب الميسات حينها لفرز تلك الوثائق ووضعها في كراتين ضخمة تمهيداً لإرسالها الى أسمرا عبر DHL وأثناء الفرز وجدت رسالة مكتوبة من المكتب العسكري لجبهة التحرير الارترية وعليها توقيع وإسم الشهيد/ عبدالله إدريس، الرسالة كانت موجهة الى للجبهة الشعبية لتحرير تغراي يطالبهم فيها بضرورة مغادرة الاراضي الارترية ومنطقة بادمي وضواحيها تحديداً وخلال مدة أقصاها شهر وإن لم يغادروها سوف يتم إخراجهم منها بالقوة، وبعد إنتهاء المدة وشنت عليهم وحدات من جبهة التحرير الارترية هجوما كاسحاً حتى أوصلتهم الى العمق الاثيوبي، والرسالة حددت من هم الذين يتواجدون داخل الاراضي الارترية من الجبهة الشعبية لتحرير تغراي وذكرت بالتحديد معسكرات للمعاقين والمستشفي وحدد لهم ضواحي أمحجر، الامداد في ضواحي قلوج بالقرب من الحدود الاثيوبية، تلك الايام كانت أيام العز للارض الارترية.
بادمي من تلك الفترة أى بداية الثمانينيات وبعد دخول الجبهة الى السودان كانت تحت سطيرة وياني تغراي والحكومة المؤقتة لم تهتم بسكانها والكل يذكر مقابلة أعيان بادمي للمناضل/ شريفو فك الله أسرهم لتقديم شكواى ضد القوات الاثيوبية المتواجدة هناك بمختلف المستويات.
فجأة هبت الروح الوطنية وأصبحت بادمي نقطة خلاف بين الجبهتيين لتصفية أجندة قديمة لم تنفذ، ولابد أن يكون أحد الاطراف ضحية حتي يبقي الاخر ولو الى حين يتشفي ويهدد في أجواء السلام المزعوم والملغوم.
كل ماشهدناه ليس طبيعي هناك شيئاً ما يدور تحت الخفاء "لا يحتاج الى إجتهاد في نظرى" ويدفع الطرفين للهرولة لفرض واقع جديد على المنطقة والضحية هو الشعب الإرتري والأرض الارترية، لأن من ظل يحاصر الشعب الأرتري بكافة الوسائل ويقطع عنه كل شيئ سوف لن يوزع ورود السلام ويجعلهم يحلمون بالسلام في فراش وثير ووسادة من ذهب.
قبل الختام هناك ملاحظتان جديرتان بالنقاش والاهتمام:
ما الهدف من الإيحاء بأن إرتريا لا تزدهر إقتصادياً الا بالإرتباط مع إثيوبيا وهذا هو مخطط مدعي الكونفدرالية وجماعة الانضمام ومبررات أمريكا وغيرها عام 1952م، والحكومة الإرترية ذهبت في نفس الاتجاه عندما أغلقت الموانئ الارترية في مصوع وعصب وحولت مخازنها الى معسكرات للجيش طيلة عشرون عاماً وهاهي اليوم تفتحها من جديد لعودة إثيوبيا الامر الذى يستحق أكثر من علامة إستفهام.
منذ عام 1991م سيطر التغراي على الحكومة الاثيوبية ومنذ عام 2008م إنتقل مقر المعارضة الارترية بكافة فصائلها الى إثيوبيا وإذا كان التغراي يرغبون في تغير النظام في أسمرا لفعلو ذلك بدعم المعارضة الارترية والعكس من ذلك قيدوا المعارضة الارترية التى اصبحت اليوم في حيرة من أمرها.
السلام مطلباً للجميع ولكن فليعم ضمن أوضاع طبيعية ونوايا حقيقة ومع الشعب الارترية في ظل حكومة تمثل كل كياناته وقومياته وتطلعاته.