توازن القوى بين طرفي النزاع في المجتمع الارتري
بقلم الأستاذ: صالح سعد حفظه الله - المفكر والكاتب الإرتري
تقديم وتوطئة: طُلِبَ مني تقدبم ورقة نقاشية لتطرح للحوار في هذا المنبر الحواري الذي يتبنى الحوارَ وسيلة ً للوصول
للوعي السياسي الراشد المشترك، في البدء استثقلتُ المهمة َ الملقاة على عاتقي لعلمي بأنَّ الموضو ع يحتاج إلى الغوص في عمق المشكل الإرتري وتجاوز القراءة السطحية التي لا تتجاوز القشرة، ويتطلب ُ كذلك القراءة العميقة في العقل الجمعي الإرتري ومسارات تشكل الشعور الجمعي الذي لم تكتمل حلقاته، حيثُ اجهضتْ مسارات التكوين الطبيعي والتي كان من المفترض أن تؤدي إلى اكتمال حلقات تشكل الوعي الجمعي بمراحلها الأربع:-
1. مرحلة التعريف.
2. مرحلة التعارف.
3. مرحلة الاعتراف.
4. مرحلة العمل المشترك وبناء دولة المواطنة المتساوية المتجاوزة لنظريات المحاصصة بناءً على سؤالات الهُويات الجزئية.
مهما يكن من أمرٍ استعنتُ بالله لتحمل عبء كتابة الورقة لتتم مناقشتها قصدًا للوصول إلى صياغة جماعية للأفكار والأسئلة التي تثيرها الورقة من خلال الحوار الواعي المنتج لثقافة سياسية واعية.
الغرض من هذه الورقة ليس هو تقديم مقولاتٍ جاهزة كثيرًا ماتدور في نقاشاتنا وحواراتنا سيما في وسائل التواصل الاجتماعي باعتبارها مسلمات حاكمة لتاريخنا، وفاعلة في حاضرنا، ومؤثرة في مستقبلنا غاية الورقة محاولة طرح أسئلة واستشكالات على اجترار بعض المقولات التي أثرتْ على تشكيل وعينا السياسي والوطني، وتقديم بعض المقولات النظرية المفسرة لمسارات التجربة الوطنية، لتأخذ حظها من النقد وتقليب وجهات النظر.
عند التأمل في عنوان الورقة نجد قسمة المجتمع الإرتري إلى طرفي نزاع، من البديهي أن يكون أول ما يتبادر إلى الذهن سؤال منطقي = على أي أساس كانت هذه القسمة الثنائية أو بمعنى آخر ماهي المعايير والمحددات لهذه القسمة ؟، وليس هذا السؤال من قَبيل الأسئلة الساذجة والسطحية أو توضيح الواضحات، إنَّما هو سؤال يدلُّ على الوعي وتجاوز الذهنية النمطية.
منطق التقسيم ومحدداته:
هنالك أربع ثنائيات متقابلة أرهقت العقل الإرتري، وأثرتْ في مسارات ومآلات التجربة الوطنبة الإرترية وهي:-
1. اللغة العربية / اللغة التجرنية.
2. مسلمون / مسيحيون.
3. المنخفضات / المرتفعات.
4. تجربة الجبهة / تجربة الشعبية.
المشكلة الحقيقية ليس في وجود هذه الثنائيات أو تقابلها، لأنَّ وجودها أمرٌ طبيعيٌ بل هي دليلٌ على تركيبية المجتمع الإرتري وتنوعه، ولكنَّ المشكلة الحقيقية تكمنُ في كيفية إدارة هذا التنوع وطريقة التعامل مع هذا التنوع، ومدى نجاحنا في استثماره في الاتجاه الصحيح.
إذا أنعَمْنَا النظرَ وتأملنا هذه الثنائيات المتقابلة لوجدنا أنَّ الدينَ، والثقافةَ متمثلة في وعاءها اللُّغَوي (العربية / التجرنية) هي المعايير المنضبطة في معايرة التقسيم للمجتمع الإرتري، باعتبارهما مرتكز سؤال الأنا / والآخر.
وبناء عليه يكون المحدد الجغرافي = مرتفعات / ومنخفضات لا اعتبار له في تحديد طرفي النزاع والصراع في التجربة الوطنية، ويكون ذكر المنطق الجغرافي في توصيف الآخر لاينمُ عن رؤية دقيقة كما جرى عليه العمل في الطرح السياسي والإعلامي عند بعض المثقفين.
يمكن القول كذلك بأنَّ ثنائية الجبهة / الشعبية لا مدخل لها في هذه القسمة الثنائية للمجتمع فلا الجبهة هي تنظيم سياسي يشكل واجهة للمسلمين، فالجبهة تنظيم ثوري تبنى النضال المسلح من أجل تحرير ارتريا من الاستعمار الأثيوبي، ولم يكن المنطق الديني / الطائفي حاكماً في تأسيسه أو استراتيجياته وسياساته.
وبناء عليه يبقى الحديث عن انحراف الجبهة عن مسارها الإسلامي عن طرق الأدلجة الماركسية حديث ينقصه الدقة والعمق.
ويمكن قول الشيء نفسه في الجبهة الشعبية لم تكن تنظيماً مسيحياً إنَّما هي محصلة تحالفات بين الفصائل الخارجة من رحم تجربة جبهة التحرير، تحت شعارات المظلومية والحنق على سياسات القيادة العامة، والخطاب الطائفي الذي تضمنته وثيقة (نحن وأهدافنا) إنَّما يمثل مجموعة (سلفي ناظنت) والتي هي إحد الفصائل المكونة لتجربة قوات التحرير الشعبية والتي انتهت بعد سلسلة الانشقاقات بين مكوناتها إلى تجربة الجبهة الشعبية، وبناء عليها لايمكن تحميل التجربة كلها مضمون الوثيقة.
وهنالك سؤال آخر: لماذا الحديث عن المجتمع الإرتري ومكوناته الرئيسية وموضوع الورقة يتعلقُ بموازين القوى السياسية ؟
يمكن القول بأنَّ جوهر المشكلة الإرترية ابتداءً من مرحلة تقرير المصير في الأربعينات مروراً بنضالات الشعب الارتري السياسية = حركة تحرير ارتريا / الثورة المسلحة بقيادة جبهة عباي قبل الانشقاقات، وما تلاها إلى يومنا هذا إنَّما هي مشكلة مجتمع لم تتشكل هُويته الجامعة، وما التنظيمات السياسية المتكاثرة إلا تمثلات ومخرجات = أزمة مجتمع.
إذا سَلِمَ منطق التوصيف والتصنيف للمجتمع الإرتري بمحددات = الدين والثقافة الجامعة من النقض، يمكن طرح سؤال آخر مفاده ماهي اتجاهات العقل الجمعي الارتري الحاكمة للمسار السياسي / الثقافي ؟
بلاشك أنَّهُ لايمكن الحديث عن عقلٍ جمعي آحادي في الحالة الإترية، ولا الشخصية الإرترية الجامعة إنَّما يمكن الحديث عن مسارين متوازيين للعقل الجمعي الإرتري، أحدهما أفقي:
هو العقل الجمعي للمكون المسلم = وهوعقل متذرر يرجع إلى المكونات الأولية للمجتمع = القبيلة القائمة على منطق علائق الدم، وبدرجة أقل يحتكم إلى المنطق الجغرافي (المنطقة)، لذا نجد تمثلات هذه العقلية ومخرجاتها بوضوح في ظاهرة الانشقاقات في التنظيمات السياسية ذات الأغلبية المسلمة في مكونها البشري.
وثانيهما رأسي: وهو العقل الجمعي للمكون المسيحي وهو يسير في اتجاه رأسي تتحكم فيه الهُوية الجامعة للمكون رافعتها الدينية (المسيحية) والثقافية ( التجرنية )، مع وجود خلافات وإشكالات بينية لايمكن تجاهلها ولكنها أقل حِدَّةً من نظيرها المسلم، وتعتمد هذه الاشكالات على منطق الجغرافية = حماسين / سراي / أكلى قوازي، وسؤال الدخيل والأصيل = من خلال مفهوم (دقي أبات).
هذه العقلية التي تمَّ توصيفها بأنَّها تتجه رأسياً انتجت شخصية متماسكة ومتمركزة حول الذات = تتحكم فيها النفسية الحذرة المتشككة في الآخر والشعور بالاستعلاء عليه.
توصيل:
العقل الجمعي: هو مشتركات التفكير في مجتمعٍ ما والمتكونة في اللاوعي نتيجة تراكمات ثقافية ودينية واجتماعية وتأريخية متوارثة تحكم (عالم أفكار) ذلك المجتمع، حتى أنَّها تطغى على التفكير الواعي = المنطقي المبني على التفكير العلمي والواقعي، لذا يتساوى في مخرجاته النخب العَالِمَة وعامة النًّاس.
المسارات التاريخية لموازين القوى:
أصبح من الواضح أنَّ المجتمع الإرتري انقسم رأسياً على أساس سؤالات الهُوية، حتى عبر المناضل ولد آب ولد ماريام على هذا الانشطار في الذات الإرترية = بأنّهُ عبارة عن شعبين يعيشان في بلدٍ واحدٍ هذا التمايز صبغ كلَّ مراحل التجربة الوطنية، وكانت تأثيراته واضحة في عقلية النخبة السياسية واصطفافاتها السياسية.
بناء على هذا المنطق في تقسيم المجتمع الإرتري توصيفاً وتصنيفاً يمكن تقسيم التجربة الوطنية الإرترية إلى ثلاثة مراحل رئيسية:
1. مرحلة المخاض السياسي للكيان السياسي الوليد = (إرتريا):
وهي المعروفة في أدبياتنا السياسية = بمرحلة تقرير المصير، وهي الفترة التي أعقبت هزيمة إيطاليا في الحرب العالمية الثانية، ودخول إرتريا تحت الانتداب البريطاني، في هذه اللحظة التاريخية انقسم الشعب الذي يسكن في هذه الرقعة الجغرافية التي كانت تحت الاستعمار الإيطالي في اختبار تقرير االمصير، والإجابة على سؤال مصير هذه الكيان.
سؤالات الهُوية وهواجسها كانت هي الفاصلة في خيارات الطرفين:
أ) اختار الطرف المسلم في أغلبيته الساحقة تبني المشروع التحرري، وتبني دولة إرتريا الحرة المستقلة، وتَبَنِى المسلمون هذا المشروع تحت حزب الرابطة الإسلامية ينم عن الوعي السياسي المبكر للنخبة المسلمة إلا استثناءات لاتؤثر على السواد الأعظم من المسلمين.
ب) اختار الطرف المسيحي في غالبيته خيار الانضمام إلى أثيوبيا، تحت تأثير الهواجس الثقافية من الذوبان في المحيط العربي / الإسلامي، وبتأثيرات الدعاية الدينية التي تبنتها قيادات الكنسية، ولم تسلم من هذا الارتهان الأثيوبي إلا أقلية مسيحية تبنت شعار الاستقلال = وانضمت إلى الكتلة الاستقلالية، إلا أنَّ طغيان الهواجس الثقافية آنفة الذكر جعلت قادة هذا التياريتبنون مشروع تجراي / تجرنية.
موازين القوة المادية في هذه المرحلة في كانت في صالح أصحاب مشروع الوحدة نتيجة للدعم الأثيوبي، ودعم الكنسية، وزاد الطين بلة تفرق تجربة الرابطة الإسلامية تحت تأثيرات العقل الجمعي المتذرر للنخب المسلمة، بناء على سؤلات الهُوية الجزئية المتحكمة في العقلية المسلمة.
هذا الخلل في موازين القوى كانت نتيجته تضييع فرصة الاستقلال المبكر في الأربعينات، فكان لامناص من القبول بالمشروع الفيدرالي الذي طبخ في أروقة الأمم المتحدة.
2. مرحلة الثورة والكفاح المسلح 1961-1991:
يحسب للطرف المسلم بالإضافة للوعي الوطني المبكر وتبنيه المشروع التحرري على مستوى النضال السياسي في المرحلة السابقة، أنَّهُ تبنى المشروع التحرري أيضاً في هذه المرحلة بآليات مختلفة = على رأسها فكرة الثورة المسلحة من أجل تحرير إرتريا و ظلت الغلبة العددية في تجربة الجبهة للمسلمين إلى سقوط النظام الإمبراطوري والتحول السياسي في إثيوبيا إثر ثورة الرفاق، وتحول سياسات إثيوبيا أدى إلى تحول تدريجي في الطرف الآخر نحو فكرة الثورة فكان انضمام أعداد كبيرة من أبناء التجرنية إلى جبهة التحرير.
تدفق هذه الأعداد غَيَّرفي موازين القوى في الجبهة على مستوى الكم والنوع و حيث كان هناك تفوق على مستوى التعليم ممن انضموا للجبهة في هذه الأعداد الغفيرة.
بعد بداية الانشقاقات في تجربة الجبهة، وظهور فصائل خرجت من رحم الجبهة تم تأسيس جبهة عريضة تحت لافتة قوات التحرير الشعبية = تحول جناح اللجنة الإدارية بعد مفاصلته مجموعة عثمان صالح سبي وجناحه الى مسمى الجبهة الشعبية لتحرير إرتريا، كانت موازين القوى لصالح جبهة التحرير ذات الغالبية المسلمة، بينما كانت الجبهة الشعبية التي استطاعت مجموعة (سلفي ناظنت) بقيادة أسياس أفورقي التغلل في هذا التنظيم وتجييش أبناء التجرنية فيه حتى اصبحوا قوة وَازِنَة في التنظيم كان لها تأثيراتها في توجيه بوصلة التنظيم بالرغم من الغطا ءالأيدلوجي التي صبغ عقلية النخب السياسية في التنظيم في الإطار المعلن.
اختلت موازين القوى بين تنظيمي الجبهة / الشعبية لأسباب ذاتية في المقام الأولى ترجع إلى التركيبة البنيوية للتنظيمين أثرت فيها الخلفيات الاجتماعية والعقلية الحاكمة للنخب السياسية النافذة في التجربتين، المقام لايتسعْ للتفصيل في ولكن يمكن الإشارة إلى أنَّ الأستاذ فتحي عثمان في كتابه (إرتريا من حلم التحرير الى كابوس الدكتاتورية) قام بتشريح وتحليل تلك الخلفيات، وإن كانت هذه الرؤية تحتاج إلى مزيد من النقد والتحليل.
3. مرحلة الدولة 1993إلى يومنا هذا:
كان المنتظر بعد هذا النضال الطويل أن تتحول الجهود إلى بناء دولة المواطنة المتساوية باعتبارها المشروع الوطني الجامع إلا أنَّ سياسات التنظيم الحاكم الذي احتكر السلطة بموجب الشرعية الثورية والوجود الفعلي في الميدان لكونه انفرد بالساحة نتيجة إخلاء جبهة التحرير الميدان في بداية الثمانيات لأسباب ذاتية في المقام الأول، وبسبب تجرعها كأس الاستبداد الثوري وعقلية الساحة لاتحتمل إلا تنظيماً واحداً = التي استخدمته قيادة الجبهة مع كل من حركة تحرير إرتريا / قوات التحرير الشعبية، فكانت الحرب الأهلية بين الجبهة الشعبية لتحرير إرتريا مسنودة بالجبهة الشعبية لتحرير تجراي من جهة وجبهة التحرير الإرترية من جهة أخرى، لتخلي الجبهة الساحة في مشهد مأساوي.
مرَّعلى استقلال إرتريا 27 عاما كانت من محصلته:-
1. اعتقالات طالت الدعاة ومدرسي المعاهد الدينية.
2. استهداف للمسلمين واضحٌ للعيان في لغتهم / دينهم / نضالهم / تاريخهم.
3. الهجرة العكسية للعائدين من اللاجئين - غالبيتهم من المسلمين.
منذ الاستقلال إلى نهاية الحرب الإثيوبية / الإرترية كان ضحايا سياسات النظام الحاكم هم المسلمون في الدرجة الأولى وكانت موازين القوى لصالح الطرف الآخر و وبناء عليه حصلت تحوالات هائلة على مستوى المجتمع.
على المستوى الاقتصادي مثلاً معلومٌ أنَ النشاط التجاري في غالبه كان تحت يد المسلمين في المدن الكبرى.
إلا أنَّ هنالك تحولات تمت في هذا الاتجاه كانت خصماً على المسلمين، حيث فطن الطرف الآخر للمجال التجاري، وساهمت سياسات الدولة الاقتصادية والتي جعلت الدولة تتحكم في النشاط التجاري و وتمت صياغة وضع اقتصادي جديد انتجته عقلية اقتصادية يسميها المفكر السوداني محمد أبو القاسم حاج حمد = عقلية اقتصاد الدكاكين.
وعلى إثر الحرب الأثيوبية / الإرترية تم تعميم سياسة الدولة القابضة المستبدة وتمت توسيع دائرة الاعتقالات التعسفية لتطال قيادات ونخب سياسية من الطرفين بل بعضها قيادات سياسية ساهمت في صنع تجربة الشعبية، لتكون محصلة النظام السياسي في شكله النهائي = هي ديكاتورية الفرد المطلقة.
إطارات المقارنة بين الطرفين:-
عالم المشاريع
عالم العلاقات
عالم الأفكار
المكون الإرتري
المشاريع السياسية التي تبنتها النخب السياسية المسلمة تمثلت في:-
1. المشروع التحرري الوطني = حركة تحرير إرتريا / جبهة التحرير.
2. تنظيمات سياسية ذات لافتات وخلفيات دينية / اجتماعية / تنظيمات قامت بناء على محددات الجغرافية (مناطقية).
3. حاولت بعض التنظيمات السياسية بناء تحالف يشكل مظلة للمسلمين = جبهة التضامن إلا أنًّ الفكرة لم تجد القبول من قبل بعض الأطراف وتجمدت الفكرة.
4. كانت التنظيمات ذات العضوية المسلمة المحضة كما هو الشأن في التنظيمات الإسلامية، والتنظيمات ذات الغالبية المسلمة في عضويتها حجر الأساس في تكوين المظلات الجامعة للتنظيمات السياسية المعارضة.
ظل الطرف المسلم مشدوداً إلى محيطه العربي / الإسلامي وهذا أمرٌ طبيعي لاغبار عليه، إلا أنَّ هذه العلاقات ظلت تدور بين جدليتي الانتماء والجوار.
وبناء عليه كانت النخب العروبية والإسلامية تعرف إرتريا = بأنَّها بلد عربي إسلامي وهو مايثير حفيظة الطرف الآخر.
غير مافي هذا الإطلاق من اشكالية تعميم الهُوية الجزئية على المكون الكلي تركيبي الهُوية والثقافة:-
1. تبنى المسلمون المشروع التحرري في ظل دولة وطنية ذات سيادة = ضمن الإطار الذي حددته التركة الاستعمارية دون أن تسيطر عليهم الامتدادات الطبيعية في دول الجوار = فكانت حركة تحرير إرتريا، وتجربة جبهة التحرير الإرترية حيث لعب المسلمون الدور الرئيسي في تأسيسها ورفدها بالعنصر البشري على مستوى القيادات والكوادر والمناضلين.
2. نقطة الضعف الأساسية في المكون المسلم هي سيطرة النظرة القبيلية والمناطقية على نخبتها، وظهرت بوضوح أكثر في تطبيقات تجربة تقسيم المناطق.
الطرف المسلم:
تمثلت المشاريع السياسية التي قامتْ النخب السياسية المسيحية على تأسيسها أو قامت بالتنظير لها أو تبنيها:-
1. مشروع الدولة الوطنية ولكن بصبغة ثقافية آحادية تسيطر عليها تلك النخب المسيحية، وهذا ماتحقق بسيطرة مجموعة سلفي ناظنت على مشروع الجبهة الشعبية وتغولت على هذه التجربة وانحازت أغلبية النخب السياسية المسيحية لهذه التجربة سيما بعد الاستقلال وشعرت أنَّ تمثل طموحاتها السياسية إلا استثناءات النخب السياسية التي شاركت في تجربة الجبهة واختارات البقاء في فسطاط المعارضة.
2. مشروع تجراي / تجرنية وتمثلاته القديمة منها أو الحديثة (فكرة الأغازين).
3. المشروع الكنوفيدرالي مع إثيوبيا وهو مشروع تتبناه بعض النخب المسيحية المثقفة التي تدور في فلك أثيوبيا وتخدم استراتجيات إثيوبية.
ظل الطرف المسيحي / التجرناوي مشدوداً إلى امتدادته الثقافية والدينية في اثيوبيا بالرغم من عاديات الحقبة الاستعمارية ومافعلته الحرب بين الدولتين 1998-2000.
سيطرت على النخب السياسية لهذا المكون هواجس الذوبان في المحيط الإسلامي / العربي، وأثرت الذهنية التجرنية المتمركزة حول ذاتها في تصوراتها المتعلقة بالهُوية الجمعية حيثُ إنَّها اسقطت تعريفها لنفسها وشعورها الاستعلائي على تعريف الوطن ومضمون المواطنة.
وهكذا أصبح الخوف من تأثيرات المحيط العربي والإسلامي فوبيا تسيطر على النخب المسيحية في كل مراحل التجربة الوطنية مما أثر في خياراتها وممارساتها السياسية:-
1. خيار الوحدة مع أثيوبيا.
2. خيار مشروع تجراي / تجرنيا.
3. خيار الإلتحاق بالمشروع التحرري تحت مظلة جبهة التحرير.
ومن ثم الانحياز إلى تجربة الجبهة الشعبية بناء على صورة نمطية أنَّ الجبهة تنظيم عروبي / إسلامي الطرف الآخر.
ملاحظة:
ماذكر عن انحياز الطرف الآخر لتجربة الشعبية لا يُلْغِ حقيقة وجود مناضلين ونخب سياسية مسيحية في تجربة الجبهة، ولكننا هنا نتحدث عن الأغلبية، إضافة إلى أنًّ هذه الأعداد المنتمية إلى تجربة الجبهة منها تناقصت بدء من انقسام الجبهة إلى فصائل متنازعة بعد خروج الجبهة من الساحة وبداية مرحلة التيه السياسي.
المآلات الواقعة والمتوقعة لاختلال موازين القوة:-
موازين القوى على المستوى المجتمعي والتي هي أرضية صلبة لموازين القوى السياسية واختلالها بين المكونيين في إرتريا والتي تميل لصالح المكون المسيحي ومشاريعه السياسية بغض النظر عن اللافتات السياسية التي تتمظهر فيها، فالقضية في الأساس مبنية على أساس سؤالات الهُوية وتوجساتها.
إذا كان الأمر في صالح = المكون المسيحي باعتباره الأكثر قوةً وصلابةً وتماسكاً.
السؤال الذي يتبادر إلى الذهن : ماهي أسباب هذا التفوق ولماذا موازين القوة تميل لصالح هذا الطرف ؟
أ) ماسبق بيانه من أساس اتجاهات العقل الجمعي لهذا المكون تجعله أكثر تماسكاً وتبقى صراعاته في إطار المعقول والمقبول، وتبقى القواسم المشتركة للهُوية الجزئية أكثر صلابة والتي تعتمد على المحدد الثقافي = اللغة والدين أما تأثيرات المحدد الجغرافي / الإقليمي فهي ضعيفة التأثير.
ب) الطرف المسيحي بالرغم من أنَّهُ تقاسم مع نظيره المسلم مرارات اللجوء في السودان وغيرها من الدول العربية - بدرجة أقل - واللجوء إلى أوربا وكندا وأمريكا واستراليا إلا أنَّهُ عصي على الذوبان يبقى محتفظاً بهُويته وشخصيته وارتباطه بالأرض قوي جدا، بينما الطرف المسلم يتمتع بخاصية رخاوة الانتماء وسيولته سيما في السودان حيث تماهى المسلمون مع المجتمع السوداني وأصبحوا جزء من تركيبة المجتمع السوداني تحت بند القبائل الحدودية حتى القبائل التي لاتقع على الحدود السودانية، هذا الازدواجية في الجنسية إذا تجاوزنا مسوغات إكراهات الواقع والحاجة للتجنس من أجل التعليم والحصول على الوظائف وغيرها فهي بلا شك تعتبر خصماً على التمسك بالقضية والارتباط بالأرض على المدى البعيد.
والمستفيد من هذا التذويب والدمج للمسلمين هو النظام السوداني = من أجل التوازن في التركيبة الديمغرافية للسودان في ظل الصراعات الإثنية بين المجموعات العربية والإفريقية، وكذلك النظام الإرتري لأنَّها تفيده في سياسات التفريغ للوجود المسلم، وإعادة التوزيغ الديمغرافي إرتريا.
وفي الأيام الأخيرة ظهرت بوادر الدعوة إلى الرضى بخيارات التجنس والبيئات البديلة سواء كان في السودان أو أوربا تحت شعار الأرض واسعة وكلها للإنسان وطنٌ متى ماوجد فيها الأمان وحقوقه الإنسانية وهذه نتيجة طبيعية لتطاول سنوات اللجوء والشتات، وانسداد أفق الحل للحالة الإرترية.
ج) في مجال الاستثمار وعالم الاقتصاد بالرغم من أنَّ النظام السياسي القابض قد سيطر على مفاصل الاقتصاد في البلد بشركاته ومنظومته الاستثمارية ولايمكن الحديث عن مقارنات في هذا المجال في الداخل الإرتري إلا أنه يمكن الإشارة إلى بعض التغيرات التي أحدثت خللاً في موازين القوى:-
1. انتشار أبناء التجرنية في مدن المنخفضات بصورة واضحة جداً منذ الاستقلال من أجل ايجاد فرص للعمل والبحث عن الرزق وهو مفهوم مترسخ في عقليتهم وهومايسمونه = (عدي انجيرا) أي بمعنى البلد الذي يوجد فيه الرزق.
لا إشكال في أنَّهم مواطنون إرتريون لهم حق التنقل والعيش في أي بقعة في إرتريا، ولكن ليس مقبولاً أن يكون في إطار سياسة التوطين الممنهج سيما إذا ارتبط ذلك بتمليك أملاك خاصة لسكان المنطقة الأصليين.
وبما أننا نتطرق في هذه الجزئية إلى تحولات في موازين القوة في ما يتعلق بالانتاج الاقتصادي فلابد الإشارة هنا إلى التفاوت في قضية المنظومة القيمية المتعلقة بمفهوم العمل والانتاج.
وهذا يمكن ملاحظته في أنَّ المجتمع الإرتري المسلم فيه نوعٌ من أنواع الاعتمادية في مقابل مجتمع يقوم على الاعتماد على الذات ومشاركة جميع أفراد الأسرة في تحصيل الرزق.
2. المتأمل لمدن المرتفعات نجد أنَّ المتواجدين في أوربا من أبناء التجرنيا قد اسهوا في التطوير العمراني لمدنهم بالاستثمار العقاري كما يمكن ملاحظته في أسمرا ومندفرا وغيرها من المدن، بينما نجد أغلب المال المسلم اتجه للبناء والتمليك في السودان على سبيل المثال بينما ظلت المدن ذات الأغلبية المسلمة مهجورة من أبناءها كما هو واضح في مدن مثل مصوع وأغردات وتسني وهيكوتا وغيرها.
مما يعني أنَّ المسلمين قد شاركوا في نجاح سياسة تفريغ الدولة من المسلمين، وترك فراغ لتمدد أبناء الطرف الآخر في أراضيهم بحجة سياسات الحكومة الطاردة = وهذا بلاشك صحيح وإن كان - من وجهة نظري - أكبر خطأ ارتكبه المسلمون هو الغياب عن الداخل وعدم العودة إلى بلادهم ومناطقهم من أجل إعمار الأرض والمحافظة على مكتسباتهم، ومن أجل أن يستطيعوا مدافعة النظام الديكتاتوري من الداخل عبر وسائل النضال السلمي،فكانت النتيجة أنَّهم دفعوا فاتورة باهظة التكلفة نتيجة غيابهم.
د) الفروقات في جانب الانضباط والمركزية واحترام القانون والسلطة والسلوك الاحترازي وهي مميزات للمجتمع التجرناوي نجدها أضعف بكثير عند المجتمع المسلم، وهي مميزات تؤثر في بناء العمل التنظيمي وصلابته، فالمجتمع المسلم في الغالب أثرت عليه = قيم التناصر القبلي / العشائري وضعف مفهوم النظام والانضباط.
وهذا ما لاحظه الاستاذ فتحي عثمان في موازنته بين البيئتين الحاضنتين لتجربتي الجبهة / الشعبية وتأثيراتها على مسارات ومآملات كل منهما.
فالغالب في مخرجات التنظيمات السياسية ذات الحاضنة المجتمعية المسلمة أنَّها هشة في بنيتها التنظيمية وعلاقاتها الداخلية تتحول إلى علاقات ذات بعد قبلي / عشائري ولو كانت اللافتة للتنظيم ذات بعد ايدلوجي، وهذا الذي يجعلني أردد كثيراً = أنَّ الايدلوجيا في التجربة الإرترية لا تتجاوز القشرة.
ه) هنالك تفاوت على مستوى بنية التعليم ومدى الاهتمام بالتعليم ونوعيته، بالرغم من أنَّ المجتمع المسلم قد استفاد من اللجوء الى السودان حيث صار أكثر ارتباطاً بمحيطه العربي / الإسلامي وتعلم اللغة العربية وفتحت له فرص التعليم في مدارس جهاز التعليم والمدارس السودانية، والمنح في الدول العربية، إلا أنَّ ازدواجية التعليم الديني / المدني، وضعف النظام التعليمي في تلك المدارس في الخارج وتأثيرات منظومة التعليم بلغة الأم، ومخرجات التعليم في المعاهد الدينية في الداخ جعل هنالك فروقاً بين مخرجات التعليم بين الطرفين.
ح) تحفظ الكثير من المسلمين من العودة النهائية إلى الوطن بعد الاستقلال، والعودة العكسية للعائدين إلى الوطن نتيجة لسياسات النظام في إعادة توطين العائدين، أثرت سلباً على وجود المسلمين وتأثيرهم في مسارات المستقبل السياسي للبلد، إذ أنَّ المسار الطبيعي للتغيير السياسي هو العودة إلى الوطن = تبني مشروع المدافعة السياسية من الداخل.
توصيل:
الإشارات السابقة لاتعني أنَّ المسلمين لايملكون نقاط قوة وتفوق على الطرف الآخر:
1. للمسلمين إرث نضالي تأريخي مجيد فهم الذين ابتدأوا الخط النضالي وأسسوا المشروع التحرري الرابطة / حركة تحرير إرتريا / جبهة التحرير.
2. الجانب البشري يرجح كافة المسلمين من الناحية العددية ولكن - من وجهة نظري - أنَّنا في الحالة الإرترية من الصعب الانطلاق من مفهوم الأغلبية والأقلية، فالفروقات في التعداد البشري فروقٌ نسبيةٌ وان كان ليس هنالك أرقام دقيقة يمكن الاعتماد عليها للبت في هذه القضية، وبناء عليه يمكن القول بأنَّ بعض النسب المئوية التي نتعاطها ونبني عليها تصوراتنا ودعايتنا السياسية عن عدد المسلمين تحتاج منا إلى إعادة نظر.
3. للمسلمين تجارب ومواقف متعددة في القبول بالطرف الآخر والدعوة إلى جعل الحقوق والواجبات بناء على مفهوم المواطنة المتساوية كما هو واضح من قبولهم بثنائية اللغة في البرلمان الإرتري في الخمسينات، والقبول بالطرف الآخر في تجربة الجبهة بعد التغييرات السياسية التي أرغمته لتبني خط الثورة، هذه الأريحية تعتبر أساساً للقبول بالشراكة وبناء دولة المواطنة.
ما سبق بيانه من أسباب اختلال موازين القوى وغيرها يؤدي إلى الاستمرار في وضعية الوهن السياسي الناتج من ضعف بنية المجتمع المسلم وابتعاده عن أسباب القوة الوازنة، مما يجعل من المآلات المتوقعة تفكك مشروع الدولة الوطنية لصالح المشاريع التي تجد سنداً اقليمياً من قبل إثيوبيا = المستفيد الأول من اختلال موازين القوى.
هذا الواقع المأساوي للحالة الإرترية والذي يعتبر فيه المسلمون الحلقة الأضعف نتيجةً لأسباب ذاتية تتعلق بالمجتمع المسلم في بنيته الثقافية وعلاقاته البينية ووجود أغلبية نخبته السياسية وجمهوره العريض خارج الوطن وضعف أسبابه المادية والسياسية، وأخرى موضوعية تتعلق باستهدافه في ثقافته ولغته وتاريخه بناء على ماسبق يمكن القول أن مآلاته الواقعة والمتوقعة تحتم على النخب المسلمة إعادة النظر في عالم أفكارها المؤسسة للعمل السياسي تنظيماته ولافتاته والدعاية السياسية المتبناة، والاستراتجيات السياسية وذلك من خلال = مراجعة مشكلتي الرؤوية السياسية والتركيبة القيادية للعمل السياسي.
وفبل ذلك تفعيل الحوار المجتمعي في إطاره الثقافي / الديني / السياسي من أجل معالجة عزوف مكونات المجتمع الإرتري المسلم غير المنتمي سياسياً ليكون عنصراً فاعلاً في بناء حالة التوازن بين مكوني المجتمع الإرتري وهو الذي تبنته ورقة سعادة السفير عبد الرزاق محمد موسى.
وذلك لأن حالة التوازن السياسي مرجعها في الأساس إلى المجتمع ولايفيدُ فيها تغليب الاشتغال على الحراك السياسي اليومي للتنظيمات السياسية ظناً أنَّها العنصر الأكثر فاعلية في مشروع التغيير = ولاشك أنَّ هذا قلبٌ لمعادلات التغيير.
الخاتمة (خلاصات وتوصيات):
في ختام هذه الورقة لابد من الإشارة إلى أنها انطلقت من الواقع كما هو بعيداً عن من القراءات الأيدلوجية المتحيزة التي تنطلق من تصورات نمطية مسبقة، وهذا يعني أنَّ ماسبق من دندنة النخب السياسية ذات الخلفية اليسارية / الماركسية من أجل ابعاد الدين / مشكلات الهُوية الثقافية برافعتيها اللغوية العربية / والتجرنية وتفسير الصراع في إطار نظريات الصراع الطبقي لم تكن موفقة في التحليل والتوصيف فالدين وسؤلات الهوية هي جذور الصراع وخلفيته، دون اغفالٍ لأسباب الصراع الأخرى ولكن تبقى روافد فرعية وليست هي أساس المشكل وجذوره العميقة.
وفي الوقت ذاته لم توفق النخب السياسية الإسلامية / العروبية في تفسيرها المشكل المشكل الإرتري على أساس دينٍ / ثقافي محض مما انعكس على تصوراتهاالسياسية ولافتاتها التنظيمية وتفسيراتها للواقع السياسي اعتماداً على ذاكرة تاريخية وذهنية اجترارية تتحكم في الواقع وتؤثر على المستقبل بشكلٍ سلبيٍ للغاية.
غاية الأمر أنَّ المشكل الإرتري مشكل معقد بدأ بالاختلاف في توصيف الذات الوطنية بناء على سؤلات الهوية وهواجس الذوبان، وهذا الذي فَطِنَ لها أحد دهاة النخب التجرناوية وضَمَّنهُ عنوان ومضمون كتابه (أينفلالي) = بمعنى لن ننفصل - وهي الترجمة الأدق لعبارة أينفلالي - فمن المخاوف المتوقعة لهذا الصراع إذا لم تتفقْ النخب السياسية للطرفين على تحويل الصراع السياسي إلى صراع حدود تتم معالجته في إطار= وضع أساس لمشروع الشراكة الوطنية بناء على حقوق المواطنة المتساوية دون الانجرار إلى شرك المحاصصة الطائفية، حتى لاتميل مآلات الصراع نحو خيارات صراع وجودي يؤدي إلى التفريط في وحدة الأرض وضياع الكيان السياسي المشترك.
وهذه خلاصات الموضوع وزبدته:
1. نحتاج إلى معالجة مشكلة الغياب عن التأثير في مسارات ومآلات الوطن من خلال معالجة مشكلة رخاوة الانتماء وسيولتها، منعاً من الذوبان في البيئات البديلة، وجعل فكرة العودة فكرة مركزية في عقلية الأجيال المتعاقبة من إرتري الشتات.
2. المقصود من توازن القوى هو الوصول إلى دولة المواطنة المتساوية وليس المقصود السعي إلى دولة المحاصصة الطائفية على أساس ديني، توازن يقوم على أساس استكمال حلقات التشكل للوطن والشخصية الإرترية الجامعة = في إطار منظومة مفاهيم رباعية:-
أ) التعريف الجامع للمواطنة بتعريف تركيبي للهُوية الوطنية يراعي فيه مشتركات الهُوية الجامعة، فهي تتتركب من ثنائية الثقافة (العربية / التجرنية) وثنائية التركيبة الدينية (الإسلام / المسيحية)، وترتبط بالمحيط العربي نتيجة الجوار والتداخل الجغرافي وقواسم الأمن القومي المشترك.
ب) التعارف بين مكونات المجتمع الإرتري وكسر الحواجز النفسية والشعورية، وإعمال استراتجية مد الجسور بدلاً من استراتجيات بناء القلاع، فالملاحظ أنَّ العنصر المسيحي لديه مخاوفه وشكوكه وهواجسه وكذلك عند كثير من النخب المسلمة ذات الخلفية الثقافية والتعليمية العربية تحفظ وموقف نفسي تجاه لغة التجرنية وهواجس ومخاوف مما يسمونه = مشروع التجرنة.
ج) الاعتراف المتبادل بتركيبة المجتمع والهُوية، والاعتراف بمتطلبات هذا التنوع وحقوقه والتزماته.
د) بناء على المفاهيم الثلاثة الآنفة يكون المشروع الوطني المشترك = بناء دولة المواطنة المتساوية تكون فيه الحقوق والواجبات بناء تلك المواطنة.
3. نحتاج إلى تغيير الخطاب السياسي من خطاب مستهلك للمظلومية السياسية يتعلل في تفسير فشله السياسي بنظريات المؤامرة، إلى الدعوة للفعل السياسي الراشد الذي ينطلق من تقييم وتقويم كسبنا السياسي في التجربة الوطنية بأكملها، والتفكير في كيفية الخروج من الحلقات المفرغة التيندور حولها.
4. معالجة حالة الكمون واللامبالاة عند عامة المجتمع الإرتري المسلم نتيجة اليأس من التجارب السياسية، وحالة الانسداد السياسي، وتأثيرات الاستغراق في مطالب الحياة القاسية في المهجر بحثاً عن مطلوبات الاستقرار وتوفير العيش الكريم وتقنين الوجود في أرض الشتات، وهذه المعالجة تتغيَ معالجة الاختلال في موازين القوى بين المجتمعين.
5. علينا إعادة النظر في فهم منظومة الأولويات فبدلاً من الدوران في حلقة مفرغة اعتماداً على تنظيماتنا السياسية وحدها في صناعة التغيير السياسي، علينا الالتفات إلى بناء قوة المجتمع وتماسكه تعليمياً وصحياً واقتصادياً، وبناء الوعي السياسي المجتمعي = والذي سيؤدي بطبيعة الحال إلى مخرجات سياسية تتمثل في تنظيمات سياسية قوية كنتيجة طبيعية وحتمية للمجتمع القوي والمتماسك
خلاصة الخلاصة: أنَّ أزمتنا أزمةُ مجتمعٍ هشٍ انتج تنظيمات سياسية هشة رصيدها الشعبي ضعيف، لا وجود فاعل ومؤثر لهاعلى الأرض، تنتظر حدوث التغيير وترفع شعاراً سياسياً = إسقاط النظام، وهي لا تملك مقوماته من الظهير الشعبي، ولاتملك أسبابه المادية، ولا الغطاء السياسي الدولي والإقليمي، والتذكير بأنَّ وجودها في إثيوبيا لم يزدها إلا وهناً على وهنها.
توصيل أخير:
حلقات العمل السياسي الراشد في إطاره النظري تتمثل في ثلاثية نموذج الرشد السياسي.
1. رؤية سياسية راشدة = تتبناها النخب السياسية، وتنشرها بين الشعب عن طريق وسائل التثقيف الشعبي لتجعلها ثقافة مجتمعية.
2. مجتمع راشد = قوي ومتماسك ينتج تنظيمات سياسية واعية تختلف في الوسائل والأفكار والمشاريع الجزئية، ولكنها تتفق على الأفكار المركزية المؤسسة للوعي والشعور الوطني الجامع.
3. قيادة سياسية راشده = وهي نتيجة طبيعية للرؤية الراشدة والمجتمع الراشد.
هذا النموذج النظري تحتاجه النخب السياسية المسلمة في إرتريامن أجل أن تفهم أنَّ موازين القوة تقوم على هذه الثلاثية المترابطة المتداخلة وفق تراتبيتها آنفة الذكر.